تاريخ الفيزياء
علماء الفيزياء
الفيزياء الكلاسيكية
الميكانيك
الديناميكا الحرارية
الكهربائية والمغناطيسية
الكهربائية
المغناطيسية
الكهرومغناطيسية
علم البصريات
تاريخ علم البصريات
الضوء
مواضيع عامة في علم البصريات
الصوت
الفيزياء الحديثة
النظرية النسبية
النظرية النسبية الخاصة
النظرية النسبية العامة
مواضيع عامة في النظرية النسبية
ميكانيكا الكم
الفيزياء الذرية
الفيزياء الجزيئية
الفيزياء النووية
مواضيع عامة في الفيزياء النووية
النشاط الاشعاعي
فيزياء الحالة الصلبة
الموصلات
أشباه الموصلات
العوازل
مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة
فيزياء الجوامد
الليزر
أنواع الليزر
بعض تطبيقات الليزر
مواضيع عامة في الليزر
علم الفلك
تاريخ وعلماء علم الفلك
الثقوب السوداء
المجموعة الشمسية
الشمس
كوكب عطارد
كوكب الزهرة
كوكب الأرض
كوكب المريخ
كوكب المشتري
كوكب زحل
كوكب أورانوس
كوكب نبتون
كوكب بلوتو
القمر
كواكب ومواضيع اخرى
مواضيع عامة في علم الفلك
النجوم
البلازما
الألكترونيات
خواص المادة
الطاقة البديلة
الطاقة الشمسية
مواضيع عامة في الطاقة البديلة
المد والجزر
فيزياء الجسيمات
الفيزياء والعلوم الأخرى
الفيزياء الكيميائية
الفيزياء الرياضية
الفيزياء الحيوية
الفيزياء العامة
مواضيع عامة في الفيزياء
تجارب فيزيائية
مصطلحات وتعاريف فيزيائية
وحدات القياس الفيزيائية
طرائف الفيزياء
مواضيع اخرى
عجائب المجالات المغناطيسية
المؤلف: والتر لوين ووارن جولدستين
المصدر: في حب الفيزياء
الجزء والصفحة: ص169–174
2024-01-13
1138
إذا تناولت قطعة مغناطيس ووضعتها أمام شاشة تليفزيون قديمة غير مسطحة عند فتحها، فسترى أشكالا نمطية وألوانا لطيفة على الشاشة. ففي عصر ما قبل شاشات البلور السائل (إل سي دي) أو شاشات البلازما المسطحة كانت سيول الإلكترونات المنطلقة من خلفية التليفزيون باتجاه الشاشة تنشط الألوان، فتتلون الصورة على الشاشة بإتقان. وحين تُقرب مغناطيسا قويا من إحدى تلك الشاشات، كما أفعل في قاعة التدريس، يؤدي ذلك إلى ظهور أشكال نمطية غريبة على الشاشة؛ تلك الأشكال النمطية جذابة حتى إن الأطفال في سن الرابعة أو الخامسة يستمتعون بمشاهدتها. (يمكنك الاطلاع على صور لتلك الأنماط على الإنترنت).
ويبدو – في واقع الأمر – أن الأطفال يكتشفون هذه الظاهرة بأنفسهم طوال الوقت؛ إذ تمتلئ الشبكة العنكبوتية بالآباء الذين ينشدون المساعدة في إصلاح تليفزيوناتهم التي تعطلت بعدما حرّك أطفالهم القطع المغناطيسية، التي تثبت بها الأوراق على الثلاجات على شاشاتهم من حسن الحظ أن أجهزة التليفزيون تُزود بجهاز إزالة المغنطة ليزيل مغنطة الشاشة، وعادة ما تُحل المشكلة من تلقاء نفسها بعد بضعة أيام أو أسابيع لكن في حالة عدم حدوث ذلك، فستضطر إلى الاستعانة بفني لإصلاح المشكلة. ومن ثم، لا أنصح بوضع مغناطيس بالقرب من شاشة تليفزيونك (أو شاشة حاسوبك) إلا إذا كان التليفزيون أو الشاشة قديمة ولا تكترث لأمرها؛ وهنا يمكنك أن تحظى ببعض التسلية. لقد أبدع الفنان الكوري العالمي، نام جون بايك، أعمالا فنية كثيرة بتأثير تشويه مقاطع الفيديو باستخدام الطريقة نفسها تقريبا. كذلك في قاعة التدريس أشغل التليفزيون على أحد البرامج المملة من اختياري – وعادة ما تكون الإعلانات مناسبة جدًّا لهذا الشرح العملي – فنستمتع جميعًا بالطريقة التي يشوه بها المغناطيس الصورة تماما.
يعود تاريخ المغناطيسية إلى العصور القديمة شأنها شأن الكهرباء؛ حيث يبدو أن اليونانيين القدماء، والهنود والصينيين كانوا يعرفون أن تلك الصخرة – التي باتت تعرف اليوم بحجر المغناطيس – تجذب قطع الحديد الصغيرة (مثلما عرف الإغريقيون أن الكهرمان بعد فركه يجتذب أجزاء من أوراق الشجر). واليوم نطلق على هذه المادة المغنتيت، وهو معدن مغناطيسي طبيعي، بل إنه في الواقع أقوى معدن مغناطيسي طبيعي على سطح الأرض. ويتركب المغنتيت من الحديد والأكسجين Fe3 O4))، ومن ثم، فإنه أحد أكاسيد الحديد.
لكن المغناطيس لا يقتصر على المغنتيت فحسب، إذ توجد أنواع كثيرة مختلفة من المغناطيس. وقد اضطلع الحديد بدور هائل في تاريخ المغناطيسية، وما زال مكونا رئيسا في كثير من المواد التي تتأثر بالمغناطيس، حتى إن تلك المواد الأكثر انجذابًا إلى المغناطيس يُطلق عليها المواد المغناطيسية الحديدية؛ وعادة ما تكون هذه المواد معادن أو مركبات معادن، ومنها الحديد نفسه بالطبع، والكوبلت، وأكسيد الكروم الرباعي (الذي كان يدخل بنسبة ثقيلة في صناعة الأشرطة المغناطيسية). بعض هذه المواد يمكن أن تكتسب مغنطة دائمة بإدخالها إلى مجال مغناطيسي. وثمة مواد أخرى تسمى المواد المغناطيسية المسايرة (أو البارامغناطيسية) التي تنجذب إلى المغناطيس بدرجة ضعيفة عند إدخالها لمجال مغناطيسي، ثم يزول عنها التمغنط باختفاء هذا المجال. تشمل تلك المواد الألمونيوم، والتنجستن، والماغنسيوم، صدق أو لا تصدق، والأكسجين. تخلق بعض المواد التي تسمى المواد الدايامغناطيسية، مجالات مغناطيسية ضعيفة متعاكسة في وجود مجال مغناطيسي. وتتضمن تلك الفئة من المواد البزموت والنحاس والذهب والزئبق والهيدروجين وملح المائدة، بالإضافة إلى الخشب والبلاستيك والكحول والهواء والماء. أما السبب الذي يجعل بعض المواد فيرومغناطيسية، وبعضها بارامغناطيسية، وأخرى دايامغناطيسية، فيتعلق بكيفية توزيع الإلكترونات حول نواة الذرة – وهو أمر شديد التعقيد.
بل إن هناك مواد مغناطيسية سائلة وهي ليست مواد فيرومغناطيسية بالضبط، لكنها محاليل مواد فیرومغناطيسية تستجيب للمغناطيس بطرق فاتنة ومدهشة. يمكنك صنع واحدة من تلك المواد المغناطيسية السائلة بسهولة؛ إذا وضعت هذا المحلول الذي يكون سميكا، على قطعة من الزجاج ووضعت تحته مغناطيسًا، فاستعد لترى بعض النتائج المدهشة – سترى أمرًا أشد عجبًا من مشاهدة اصطفاف برادة الحديد على طول خطوط المجال المغناطيسي، كما ربما قد رأيت في المدرسة الإعدادية.
في القرن الحادي عشر كان الصينيون يمغنطون الإبر من خلال ملامستها بحجر المغنتيت، ثم يعلقونها في خيط حريري وهنا كانت الإبر تصطف تلقائيا من الشمال إلى الجنوب؛ إذ كانت تصطف مع خطوط المجال المغناطيسي للأرض. وفي القرن التالي، كانت البوصلات تستخدم في الملاحة في كلّ من الصين والقنال الإنجليزي. وكانت تلك البوصلات تتكون من إبرة ممغنطة طافية في وعاء به ماء. ألم يكن ذلك عبقريا مهما انعطف الوعاء مع انعطاف القارب أو السفينة كانت الإبرة تظل مشيرةً لاتجاهي الشمال والجنوب.
لكن الطبيعة أكثر عبقرية؛ فكما نعرف تحوي أجسام الطيور المهاجرة قطعا دقيقة من المغنتيت تستخدمها على ما يبدو كبوصلات داخلية مما يساعد في إرشادها عبر طرق هجرتها. بل يظن بعض علماء الأحياء أن المجال المغناطيسي للأرض يحفز مراكز بصرية في بعض الطيور وحيوانات أخرى مثل السلمندر، ما يرجح أن تلك الحيوانات تستطيع رؤية المجال المغناطيسي للأرض إلى حدٍ لا يستهان به. كم رائع ذلك؟
وفي عام 1600، نشر العالم والطبيب البشري البارز ، ويليام جلبرت – الذي لم يكن طبيبًا عاديا، بل طبيب الملكة إليزابيث الأولى – كتابه «عن المغناطيس والأجسام المغناطيسية ومغناطيسية الأرض»، الذي يزعم فيه أن الأرض نفسها مغناطيس، وذلك بناءً على النتائج التي توصل إليها من خلال تجربته التي أجراها على كرة صغيرة ممغنطة، صممت لتكون نموذجًا لكوكب الأرض؛ ربما كانت تلك الكرة أكبر قليلًا من حجم ثمرة الجريب فروت، وقد كانت البوصلات الصغيرة المثبتة عليها تستجيب على النحو ذاته الذي تستجيب به على سطح الأرض. وادعى جلبرت أن البوصلات تشير شمالا لأن الأرض مغناطيس، وليس لوجود جزر مغناطيسية في القطبين الشمالي والجنوبي، أو لأن البوصلات كانت تشير نحو النجم القطبي، بولاريس، حسبما كان يعتقد بعضهم.
وقد أصاب جلبرت بالتأكيد في اعتقاده أن للأرض مجالا مغناطيسيا، وأن لها قطبين مغناطيسيين (كقطبي قطع المغناطيس التي تثبت على الثلاجات)، واللذين لا يتوافقان تماما القطبين الشمالي والجنوبي الجغرافيين. ولا يقتصر الأمر على ذلك؛ إذ يتزحزح هاذان القطبان المغناطيسيان قليلا، لمسافة تقدر بحوالي 15 كيلومتر تقريبا سنويًا؛ ومن ثم فإن الأرض من ناحية تعمل عمل قطعة المغناطيس البسيطة – تلك القطعة المعدنية المستطيلة الممغنطة العادية التي يمكن أن تشتريها من متجر الأدوات الترفيهية للهواة، لكنها تختلف تمامًا من نواحٍ أخرى – وقد استغرق العلماء زمنا طويلا للوصول إلى نظرية معقولة تفسر وجود مجال مغناطيسي للأرض؛ إذ لم يكن واقع وجود كميات هائلة من الحديد في مركز الأرض كافيًا لتفسير ذلك، وذلك لأنه عندما تتعدى درجة الحرارة حدا معينًا (وهو ما يُطلق عليه درجة حرارة كوري) تفقد الأجسام خواصها الفيرومغناطيسية، ولا يستثنى الحديد من ذلك، حيث تبلغ درجة حرارة كوري للحديد 770 درجة سيلزيوس، ومركز الأرض أشد قيظا. من ذلك كما نعلم!
تلك النظرية بالغة التعقيد، وتتعلق بالتيارات الكهربية السارية في مركز الأرض، وبدوران الأرض – ويطلق علماء الفيزياء عليها نظرية الدينامو (يستعين علماء الفيزياء الفلكية كذلك بنظرية الدينامو لتفسير تولُّد المجالات المغناطيسية للنجوم، بما في ذلك الشمس، التي تتبادل أقطاب مجالها المغناطيسي مواقعها كل أحد عشر عاما). قد يبدو الأمر مذهلًا لك، لكن العلماء ما زالوا يعملون على نموذج رياضي فيما يخص الأرض ومجالها المغناطيسي؛ بعبارة أوجز، المجال المغناطيسي أمر بالغ التعقيد. وما أسهم في زيادة عملهم تعقيدًا هو وجود أدلة جغرافية على أن المجال المغناطيسي للأرض قد تغير جذريًا على مدار القرون؛ حيث انتقلت الأقطاب لمسافات أبعد كثيرًا من تزحزحها السنوي، ويبدو أن قطبي المجال المغناطيسي للأرض أيضًا قد تبادلا مواقعهما – وذلك لأكثر من 150 مرة على مدار السبعين مليون عاما الماضية فقط. ألا يبدو ذلك جنونيا؟
واليوم صار بإمكاننا رسم مخطط للمجال المغناطيسي للأرض بشيء من الدقة بفضل الأقمار الصناعية (مثل القمر الصناعي الدنماركي أورستد) المزودة بأجهزة قياس حساسة للمغناطيسية. وقد ساعدنا ذلك على معرفة أن المجال المغناطيسي للأرض يمتد لمسافة مليون كيلومتر في الفضاء. كما صرنا نعلم أن المجال المغناطيسي يحدث أحد أجمل الظواهر الطبيعية في الغلاف الجوي في أقرب نطاقاته من الأرض.
ربما تذكر أن الشمس تبعث سيلا عارمًا من الجسيمات المشحونة، التي تكون على الأرجح بروتونات وإلكترونات، فيما يُعرف بالرياح الشمسية. هنا يعمل المجال المغناطيسي للأرض على توجيه بعض من هذه الجسيمات إلى الغلاف الجوي للأرض عند القطبين المغناطيسيين عند اصطدام تلك الجسيمات السريعة، التي يبلغ متوسط سرعاتها 400 كيلومتر في الثانية، بجزيئات الأكسجين والنتروجين في الغلاف الجوي، تتحول بعض من الطاقة الحركية (طاقة الحركة) إلى طاقة كهرومغناطيسية في صورة ضوء – حيث يطلق الأكسجين الضوء الأخضر أو الأحمر، فيما يطلق النتروجين ضوءًا أزرق أو أحمر. ربما تخمن الآن ما أوشك على قوله، وقد أصبت التخمين: فهذا هو سبب ذلك العرض الضوئي الساحر المعروف بالشفق القطبي الشمالي، الأضواء الشمالية في النصف الأعلى من الكرة الأرضية والشفق القطبي الجنوبي، الأضواء الجنوبية في النصف الأسفل من الكرة الأرضية. فلم لا تُرى تلك الأضواء سوى عند أقصى الشمال أو أقصى الجنوب؟ لأن الرياح الشمسية تدخل الغلاف الجوي للأرض بصفة أساسية بالقرب من القطبين المغناطيسيين، حيث يكون المجال المغناطيسي في أشد قوة له. ويُعزى سبب ازدياد تأثيرات تلك الظاهرة في بعض الليالي مقارنة بالليالي الأخرى إلى أنه متى حدثت انفجارات شمسية تزداد الجسيمات التي تصنع ذلك العرض الضوئي. ويمكن أن تتفاقم تلك التأثيرات عند حدوث انفجارات شمسية هائلة، مما يسبب ما يُطلق عليه العواصف الجيومغناطيسية، التي تؤدي إلى حدوث ظاهرة الشفق القطبي بعيدًا عن المناطق المعتادة، والتي قد تعوق البث الإذاعي وعمل الحواسيب الآلية وعمليات الأقمار الصناعية، بل وقت تتسبب في انقطاع الكهرباء.
إذا لم تكن من سكان الدائرة القطبية (أنتاركتيكا)، فلن يتسنى لك رؤية تلك الأضواء كثيرًا. ولذا، إذا سافرت يومًا مساءً على متن طائرة متجهة إلى أوروبا من شمال شرق الولايات المتحدة ومعظم تلك الرحلات تكون مسائية، فلربما عليك أن تحاول حجز مقعد على الجانب الأيسر من الطائرة؛ ذلك لأنك ستكون على ارتفاع سبعة أميال في الغلاف الجوي، وهنا قد تسنح لك الفرصة برؤية بعض الأضواء الشمالية من نافذة الطائرة، ولا سيما إذا كانت هناك زيادة حادة في النشاط الشمسي حديثا، وهو ما يمكن معرفته بالبحث على الإنترنت. لقد رأيتُ تلك الأضواء بالطريقة نفسها مرات عدة، لذلك أحجز مقعدًا على الجانب الأيسر من الطائرة وقتما أمكنني ذلك. أعتقد أن لدي متسع كاف من الوقت لمشاهدة الأفلام في المنزل، أما على الطائرة فإنني أراقب الأضواء الشمالية ليلًا وأستمتع بجمال الطبيعة الخلابة في أوقات النهار.
علاوة على ذلك، فإننا ندين للمجال المغناطيسي للأرض، لأننا دونه ربما عانينا بعضًا من العواقب الخطيرة للتدفق المستمر للجسيمات المشحونة التي تُمطر غلافنا الجوي. فلولا المجال المغناطيسي لربما دمرت الرياح الشمسية الغلاف الجوي وقضت على المياه قبل ملايين السنوات مما كان سيخلق ظروفًا تجعل تطور الحياة على الأرض أشد صعوبة، إن لم يكن مستحيلا. ويفترض العلماء أن ضعف المجال المغناطيسي للمريخ مع ذلك القصف للرياح الشمسية هو سبب رقة سمك الغلاف الجوي للكوكب الأحمر وندرة المياه على سطحه مقارنة بالأرض، وهي بيئة لا يمكن للبشر العيش فيها إلا بمساعدة نظم قوية لحفظ الحياة.