x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية والجنسية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
صفات المتقين / الملازمة بين القول والعمل
المؤلف: الشيخ / حسين الراضي العبد الله
المصدر: التقوى ودورها في حل مشاكل الفرد والمجتمع
الجزء والصفحة: ص 410 ــ 416
2023-09-24
1013
قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (وَالْقَوْلَ بِالْعَمَلِ).
فلا يقول ما لا يفعل فلا يأمر بمعروف ويقف دونه ولا ينهى عن منكر ثم يفعله، ولا يعد فيخلف (1).
قالوا لئلا يدخل في مقت الله كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3]، قال ابن عربي حول تفسير الآية المتقدمة:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2]، من لوازم الإيمان الحقيقي الصدق وثبات العزيمة، إذ خلوص الفطرة عن شوائب النشأة يقتضيهما، وقوله: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2]، يحتمل الكذب وخلف الوعد، فمن ادعى الإيمان وجب عليه الاجتناب عنهما بحكم الإيمان وإلا فلا حقيقة لإيمانه، ولهذا قال: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3]، لأن الكذب ينافي المروءة التي هي من مبادئ الإيمان فضلاً عن كماله إذ الإيمان الأصلي هو الرجوع إلى الفطرة الأولى والدين القيم وهي تستلزم أجناس الفضائل بجميع أنواعها التي أقل درجاتها العفة المقتضية للمروءة، والكاذب لا مروءة له فلا إيمان له حقيقة. وإنما قلنا: لا مروءة له لأن النطق هو الإخبار المفيد للغير المعنى المدلول عليه باللفظ والإنسان خاصته التي تميزه عن غيره هي النطق فإذا لم يطابق الإخبار لم تحصل فائدة النطق، فخرج صاحبه عن الإنسانية وقد أفاد ما لم يطابق من اعتقاد وقوع غير المواقع فدخل في حد الشيطنة فاستحق المقت الكبير عند الله بإضاعة استعداده واكتساب ما ينافيه من أضداده. وكذا الخلف لأنه قريب من الكذب ولأن صدق العزم وثباته من لوازم الشجاعة التي هي إحدى الفضائل اللازمة لسلامة الفطرة وأول درجاتها، فإذا انتفت انتفي الإيمان الأصلي بانتفاء ملزومه فثبت المقت من الله (2).
هذا التحليل الرائع لمفهوم الآيتين المباركتين يتلخص فيما يلي:
1ـ من لوازم الإيمان الحقيقي التطابق بين القول والعمل وهو يمثل الصدق الذي يدل على تمسك الإنسان بإنسانيته.
2ـ عدم التطابق هو عين الكذب وهو يتنافى مع المروءة التي هي من المبادئ الأولية للإيمان فضلاً عن حقيقته.
3ـ إن الصدق منسجم مع فطرة الإنسان فإذا خالفه فقد خرج عن إنسانيته ودخل في حيز الشيطنة.
4- ومع الشيطنة يستحق المقت الإلهي.
5ـ إن خلف الوعد خلاف صدق العزم وهو من لوازم الشجاعة وهي إحدى الفضائل اللازمة لسلامة الفطرة فإذا انتفت انتف الإيمان الحقيقي.
وقريب من هذا التحليل العميق ما شرحه المفكر الإسلامي السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره تحت عنوان:
{لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2]؟ فقال:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2]، هذا هو الخط الإيماني الذي يريد الله من المؤمنين أن يتحركوا فيه، على أساس أن الإيمان ليس مجرد كلمة تقال، ولا تمنيات تعيش في دائرة الشعور بل هو عقيدة تجتذب الفعل، وشعور يتحرك في الموقف. فالمضمون الإيماني في الإسلام يعني العقيدة والشريعة والمنهج في ما تلتقي عليه من التخطيط لحركة الإنسان في الحياة، وبنائها على أساس رضا الله، ولا بد للوصول إلى ذلك من الالتزام الجدي الفاعل الذي يجسد التطابق بين القول والفعل، لأن الهدف الإسلامي هو تغيير الحياة والإنسان، ولأن الانحراف عن ذلك يعني إرباك حركة القيادة في مواجهة التحديات، مما يؤدي إلى اهتزاز الوضع الإسلامي كله وإفساح المجال للفئات المضادة أن تسيطر على المسلمين، من خلال اختلال مواقع القوة في الميزان الإسلامي، لا سيما إذا كانت المسألة تتصل بالجانب العسكري الذي يواجه فيه الواقع الإسلامي هجوم الأعداء وحصارهم للمسلمين، من أجل القضاء على الإسلام أو إخضاع المسلمين للسيطرة الكافرة.
وربما كانت هذه الآيات نداء جهادياً في ما جاءت به أحاديث اسباب النزول، فقد روي عن ابن عباس قال: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: وددنا أن الله دلّنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به، فأخبرهم الله أن أفضل الأعمال إيمان لا شك فيه، والجهاد فكره ذلك أناس وشق عليهم وتباطأوا عنه، فنزلت الآية (3).
وهذا هو الخط الذي ينبغي أن تتحرك التربية الإسلامية على أساسه من أجل صياغة الإنسان المسلم صياغة إسلامية على أساس أن يكون تجسيداً عملياً للإسلام في مفهومه وشريعته.
ويواصل السيد محمد حسين فضل الله حول فضاعة المقت الإلهي في تفسير الآية الثانية فيقول: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3]، وذلك هو غاية الفظاعة في ما يمكن أن يوجه إلى المؤمن عندما يتطلع إلى نفسه وإلى موقعه من ربه، فيرى نفسه ممقوتاً منه أشد المقت، ومبغوضاً أشد البغض، بينما يفرض عليه إيمانه أن ينال المحبة من الله للحصول على رحمته التي هي أساس خلاصه وسعادته في الدنيا والآخرة.
وهذا مما يوحي إليه بخطورة المسألة التي لم يعهد التعبير عن غيرها بهذا الأسلوب العنيف الذي يضع المسألة في أعلى درجة من الأهمية، لأنه يمثل في النطاق الذاتي لوناً من ألوان الخداع والغش في إعلان الموقف الإيماني الذي يعني الميثاق مع الله على تحويل ذلك إلى موقف عملي. وأية جريمة أعظم من جريمة خداع الإنسان لربه. أما في النطاق الاجتماعي، فإنه يمنع قيام أية ثقة اجتماعية بين الناس في ما يتحركون به على مستوى العلاقات والمعاملات على أساس ما يعلنونه من التزامات الإيمان، عندما تكون الأخلاق العامة في هذا المستوى السلبي من الوفاء بالالتزامات الخاصة والعامة، أو ما يثيرونه من الالتزامات الخاصة في ما بينهم، وأما في نطاق الدولة، فإنه يمنع القيادة من الشعور بالقوة أمام المشاكل الصعبة والتحديات الكبيرة التي تواجهها في مسألة الأمن والنظام مما يؤدي إلى اختلال النظام العام للأمة بالمستوى الذي يعرضها للضعف ويدفعها في نهاية المطاف إلى السقوط والانهيار.
وعلى ضوء ذلك، فإن هذه القيمة الأخلاقية - وهي التطابق بين القول والفعل - تمثل العمق الإيماني الذاتي على مستوى الفرد، والقيمة الاجتماعية على مستوى تماسك المجتمع في علاقاته العامة والخاصة، والأساس القوي لقوة الدولة في التزام الأمة بالقيادة في مسؤولياتها العامة.
وإذا كانت الرواية السابقة قد ذكرت نزول الآيتين في حديث النبي (صلى الله عليه وآله) عن الجهاد، فإن ذلك يمثل النموذج الحي الذي يعطي الخط العريض لكل النماذج الأخرى في كل أحكام الإسلام وشرائعه (4).
هذا الدرس التربوي الرائع الذي يقدمه سماحة السيد محمد حسين فضل الله في شرحه للآيتين المباركتين قد أكدته روايات عديدة رويت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) حول من وصف عدلا ثم خالفه ولم يتطابق عمله مع قوله وعدم التطابق بين القول والعمل والتنديد بفاعله وكشف سلبيات عمله هذا.
ثم لم تقتصر الروايات في كشف جوانبه السلبية على الحياة الدنيوية وهي ليست بقليلة بل تعدت إلى الحياة الأخروية وهي لا تقاس بما في الدنيا فإن جزاء هؤلاء - خصوصاً طبقة العلماء والوعاظ - الحسرة والندامة يوم القيامة ونار جهنم كما في الصحيح عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ:
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: إِنَّ مِنْ (5) أَعْظَمِ النَّاسِ حَسْرَةٌ (6) يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَصَفَ عَدْلًا، ثُمَّ (7) خَالَفَهُ إلى غَيْرِهِ (8).
وعَنْ قتيبة الأعشى:
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): أَنَّهُ قَالَ (9): مِنْ (10) أَشَدَّ النَّاسِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَصَفَ عَدْلًا، وَعَمِلَ بِغَيْرِهِ (11).
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): قَالَ (12) فِي قَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ): {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ} [الشعراء: 94].
وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ:
قال (13): يَا أَبَا بَصِيرٍ، هُمْ قَوْمٌ وَصَفُوا عَدْلًا بِأَلْسِنتِهِمْ، ثُمَّ خَالَفُوهُ إلى غيره (14).
وقال ابن أبي الحديد هو كقول الأحوص:
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم على اللسان يقول ما لا يفعل (15).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ شرح نهج البلاغة (ابن میثم) ج 3، صفحة 421.
2ـ تفسیر ابن عربي، ج 2، ص 336.
3ـ مجمع البيان، ج 5، ص 417.
4ـ تفسير من وحي القرآن، ج 22، ص 179.
5ـ في (ص، هـ): - (من).
6ـ في (ب): - (من).
7ـ في البحار: (و) بدل (ثم).
8ـ الكافي (الطبعة الحديثة)، ج 3، ص 732، الحديث 2516، وفي الطبع القديم 2،
ص 300. الزهد، ص 78، ح 39، بسنده عن ابن أبي يعفور، الأمالي للطوسي، ص 663، المجلس 35، ح 30، بسنده عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن ابن أبي يعفور الوافي، ج 5، ص 849، ح 3127؛ البحار، ج 72، ص 224، ح 3.
9ـ هكذا في النسخ التي قوبلت والواقي وفي المطبوع: + (إن).
10ـ في (ب): - (من).
11ـ الكافي (الطبعة الحديثة)، ج 3، ص 732، الحديث 2515، وفي الطبع القديم 2،
ص 300، الوافي، ج 5، ص 849، ح 3126.
12ـ في (هـ) والوافي: - (قال).
13ـ في (هـ) والوسائل والزهد، ح 185: (فقال).
14ـ الكافي (الطبعة الحديثة)، ج 3، ص 733، الحديث 2517، وفي الطبع القديم 2، ص 300، وفي مورد آخر من الكافي، كتاب فضل العلم، باب لزوم الحجة على العالم وتشديد الأمر عليه، ح 127، وكتاب الزهد للحسين بن سعيد، ص 137، ح 185، عن عبد الله بن بحر، عن ابن مسكان، مع اختلاف يسير، وفيه، ح 184، بسند آخر عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) المحاسن، ص 120، کتاب عقاب الأعمال، ذيل ح 134، بسند اخر. تفسير القمي، ج 2، ص 123، مرسلا فقه الرضا (عليه السلام). ص 376، مع زيادة في آخره، وفي الثلاثة الأخيرة مع اختلاف يسير، الوافي، ج 5، ص 850، ح 3128، الوسائل، ج 15، ص 296، ح 20557، البحار، ج 72، ص 224، ح 4.
15ـشرح نهج البلاغة، ج 10، ص 157.