النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
كيف بدأت بعثة النبي "ص"
المؤلف: الشيخ علي الكوراني
المصدر: السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام
الجزء والصفحة: ج1، ص197-205
2024-09-11
452
1 . رواية أهل البيت ( ( عليهم السلام ) ) عن البعثة وابتداء الوحي
كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يعتكف لعبادة ربه عز وجل في جبل حراء في ضاحية مكة ، وهو محل اعتكاف أجداده الطاهرين « عليهم السلام » ، وله قمتان متصلتان بقمته الدنيا وفيها غار حراء ، والعليا لا يمكن صعودها مشياً ، وفيها لون أبيض يميز الجبل .
ويمتاز غار حراء بأن المصلي فيه يرى الكعبة ، مع أنها في وادٍ بين جبال ، لأنه أعلى من الجبال التي حولها ، فكأنه مخلوقٌ للعبادة مع استقبال الكعبة ومشاهدتها !
ويسمى المُعْتَكِفُ في جبل حراء مُتَحَنِّفاً أي عابداً لله على ملة إبراهيم الحنيفية ، والحنيف المائل إلى الخير ، ويقابله الجنيف المائل إلى الشر .
وقال بعضهم يتحنث بالثاء ، لكن اللغويين قالوا : « لا أعرف يتحنث إنما هو يتحنف من الحنيفية دين إبراهيم ( عليه السلام ) » . عمدة القاري : 1 / 49 .
ويعتزل المعتكف الناس شهراً أو أياماً ، يعبد الله تعالى ويتأمل في آلائه . وكان عبد المطلب ( عليه السلام ) يعتكف بحراء ، وكان نبينا ( صلى الله عليه وآله ) يعتكف شهراً في السنة ، ويعود إلى مكة فلا يدخل بيته حتى يطوف بالكعبة .
قال في فتح الباري : 12 / 213 : « مما بقي عندهم من أمور الشرع على سنن الإعتكاف . . إنما لم ينازعوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) في غار حراء مع مزيد الفضل فيه على غيره ، لأن جده عبد المطلب أول من كان يخلو فيه من قريش ، وكانوا يعظمونه لجلالته وكبر سنه ، فتبعه على ذلك من كان يتأله ، فكان ( صلى الله عليه وآله ) يخلو بمكان جده وسلَّمَ له ذلك أعمامه » .
وروي أن إبراهيم ( عليه السلام ) بنى الكعبة من أربعة جبال ، ففي تاريخ دمشق : 2 / 348 : « فلما كان إبراهيم أراه الله تعالى مكانة البيت ، فاتَّبع منه أثراً قديماً ، فبناه من طور زيتا ، وطور سينا ، ومن جبل لبنان ، ومن أحد ، وجعل قواعده من حراء » .
وأقسم أبو طالب « رحمه الله » بالمتعبدين بحراء والزائرين له ، فقال في لاميته :
ولما رأيت القوم لا ودَّ فيهم * وقد قطعوا كل العرى والوسائل
أعوذ برب الناس من كل * طاعن علينا بسوء أو مُلِحٍّ بباطل
وثور ومن أرسى ثبيراً مكانه * وراق ليرقى في حراء ونازل
وبالبيت حق البيت من بطن مكةٍ * وبالله إن الله ليس بغافل
سيرة ابن هشام : 1 / 154 و 176
وأوضح نص في بدء بعثته ( صلى الله عليه وآله ) ما قاله علي ( عليه السلام ) في أطول خطبه التي تسمى القاصعة : « ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء ، فأراه ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة . ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه فقلت يا رسول الله ما هذه الرنة ؟ فقال هذا الشيطان أيس من عبادته ، إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى ، إلا أنك لست بنبي ، ولكنك وزير ، وإنك لعلى خير » . نهج البلاغة : 2 / 157 ومصادر نهج البلاغة : 3 / 23 .
وقوله ( عليه السلام ) : ولقد سمعت رنة الشيطان . . يظهر أن ذلك في أول بعثته ( صلى الله عليه وآله ) أيام اعتكافه وأن علياً ( عليه السلام ) كان حاضراً معه كما روي ، وقد يكون ذلك في مرة أخرى بعدها .
قال الجاحظ في العثمانية / 305 : « فجاور في حراء في شهر رمضان ، ومعه أهله خديجة ، وعلي بن أبي طالب ، وخادم » .
وفي السيرة الحلبية : 1 / 383 : « كان يخرج لجواره ومعه أهله ، أي عياله التي هي خديجة ، إما مع أولادها أو بدونهم » .
وفي دلائل البيهقي : 2 / 14 وإمتاع الأسماع : 3 / 24 : « وخرج معه بأهله » .
لكن بعضهم تعمد تغييب علي ( عليه السلام ) حتى عن أخذ الزاد له ! قال البخاري : 8 / 67 : « ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها » .
ومعنى رنة إبليس : صوت حزنه ورعبه . وروي أنه : « رنَّ أربع رنات : يوم لعن ويوم أهبط إلى الأرض ، ويوم بعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ويوم الغدير » . قرب الإسناد / 9 .
وأضاف لها في الخصال / 263 : « وحين أنزلت أم الكتاب » .
وفي الطبراني الكبير : 12 / 9 : « لما افتتح النبي ( صلى الله عليه وآله ) مكة رنَّ إبليس » .
وفي شرح النهج : 13 / 209 عن علي ( عليه السلام ) ، أن الشيطان رنَّ : « صبيحة الليلة التي أسري فيها بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو بالحجر ، ولما بايعه الأنصار ليلة العقبة » .
وقال أهل البيت ( عليهم السلام ) إن الوحي بدأ في أفق مبين ، لا لبس فيه ولاخوف ، واستمر كذلك تصديقاً لقوله تعالى : وَلَقَدْ رَآهُ بِالآفُقِ المُبِينِ . وَمَا هُوَ عَلَى الغَيْبِ بِضَنِينٍ .
ففي تفسير الإمام العسكري ( عليه السلام ) / 155 : « وأما تسليم الجبال والصخور والأحجار عليه ، فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما ترك التجارة إلى الشام ، وتصدق بكل ما رزقه الله تعالى من تلك التجارات ، كان يغدو كل يوم إلى حراء يصعده ، وينظر من قُلله إلى آثار رحمة الله عز وجل ، وأنواع عجائب رحمته وبدائع حكمته ، وينظر إلى أكناف السماء وأقطار الأرض ، والبحار والمفاوز والفيافي ، فيعتبر بتلك الآثار ، ويتذكر بتلك الآيات ويعبدالله حق عبادته .
فلما استكمل أربعين سنة ، نظر الله عز وجل إلى قلبه فوجده أفضل القلوب ، وأجلها وأطوعها وأخشعها وأخضعها ، فأذن لأبواب السماء ففتحت ، ومحمد ( صلى الله عليه وآله ) ينظر إليها ، وأذن للملائكة فنزلوا ومحمد ( صلى الله عليه وآله ) ينظر إليهم ، وأمر بالرحمة فأنزلت عليه من لدن ساق العرش إلى رأس محمد ( صلى الله عليه وآله ) وغمرته ، ونظر إلى جبرئيل الروح الأمين المطوق بالنور ، طاووس الملائكة هبط إليه وأخذ بضبعه وهزه ، وقال : يا محمد إقرأ . قال : وما أقرأ ؟ قال : يا محمد : إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ . إقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ . الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ . عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ .
ثم أوحى إليه ربه عز وجل ما أوحى إليه ، ثم صعد جبرئيل إلى العلو .
ونزل محمد ( صلى الله عليه وآله ) من الجبل وقد غشيه من تعظيم جلال الله ، وورد عليه من كبير شأنه ما ركبه به الحمى والنافض ، وقد اشتد عليه ما يخافه من تكذيب قريش في خبره ، ونسبتهم إياه إلى الجنون ، وأنه يعتريه شيطان ، وكان من أول أمره أعقل خليقة الله وأكرم براياه ، وأبغض الأشياء إليه الشيطان وأفعال المجانين وأقوالهم .
فأراد الله عز وجل أن يشرح صدره ويشجع قلبه ، فأنطق الجبال والصخور والمدر ، وكلما وصل إلى شئ منها ناداه : السلام عليك يا محمد ، السلام عليك يا ولي الله ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا حبيب الله ، أبشر فإن الله عز وجل قد فضلك وجمَّلك وزيَّنك وأكرمك ، فوق الخلائق أجمعين من الأولين والآخرين . لا يحزنك قول قريش : إنك مجنون وعن الدين مفتون ، فإن الفاضل من فضَّله رب العالمين ، والكريم من كرَّمه خالق الخلق أجمعين ، فلا يضيقن صدرك من تكذيب قريش وعتاة العرب لك ، فسوف يبلغك ربك أقصى منتهى الكرامات ، ويرفعك إلى أرفع الدرجات » .
وهذا وأمثاله أحاديث صريحة في أن بعثة النبي ( صلى الله عليه وآله ) كانت في أفق مبين ، وبصيرة ويقين ، فلا رعب فيها ولا غط ، ولا ريب ولا شك ، ولا ورقة بن نوفل ، ولا عدَّاساً ، ولا نسطوراً ، ولا شكاً في النبوة وذهاباً إلى الجبل للانتحار ! فكل ذلك مكذوبات من المشركين ، وإن قبلتها عائشة ومن صدقها !
فانظر إلى هذه الصورة الرائعة المنسجمة مع القرآن والعقل وأفعال الله تعالى الحكيمة ، وقارنها بالأساطير التي سطرتها الكتب ، التي عظموها وعصموها !
كما تدل على أن الصلاة كانت قياماً وسجوداً بلا ركوع ، ثم أمر الله بالركوع ، ثم فرضت على المسلمين بصيغتها الفعلية في المعراج ، في السنة الثانية .
2 . طامات عائشة التي تبنتها السلطة
قالت عائشة : إن الوحي بدأ في جَوٍّ عنيف مبهم ، بعكس قول أهل البيت « عليهم السلام » ! وقد افتتح البخاري صحيحه بروايتها وكررها في كتابه أربع مرات ! ولا يمكننا قبولها لأنها تخالف القرآن والعقل ، وتقول إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان شاكاً في نبوته ! وأنه أمره بأمر غير معقول ، ثم اعتدى عليه الملاك وغطه بعنف وخنقه وكاد أن يقتله !
قال بخاري في صحيحه : 8 / 67 : « عن عائشة أنها قالت : أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤياً إلا جاءت مثل فَلَقِ الصبح ، فكان يأتي حِرَاء فيتحنَّث فيه ، وهو التعبد الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها ، حتى فَجَأَه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فيه فقال : إقرأ ، فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ما أنا بقارئ ، قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجَهْد ! ثم أرسلني فقال : إقرأ ، فقلت : ما أنا بقارئ ! فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجَهد ! ثم أرسلني فقال : إقرأ ، فقلت : ما أنا بقارئ ! فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجَهد ! ثم أرسلني فقال : إقرأ باسم ربك ! ثم أرسلني فقال : إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . . حتى بلغ مَا لَمْ يَعْلَمْ .
فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال : زمِّلوني زمِّلوني ، فزمَّلوه حتى ذهب عنه الروع فقال يا خديجة مالي ؟ ! وأخبرها الخبروقال : قد خشيت على نفسي ! فقالت له : كلا ، أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكَل ، وتُقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق .
ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وهو ابن عم خديجة أخو أبيها ، وكان امرءاً تنصَّر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبري فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخاً كبيراً قد عمي ، فقالت له خديجة : أي ابن عم إسمع من ابن أخيك ، فقال له ورقة : ابنَ أخي ماذا ترى ؟ فأخبره النبي ما رأى ، فقال ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى ، يا ليتني فيها جذعاً أكون حياً حين يخرجك قومك ؟ فقال رسول الله : أومُخْرِجِيَّ هم ؟ فقال ورقة : نعم ، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عُودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً ، ثم لم ينشب ورقه أن توفي !
وفَتَر الوحي فترةً حتى حزن النبي ( صلى الله عليه وآله ) فيما بلغنا حزناً غدا منه مراراً كي يتردى من رؤس شواهق الجبال ! فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه ! تبدَّى له جبريل فقال : يا محمد إنك رسول الله حقاًفيسكن لذلك جأشه وتقرُّ نفسه فيرجع ، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك ! فإذا أوفى بذروة جبل تبدَّى له جبريل فقال له مثل ذلك » !
قال النووي : 3 / 199 والعيني : 1 / 50 : « غطه وغته وضغطه وعصره وخنقه وغمزه ، كله بمعنى واحد » ! راجع كتابنا : ألف سؤال وإشكال : 2 / 180 - مسألة : 140 .
3 . الموقف الشرعي من رواية عائشة
1 - أيهما نصدق : قول الله تعالى : وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ المُبِينِ ، أم قول عائشة إنه رآه في أفق مرعب وشك مريب ، فاحتاج إلى نصراني ليهدئ من رعبه وشكه ؟ !
2 - وكيف نصدق الغط والخنق ، وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يعرف جبرئيل ولا فهم كلامه ! فعاد إلى مكة مرعوباً شاكياً إلى زوجته « عليها السلام » ، فطمأنته ، لكنه بقي شاكاً فأخذته إلى طبيب هوالقسيس ورقة بن نوفل وعرضته عليه ، كما تأخذ المرأة زوجها إلى فوال ، فطمأنها بأنه نبي فاطمأنت !
لكن الوحي انقطع عنه فعاد اليه شكه وإحباطه ، فقرر أن ينتحر ، وذهب مراراً لينفذ قراره من فوق الجبل ! لكن جبرئيل جاءه من بعيد ، ومنعه من الانتحار ، لكنه عاود محاولات الانتحار مراراً !
فأين هذا من قوله تعالى : قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أدعو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أنا وَمَنِ اتَّبَعَنِي . وقوله تعالى : إِنِّي لايَخَافُ لَدَيَّ المُرْسَلُونَ . وما هذا الرعب ، والشك ، وقرار الانتحار !
3 - بشرت الأنبياء « عليهم السلام » بنبينا ( صلى الله عليه وآله ) ، وتواترت الأخبار بأن اليهود والنصارى وأسرته عرفوا نبوته ! فكيف لم يعرفها هو حتى بعد نزول الوحي عليه ؟ !
4 - روينا « الكافي 5 / 374 » عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أن أبا طالب تكلم في خِطبة خديجة « عليهما السلام » ولما أراد ورقة أن يتكلم : « تلجلج وقَصُرعن جواب أبي طالب وأدركه القطع والبهر » ! فأين شخصية ورقة الضعيفة مما زعمته له رواية عائشة .
5 - ألا يكفي لرد هذه الرواية ما صححوه من أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عبَدَ الله مع عليٍّ سبع سنين قبل بعثته ، وأنه كان نبياً وآدم بين الروح والجسد ! مجمع الزوائد : 8 / 223 ، أحمد : 4 / 66 و 5 / 59 و 379 ، الحاكم : 2 / 609 ، ابن شيبة : 8 / 438 ، الطبراني الأوسط : 4 / 2727 ، الكبير : 12 / 73 ، آحاد الضحاك : 5 / 347 ، الدر المنثور : 5 / 184 ، العجلوني : 2 / 129 و 132 ، الأحوذي : 10 / 56 ، المغني : 3 / 124 فتح القدير : 4 / 267 والباقلاني / 58 .
6 - الوضع المنطقي لجبرئيل ( عليه السلام ) لما نزل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أن يسلم عليه ويعرفه أنه رسول ربه عز وجل إليه ، وأنه اختاره رسولاً وأنه سينزِّل عليه قرآناً ، ثم يشرح له مهمته . وأن يكون ذلك في جو اطمئنان ويقين وخشوع ، كما نصت رواية أهل البيت « عليهم السلام » ، وليس بالتعامل الخشن الذي نسبوه إلى الله تعالى ، والذي يشبه أكاذيب اليهود عن عنف ربهم مع أنبيائه « عليهم السلام » ! العنف الذي يشبه روايات كهَّان العرب المصابين بالعُصاب عندما يأتيهم جِنِّيُّهُم !
7 - كيف يأمره جبرئيل ( عليه السلام ) بأن يقرأ ولا يفسر له ما يقرأ ؟ وهل رأيت عاقلاً يأمر أحداً بأمر لا يفهمه ولا يفسره له ، بل يضربه ويخنقه إن لم يفعل ؟ !
8 - وكل هذه الطامات في كفة ، وعزم النبي ( صلى الله عليه وآله ) على أن ينتحر في كفة ! فكيف يقبلون هذه الفرية على النبي ( صلى الله عليه وآله ) كقوله وحاشاه : « لا تتحدث بهذا قريش عني أبداً ! فلأعمدنَّ إلى حالق من الجبل ، ولأطرحن نفسي منه فلأقتلنها ولأستريحن ! فما زلت واقفاً ما أتقدم أمامي ولا أرجع ورائي حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي ، فبلغوا مكة ورجعوا إليها وأنا واقف في مكاني ذلك ، ثم انصرف عني فانصرفت راجعاً إلى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفاً إليها فقالت : يا أبا القاسم أين كنت ، فوالله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكة ورجعوا إلي » . إلى آخر هذه الخرافة التي تبنتها عائشة فحيرت فيها أتباعها !
9 - كان تبنيهم لهذه الرواية سبباً لافتراء أعداء الإسلام على النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأنه كان يشك في نبوته ، وإن القسيس ورقة بعثه نبياً ، وليس الله تعالى !
10 - حاولوا أن ينفوا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قرر الانتحار ، فوجدوا في حديث البخاري عبارة : « حتى حزن النبي ( صلى الله عليه وآله ) فيما بلغنا حزناً غدا منه مراراً كي يتردى » فقالوا إن قوله : فيما بلغنا ، قول الزهري وليس قول عائشة ! فتح الباري : 12 / 316 .
فجعلوه في رقبة إمامهم الزهري ، لينقذوا إمامتهم عائشة ! لكن ابن مردويه رواه قطعة واحدة عن عائشة بدون « فيما بلغنا » كما شهد ابن حجر ! ثم ذكر ابن حجر / 118 ، روايات أخرى في أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذهب لينتحر ! راجع الطبقات : 1 / 196 ، الطبري : 2 / 47 ، تفسيره : 30 / 317 ، تفسير الصنعاني : 3 / 327 وابن كثير : 4 / 265 .
لقد افتضحوا فنسبوا إلى نبيهم ( صلى الله عليه وآله ) مالايقبلون نسبته إلى أنفسهم وأئمتهم ! ونسبوا إلى ربهم أنه ظالمٌ يبعث إلى نبيه بأسلوب مبهم مرعب ! فتعالى عما يصفون !
وأخيراً يتضح لك خطأ قولها : « وكان يكتب الكتاب العبري فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب » . والإنجيل لم يكن بالعبرية ، بل بالسريانية .
4 . رووا نحو ما روينا ، وأعرضوا عنه لأجل عائشة !
ففي دلائل البيهقي : 2 / 160 عن محمد بن إسحاق ، قال : « وكانت خديجة أول من آمن بالله ورسوله وصدق بما جاء به ، ثم إن جبريل أتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين افترضت عليه الصلاة فهمز له بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت له عين من ماء مزن ، فتوضأ جبريل ومحمد ، ثم صليا ركعتين وسجدا أربع سجدات ، ثم رجع النبي قد أقر الله عينه وطابت نفسه وجاءه ما يحب من الله ، فأخذ بيد خديجة حتى أتى بها العين فتوضأ كما توضأ جبريل ، ثم ركع ركعتين وأربع سجدات هو وخديجة ، ثم كان هو وخديجة يصليان سراً .
قال ابن إسحاق : ثم إن علي بن أبي طالب جاء بعد ذلك بيوم فوجدهما يصليان فقال علي : ما هذا يا محمد ؟ فقال رسول الله : دين الله الذي اصطفى لنفسه وبعث به رسله ، فأدعوك إلى الله وحده لا شريك له وإلى عبادته وكفر باللات والعزى ! فقال علي : هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم ، فلست بقاض أمراً حتى أحدث به أبا طالب . وكره رسول الله أن يفشي عليه سره قبل أن يستعلن أمره ، فقال له : يا علي إذا لم تُسلم فاكتم ، فمكث علي تلك الليلة .
ثم إن الله تبارك وتعالى أوقع في قلب علي الإسلام فأصبح غادياً إلى رسول الله حتى جاءه فقال : ماذا عرضت عليَّ يا محمد ؟ فقال له رسول الله : تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وتكفر باللات والعزى وتبرأ من الأنداد ، ففعل عليٌّ وأسلم . فمكث علي يأتيه على خوف من أبي طالب ، وكتم علي إسلامه ولم يظهره .
وأسلم ابن حارثة ، فمكثا قريباً من شهر يختلف علي إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . وكان مما أنعم الله على علي أنه كان في حجر رسول الله قبل الإسلام » . وتاريخ الذهبي : 1 / 135 ، أسد الغابة : 4 / 16 ، سيرة ابن كثير : 1 / 428 ، وسبل الهدى : 2 / 300 .
وهذه تؤيد رواية أهل البيت « عليهم السلام » ، وتبطل رواية عائشة ! وروى شبيهاً بها القرطبي : 17 / 87 ، وتنوير الحوالك : 16 / 17 وفيه : « فرفعت رأسي فإذا جبريل صافٌّ قدميه بين السماء والأرض يقول : يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل ، فجعلت لا أصرف بصري إلى ناحية إلا رأيته كذلك » !
لكنهم لا يحبون هذه الأحاديث ، لأنها تكذب العنف والغط والخنق ! فقد أشربوا في قلوبهم تصديق هذه التخيلات الإسرائيلية وعُصَاب الكُهَّان !
ثم ضخموا فترة انقطاع الوحي ، لتتوافق مع هذه التخيلات !