دلالة الاستماع الى القرآن الكريم
المؤلف:
الدكتور ضرغام كريم الموسوي
المصدر:
بحوث قرآنية على ضوء الكتاب والعترة
الجزء والصفحة:
149 -151
2024-03-26
1670
دلالة الاستماع الى القرآن الكريم :
قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ القرآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [1] قال الجبائي ( انها نزلت في ابتداء التبليغ ليعلموا ويتفقهوا ) [2] وهذا هو الهدف من انزال القرآن الكريم كي يسمع الناس الهدى، قال تعالى:{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [3] فقال تعالى : { لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ } [4] ومن هذا نجد أن زعماء قريش كانوا لا يستمعون للقرآن ويبتعدون عنه، لانَّه يفرض عليهم الاذعان، قال تعالى : {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } [5] ، ولم يكتفوا بذلك بل منعوا الناس من الاستماع للقرآن، قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا القرآن وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } [6] حتى لا يؤثر في نفوس سامعيه ويأخذ بمجاميع قلوبهم و ما يشعرون ، ولم يكتفوا بذلك بل منعوا النـاس من الاستماع الواعي للقرآن فهم يحرضون جهالهم كي يحدثوا ضجيجاً عند تلاوة القرآن كي لا يسمع قاصدوا مكة معانيه العالية فيؤثر فيهم ويؤمنوا بما جاء في القرآن .
وكان للسماع في مكة مذاهب فمنهم من كان كما قال تعالى: {يَسْمَعُ آيَاتِ اللهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصـر مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشـرهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [7] وهذا دلالة واضحة على تكبرهم وتغافلهم لما يسمعون، إذ لم يجعلوا قيمة عقلائية لما سمعوه، اذ ان العقلاء يتحركون وفق مصالحهم وهؤلاء لم يكونوا من العقلاء.
واخرون يتمادون في الغي إذ يجعلون { أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ } [8] كما وصفهم تعالى كي لا يسمعوا الحق مع ان سمعهم لا علة فيه الا انهم عطلوه ولم ينتفعوا به ولم يدحض عنهم عذاب الله عز وجل.
وقال تعالى { فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ } [9] في الاستماع الى الدلائل، بل صـرفوا بالاستماع الى الباطل واللهو [10] وقال تعالى :{ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا.... } [11] بخلاف قوله تعالى : { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } [12] ، فهؤلاء قــالوا وقال تعالى: { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ} [13] ، وهذا الايمان الصادق لم يقف الى حد معين بل انقادت قلوبهم الى الحق قال تعالى: {تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْـحَقِّ} [14] هذا وقع القرآن الكريم في النفوس الذي قالت عنه الجن في قوله تعالى: { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} [15] وقصة ابن ام مكتوم واضحة وجليّة، وانه كان اعمى لكنه نفعه سمعه وآمن بالرسول (صلى الله عليه واله وسلم) [16] ، قال تعالى: { عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى } [17] .
فنخلص الى أن السمع ليس هو سماع الاصوات فقط، وانما هو الاستثمار الأمثل لتلك الاداة التي مكننا الله عز وجل منها، لتدبر تلك المفاهيم والوصول الى كسب سعادة الدارين.
[2] الطبرسي: مجمع البيان 4 : 514.
[10] الصابوني: محمد علي: صفوة التفاسير 3 : 158.
[16] الشنقيطي: محمد الامين: اضواء البيان في تقسير القرآن بالقرآن، ط1-1993، بيروت 9: 48.
الاكثر قراءة في آداب قراءة القرآن
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة