1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية والجنسية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : التربية والتعليم : التربية الروحية والدينية :

وصف المتقين على لسان أمير المؤمنين علي (عليه السلام)

المؤلف:  الشيخ / حسين الراضي العبد الله

المصدر:  التقوى ودورها في حل مشاكل الفرد والمجتمع

الجزء والصفحة:  ص184 ــ 197

2023-05-31

2392

طلب أحد أصحاب الإمام علي (عليه السلام) منه أن يصف له المتقين فقد كان يسمع عنهم الكثير من المدح والثناء ولكنه لا يعرف أوصافهم فتثاقل الإمام في تلبية طلبه لما يخشاه عليه من شدة الأثر، ولكن هذا الشخص الذي يقال له (همّام) أقسم على الإمام أن يستجيب لطلبه وأن يحقق أمنيته فجاءت خطبة وصف المتقين التي رويت في نهج البلاغة وغيره وإليك هي.

من خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف المتقين وشيعته المؤمنين وقد وضع النقاط على الحروف وشخص الداء ثم وصف الدواء، هذه الخطبة نقلها السيد الشريف الرضي المتوفى سنة 406هـ في (نهج البلاغة) حول وصف المتقين ومميزاتهم وبرنامجهم اليومي والحياتي ولكن الشيخ الكراجكي نقلها في كتابه كنز الفوائد بعنوان إن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) كان بصدد وصف شيعته والمنتسبين إليه وتشخيصهم على مر الدهور والأزمنة، وسوف نتعرض للروايات.

قال الشريف الرضي:

رُوِيَ أَنَّ صَاحِباً له (لأمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ) (عليه السلام) (1)، يُقَالُ لَهُ هَمَّامٌ كَانَ رَجُلًا عَابِداً فَقَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صِف لِي الْمُتَّقِينَ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ فَتثاقَلَ عَنْ جَوَابِهِ:

ثُمَّ قَالَ يَا هَمَّامُ اتَّقِ اللَّهَ وَأَحْسِنُ فـ {أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ * وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 194، 195].

فَلَمْ يَقْنَعْ هَمَّامٌ بذلك الْقَوْلِ حَتَّى عَزَمَ عَلَيْهِ؛ قال فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) ثُمَّ قَالَ (عليه السلام) (2):

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتعالى (3) خَلَقَ الْخَلْقَ - حين (حَيْثُ) (4) خَلَقَهُمْ - غَنِيّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ آمِناً مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ، لأَنَّهُ لا تَضُرُّهُ مَعْصيةُ مَنْ عَصَاهُ، وَلا تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَهُ، فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ مَعَايِشَهُمْ، وَوَضَعَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا مَوَاضِعَهُمْ.

فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ: مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ، وَمَلْبَسُهُمُ الاقْتِصَادُ، وَمَشْيهمُ التَّوَاضُعُ، غضُوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَوَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ، نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي البلاء كَالَّذِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاءِ، لَوْلَا الْأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ لَهُمْ لَمْ تَسْتَقِر أَروَاحهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ شَوْقاً إلى الثَّوَابِ وَخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ (5).

ربما يسأل بعض الناس ويقول ما هو الداعي لمثل هذه المواصفات للمتقين أو لغيرهم؟ أو ما هو دورها في حياة الإنسان حتى يلتزم بها أو لا يلتزم؟

وهنا ينبغي في الجواب أن نشير - قبل أن ندخل في شرح الخطبة. لما للإنسان من ميزة خاصة على بقية المخلوقات ومنها الحيوانات حيث ميزته عنها، فاستحق أن يتصف بمواصفات معينة لا يحتاجها الحيوان.

الميزة لأفضلية الإنسان

لا إشكال في أفضلية الإنسان على الحيوان بل وبقية المخلوقات ولكن ماهي تلك الميزة التي فضلته على غيره؟

تميز الإنسان بعقله الذي أودعه الله فيه وجعله شرط التكليف فما لم يوجد فلا تكليف، ورتب على التكليف له ميزة أخرى مهمة ألا وهي وجود الحرية له التي تحدث عنها القرآن الكريم في أكثر من موضع ومنها قوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان: 2]، فالإنسان يشترك مع الحيوان في النطفة التي يتكون كل منهما ولكن الامتحان والابتلاء هي خاصية للإنسان فميزة الإنسان على غيره هي جنبة (الابتلاء) والامتحان وهو معنى الحرية.

قدرة الإنسان على الامتحان

شرط الامتحان هو الحرية، فالتلميذ الذي يمتحن يجب أن يعطى الحرية في إجاباته وإلا فلا يمكن الامتحان والاختبار وكذلك الإنسان لا بد في الامتحان في الحياة من القدرة على أن يكون ممتحناً وهي الحرية للفعل والترك.

أما الحيوانات فلا تمتلك مثل هذه الحرية فلا تكلف بالامتحان والابتلاء.

الهداية التكوينية والهداية التشريعية

يشترك الإنسان والحيوان في الهداية التكوينية فالنظام التكويني هما يخضعان سواء فيما يرجع لهما في أنفسهما أو في الخارج عنهما، بينما يختص الإنسان بالهداية التشريعية دون الحيوان والقرآن الكريم يتحدث عن الهداية التكوينية على لسان موسى في قوله تعالى: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50].

الهداية التشريعية وحرية الإنسان

الهداية التشريعية عبارة عن التعاليم التي أمر بها الأنبياء والرسل الناس وحثوهم عليها ويوجد تلازم بين الهداية التشريعية وحرية الإنسان، فلا يمكن للإنسان أن يأتي بالتعاليم الدينية إذا لم تكن هناك حرية له، قال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: 3]، فله القدرة على الاختيار والفعل والترك وإن كان قد أمر بما فيه خيره ومصلحته ونهى عما فيه مضرته وخسارته.

التكامل بين الإنسان والحيوان

الحيوان يتكامل في مجال الهداية التكوينية ولا حرية له في التخلف عنها، أما الإنسان فإنه يتكامل في مجال الهداية التشريعية وهو وحده الذي يتمكن من دخولها والتكامل فيها دون الحيوان حيث لا حرية للحيوان، بينما الإنسان يمتلك تلك الحرية.

العبادة وطريق الكمال

العبادة في الإسلام ليست نمطاً روتينياً معيناً لا يتعداه الإنسان، وليست طقوساً معينة مجسمة لا يشمل غيرها، بل إن الإسلام أعطى العبادة مفهوماً واسعاً فالصلاة والصيام والحج والزكاة عبادة ... والدعاء عبادة كما أن الخدمات الاجتماعية بمختلف أشكالها إذا نوى بها التقرب إلى الله عبادة.

لمن هذه المواصفات

كما تقدم وفي رواية الشريف الرضي في نهج البلاغة أن المخاطبين عموم الناس وأن الحديث كان عن عموم المتقين ومواصفاتهم.

ولكن في بعض المصادر الحديثية أن الإمام أمير المؤمنين كان يحكي سمات ومواصفات شيعته التي يجب أن تتوفر فيهم حتى يرتقوا إلى أعلى درجات الكمال والرقي المعنوي.

فقد روى هذه الخطبة العلامة المجلسي عن الشيخ الكراجكي في كتابه (كنز الفوائد ج 1، ص 89 – 92)، بسندين عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثَّمَالِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ يَعْنِي يَحْيَى بْنَ أَمْ الطَّوِيلِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ نَوْفِ الْبِكَالِي قَالَ عُرِضَتْ لِي إلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالبِ (عليه السلام) حَاجَةٌ فَاسْتَتْبَعْتُ إِلَيْهِ جُنْدَبَ بْنَ زُهَيْرٍ وَالرَّبِيعَ بْنَ خثيْمٍ وَابْنَ أُخْتِهِ هَمَّامَ بْنَ عُبَادَةَ بْنِ خثْيمٍ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْبَرَانِسِ - فَأَقْبَلْنَا مُعْتَمِدينَ لِقَاءَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): فَأَلْفَيْنَاهُ حِينَ خَرَجَ يَؤُمُ الْمَسْجِدَ فَأَفضَى وَنَحْنُ مَعَهُ إلى نَفَرٍ مُبدنِينَ قَدْ أَفَاضُوا فِي الْأَحْدُوثَاتِ تَفَكَّهَا وَبَعْضُهُمْ يُلْهِي بَعْضاً فَلَمَّا أَشْرَف لَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) أَسْرَعُوا إِلَيْهِ قِيَاماً فَسَلِّمُوا فَرَدَّ التَّحِيَّةَ، ثُمَّ قَالَ مَنِ الْقَوْمُ؟

قَالُوا: أُنَاسٌ مِنْ شِيعَتِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.

فَقَالَ لَهُمْ خَيْراً، ثُمَّ قَالَ يَا هؤلاءِ مَا لِي لا أَرَى فِيكُمْ سِمَةً شِيعَتِنَا وَحِلْيةً أَحبتَنا أَهْلَ الْبَيْتِ؟ فَأَمْسَكَ الْقَوْمُ حَيَاءٌ.

قَالَ نَوْفٌ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ جُنْدَبٌ وَالرَّبِيعُ فَقَالا مَا سِمَةُ شِيعَتِكُمْ وَصِفَتُهُمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَتَثَاقَلَ عَنْ جَوَابِهِمَا وَقَالَ اتَّقِيَا اللَّهَ أَيُّهَا الرَّجُلَانِ وَأَحْسِنَا (6)، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128].

فَقَالَ هَمَّامُ بْنُ عُبَادَةَ - وَكَانَ عَابِداً مُجْتَهِداً - أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَكْرَمَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَخصَّكُمْ وَحَبَاكُمْ وَفَضَّلَكُمْ تَفْضِيلاً إِلَّا أَنْبَأَتنَا بِصِفَةِ شِيعَتِكُمْ.

فقَالَ لا تُقسم فَسَأَنَبِّئُكُمْ جَمِيعاً وَأَخَذَ بِيَدِ هَمَّامٍ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَسَبَّحَ رَكْعَتَيْنِ أَوْجَزَهُمَا وَأَكْمَلَهُمَا وَجَلَسَ وَأَقْبَلَ عَلَيْنَا وَحَف الْقَوْمُ بِهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِي (صلى الله عليه وآله).

ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ خَلَقَ خَلْقَهُ فَأَلْزَمَهُمْ عِبَادَتَهُ، وَكَلَّفَهُمْ طَاعَتَهُ، وَقَسَمَ بَيْنَهُمْ مَعَايِشَهُمْ، وَوَضَعَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِحَيْثُ وَضَعَهُمْ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ غَنِيٌّ عَنْهُمْ لَا تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَهُ، وَلا تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ مَنْ عَصَاهُ مِنْهُمْ، لَكِنَّهُ عَلِمَ تَعَالَى قُصُورَهُمْ عَمَّا تَصْلُحُ عَلَيْهِ شُؤونُهُمْ وَتَسْتَقِيمُ بِهِ دَهْمَاؤُهُمْ فِي عَاجِلِهِمْ وَآجِلِهِمْ فَارْتَبَطَهُمْ بِإِذْنِهِ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ؛ فَأَمَرَهُمْ تَخْيِيراً وَكَلَّفَهُمْ يَسِيراً وَأَثَابَهُمْ كَثِيراً وَأَمَازَ سُبْحَانَهُ بِعَدْلٍ حُكْمِهِ وَحِكْمَتِهِ بَيْنَ الْمُوجِفِ مِنْ أَنَامِهِ إِلَى مَرْضَاتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَبَيْنَ الْمُبْطِئ عَنْهَا وَالْمُسْتَظْهِرِ عَلَى نِعْمَتِهِ مِنْهُمْ بِمَعْصِيَتِهِ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [العنكبوت: 4 - 6].

ثُمَّ وَضَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ يَدَهُ عَلَى مَنْكِبٍ هَمَّامِ بْنِ عبادة.

فَقَالَ أَلَا مَنْ سَأَلَ عَنْ شِيعَةِ أَهْلِ الْبَيْتِ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ فِي كِتَابِهِ مَعَ نَبِيْهِ تَطْهِيراً؟ فَهُمُ الْعَارِفُونَ بِاللَّهِ، الْعَامِلُونَ بأَمْرِ اللهِ، أَهْلُ الْفَضَائِلِ وَالْفَوَاضِلِ: مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ، وَمَلْبَسُهُمُ الاقتصاد، وَمَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ، بَخَعوا لِلَّهِ تعالى بِطَاعَتِهِ، وَخَضَعُوا لَهُ بِعِبَادَتِهِ، فَمَضَوْا غاضْينَ أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمْ، وَاقِفِينَ أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ بدِينِهِمْ، نَزَلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلَاءِ، كَالَّذِي نَزَلَتْ مِنْهُمْ فِي الرَّخَاءِ، رَضِيَ عَنِ اللَّهِ بِالْقَضَاءِ، فَلَوْ لَا الآجَالُ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَهُمْ لَمْ تَسْتَقِرٌّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ شَوْقاً إلى لِقَاءِ اللَّهِ وَالثَّوَابِ وَخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ، عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ وَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ، فَهُمْ وَالْجَنَّةُ كَمَنْ رَآهَا فَهُمْ عَلَى أَرَائِكِهَا مُتَّكِئونَ، وَهُمْ وَالنَّارُ كَمَنْ أَدْخَلَهَا فَهُمْ فِيهَا يُعَذَّبُونَ، قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ، وَشُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ، وَأَجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ، وَحَوَائِجُهُمْ خَفِيفَةٌ، وَأَنْفُسُهُمْ عَفيفةٌ، وَمَعُونَتُهُمْ فِي الإِسْلامِ عَظِيمَةٌ، صَبَرُوا أَيَّاماً قَلِيلَةٌ فَأَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَةٌ، وَتِجَارَةٌ مُرْبِحَةٌ يَسّرَهَا لَهُمْ رَبِّ كَرِيمٌ أُنَاسٌ أَكْياس أَرَادَتْهُمُ الدُّنْيَا فَلَمْ يُرِيدُوهَا، وَطَلِبَتْهُم فَأَعْجَزُوهَا... (8).

فعلى هذه الرواية يكون الحديث منصب على صفات شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث ادعى قوم أنهم شيعته ولكنه استنكر عليهم عدم وجود صفات شيعته وسماتهم فيهم ثم أفاض في أوصاف شيعته الذين هم عبارة عن صفات المتقين على رواية الكليني والرضي وغيرهما.

 وفي هذه الرواية ذكرت اسم همام بن عبادة بن خيثم أو (خثيم) كما في بعض النسخ.

ولكن ابن أبي الحديد قال:

همام المذكور في هذه الخطبة هو همام بن شريح بن يزيد بن مرة بن عمرو بن جابر بن يحيى بن الأصهب بن كعب بن الحارث بن سعد بن عمرو بن ذهل بن مروان بن صيفي بن سعد العشيرة.

وكان همام هذا من شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) وأوليائه وكان ناسكاً عابدا قال له يا أمير المؤمنين صف لي المتقين حتى أصير بوصفك إياهم كالناظر إليهم (9).

ولكنه لم يذكر مستنده على ذلك.

من هم الشيعة حقاً؟

كما تقدم فإن رواية الكراجكي تتحدث أن هذه الخطبة إنما كانت في شرح مواصفات شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) وحثه لهم على الاتصاف بها وهذه الدعوى قريبة من الصحة حيث تؤيدها عشرات الروايات التي تحدثت عن مواصفات شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) على لسان أئمة أهل البيت (عليهم السلام) (10).

قول المصنف: روي أن صاحبا ....

الصاحب يستعمل في الموافق للطرف الذي يصاحبه وقد يكون من المخالفين له، وقد ذكر الشيخ الطوسي في رجاله جملة من أصحاب الأئمة (عليهم السلام) الموافقين لهم والمخالفين بل والمعادين لهم ضمن أصحابهم.

كما ورد في الذكر الحكيم من الأصحاب المخالفين لمن صحبوا كما في قوله تعالى: {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} [الكهف: 34]، الى ان قال: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} [الكهف: 35 - 37]، فكل واحد منهما له فكر واتجاه غير اتجاه الآخر ومع ذلك أطلق على كل واحد منهما صاحباً للآخر.

الإشكال كيف أجاب الإمام (عليه السلام) هماماً حتى أدى به إلى الهلاك، قال ابن میثم حول هذا الإشكال وجوابه:

(كيف جاز منه (عليه السلام) أن يجيبه مع غلبة ظنه بهلاكه وهو كالطبيب إنما يعطى كلا من المرضى بحسب احتمال طبيعته من الدواء).

فأجاب بقوله: إنه لم يكن يغلب على ظنه (عليه السلام) إلا الصعقة عن الوجد الشديد فأما أن تلك الصعقة فيها موته فلم يكن مظنوناً له (11).

وقال المحقق التستري:

فقال: صف لي المتقين حتى كأني أنظر إليهم، كان همام عالماً بأنه (عليه السلام) يقتدر على وصف الشيء بما يجعله مشاهداً ولعمري لأتى عليه السلام فوق ما انتظر.

فتثاقل (عليه السلام) عن جوابه لما يعلم من عاقبة أمره لكن عرفت أن رواية الكراجكي تضمنت أنه (عليه السلام) تثاقل عن جواب جندب بن زهير والربيع بن خيثم عمّ همام (12).

(ثم قال يا همام اتق الله) في الحلية عن ابن عباس إن آخر آية نزلت في كتاب الله: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281].

وأحسن: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ.

{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128]، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ

اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ.

حتى عزم عليه: قال الجوهري (عزمت عليك) أي: أقسمت عليك.

فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله)، يفهم منه، انه ينبغي أن يؤتى قبل كل كلام طويل بحمد وتصلية (13).

من المستفيد من الطاعات؟

قد يتصور بعض من لا خبرة له أن الله سبحانه بحاجة إلى عبادة خلقه وطاعتهم إليه وهذا اشتباه كبير فإن الله سبحانه غني عن العالمين فلا حاجة له بأي شيء والمستفيد هو العبد كما أنه لا تضره المعاصي والمتضرر منها العبد لذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) قدم بيان كونه تعالى غنيا عن الخلق في طاعتهم وآمناً منهم في معصيتهم لأنه لما كانت أوامره تعالى بأسرها أو أكثرها يعود إلى الأمر بتقواه وطاعته وكان أشرف ما يتقرب إليه البشر بالتقوى، وهو في معرض صفة المتقين فربما خطر ببعض أوهام الجاهلين أن لله تعالى في تقواه وطاعته منفعة، وله بمعصيته مضرة فصدر الخطبة بتنزيهه تعالى عن الانتفاع والتضرر) (14).

قوله (عليه السلام): أما بعد فإن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق حين خلقهم غنياً عن طاعتهم كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [الفتح: 7]، وقال: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} [المنافقون: 7]، وقال: {وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} [إبراهيم: 8].

آمناً من معصيتهم: كما قال تعالى: {وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 176].

لأنه لا تضره معصية من عصاه كما قال تعالى: {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [يونس: 23].

ولا تنفعه طاعة من أطاعه: كما قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46].

روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر عن النبي (صلى الله عليه وآله) فيما روى عن الله تبارك وتعالى في حديث طويل جاء فيه أنه قال:

یا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً (15).

فقسم بينهم معايشهم كما قال تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32].

ووضعهم من الدنيا مواضعهم: ملكاً وسوقةً غنياً وفقيراً كما قال تعالى: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32].

فالمتقون فيها هم أهل الفضائل: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].

وقال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ} [المائدة: 27].

وقال تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} [مريم: 63].

وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3].

وقال تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ: 37].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1ـ ما بين الهلالين موجود في نسختنا الخطية المؤرخة 736 هـ.

2ـ موجود في نسختنا فقط دون النصيرية.

3ـ لا يوجد في نسختنا.

4ـ كذا في جملة من النسخ الخطية ومنها النسخة الموجودة لدينا بتاريخها 736 هـ وفي نسخة النصيرية المؤرخة 494 هـ: حين. وكذلك في نسخة صبحي الصالح وابن میثم: حين خلقهم.

5ـ نهج البلاغة، رقم الخطبة 193، بتحقيق صبحي الصالح وتحت رقم 184 بتحقيق مؤسسة نهج البلاغة وتطابق هذا النص مع النسخة الخطية لنهج البلاغة للدكتور فخر الدين نصيري وتاريخها عام 494هـ وكذلك نسختا الخطية المؤرخة 736 هـ.

وانظر: شرح نهج البلاغة ج 10، ص: 132، خطبة 186، كما روى هذه الخطبة الكليني في (الكافي) في (باب المؤمن وعلاماته وصفاته)، ورواها سليم بن قيس في كتابه، وابن أبي شعبة الحلبي في (تحف العقول)، والشيخ الصدوق محمد بن بابويه القمي في (أماليه)، و(صفات الشيعة)، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص، وابن طلحة الشافعي في مطالب السؤول، والكراجكي في كنز الفوائد، مع اختلافات غير قليلة.

6ـ كذا في كثر الفوائد ولكن في البحار مع الفاء.

7ـ بحار الأنوار، ج 65، ص 193.

8ـ بحار الأنوار، ج 65، ص 194، كنز الفوائد للكراجكي، ج 1، ص 89 ـ 92، أعلام الدين للديلمي، ص 138.

9ـ شرح نهج البلاغة، ج 10، ص 134.

10ـ انظر: بحار الأنوار، ج 65، ص 119، باب 19، - صفات الشيعة وأصنافهم وذم الاغترار والحث على العمل والتقوى وذكر فيه قرابة 48 رواية.

11ـ شرح نهج البلاغة، (ابن ميثم)، ج 3، صفحة 414.

12ـ بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، ج 12، صفحة 416.

13ـ المصدر السابق.

14ـ شرح نهج البلاغة (ابن میثم)، ج 3، صفحة 414.

15ـ صحیح مسلم، ج4، ص 1994، حديث2577.