x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
البصيرة في عاشوراء
المؤلف: معهد سيد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسيني
المصدر: دروس عاشوراء
الجزء والصفحة: ص183-196
2024-08-12
306
بصيرة الإمام الحسين بشأن الأحداث المرّة, الحاضرة والمستقبليّة
.. لقد طالعتُ تاريخ النصف الثاني من القرن الأوّل الهجريّ ووقفتُ على حقائق مذهلة, لم أرَ أنّها استُخلصت ودُوِّنت أو ذُكرت, عندما نتخطّى النصف الأوّل من القرن الأوّل نلاحظ أنّ المجتمع الإسلاميّ قد تبدّل دفعة واحدة إلى مجتمع مليء بالفساد, والفساد الذي نشاهده في أواخر القرن الأوّل في المجتمع الإسلاميّ لهو عجيب ومدهش أيضاً.
فمكّة والمدينة، المدينتان الّلتان كانتا موطن الوحي وحكومة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد تبدّلتا إلى مركزين للفساد. فكلّ المغنّين وكلّ الفواحش المعروفة وكلّ الشعراء البذيئي اللّسان وكلّ المتهتّكين وأصحاب السوء والخُبَثاء قد اجتمعوا في هاتين المدينتين, فأشهر شعراء الفحش الذين كانوا يروّجون الفساد أو يمتدحون خلفاء جور عصرهم كانوا قد اجتمعوا في مكّة والمدينة تقريباً في أواخر القرن الأوّل وفي تمام القرن الثاني. وقد ارتكبت في جوار حرم الله في المدينة أبشع الأعمال[1].كان الإمام الحسين عليه السلام يشاهد هذه الوقائع المرَّة, ولذلك تحرّك بهذا الشكل وأوجد هذه الحركة المجيدة والعظيمة. الله يعلم أنّه لا يوجد في التاريخ حركة وثورة بهذه العظمة وهذه الرفعة كحركة الحسين عليه السلام.
أهمّيّة معرفة ساحة المعركة
من المهمّ أن نشخّص ميدان المعركة جيّداً. فما لم تكن ساحة المعركة واضحة للمقاتل - من مرتفع, إلى مستنقع, إلى منطقة حرجيّة, إلى منطقة زلقة, إلى منطقة يستخدم فيها السلاح الفلانيّ دون غيره - لن تكون لديه القدرة على القتال كما يجب.
الخطّة التي تفرض علينا توجيه فوهة المدفع إلى قلب العدوّ وإلى تلك النقطة التي ينبغي أن نتوجّه إليها. الخطّة هي التي توجّهنا إلى أيّ وجهة ينبغي التوجّه, ولأيّ جهة نوجّه سلاحنا, وأيّ جهة هي الأكثر خطورة, وأيّها الأكثر ضرورة, أين ينصب العدوّ كمينه, أين هي نقطة الضعف التي إن لم نغطِّها نفذَ العدوّ منها, ما لم نضع في حسباننا مثل هذه الخطّة, لن تكون الحرب المدروسة ممكنة.
في عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام, كان لدى بعض الأصحاب خطّة, ولم تكن بيد بعضهم الآخر, عندما أقبل بحرُ العدوّ بلججه المهولة, لكنّ أولئك الأصحاب الذين اهتدوا إلى الخطّة، فإنّهم فهموا الإمام الحسين عليه السلام في تلك اللحظة الحسّاسة، وأمّا أولئك الذين لم يهتدوا إلى خطّتهم، فإنّهم كانوا إلى جنب الإمام الحسين عليه السلام أيضاً، لكنّهم وقعوا في الخطأ. من باستطاعته القول إنّه لم يكن لعبد الله بن عبّاس وعبد الله بن جعفر نصيب من الإسلام ومن حبّ آل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم؟ فهذان تربّيا في كنف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم, لكنّهما حملا المخطّط الخاطئ. لم يعرفا أين هي المنطقة التي يجب الدفاع عنها, وتلك النقطة التي ينبغي التضحية من أجلها...
معرفة ساحة المعركة, الفنّ الكبير والوظيفة الخطيرة
لقد تركوا الإسلام المتجسّم، تركوا القرآن الناطق وتركوا حسين فاطمة وحيداً. حتّى إنّ بعض الأصحاب جاء إلى كربلاء أيضاً ودافع عن الإمام الحسين عليه السلام, لكنّهم في آخر الأمر جاؤوا إليه وقالوا: "يا بن رسول الله! نحن دافعنا عنك إلى هنا, فإن أذنت لنا بالانصراف" فأجابهم الإمام عليه السلام: "انصرفوا"[2].
هذا هو المخطّط الخاطئ, فهؤلاء لم يعرفوا أين يجب عليهم أن يدافعوا ويحاموا.
كثيرون عبر التاريخ كانوا لا يعرفون أين يدافعون عن الإسلام. كثيرون من الذين كان عليهم في ذلك الوقت القيام بأوجب الأعمال وأكثرها ضرورة وهو الدفاع عن قيم الإسلام وأصالته, جلسوا ولم يدافعوا.
واليوم أيضاً, هناك الكثيرون ممّن ينتمون إلى الإسلام ويرفعون شعاراته ويدّعون الإسلام, ولكن لا يعرفون أين هو الإسلام, وفي أيّ ساحة يجب الدفاع عنه. إنّ الفنّ العظيم يتمثّل في معرفة الساحة.
فأمثال حبيب بن مظاهر وبعض الأصحاب, من خواصّ الإمام الحسين عليه السلام, قد فهموا المخطّط جيّداً. لذلك, نرى أيضاً أنّ أخته زينب عليها السلام جاءت بأبنائها معها, في حين أنّ أباهم بقي في مكّة أو المدينة[3]. كان باستطاعتها القول إنّها ذاهبة مع أخيها وما يحدث لها يصيبها لوحدها, وأن تُبقي أبناءها عند والدهم. لكنّها أحضرت ابنيها واستشهدا في كربلاء أيضاً[4] حسب ما نُقل. فهذه السيّدة عليها السلام امتلكت البصيرة وعرفت ما ينبغي فعله
في يوم عاشوراء, دنا شابّ من الإمام الحسين عليه السلام وطلب منه الإذن بالنزول إلى الميدان. نظر الإمام عليه السلام إلى قامته وطلعته - حيث يظهر على وجهه آثار الضعف والعطش - اعتصر الألم قلب الإمام عليه السلام. فسأله: "هل أذنت لك أمّك؟". أجاب: "يا بن رسول الله!, أمّي هي التي دفعتني إلى الميدان, وجئت لآخذ الإذن منك"[5]
شعرت الأمّ أنّه هنا مكان بذل أغلى ما تملك, وابنها هو أعزّ ما لديها, فبذلتْ واستثمرت.
إنّ أعظم وظيفة لنا اليوم, هي معرفة ميادين المقاومة. أحياناً يوجد شخص من أهل العبادة, إلّا أنّه لا يعرف ماذا عليه أن يفعل.
ينبغي أخذ مسألة الوعي الإسلاميّ العميق على نحو الجدّ, فلولا الوعي والبصيرة يقع الإنسان في الخطأ والاشتباه، الإنسان الواعي المطّلع قد يقع في الخطأ، إلّا أنّه لا يبقى على الخطأ. بالطبع, الشرط الأساس هو التقوى, والتوجّه إلى الله, حتّى إذا ما أدرك الإنسان أنّه قد أخطأ, يرجع ويؤوب
معرفة العدوّ, درس عاشوراء المهمّ
... الدرس الآخر من دروس عاشوراء معرفة العدوّ, عدم الغفلة عن العدوّ، عدم الانخداع بحيل الأعداء. كثيرون في ذلك الوقت أَعْمَتْهُم الظواهر فما استطاعوا رؤية باطن الأمر. كثيرون تصوّروا أنّه ينبغي السكوت مقابل هذا الوضع، لأنّهم كانوا يظنّون أنّ الدّين محفوظ بحسب الظاهر! لقد شخّص الحسين بن عليّعليهما السلام العدوّ في بطون صفحات هذه الظواهر. إنّ معرفة العدوّ شيء مهمّ, ولا ينبغي الاشتباه في ذلك.
هذه اليقظة هي الدرس الكبير الذي قدّمه الحسين بن عليّ عليهما السلام. في ذلك الوقت قلّة هم الذين كانوا يميّزون بين الحقّ والباطل. (والأكثريّة) كانت تخدعهم الظواهر. لم يكن لدى النّاس تلك الرؤية الصحيحة التي كانت للحسين بن عليّ عليهما السلام, حيث كان عليه السلام على قدر من الاطمئنان واليقين بتلك العقيدة والإيمان, بحيث كان مستعدّاً ليقدّم في ذلك السبيل روحه وحتّى أعزّاءه, وأبناءه, وطفله عليّ الأصغر, وأن تمضي أسرته إلى الأسر والسبي, فهل هناك أرفع من ذلك؟.
أهمّيّة وضرورة إيجاد البصيرة في المجتمع
البصيرة مهمّة, ودور النخبة والخواصّ هو أن يوجدوا هذه البصيرة, لا في أنفسهم فقط, وإنّما لدي الآخرين أيضاً. يري الإنسان أحياناً أنّه حتّى بعض النخبة مبتلون - للأسف - بانعدام البصيرة فلا يكادون يفهمون أو يلتفتون أصلاً. يطلقون فجأة كلاماً لصالح العدوّ، لصالح الجبهة التي تكرس كلّ همّها للقضاء علي الجمهوريّة الإسلاميّة. فهؤلاء نخبة وخواصّ, ليسوا أفراداً سيّئين وليست نواياهم سيّئة, لكنّهم علي هذه الحال من انعدام البصيرة...
عالجوا انعدام البصيرة بقراءة الأعمال الجيّدة بتأمّل، وبالحوار مع الأشخاص الموثوقين الناضجين وليس بالحوارات التقليديّة - حيث تقبلون كلّ ما قالوه، لا، ليس هذا ما أريده - هناك أشخاص بوسعهم إقناع الآخرين بالأدلّة وتنوير أذهانهم وإقناعهم, فالإمام الحسين عليه السلام استخدم هذه الوسائل في بداية نهضته وعلي امتدادها. ولأنّ الأيّام هي أيّام الإمام الحسين عليه السلام أقول هذه الكلمة:
ينبغي أن لا نعرف الإمام الحسين عليه السلام من خلال "معركة يوم عاشوراء" فقط, فذلك جانب من جهاد الإمام عليه السلام. ينبغي التعرّف إلى كلماته وخطاباته وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وشرحه للقضايا والمسائل في مني وعرفات وخطابه للعلماء وللنخبة - للإمام عليه السلام كلمات عجيبة[6] ومهمّة مسطورة في الكتب - ثمّ في الطريق إلى كربلاء وفي ساحة كربلاء نفسها. لقد كان الإمام الحسين عليه السلام صاحب بيان وتوضيح في ساحة كربلاء نفسها, فكان عليه السلام يقف ويتحدّث, مع أنّها كانت ساحة حرب وقتال والمتوقّع هناك إنّما هو إراقة الدماء, لكنّه عليه السلام كان ينتهز أيّة فرصة للتحدّث مع الطرف المقابل لعلّه يتمكّن من إيقاظهم. طبعاً لقد استيقظ بعض الغافلين، أمّا الذين كانوا يتظاهرون بالنوم فقد كان إيقاظهم صعباً، بل أحياناً كان من المستحيل إيقاظهم.
انعدام البصيرة, فرصة للعدوّ وخسارة للشعوب
يجب أن تستشعر الحاسة الإنسانيّة العميقة لشعب من الشعوب الأحداث قبل وقوعها وتدرك ماذا سيحصل, فيبدي الشعب ردود الفعل المناسبة. وحينما نتأمّل تاريخ الإسلام نجد أنّ عدم توفّر هذا الإدراك والحسّ السياسيّ السليم قد أبقى الشعوب نائمةً على الدوام ومكّن أعداءهم من أن يُلحقوا بها كلّ ما يحلو لهم مع بقائهم بمأمن من ردّات أفعالهم.
انظروا إلى حادثة كربلاء من هذه الزاوية. لم يكن لدى الكثير من المسلمين في الستّين عاماً الأخيرة بعد الهجرة - أي خمسين عاماً بعد رحيل النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم - قراءة صحيحة لما يجري. ولأنّهم افتقروا إلى القراءة الصحيحة لم يتّخذوا الموقف المناسب. لهذا كانت الساحة مفتوحة أمام كلّ الذين يريدون حرْف مسيرة الأمّة الإسلاميّة من دون أن يصدّهم أحد. ووصل الأمر إلى درجة أن يصبح رجل فاسق فاجر سيِّئ السمعة ومفضوحٌ أمام النّاس - شابّ لا تتوفّر فيه أيّ من شروط الحاكم الإسلاميّ وشروط خلافة الرسول، بل كان في الاتجاه المعاكس تماماً لسيرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في أعماله - أن يصبح هو قائد الأمّة الإسلاميّة والخليفة لرسول الله! لاحظوا كم يبدو هذا الشيء عجيباً في أنظاركم اليوم؟ لكنّه لم يبدُ عجيباً في أنظار النّاس في ذلك العصر. لم يشعر الخواصّ بالخطر. وبعضهم ممّن شعروا بالخطر ربّما، لم تسمح لهم مصالحهم الشخصيّة وطلبهم للعافية والراحة أن يُبدوا ردّ فعل معين. جاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالإسلام ليقود النّاس إلى التوحيد، والطهر، والعدالة، وسلامة الأخلاق، والصلاح العامّ للمجتمع الإنسانيّ، ثمّ يجلس محلّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شخص غارق في الفساد والفسق[7]، ولا يعتقد بأصل وجود الله وتوحيده[8]. بعد خمسين عاماً على رحيل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يتولّى زمام الرئاسة شخص كهذا! هذا الأمر هو ممّا يثير دهشتكم اليوم، لكنّه لم يكن كذلك في أعين الكثير من النّاس يومذاك.. يا للعجب! لقد أصبح يزيد خليفة وقد نشر جنوده الغلاظ الشداد في أنحاء العالم الإسلاميّ ليأخذوا له البيعة من النّاس. وسار النّاس جماعات جماعات وبايعوا.. العلماء بايعوا، والزهّاد بايعوا، والنخب بايعوا، ورجال السياسة بايعوا[9].
البصيرة, من توابع الدفاع عن الدّين
عاشوراء دروس ورسائل. تعلّمنا عاشوراء درساً, وهو أنّه يجب التضحية لحفظ الدّين, وأنّه ينبغي التخلّي عن كلّ شيء في سبيل القرآن, ينبغي في معركة الحقّ والباطل وضع الجميع معاً: الصغير والكبير، الرجل والمرأة، الشيخ والشابّ، الشريف والوضيع، الإمام والرعيّة، في صفّ واحد. عاشوراء تعطينا درساً وهو أنّ جبهة العدوّ قابلة للعطب والضرر بشكل كبير, مع ما لديها من إمكانات ظاهريّة, مثلما كانت جبهة بني أميّة قد تضرّرت بواسطة قافلة سبايا عاشوراء إلى الكوفة, وتضرّرت في الشام, وفي المدينة وفي نهاية المطاف اختتمت هذه الحادثة بإفناء الجبهة السفيانيّة. من الدروس التي تقدّمها لنا عاشوراء أنّه في مجال الدفاع عن الدّين, تعدّ البصيرة أمراً لازماً بالنسبة إلى الإنسان أكثر من أيّ شيء آخر. فالغافلون يُخدعون, وعديمو البصيرة يصبحون في جبهة الباطل دون أن يدروا, مثلما كان في جبهة ابن زياد أشخاص لم يكونوا من الفسّاق والفجّار, بل كانوا من فاقدي البصيرة.
هذه هي دروس عاشوراء، وبالطبع فإنّ هذه الدروس كافية لتنهض بأمّةٍ من الذلّة إلى العزّة. هذه الدروس كافية لكسر جبهة الكفر والاستكبار. هي دروس عمارة الحياة.
بصيرة زينب الكبرى عليها السلام
إنّ قيمة زينب الكبرى عليها السلام وعظمتها ناتجتان من موقفها وحركتها الإنسانيّة والإسلاميّة العظيمة انطلاقاً من التكليف الإلهيّ. فعملها, وعزمها, ونوع حركتها, كلّ ذلك أضفى عليها هذا النوع من العظمة. وأيّ شخص يقوم بهذا العمل - حتّى لو لم يكن هو بنت أمير المؤمنين عليه السلام - سيظهر عظيماً شامخاً.
الجانب الأساس من هذه العظمة هو من هذه الجهة: أوّلاً, أنّها شخّصت الوقت المناسب, سواء الوقت الذي سبق توجّه الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء, أو ظرف اللحظات العصيبة في يوم عاشوراء, أو ظرف الحوادث القاصمة للظهر بعد شهادة الإمام عليه السلام, وثانياً, أنّها اختارت موقفاً مناسباً لكلّ ظرف. هذه المواقف كانت هي من صنعت زينب عليها السلام.
قبل التوجّه إلى كربلاء، نجد وجهاء، كابن عبّاس وابن جعفر وشخصيّات معروفة في صدر الإسلام، ممّن يدّعون الفقاهة والشهامة والرئاسة, قد تحيّروا ولم يعرفوا ماذا يفعلون، ولكنّ زينب الكبرى لم تُصب بالحيرة، وأدركت الطريق الذي يجب أن تسلكه، ولم تترك إمامها وحيداً وتمضي. لا لأنها لم تكن مدركة لصعوبة الطريق، بل كانت تدركه أفضل من غيرها. لقد كانت امرأةً حاضرة لأن تنفصل عن زوجها وعائلتها في سبيل أداء المهمّة، ولهذا أحضرت أطفالها وأبناءها معها. كانت تشعر بحجم الواقعة.
في تلك الساعات العصيبة حيث لا يقدر أقوى النّاس على إدراك ما ينبغي أن يفعل, أدركت ذلك ودعمت إمامها وجهّزته للشهادة. بعد شهادة الحسين بن عليّ عليهما السلام, وحين أظلمت الدنيا وتكدّرت القلوب والنفوس وآفاق العالم، أضحت هذه السيّدة الكبرى نوراً ساطعاً. لقد وصلت زينب إلى حيث لا يصل سوى أعظم النّاس في تاريخ البشريّة - أي الأنبياء عليهم السلام.
تحتاج المرأة اليوم إلى النموذج, فإذا كانت قدوتها زينب وفاطمة عليهما السلام, كان عملها عبارة عن الفهم الصحيح, الفطنة في إدراك الموقف واختيار أفضل الأعمال والمواقف, حتّى لو ترافق ذلك مع التضحية والتزام أيّ شيء من أجل أداء التكليف الكبير الذي أخذه الله تعالى على النّاس[10].
بصيرة قمر بني هاشم عليه السلام
أكّدت الزيارات[11] والكلمات[12] الواردة عن الأئمّة عليهم السلام بشأن أبي الفضل العبّاس عليه السلام، على وجود خصلتين لديه: الأولى البصيرة، والثانية الوفاء. فأين تكمن بصيرة أبي الفضل العبّاس؟ لقد كان كلّ أصحاب الحسين عليه السلام من أُولي البصائر، إلّا أنّ أبا الفضل العبّاس كشف عن بصيرة أكبر, ففي يوم تاسوعاء، عندما سنحت له الفرصة للخلاص من هذا البلاء حيث اقترحوا عليه الاستسلام في مقابل إعطائه الأمان، تصرّف بشهامة عالية أفحمت الأعداء، وقال لهم: أنا أتخلى عن الحسين؟! الويل لكم! أفّ لكم ولأمانكم هذا![13] وثمّة نموذج آخر لبصيرته، وذلك عندما طلب من إخوته الذين كانوا معه بالتقدّم قبله إلى ميدان الحرب والجهاد حتّى بلوغ الشهادة[14]. فقد كانوا أربعة إخوة من أمّ واحدة، وهم: أبو الفضل العبّاس- الأخ الأكبر- وجعفر وعبد الله وعثمان. فأن يضحّي المرء بإخوته الثلاثة أمام عينيه من أجل الحسين بن عليّ عليهما السلام, ولا يعيقه عن ذلك التفكير في أمّه الثكلى والاكتفاء بواحد منهم حفاظاً على مشاعر أمّه ولكي يهتمّ بمصير إخوته الصغار الموجودين في المدينة المنوّرة، هذه هي البصيرة.
الهداية والتنوير
لقد تبدّلت الإمامة الإسلاميّة في زمن الإمام الحسين عليه السلام إلى وضع كهذا: "يُعمَل في عباد الله بالإثم والعدوان"[15]، فكان أن انبرى الإمام الحسين عليه السلام لمقارعة هذا الوضع.
وقد تمثّلت مقارعته هذه في البيان والإيضاح والهداية والتمييز بين الحقّ والباطل، سواء في عصر يزيد أو عصر من سبقه!.
زينب وسكينة عليهما السلام مشعلان للعلم والمعرفة
زينب هي القدوة. لم تكن زينب امرأة بعيدة عن العلم والمعرفة, بل كانت تحوز أعلى العلوم وأصفاها وأرفعها. وكذلك الأمر بالنسبة إلى سكينة.. فهي بنت الإمام الحسين عليه السلام وتلميذة زينب عليها السلام. - حيث يرى أهل البحث والتحقيق - أنّها كانت أحد مشاعل المعرفة العربيّة في كلّ تاريخ الإسلام وحتّى اليوم[16]. فحتّى أولئك الذين يعترفون بزينب أو بوالد زينب أو والد سكينة وليس لديهم اطّلاع, يقبلون ويعترفون أنّ سكينة كانت مشعلاً للعلم والمعرفة.
إنّ السلوك في هذا الطريق (التضحية والشهادة) لا يعني الابتعاد عن طريق العلم والمعرفة والرؤية الكونيّة والتنوير والمعلومات والآداب، بل هذا الطريق هو وراء تلك الأمور.
[1] الشعر والشعراء، ج1، ص509 -510, العقد الفريد، ج7، ص12 و 29 38، ج8، ص8, مروج الذهب، ص471 و 579-580، وج 3، ص253، وج 6، ص279 و 305 و 418، وج 7، ص47، وج 8، ص367-369 و 378-380 و 409 و 459، وج 12، ص349-350، و ج16، ص466، و ج24، ص195 و260, تاريخ مدينة دمشق، ج9، ص287-288.
[2] أنساب الأشراف, ج3,ص197, تاريخ الطبريّ, ج4, ص329.
[3] الإمامة والسياسة, ج2, ص3, إعلام الورى, ج1, ص446, بحار الأنوار, ج44, ص366.
[4] مقاتل الطالبيّين, ص95-96, مناقب آل أبي طالب, ج3, ص253, بحار الأنوار, ج45, ص32.
[5] مقتل الحسين عليه السلام, الخوارزميّ, ج2, ص25, بحار الأنوار, ج45.
[6] تحف العقول, ص237-239.
[7] أنساب الاشراف, ج5, ص286-288, مروج الذهب, ج3, ص67-68.
[8] الاحتجاج, ج2, ص34, تذكرة الخواص, ص235 و260 - 261.
[9] لإمامة والسياسة, ج1, ص197, أنساب الأشراف, ج3, و ج5, الأخبار الطوال, ص277, تاريخ الطبريّ, ج4 ص225, العقد الفريد, ج5, ص115-119, مروج الذهب, ج3, ص70, الكامل في التاريخ, ج4, ص17.
[10] كامل الزيارات, ص440-442, بحار الأنوار, ج98, ص217-219.
[11] سرّ السلسلة العلويّة, ص89, عمدة الطالب, ص356.
[12] تاريخ الطبريّ, ج4, ص315, الإرشاد, ج, ص109, بحار الأنوار, ج44, ص391.
[13] الأخبار الطوال, ص275, الإرشاد, ج2, ص109, بحار الأنوار, ج45, ص38.
[14] الطبقات الكبرى, ج3, ص13, الإرشاد, ج2, ص125, بحار الأنوار, ج42, ص74.
[15] تاريخ الطبريّ, ج4, ص304.
[16] المنتظم, ج7, ص175, الإعلام, ج3, ص106.