التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
الأوضاع في العراق بين (1638 - 1704).
المؤلف: د. أيناس سعدي عبد الله.
المصدر: تاريخ العراق الحديث 1258 ــ 1918.
الجزء والصفحة: ص280 ــ 288.
2023-05-30
1436
قبل استعراض اوضاع العراق خلال العهد العثماني الثاني لابد من تبيان الميزات العامة التي امتاز بها الحكم العثماني، وايضاح الظروف السيئة التي عاشها العراق خلال هذا العصر. لقد سببت سنوات الاحتلال الصفوي وحروب الاسترداد العثمانية الكثير من الدمار والخراب في بغداد. وقد تميز تاريخ ولاية بغداد حتى اوائل القرن الثامن عشر بالاضطراب وكثرة تغير الولاة، اذ حكم في الحقبة من 1639-1704 تسعة وثلاثون واليا، لم يترك أي واحد منهم عند عزله أو نقله إثر يذكر باستثناء اربعة قام أحدهم ببناء ثلاثة ابراج لسور بغداد وجامع الازبك، وبنى الثاني جامع الخاصكي، وقام الثالث بتطهير نهر الدجيل، اما الرابع فبنى مدرسة بالقرب من جامع القمرية. وقد ساعدت سرعة تغير الولاة على خلق حالة عدم الاستقرار. ومن المظاهر الاخرى لهذا العهد، كثرة تمردات الإنكشارية، واضطراب حالة الامن خارج اسوار المدن وأدى ذلك الى نتائج اقتصادية سيئة في الزراعة والتجارة. ورافق ذلك كثرة الاوبئة والفيضانات والقحط التي اسهمت في تعطيل الفعاليات البشرية. قام مراد الرابع بعد انجاز احتلال بغداد بالتوجه لزيارة مقام الامام الاعظم ثم زار مرقد الامام موسى الكاظم. ومن اجل تنظيم الادارة في بغداد اتخذ السلطان عدة ترتيبات، فعين كوجك حسن اغا الإنكشارية واليا على بغداد، كما قرر ترك حامية مؤلفة من 8.000 جندي للمحافظة على بغداد، وعين على قيادتها بكتاش اغا، كتخذا الإنكشارية، كما عين سلحدار باشا بمنصب القبودان، أما منصب قاضي بغداد فقد عهد به إلى مصطفى التذكرة جي، وقيل اسمه تذكر جي موسى أفندي. لقد كان هم الباشا الجديد هو ترميم اسوار بغداد التي تهدمت اكثر جوانبها اثناء حصار بغداد بفعل المدفعية العثمانية، والعمل على اعادة السكان الذين التجأوا فزعا إلى اطراف بغداد، غير أن حسن باشا عزل في 4 ايار 1639م، فحل محله درويش محمد باشا، وقد حدثت في الايام الأولى من حكمه اضطرابات عشائرية في منقطة السماوة، إذ قام امير الخزاعل مهنا بن علي بفرض سيطرته على السماوة واطرافها حتى منطقة الجوازر فبعث درويش محمد باشا كتخداه علي اغا لضربهم، وقد سيطر هذا على هيت ثم توجه إلى السماوة ففرق جموع الثائرين وقتل كثير منهم ، وعند رجوعه احتل العرجة التي اصبحت تحت نفوذ والي بغداد وقد خلف درويش محمد باشا في حكم الولاية عام 1642م، كوجك حسن وللمرة الثانية، وقد قام ببناء ثلاثة ابراج قرب باب الامام الاعظم في المحل المعروف بـ ( طابية ذي الفقار)، وشيد جامعا عرف باسم جامع عتيق حسن باشا تمييزا له عن جامع اخر يعرف بهذا الاسم والذي شيده وال بنفس الاسم، وجاء بعد عزل حسن باشا إلى حكم الولاية حسين باشا دللي، الذي كان من مرافقي السلطان مراد الرابع غير أن حكم الباشا لم يستمر طويلا إذ عزل في عام 1644م بعد حكم دام اقل من ستة اشهر، وبسبب عزله وصول خصمه محمد باشا كوبرلو إلى الصدارة العظمى، وخلفه في حكم بغداد عام 1645م ، محمد باشا ال حيدر الذي عزل هو الآخر بعد حكم دام سنة واحدة، ليخلفه موسى باشا. ويعد النزاع العنيف الذي حدث بين الجيش الانكشاري والقوات المحلية في عهد ابراهيم باشا الذي تسلم حكم الولاية في ايلول 1646م، من الحوادث المهمة، والذي يدل على مدى ضعف سلطة الوالي وعدم انصياع الجيش الانكشاري لأوامره فقد نقم الجيش الانكشاري على ابراهيم باشا الذي اتهم انه يقرب القوات المحلية ويبذر عليهم الاموال، لذا كانوا ينتظرون الفرصة السانحة للتخلص من واليهم الذي يميز بينهم وبين القوات المحلية، وقد وجدوا تلك الفرصة عندما تناهت اخبار وفاة الصدر الاعظم صالح باشا الذي كان اكبر سند لإبراهيم باشا، فقرروا التخلص منه. لقد وجد ابراهيم باشا نفسه امام مأزق خطير، فخصومه في الباب العالي، سيسلكون كل السبل لإزاحته عن منصبه، هذا من جهة والجيش الإنكشاري الغاضب عليه من جهة اخرى، لذا قرر مصالحة الإنكشارية قبل فوات الاوان، غير أن وصول متسلم ولاية بغداد وهو يحمل فرمان عزله أفسد عليه هذا المسعى. لقد رفض ابراهيم باشا مقابلة المتسلم ، وقرر الدفاع عن ولايته معتمدا على القوات المحلية التي كانت تأتمر بأوامره ، وهنا لجأ احمد اغا التنجي رئيس الانكشارية إلى خطة ذكية، فقد امر بعضا من الجيش الانكشاري الاحاطة بالسراي فذهب بنفسه إلى ابراهيم باشا، واعلمه أن الانكشارية يتهمونه بانه يحاول أن يستبد بحكم بغداد والخروج عن طاعة السلطان العثماني، وعندما انكر الوالي ذلك، طلب منه أن يذهب بنفسه إلى القلعة ليفهم الانكشارية بذلك، فقام الوالي فتوجه إلى القلعة، وعند دخوله القي القبض عليه، فوقع بذلك في الفخ الذي نسبه له احمد اغا التنجي رئيس الانكشارية ولم يستطع الجيش المحلي انقاذ الوالي بالرغم من الهجمات المتكررة على القلعة. يبدو إن هذه الخطة لم تكن من بنات افكار التنجي، وانما كانت من صنع دهاة العاصمة اسطنبول، بدليل أن الميراخور قد وصل إلى بغداد بعد ايام قلائل من القاء القبض على ابراهيم وهو يحمل فرمان اعدام الوالي المعزول، فنفذ به حكم الاعدام. وسرعان ما وصل والى بغداد الجديد موسى باشا السمين الذي كان شخصا مشهورا بالبدانة المفرطة، وكان أول عمل قام به أن أنزل جام غضبه على كل شخص يشك فيه بانه من أنصار الوالي المعزول، واضطر كثيرا من سكان بغداد أن يلتجئوا إلى اطراف بغداد مخافة أن يصيبهم غضب الحاكم، لقد دفع هذا التصرف من قبل الوالي السكان إلى تقديم شكوى إلى الباب العالي، فتشكلت لجنة للتحقيق في الأمر، وعندما ثبت صحة ادعاء السكان استدعى موسى باشا إلى الباب العالي ونفذ فيه حكم الاعدام عام 1648م، في حكم بغداد احمد باشا الذي لقب بـ (الملك) لسلوكه الحسن وفضائله وزهده في حياته اليومية، وحسن معاملته للناس، وخاصة الفقراء منهم الذين تلقوا كل عناية وحماية من لدنه، ترك احمد باشا حكم بغداد عام 1650م، وارتقى الصدارة العظمى في نفس السنة، وقرر منح بعض الاراضي الاميرية عن طريق الالتزام في ولاية بغداد. ويبدو أن الدافع وراء اتخاذ الصدر الأعظم هذا الاجراء هو عجز الخزينة العثمانية الذي بلغ إلى درجة أن اضطرت الدولة إلى فرض ضرائب تصاعدية واستيفاء ضرائب سنتين مقدما من الولايات ولكن ذلك لم يؤد إلى نتيجة إذ تدهورت القيمة الشرائية للعملة العثمانية ومعروف أن الاجراء السابق الذي اتخذه الصدر الاعظم بشأن منح الاراضي الاميرية عن طريق الالتزام كان ذو وجهين الأول انه في صالح الخزينة العثمانية إذ يضمن مورد ثابت لها ، أما الثاني فقد تضرر الفلاحون منه بسبب جور الملتزمين وقساوتهم في جمع الضرائب والرسوم، لكي يحققوا الارباح التي يبغونها، دون أن يعيروا ادنى التفاته إلى الكوارث الطبيعية التي تحدث بين آونة واخرى والتي تؤثر على كمية المحصول ويجبر الفلاح على ترك قريته في حالة عجزه عن دفع الضرائب والرسوم المفروضة عليه من قبل الملتزم، جاء إلى حكم بغداد سنة 1650م، ارسلان باشا نغاي زادة الذي مات بمرض الزحار بعد حكم دام اقل من ستة اشهر، ولم يكن خلفه حسين باشا احسن حظا منه، إذ مات هو الاخر بالمرض نفسه بعد ستة اشهر أيضاً. وفي عهد الوالي قره مصطفى باشا الذي قدر له أن يكون واليا على بغداد ثلاث مرات متباينات، زار الرحالة الفرنسي تافرنيه بغداد عام 1652م الذي ذكر أن المدينة ساذجة البناء، لا جمال فيها اللهم إلا إذا استثنينا اسواقها المسقفة، ووجد في المدينة خمسة جوامع، وعشر، خانات بناءها قديم ما عدا اثنين منها ينال المسافرون فيها قسطا من الراحة، وذكر أن تجارة المدينة واسعة ولكن ليست كما كانت في ايام الاحتلال الصفوي، وقدر عدد سكان بغداد بخمسة عشرة ألف فقط، وهذا الرقم اقل بكثير مما ذكره المؤرخ الاقتصادي التركي عمر لطفي بركان الذي قدر عدد سكان بغداد ما بين سنة 1870-150م استنادا إلى الوثائق العثمانية بـ 39379 الف مسلم عدا البدو الرحل واليهود والمسيحيين، ويجب لا نستغرب من ضالة هذا العدد فالحروب التي شهدتها بغداد بين الجيوش العثمانية والصفوية خلال النصف الأول من القرن السابع عشر والكوارث الطبيعية التي حلت بها، اضافة إلى ظلم بعض الولاة، وفي ايلول عام 1653م ، جاء إلى حكم بغداد مرتضى باشا بعد أن حكم في ولايتي دمشق وارضروم، وقد عرف بنزعته الدينية واطعامه للفقراء وحبه لهم، وتواضعه مع الناس حتى احيط بهالة من التقديس، وشاعت حوله كثير من الروايات التي كانت تدور حول تواضعه وقد جاءت نهايته عام 1655 معندما اخفق في حملته على البصرة، فجاء من بعده اق محمد باشا (الأبيض) عام 1655م الذي حكم سنة واحدة واربعة اشهر، وكان طوال مدة حكمه مريضا غير قادر على إدارة دفة الحكم، فاستغل الانكشارية ضعفه عليه، ولكن الباشا الابيض استطاع أن يستدرج قائدهم المدعو عبدي إلى مجلسه بحجة مصالحته، وعند جلوسه امر جلاده بقطع راسه. لقد اثار عمله هذا نقمة الانكشارية الذين صمموا على اخذ ثار ،قائدهم وصادف ذات يوم أن خرج الباشا الابيض لإداء الصلاة في مسجد الامام الاعظم، فتصدى له اثنان من الانكشارية وشهرا بوجهه سيفهما، وتبعهما الكثير من الناس، فاضطر الوالي رغما عنه العودة إلى السراي لاتخاذ ما يلزم لقطع دابر هذه الفوضى، وفي هذه الاثناء وصل مبعوث سلطاني وهو الخاصكي حسين اغا للاطلاع على شؤون الولاية وعندما وجد الحالة المزرية، والفوضى الضاربة في بغداد اخبر السلطان العثماني محمد الرابع (1648-1687م) فاصدر هذا فرمانا خوله بموجبه اعادة الاوضاع إلى سابق مجراها. ولم يجد الخاصكي بدا من عزل محمد باشا الابيض ثم القضاء عليه فيما بعد، جاء الوزير محمد باشا الخاصكي إلى الحكم عام 1656م، والذي اشتهر بنزعته الدينية ورغبته المعروفة في تعمير المساجد واصلاحها، فبنى مكان كنيسة القديس يوسف المتهدمة جامعا يؤمه المسلمون واعلى قبته وبنى له منارة، وجعل طبقاته مقرنصة واتخذ له جدرانا قوية فسمي باسم جامع الخاصكي أو جامع نور سلحدار محمد باشا، وحدثت في عهده ثورة قامت بها بعض العشائر في منطقة الجوازر ، فاقتضى الحال إرسال قسم من الانكشارية لتأديبهم، غير أن فتنة خطيرة نشبت بين افراد الجيش المرسل قبل الوصول إلى الجهة المقصودة فانحل الضبط العسكري وتشتت شمل الجيش الذي بدأ ينسحب نحو بغداد. أما الخاصكي فقد ازعجته انباء الانشقاق في صفوف الجيش فاجتمع مع اغا الانكشارية وعرض عليه فكرة منع دخول الجيش المنشق إلى بغداد حتى يسلموا رؤوس الفتنة، فعلى هذا اغلقت ابواب المدينة وخيم الجيش الرابع حول السور ثلاثة ايام ولكن شيئا حدث قلب الامور راسا على عقب، إذ حدث اتصال سري بين الجيش الراجع وبعض قادة الانكشارية في داخل بغداد والذين سهلوا فتح ابواب المدينة، فاندفع المتمردون إلى داخل المدينة التي اصبحت مسرحا للفوضى والاضطراب، أما الخاصكي فقد تسلل سرا إلى الجانب الغربي من بغداد فهرب تاركا بغداد تئن تحت رحمة ثلة من الانكشارية. لقد حدث انقسام خطير بين الجيش الانكشاري المتمرد بعد هروب الوالي، فانقسموا إلى فريقين، فريق يرى ضرورة مصالحة الوالي وارجاعه إلى منصبه وفريق اخر يرى عكس ذلك واخيرا انتصر راي الفريق الأول وقبض على افراد الفريق الثاني، وتوجهوا إلى الوالي الذي كان في الكاظمية يلتمسون منه العذر عما بدا منهم فرجع الخاصكي وانزل جام غضبه بكبار المحرضين وقطع رواتب الكثير منهم، كما شهد عهد الخاصكي في عام 1656م فيضان مدمر كان أول حادث خطير دون عن غرق بغداد في العهد العثماني الثاني، ففي تلك السنة امطرت السماء امطارا وابلة وزادت مياه دجلة فغطت الزرع وتدفق سيل الماء إلى خندق بغداد العميق وتهدم برج الفتح (بالقرب من باب الطلسم) كما تهدمت ابراج اخرى في عدة اماكن وقد بذل الخاصكي كل ما في وسعه في تشييد ما هدمه الفيضان، وصرف من اجل ذلك اموالا كثيرة وانتهى حكم الخاصكي في منتصف صيف 1659م، وتلاه مرتضى باشا وللمرة الثانية، وكان مرتضى باشا منذ أن ترك بغداد قد ابلى بلاء حسنا في قمع الحركة الانفصالية التي كان يتزعمها اباظة باشا في منطقة الاناضول وقد اشترط عند تعينه حاكما على بغداد القيام بالأعمال التالي:
1. اعادة حفر نهر الدجيل الذي تراكم فيه الغرين.
2. جمع الواردات الرئيسية لخزانة الدولة.
3. إرسال مائتي كيس من الذهب إلى العاصمة مع كمية من البارود.
إن أول عمل قام به مرتضى باشا عند تسلمه الحكم هو جرد الخزينة وسجلاتها، فظهر له أن في ذمة الوالي السابق 600 كيس فأخبر الباب العالي ولما كان الوالي السابق من أنصار الصدر الاعظم محمد باشا كوبر ولو، فقد خفض المبلغ إلى مائتين وستين كيسا يدفع بإقراض لأجل غير معين. ثم انصرف مرتضى باشا إلى تطهير نهر الدجيل، فاصدر اوامره إلى حكام القرى والضواحي طالبا منهم تقديم العون البشري في تطهير النهر وقد تم تطهيره خلال ثلاثة اشهر وكان لهذا العمل تأثير كبير في بعض النشاط الزراعي، كما قام مرتضى باشا بأجراء اصلاحات مالية جديدة، فقد الغي ما كان يتقاضاه الموظفون والدفتريون من المخصصات السنوية البالغة اكثر من مائة كيس، كما ثبت الوارد والمصروف من الخزينة ودونهما في دفاتر خاصة، وكان هدفه من هذه الاجراءات هو تنفيذ ما وعد به عند استلامه باشوية بغداد، ويظهر انه عجز عن إرسال المبلغ المذكور فعمد على رفع سعر القرش من ثمانين بارة إلى تسعين بارة، فاثقل بذلك كاهل دافعي الضرائب والرسوم، ولكي يتقرب إلى المسؤولين في الباب العالي كان لا ينفك عن إرسال الهدايا إلى كبار رجال الدولة في العاصمة، وجاءت نهايته سنة 1661م حيث عزل عن منصبه ونقل إلى جزيرة كريت ولكنه رفض الاذعان لهذا الامر، واخيرا قتل بأمر السلطان. جاء إلى حكم بغداد مصطفى باشا قنبور (الاحدب) ثم عزل في عام 1663م، فخلفه مصطفى باشا بمبوغ (القطان) الذي سرعان ما قضى نحبه، فجاء من بعده قره مصطفى باشا في العام نفسه، وفي عهده زار الرحالة الفرنسي ثيفنو بغداد وأمضى فيها اسبوعا، وقد ذكر أن المدينة قليلة السكان بالنسبة إلى سعتها، واشار إلى أن الإنكشارية يرتكبون الاعمال السيئة، وليس بمقدور قادتهم معاقبتهم، كما جلب انتباهه وجود عدد من المسيحيين في خدمة الباشا، وان بعضهم يعمل في تطبيب الناس بشفقة بالغة. وليس من بين الولاة الذين تعاقبوا على حكم بغداد بعد سنة 1664م، من يستحق الذكر إلا عمر باشا الذي جاء إلى حكم بغداد سنة 1678م، الذي قام بإجراء ترميمات في جامع الاعظم ومرقد الامام أبي يوسف، كما بنى المدرسة العمرية بالقرب من جامع القمرية، وعين لها مدرسين وخصص لها رواتب، وقد قام الوزير ابراهيم باشا الطويل الذي جاء إلى حكم بغداد سنة 1681م بكسر شوكة الإنكشارية، عندما نفى فرقة اليساقجية من بغداد التي كانت مصدر خطر وعبث وفوضى في الولاية. لقد عانت بغداد كثيرا من سرعة تنقل الولاة من منصبهم ، هذا التنقل الذي يخلق نوعا من عدم الاستقرار السياسي، إذ لا يتيح للوالي الفرصة الكافية للتفكير بأحوال ولايته، لذا لم يتسن لكثير من ولاة بغداد القيام بإصلاحات اقتصادية واجتماعية وثقافية، عدا البعض منهم مثل مرتضى باشا الذي اعاد حفر نهر الدجيل، وعمر باشا الذي اجرى تصليحات في بعض المراقد الموجودة في بغداد، بالإضافة إلى سرعة تنقل الولاة فان الكوارث الطبيعية هي الأخرى كانت تعمل على ايجاد نوع من عدم الاستقرار، ففي عام 1649م، فاض نهر دجلة وكادت أن تغرق بغداد، كما حدث في عام 1693م فيضان مدمر اثر تأثيرا كبيرا على المزروعات التي اتلفت اكثرها وانتشر في عام 1690م مرض الطاعون في بغداد واطرافها، وفتك بالناس فتكا ذريعا، واضطر بعض السكان النزوح إلى المناطق المجاورة، وانتهزت العشائر هذه الفرصة، فقامت بأعمال النهب والسلب. وقد بلغ التدهور الاقتصادي في العراق درجة بحيث ان علي باشا والي بغداد عام 1703 أرسل في طلب 400 كيس اقجة لدفع رواتب الجند المحليين بسبب عجز خزينة الولاية. وإذا أردنا أن نبحث عن الاسباب الكامنة وراء هذا التبدل السريع في ولاة بغداد، فعلينا أن نبحث عن بعضها في العاصمة العثمانية أولا ثم في الولاية ثانيا ويمكن أن نحدد هذه الاسباب بالنقاط التالية:
1. بعد أن كان حكام الولايات يعينون في بادئ الأمر مدى الحياة أو ما دام سلوكهم حسنا، فان القانون الذي سنه السلطان مراد الثالث (1574-1595م)، كان يقضي بعزل حكام الولايات في كل ثلاث سنوات ثم خفضت هذه المدة في النهاية إلى سنة واحدة، وبالرغم من أن هذه القاعدة لم تكن ثابتة فقد وجد بعض الولاة من حكم أكثر من سنة، إلا أن هذا القانون كان له تأثيره السيء على سلوك الولاة.
2. لقد ترتبت نتائج خطيرة على الغاء نظام الدوشرمة، إذ تضاعف عدد المرشحين للوظائف العليا، ورفع من اقدار عدد كبير من الإنكشارية الذين لم يتلقوا التدريب الصارم الذي كان يفرض في الايام الأولى، وقد دخل هؤلاء في صراع عنيف فيما بينهم من اجل الوصول إلى الصدارة، وأصبح لكل من هؤلاء أنصار وحلفاء لذا كان حكام الولايات، يعيشون تحت عقدة الخوف من مؤامرات منافسيهم. والنتيجة الاخرى التي ترتبت على الغاء الدوشرمة أن أصبح لقب الوزير يمنح بإسراف بعد أن تضاعف عدد شاغلي الوظائف العليا.
3. الصراع بين القوات المحلية والإنكشارية فكثيرا ما سبب هذا النزاع عزل الوالي أو قتله أو أن الوالي ينقل إلى منصب اعلى.
4. قلة كفاءة بعض الولاة، وجهلهم بأساليب الحكم والادارة وظلمهم للناس وان البعض من هؤلاء الولاة كان مريضا عاجزا عن إدارة دفة الحكم، فضلا عن دور العشائر العربية التي كانت تتباهى بعصيان الحكومة والخروج عليها، يبدو أن كل هذه الاسباب مجتمعة، كانت تعمل على سرعة نقل الولاة، وبالتالي فقدان الأمن والاستقرار السياسي في ولاية بغداد.