تاريخ الفيزياء
علماء الفيزياء
الفيزياء الكلاسيكية
الميكانيك
الديناميكا الحرارية
الكهربائية والمغناطيسية
الكهربائية
المغناطيسية
الكهرومغناطيسية
علم البصريات
تاريخ علم البصريات
الضوء
مواضيع عامة في علم البصريات
الصوت
الفيزياء الحديثة
النظرية النسبية
النظرية النسبية الخاصة
النظرية النسبية العامة
مواضيع عامة في النظرية النسبية
ميكانيكا الكم
الفيزياء الذرية
الفيزياء الجزيئية
الفيزياء النووية
مواضيع عامة في الفيزياء النووية
النشاط الاشعاعي
فيزياء الحالة الصلبة
الموصلات
أشباه الموصلات
العوازل
مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة
فيزياء الجوامد
الليزر
أنواع الليزر
بعض تطبيقات الليزر
مواضيع عامة في الليزر
علم الفلك
تاريخ وعلماء علم الفلك
الثقوب السوداء
المجموعة الشمسية
الشمس
كوكب عطارد
كوكب الزهرة
كوكب الأرض
كوكب المريخ
كوكب المشتري
كوكب زحل
كوكب أورانوس
كوكب نبتون
كوكب بلوتو
القمر
كواكب ومواضيع اخرى
مواضيع عامة في علم الفلك
النجوم
البلازما
الألكترونيات
خواص المادة
الطاقة البديلة
الطاقة الشمسية
مواضيع عامة في الطاقة البديلة
المد والجزر
فيزياء الجسيمات
الفيزياء والعلوم الأخرى
الفيزياء الكيميائية
الفيزياء الرياضية
الفيزياء الحيوية
الفيزياء العامة
مواضيع عامة في الفيزياء
تجارب فيزيائية
مصطلحات وتعاريف فيزيائية
وحدات القياس الفيزيائية
طرائف الفيزياء
مواضيع اخرى
سهم الزمان يشير لكنه لا يتحرك
المؤلف: جون جريبين
المصدر: تسع تصورات عن الزمن
الجزء والصفحة: ص33–41
2023-05-29
1004
إن الفارق بين الماضي والمستقبل لهو واحد من أكبر الألغاز في العلم. فعلى أبسط المستويات – أي على مستوى الذرات والجزيئات – ليس ثمة فارق بينهما. فحين يتَّحد جسيمان ويتفاعلان معًا بطريقة ما لينتجا جسيمين مختلفين تمامًا – ينفصلان بدورهما بعد ذلك – فإن قوانين الفيزياء تسمح لكل تفاعل تقريبًا من هذه التفاعلات أن تجري بالعكس بالدقة ذاتها. فالجسيمان «النهائيان» يعودان بعضهما إلى بعض ويتفاعلان من أجل إنتاج الجسيمين «الأصليين». لتطبيق هذا على نطاق أكبر، تخيَّل كرتي بلياردو تتحركان عبر الطاولة وتتصادمان ثم ترتدان بعيدًا إحداهما عن الأخرى في اتجاهين مختلفين. لو جرى هذا التصادم بالعكس، فسيظل خاضعًا لقوانين الفيزياء ولا توجد طريقة للتمييز بين الماضي والمستقبل من خلال النظر فقط إلى الطريقة التي يتحرّك بها كل زوج من الجزيئات. لكن حين ينطوي الأمر على المزيد من الجسيمات، يصبح الفارق بين الماضي والمستقبل واضحًا. فالأشياء تبلى؛ والناس يتقدَّمون في العمر. تخيَّل كأس عصير تقف متوازنة على حافة طاولة ثم تسقط على الأرض وتتهشَّم. بمقارنة صورة للكأس على الطاولة وصورة أخرى لأجزائها المهشَّمة على الأرض، ستعرف أي الصورتين التُقطت أولًا حتى ولو لم تر الحادث؛ لأننا لا نرى أبدًا زجاجًا مهشمًا يعيد تجميع نفسه. لكن طبقًا لقوانين الفيزياء المعروفة، فإن كل تفاعل يتضمن ذرات كأس العصير وهو يتهشَّم هو تفاعل قابل للعكس. فلماذا يكون هناك سهم للوقت يشير من الماضي إلى المستقبل في حين أننا نتعاطى مع أنظمة معقدة تنطوي على الكثير من الجزيئات؟
إن هذا الفارق هو أساس علم الديناميكا الحرارية، الذي يُعنى بالطريقة التي تتغير بها الأشياء بينما ننتقل من الماضي إلى المستقبل. والسمة الأساسية للديناميكا الحرارية هي أن مقدار الاضطراب في الكون في تزايد دائم؛ فالأشياء تبلى والغرف لا ترتب نفسها، والزجاج المحطَّم لا يعيد تجميع نفسه، وهكذا. يُقاس مقدار الخلل أو الاضطراب فيما يُطلق عليه الفيزيائيون «نظامًا» (والذي قد يكون كأس عصير قابعة على طاولة، أو غرفة نومك، أو حتى الكون بأكمله يُقاس بكم يُقال له القصور الحراري أو الإنتروبيا. وينص أبسط قوانين الفيزياء على أن معدل الإنتروبيا في نظام مغلق يكون في حالة زيادة دائمة (وهو القانون الثاني للديناميكا الحرارية).
النظام المغلق هو نظام معزول عن بقية الكون وقائم بذاته تمامًا (كغرفة مراهق، حيث تتزايد الفوضى وعدم النظام دائمًا ما لم يكن هناك تدخُل خارجي). يمكنك تجنُّب هذا القانون فيما يُعرف بالنظام المفتوح، الذي يمتص الطاقة من الخارج. يبدو أن الحياة على الأرض تنتهك القانون الثاني فالأشياء الحيَّة تنمو ويمكن للناس أن يفعلوا أشياء من قبيل تحويل كومة من الطوب إلى هيكل أكثر ترتيبًا بكثير، كمنزل مثلا. وحين نبني منزلًا (أو أي شيء آخر) يبدو الأمر وكأننا ننتهك القانون الثاني. لكن صفة النظام في الشيء الذي نصنعه دائمًا ما تُعوّض إلى حدٍّ كبير بالفوضى في مكان آخر؛ كما يحدث في تعدين المواد اللازمة لصناعة الطوب، وتوليد الطاقة اللازمة لإشعال الأفران التي يُصنع فيها الطوب، وما إلى ذلك. إن مرور الزمن يظهر في الطبيعة في هيئة تحلُّل أو اضمحلال. فأنت لا ترى سيارة صدئة تتحول ببطء لتصبح لامعة وخالية من الصدأ؛ ولا ترى كومة الطوب القديم تُجمّع نفسها بنفسها لتصبح منزلًا من دون تدخل بشري. أما العمليات المضادة (كصدأ السيارة، أو سقوط مبنى) فهي عمليات شائعة. ويبدو أن الزمن جزء لا يتجزأ من الطبيعة.
يعتمد النقصان المحلّي في الإنتروبيا على الأرض – وهو شكل من أشكال انعكاس مجرى الزمن – على إمداد من الطاقة يأتي من الخارج، ومن الشمس بصفة أساسية. 1 هناك بالفعل نقص في الإنتروبيا (أي زيادة في صفة النظام) يحدث على الأرض، لكنه أقل بكثير من الزيادة في الإنتروبيا المرتبطة بالتفاعلات التي تجري داخل الشمس لتحافظ على سخونتها وطريقة إطلاقها للحرارة في الفضاء. وبمرور الوقت يتزايد معدل الإنتروبيا «للنظام» بأكمله أي الشمس + الأرض، وعلى أكبر المقاييس الممكنة تزيد إنتروبيا الكون بأكمله بمرور الوقت بلغة الفيزيائيين، وبالنظر إلى الكون ككتلة واحدة، فإن حالات الكون ذات الإنتروبيا الأعلى تتفق مع المستقبل مقارنةً مع حالاته ذات الإنتروبيا الأقل. هذا هو ما يقدم لنا سهمًا للزمن ليشير من الماضي إلى المستقبل.
آرثر إدينجتون
هولتون دويتش / جيتي
وهذا السهم الزمني نفسه مدمج في بنية الكون بطريقة أخرى. هناك وفرة من الأدلة على أن الكون قد بدأ في حالة ساخنة وكثيفة (الانفجار العظيم) قبل نحو 14 مليار سنة مضت، ومنذ ذلك الحين وهو في حالة تمدُّد مستمر، مع تباعد المجرات (أو بالأحرى عناقيد المجرات) بعضها عن بعض والأوقات التي تتباعد فيها المجرات بعضها عن بعض تسير في اتجاه المستقبل، مقارنة مع الأوقات التي تتقارب فيها معًا. والانفجار العظيم نفسه يعبر عن سهم الزمن المطلق؛ فمتى وأينما كنت في الفضاء، فإن الانفجار العظيم دائمًا ما يكون في الماضي. والإنتروبيا في ازدياد مستمر منذ وقوع الانفجار العظيم. فبطريقة ما، انبثق الكون من الانفجار العظيم بمعدل متدن من الإنتروبيا يكفي ليسمح بتكون النجوم والكواكب؛ وهو في حالة نفاد منذ ذلك الحين.
يرتبط ذلك بصيغة أخرى للتعبير عن القانون الثاني. تنص هذه الصيغة على أن الحرارة لا يمكن أن تتدفق من جسم بارد إلى جسمٍ أكثر سخونة. وقد صاغه لورد كلفن وهو من رواد الديناميكا الحرارية في القرن التاسع عشر بلغة أكثر تقنية؛ إذ قال: «من المستحيل الحصول على تأثير ميكانيكي من أي جزء من المادة، بواسطة قوة مادية غير حية، من خلال تبريدها إلى ما دون درجة حرارة أبرد الأجسام المحيطة بها». كان هذا ضربًا مهما من العلم العملي خلال القرن التاسع عشر، حين توصل كلفن إلى قوانين الديناميكا الحرارية بما فيها القانون الثاني. وقد كان اهتمام كلفن بالديناميكا الحرارية يعزو إلى أسباب مادية؛ فهي تخبرنا كم يمكننا الاستفادة من الطاقة للقيام بالشغل. وكان كلفن أيضًا رائدًا من رواد الهندسة الكهربائية؛ إذ تولى مهمة مدّ أول كابل تلغراف ناجح عابر للأطلسي، وجنى ثروة طائلة من وراء ذلك.
نحن نشاهد تطبيقًا عمليًّا للقانون الثاني في كل مرة نضع فيها مكعبا من الثلج في مشروب. فنجد مكعب الثلج يذوب مع اكتسابه الحرارة بفعل سخونة السائل. ولا نرى مكعب الثلج يزداد حجمًا مع تدفق الحرارة منه إلى السائل الدافئ. إن مقدار الطاقة يظل كما هو في الكوب بعد ذوبان الثلج، إلا أنها توزّعت على نحو أكثر توازنًا. وبطريقة مماثلة، كان الكون في حالة تبريد منذ وقوع الانفجار العظيم، وثمة تدفق أحادي الاتجاه للطاقة من النجوم الساطعة إلى الكون البارد في نهاية المطاف، حين تتخلى كل النجوم في الكون عن حرارتها، سيكون كل شيء في الكون بأكمله بدرجة الحرارة نفسها. لن تتدفق أي طاقة ولن يتغيَّر أي شيء. أي سيكون الكون قد عانى «موتًا حراريا».
«لم ينجح أحد بعد في اشتقاق القانون الثاني من أي قانون آخر للطبيعة. إنه قانون قائم بذاته. إنه القانون الوحيد في حياتنا اليومية الذي يعطي الوقت اتجاها، والذي يخبرنا بأن الكون يتجه نحو التوازن، والذي يعطينا أيضًا معيارًا لتلك الحالة، تحديدًا نقطة الإنتروبيا القصوى، أو نقطة الاحتمالية القصوى».
براين إل سيلفر كتاب «صعود العلم»
يقدم لنا هذا طريقة أخرى للنظر إلى سهم الزمن. إن كمية الطاقة في نظام مغلق (أو في الكون بأكمله) لا يمكن أن تتغيّر. هذا هو القانون الأول للديناميكا الحرارية. حتى حين تتحول الكتلة إلى طاقة بما يتماشى مع معادلة أينشتاين E = mc2، فإن الكتلة تُعد هنا شكلا من أشكال الطاقة المختزنة، ومن ثَم لم تُستحدث طاقة «جديدة». ما يخبرنا به القانون الثاني إذن هو أن كمية الطاقة «النافعة» تتناقص في أي تفاعل يجري في نظام مغلق.
والطاقة النافعة هي الطاقة التي يمكن استخدامها في إحداث الأشياء. على سبيل المثال، حين تسقط الكأس من فوق الطاولة، يمكن أن نصلها عمومًا بسير بكرة يقوم بتشغيل مولد ويحول طاقة الجاذبية المرتبطة بالكأس التي سقطت إلى طاقة كهربائية. لكن حين تسقط الكأس سقوطًا حرا، تتحول هذه الطاقة الثقالية المحتمل أن تكون نافعةً إلى طاقة حركة (أو طاقة حركية). وحين ترتطم الكأس بالأرض وتتهشّم، تتحول الطاقة الحركية إلى حرارة وتتبدد؛ إذ ترتج ذرّات الكأس والأرض وجزيئاتهما وتهتزُّ بسرعة أكبر. وفي نهاية المطاف تتحول هذه الطاقة الحرارية إلى أشعة تحت الحمراء وتتسرب إلى الفضاء. ولا يمكن أبدًا أن نجعلها تعمل عملا مفيدًا. فلا يحدث مطلقًا أننا نرى الإشعاع قادمًا من الفضاء ليجعل ذرات وجزيئات كل من الأرض وقطع الزجاج المكسور تتحرك بالشكل الصحيح بحيث تلتصق قطع الكأس الزجاجية المهشَّمة معًا مرة أخرى وتقفز الكأس إلى الطاولة. وهذا تجسيد آخر لسهم الزمن.
ترتبط الإنتروبيا أيضًا بكمية المعلومات في نظام ما فزيادة الإنتروبيا هي نفسها نقصان في المعلومات. على سبيل المثال، في أُحجية الصور المقطوعة التي تحتوي على صورة لوجه إنسان يوجد الكثير من المعلومات في تلك الصورة. فإذا كانت الأحجية غير محكمة واهتزَّت، فإن أجزاء الصورة تبدأ في التباعد بعضها عن بعض. يظل بإمكاننا أن ندرك أن الصورة لوجه إنسان، لكن تزداد صعوبة تحديد هوية صاحب هذا الوجه. فنحن هنا نفقد المعلومات والإنتروبيا تزداد. والوقت يمر.
وفي النهاية تصبح الصورة في حالة تامة من الفوضى والاختلاط. ففي هذه الحالة يصبح معدل الإنتروبيا أكبر ما يمكن (على مستوى النظام)، ولا توجد ثمة معلومات متبقية. كما أن الوقت يكون قد توقف بالنسبة إلى الصورة وقياسًا على ذلك، حين تكون كل النجوم قد تخلت عن حرارتها بالكامل وتكون درجة حرارة الكون هي نفسها في كل مكان، سيكون الكون في حالة إنتروبيا قصوى، وذلك في نهاية الزمن.
يمكن إعادة تركيب قطع الأحجية، وذلك بإعادة إدخال المعلومات (وإخراج الإنتروبيا) قطعةً بقطعة. لكن النظام الذي تصنعه دائمًا ما يكون أقل من الفوضى التي تصنعها في مكان آخر فقط بكونك حيًّا. إن الطاقة التي تبقيك حيًّا تأتي من الطعام، الذي يأتي في النهاية من ضوء الشمس. وليس بوسع الناس سوى حل أحاجي الصور المقطوعة، وأشياء أخرى؛ لأن الشمس آخذة في التآكل والتلاشي.
ورغم أن سقوط الكأس من فوق الطاولة وتهشمها لا يؤدي إلى فقدان أي طاقة، وإنما يعيد ترتيبها وتنظيمها فقط، وحتى إذا كنت تملك سير بكرة ذا قدرات بارعة يتصل بمولد وبطارية، فلن يكون بوسعك استخدام الطاقة التي تتولد من سقوط الكأس لتشغيل محرك لرفع الكأس مرة أخرى إلى الطاولة؛ نظرًا إلى عدم وجود عملية كاملة أو مثالية لتحويل الطاقة. سيهدر بعض الطاقة في الاحتكاك ويتحول إلى حرارة، تتسرب في صورة أشعة تحت الحمراء، تماما كما يحدث للطاقة الحركية إذا ما ارتطمت الكأس بالأرض وتهشمت. ولهذا السبب من المستحيل بناء آلة دائمة الحركة.
لا نزال هنا أمام لغز، وهو أن الكأس حين تسقط وتتهشَّم، فإن كل تفاعل يتضمن زوجا من الذرات أو الجسيمات هو تفاعل قابل للعكس عمومًا. فلماذا لا تحدث عملية العكس هذه في الواقع العملي؟ يذهب أحد الاقتراحات التي طرحت في ذلك الشأن إلى أن هذا ليس مستحيلا في المطلق، وأن حدوثه مستبعد للغاية لا أكثر.
ولعل أفضل طريقة لفهم هذا الأمر هي تخيل نظام أبسط، يتمثل في صندوق مقسم إلى نصفين بواسطة حاجز، في أحد النصفين غاز وفي النصف الآخر فراغ. إذا أزلت الحاجز، فسينتشر الغاز ليملأ الصندوق بأكمله (وسيبرد بعض الشيء في أثناء ذلك). والآن اجلس وراقب الصندوق. مهما طال انتظارك، فلن يكون لك أن تتوقع أن ترى الغاز كله يتحرك عائدًا إلى أحد نصفي الصندوق، تاركًا فراغا في النصف الآخر. لكن كل تصادم بين جسيمين بداخل الصندوق يمكن عكسه من حيث المبدأ! فإذا استطعت بطريقة سحرية أن تعكس حركة كل جسیم، فسيعود الغاز حتما إلى حيث أتى، وستنطبق قوانين الفيزياء كالمعتاد في أثناء ذلك.
وقد أثبت عالم الفيزياء الفرنسي هنري بوانكاريه أن المشكلة تكمن في أن «الفترة الطويلة بما يكفي» هي فترة طويلة للغاية بالفعل. إن ذرات الغاز المحصور في الصندوق وجسيماته ينبغي في النهاية أن تمرَّ بكل نظام ممكن. وفيما تتحرك تلك الجسيمات والذرات عشوائيا في الأرجاء، فإنها عاجلا أو آجلا ستتخذ أي ترتيب مسموح به، بما في ذلك أن يكون الغاز كله في أحد نصفي الصندوق. وإذا ما انتظرنا طويلًا بما يكفي، فسيعود النظام إلى حيث بدأ. وبذلك سيبدو الزمن وكأنه مرَّ بالعكس.
«مثلما تُبنى البيوت من الأحجار، يبنى العلم من الحقائق.»
هنري بوانكاريه
لكن لا تحبس أنفاسك في انتظار حدوث ذلك. إن الوقت اللازم لمرور جميع الجسيمات بكل نظم الترتيب الممكنة يُسمى بدورة بوانكاريه الزمنية، وهو يعتمد على عدد الجسيمات في الصندوق. قد يحتوي صندوق صغير من الغاز على عدد ذرات يقدر بـ 1022، ومن ثُم سيتطلب الأمر وقتًا أطول بكثير من عمر الكون لكي تمر هذه الجسيمات بكل ترتيب ممكن. ودورات بوانكاريه الزمنية للأنظمة الحقيقية تشتمل على عدد أصفار في الأرقام أكثر من عدد النجوم في الكون المعروف. وفيما يلي الاحتمالات القائمة في مواجهة أي نمط بعينه يظهر أثناء مراقبة صندوق الغاز. يمكنك أن ترى كيف تتزايد الأرقام من خلال البدء بذرةٍ واحدة تتحرك عشوائيا في أرجاء الصندوق. ثمة احتمالية نسبتها 50:50 (أي 1 إلى 2) أن تلك الذرة ستكون في أحد نصفي الصندوق في أي لحظة. وإن كان ثمة ذرتان، فهناك احتمالية بنسبة 1 إلى 4 أن كلتا الذرتين ستكون في النصف ذاته من الصندوق في الوقت عينه. وفي حالة وجود ثلاث ذرات تكون الاحتمالات 1 إلى 8، وهكذا دواليك. وفي حالة وجود مليون ذرة، تكون الاحتمالات 1 إلى (2 مرفوعة إلى أُس 1000000). ويظل عدد مليون ذرة عددًا ضئيلا مقارنةً بعدد الجسيمات الموجودة في صندوق حقيقي مليء بالغاز.
هذه «الإجابة» القياسية للغز قابلية العالم للسير بالعكس على المستوى المجهري هي وليس على مستوى العين المجردة، وسبب وجود سهم للزمن. إن قانون زيادة الإنتروبيا هو قانون إحصائي ونقص الإنتروبيا (جريان الزمن بالعكس حتى ولو على نطاق محدود) ليس محظورًا لكنه فقط مستبعد على نحو استثنائي.
انطلق عالم الفيزياء النمساوي لودفيج بولتزمان من هذه الفكرة مقترحًا أن الكون بأكمله قد يكون شطحةً إحصائية. فقد أشار إلى أنه في كون لا نهائي حيث وقعت حالة الموت الحراري وأصبح كل شيء منتظمًا ومتعادلا، سيتصادف من حين لآخر (أيا كان ما يعنيه هذا في مثل هذا الموقف) أن كل الذرّات في أحد أجزاء الكون ستتحرك بالطريقة
الصحيحة تماما لخلق النجوم، أو المجرات، أو حدوث انفجار عظيم. وفي الواقع، سيسير الزمن بالعكس في ذلك الجزء من الكون، ما يخلق فقاعة من نظام منخفض الإنتروبيا. بعد ذلك تتفكك فقاعة الإنتروبيا المنخفضة فيما تعود إلى حالة أكثر ترجيحا.
«الطاقة المتاحة هي أول شيء على المحك في كفاحنا من أجل البقاء وتطور العالم.»
لودفيج بولتزمان
لا يأخذ معظم علماء الكونيات هذه الفكرة على محمل الجد اليوم. لكن أحدهم، وهو بول ديفيز، طوّرها ليقدِّم رؤيةً مثيرة عن طبيعة الزمن. في عالم اليوم، يشير سهم الزمن دائمًا إلى اتجاه تزايد الإنتروبيا؛ فلم قد تكون هذه الفكرة مختلفة بأي شكل في فقاعة بولتزمان؟ فيما تتنامى الفقاعة وتتناقص الإنتروبيا بالمقارنة بما عليه الحال في الكون في الخارج، قد يظل كيان ذكي في الفقاعة يختبر سهما زمنيا يشير إلى حالة من الإنتروبيا المرتفعة؛ أي حالة الموت الحراري. وحتى لو كان الكون ينهار «فعلا» بدلا من أن يكون في حالة تمدد؛ أي يتحرك في اتجاه حالة من الحرارة والكثافة عوضًا عن التحرك بعيدًا عنها، قد لا نزال نرى المستقبل باعتباره الزمن الذي تكون فيه المجرات متباعدة بعضها عن بعض.
هذا أكثر من مجرد كونه جدلًا فلسفيًّا عقيمًا؛ لأن بعض الأشكال المختلفة لنموذج الانفجار العظيم تشير إلى أن تمدد الكون سيتوقف ذات يوم، ثم يسير بعدها في الاتجاه المعاكس. فهل سيسير الزمن نفسه بالعكس إذا ما حدث هذا أو حين يحدث؟ أم إن ذلك حدث بالفعل؟ ربما نعيش بالفعل في كون آخذ في التقص. والانكماش – حيث يسير الزمن بالعكس – ولم نلحظ ذلك! أو ربما أن الزمن يسير بالعكس فعلا بالمعنى الدارج للكلمة في حين ينهار الكون. ورغم أن فيليب كيه ديك لا يقدِّم أي تبرير علمي وفقًا لهذا النسق، فإنه يقدم في روايته «عالم عكس عقارب الساعة» رؤيةً غريبة عن عالم يسير فيه الزمن بالعكس، حيث تبعث الجثث من قبورها، والطعام سليم لم يؤكل وأشياء أخرى أسوأ لسنا في حاجة لذكرها هنا فيما يسير الزمن بالعكس. لكن هل الزمن «يسير» أصلا؟ من المهم، كما أشرت، التفريق بين سهم يشير إلى المستقبل وآخر يتحرك نحو المستقبل والقياس الصحيح في هذا الإطار هو إبرة البوصلة، التي تشير إلى الشمال في الجزء الذي أعيش فيه من العالم، لكن لا يتحتم عليها أبدًا أن تتحرك نحو الشمال (أو أي اتجاه آخر). لو كان لدينا فيلم للكأس التي تسقط عن الطاولة بدلًا من مجرد صورتين قبل وبعد عملية السقوط، وإذا ما قُصَّت الأطر الفردية للفيلم وخُلطت معا، لظلَّ بإمكاننا فرزها وترتيبها بالشكل الصحيح وليس بالضرورة أن يجري تشغيل الفيلم عبر جهاز عرض لكي يتضح لنا الفارق بين الماضي والمستقبل. يذهب بعض العلماء (والفلاسفة) إلى أن انطباعنا عن مرور الزمن قد لا يكون أكثر من مجرد وهم. قد يكون الأمر كما لو أن عقولنا تفحص أحداث تاريخنا الشخصي، كما يحدث حين يتم تشغيل الفيلم عبر جهاز عرض ويعرض على شاشة. قد يكون الواقع الأساسي الكامن وراء تلك الأحداث لا يزال موجودًا – في كلٌّ من الماضي والمستقبل كليهما – كالأطر المنفصلة لشريط الفيلم، رغم أن انتباهنا مجبر على تتبع القصة بالتسلسل، بالانتقال من إطار إلى آخر في الفيلم في المرة الواحدة. وسواء أكانت هذه الأفكار – التي أتناولها بالنقاش في التصور السابع – حقيقية أم لا (وهي مسألة خلافية للغاية)، يظل صحيحًا أن ثمة اختلافا بين الماضي والمستقبل، يمكن تمثيله بسهم يشير من الماضي إلى اتجاه المستقبل. ومن ثَم لا يزال من المنطقي التحدث عن السفر إلى الماضي أو المستقبل. لكن السؤال هو، كيف نفعل ذلك؟
هوامش
(1) تمامًا مثلما لا تُرتَّب غرفة المراهق إلا حين يأتي شخص من الخارج لينجز هذه المهمة.