1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية والجنسية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : التربية والتعليم : التربية الروحية والدينية :

الحب سير ومواقف / نبي الله يوسف (عليه السلام) وحبه لله

المؤلف:  السيد مرتضى الحسيني الميلاني

المصدر:  الى الشباب من الجنسين

الجزء والصفحة:  ص 44 ــ 48

2024-03-03

990

إننا نرى العظماء وهم الأنبياء والأوصياء والأئمة الهداة ومن سار على نهجهم قد صدقوا في حبهم لله في مختلف الظروف، في العسر واليسر. وقد إمتحنهم الله في ذلك. والتاريخ حافل بمثل هذه الوقائع، والقرآن الكريم يحدثنا عن تلك المواقف في كثير من آياته وقصصه.

فلنأخذ من موقف نبي الله يوسف (عليه السلام) درساً عظيماً جسده في حبه لله. لقد تعرض يوسف (عليه السلام) لامتحانات كثيرة كما تعرض إليها الأنبياء من قبله ومن بعده، ولكنه ثبت وصبر وفوض أمره لمحبه الأكبر عز وجل. وبمقتضى مشيئته سبحانه امتحن حبيبه في المحنة الأولى التي تعرض إليها مع إخوته، ثم محاولة قتله وإلقائه في البئر، ثم نفيه، وتعرضه لمحنة هي من أشد المحن وأعظمها وهي المحنة الجنسية والإختبار العسير للنفس، ثم تعرضه لامتحان السجن الذي فتح آفاقه للحياة رضاً وامتثالاً لأمر الله سبحانه، ثم تعرضه للحكم وقوة المنصب الذي حاز عليه. قال تعالى : {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 22]، ومعناه: لما بلغ يوسف منتهى شبابه وقوته وكمال عقله، حيث فسر (الأشد) من ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين سنة، أعطاه الله القول الفصل الذي يدعو إلى الحكمة، وأعطاه العلم بوجوه المصالح. فإن الناس كانوا إذا تحاكموا إلى العزيز، أمر يوسف بأن يحكم بينهم لما رأى من عقله وإصابته في الرأي. والعزيز هنا هو وزير فرعون مصر، وخليفته وقائد جنوده واسمه (قِطفير) وكان يلقب بالعزيز.

وهو الذي اشترى يوسف بدراهم قليلة. وأمر امرأته (راعيل) وكان لقبها (زُليخا) أن تكرم يوسف وتهيء له مكاناً محترماً. عسى أن يبيعه فيما بعد ويربح على ثمنه، أو يتخذه ولداً فانه لا ولد له. وإنما قال ذلك لما رأى على يوسف من الجمال الخارق والعقل والهداية في الأمور. فبقي يوسف في بيت زليخا إلى أن بلغ أشده، كما أشارت الآيه الكريمة.

ولكن إمرأة العزيز هامت في حب يوسف وعشقته عشقاً لا مثيل له. قال تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف: 23].

ومن هنا يتضح أن زليخا لم تطلب من يوسف مواقعتها للمرة الأولى بدليل (راودته) أي عرضت نفسها عليه مرات عديدة ولكن هذه المرة لم تستطع السيطرة على شهوتها وكبت جماحها فعمدت إلى الأبواب فأغلقتها وكان القصر له سبعة أبواب، وقالت له (هيتَ) أي بادر إلى ما هو مهيأ لك. فاستعصم يوسف واستجار مما دعته إليه. حيث تذكر يوسف أن الله قد أحسن مثواه ورفع محله. ولو فعل ما دعته إليه كان ظالماً. وفي هذه الآية دلالة على أن يوسف لم يهم بالفاحشة ولم ينوِ فعل القبيح، لأن من هم بالقبيح لا يقول مثل ذلك. إلا أنها همت بالفاحشة وأرادت تنفيذها. ولكن يوسف وقف بوجه ذلك الحب الأعمى وهم بضربها ودفعها عن نفسه. كما يقال: هممت بفلان أي بضربه وإيقاع المكروه به. وهذه هي عناية الله بالعباد المخلصين الذين أعدهم لحمل مسؤولية كبيرة تحتاج إلى مؤهلات خاصة وإيمان عميق يثبت أمام زليخا وأمثالها.

فأراد يوسف الهرب منها فركض نحو الباب ليخرج ويفلت من حبائلها ومن ركوب الفاحشة، فركضت هي وراءه لتمسك به حتى تقضي حاجتها منه بعد أن تمنعه من فتح الباب، فجذبته من قميصه فشقته طولاً من خلفه. ولكن يوسف فتح الباب وإذا به يرى زوجها يهم بالدخول فرأى الموقف المحرج أمامه. يوسف متغير اللون وقميصه ممزق من الخلف. وامرأته مهيأة لفعل المنكر فسبقت زليخا يوسف بالقول لزوجها: ليس جزاء من أراد بأهلك سوء إلا أن يسجن أو أن يضرب بالسياط ضرباً موجعاً. وإنما قالت ذلك لتلقي الذنب على يوسف بالقول فلم يجد يوسف بُداً من الدفاع عن نفسه وتنزيه نفسه بالصدق. ولو كفت هي عن الكذب عليه لكف هو (عليه السلام) عن الصدق عليها، فقال هي التي طالبتني بالسوء الذي نسبته إلي. قال تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} [يوسف: 26]. إنه صبي كان في المهد وعمره ثلاثة أشهر وكان ابن أخت زليخا قال: {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [يوسف: 26].

وهذا أمر واضح واستدلال صحيح. فلما رأى العزيز قميص يوسف (عليه السلام) شق من خلف عرف خيانة المرأة: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف: 28]. ثم إلتفت إلى يوسف وقال له لا تكترث يا يوسف لهذا الحديث ولا تذكره على سبيل طلب البراءة، فقد ظهرت براءتك، ثم قال لزليخا سليه أن لا يعاقبكِ على ذنبكِ {إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [يوسف: 29]، أي من المذنبين.

أخي الشاب أختي الشابة:

هذان نوعان من الحب: يوسف أحب الله وأخلص له وعشق رحمته، ورجا ما عنده من المقام المحمود والدرجة الرفيعة. ولذا نراه قوي الإيمان ثابت الجنان لم يسقط في مهاوي الرذيلة كما أرادت زليخا. وما انهار أمام تلك القوة الجامحة، بل صبر واستعصم وامتنع متحدياً كل الإغراءات التي هيئت له حياء من الله الحبيبِ الأكبر.

وهذه زليخا التي أحبت يوسف لتشفي غليلها وتبرد حرارة شوقها إلى إشباع شهوتها حتى ولو عد ذلك فعلاً محرماً وخيانة زوجية. ولأنها لم تؤمن ولم تعرف ربها معرفة حقيقة فلم تحبه بل أحبت نفسها الفانية ولذتها الشيطانية. صحيح أن يوسف كان جميلاً والجمال هبة من الله سبحانه ولكن ما كان ينبغي لإمرأة محصنة أن تقدم على مثل هذا الفعل الشنيع، ولا ينبغي لإمرأة غير متزوجة أن تحطم نفسها ومستقبلها من أجل متعة لا تدوم إلا دقائق. فإن مثل هذه الأعمال تعد خيانة لله عز وجل قبل أن تعد خيانة للزوج أو العائلة.

وإذا كان يوسف محبوباً لإمرأة العزيز فإن هناك محبوباً أكبر منه وهو الله سبحانه وتعالى الأجدر بالمحبة والعشق والطاعة. لقد كان باستطاعة يوسف أن يلبي طلبها، ويخلو بها، ولكنه تذكر الله تعالى في هذه الدقائق الحرجة، واستغفر الله، وتعلق قلبه بحبه، ففضل الله وحب الله على كل شيء، وفضل السجن على كل ما حدث، لأنه رأى فيه الحب الحقيقي. الحب الصادق. {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف: 33]، مع أنه لو أجاب لكان سيداً منعماً مرفهاً في بيت العزيز، لكنه أحب الله ورأى أن الانصياع لأوامر النفس ومشتهياتها يحول بينه وبين حبه لله تعالى.