النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
السيرة النبوية في تراث الإمام العسكري ( عليه السّلام )
المؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
المصدر: أعلام الهداية
الجزء والصفحة: ج 13، ص205-222
2023-05-22
1323
وقد وردت مجموعة من النصوص عن الإمام العسكري ( عليه السّلام ) فيما يخص سيرة النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) وسيرة أهل بيته ( عليهم السّلام ) ممّا يشير إلى ضرورة اهتمامه ( عليه السّلام ) بهذا الجانب في عصره .
وإليك بعض هذه النصوص :
1 - روى الطبرسي عن أبي محمّد الحسن العسكري ( عليهما السّلام ) أنه قال : قلت لأبي ، علي بن محمّد ( عليهما السّلام ) هل كان رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) يناظر اليهود والمشركين إذا عاتبوه ويحاجّهم ؟ قال : بلى مرارا كثيرة ، منها ما حكى اللّه من قولهم : وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ - إلى قوله - رَجُلًا مَسْحُوراً وقالوا : لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ . وقوله عز وجل :
وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً إلى قوله كِتاباً نَقْرَؤُهُ ثم قيل له في آخر ذلك : لو كنت نبيا كموسى أنزلت علينا كسفا من السماء ونزّلت علينا الصاعقة في مسألتنا إليك لأن مسألتنا أشد من مسائل قوم موسى لموسى ( عليه السّلام ) .
قال : وذلك أن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) كان قاعدا ذات يوم بمكة بفناء الكعبة إذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش منهم الوليد بن المغيرة المخزومي وأبو البختري ابن هشام وأبو جهل والعاص بن وائل السهمي وعبد اللّه بن أبي أمية المخزومي ، وكان معهم جمع ممن يليهم كثير ورسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب اللّه ويؤدي إليهم عن اللّه أمره ونهيه .
فقال المشركون بعضهم لبعض : لقد استفحل أمر محمّد وعظم خطبه ، فتعالوا نبدأ بتقريعه وتبكيته وتوبيخه والاحتجاج عليه وإبطال ما جاء به ليهون خطبه على أصحابه ويصغر قدره عندهم ، فلعله ينزع عما هو فيه من غيه وباطله وتمرده وطغيانه ، فان انتهى وإلّا عاملناه بالسيف الباتر .
قال أبو جهل : فمن ذا الذي يلي كلامه ومجادلته ؟ قال عبد اللّه بن أبي أمية المخزومي : أنا إلى ذلك ، أفما ترضاني له قرنا حسيبا ومجادلا كفيّا ؟ قال أبو جهل : بلى ، فأتوه بأجمعهم فابتدأ عبد اللّه بن أبي أمية المخزومي ، فقال : يا محمّد لقد ادعيت دعوى عظيمة وقلت مقالا هائلا ، زعمت أنك رسول اللّه رب العالمين ، وما ينبغي لرب العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله بشر مثلنا تأكل كما نأكل وتشرب كما نشرب وتمشي في الأسواق كما نمشي .
فهذا ملك الروم وهذا ملك الفرس لا يبعثان رسولا إلّا كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ، وربّ العالمين فوق هؤلاء كلّهم فهم عبيده ، ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده ، بل لو أراد اللّه أن يبعث إلينا نبيا لكان انما يبعث إلينا ملكا لا بشرا مثلنا ، ما أنت يا محمّد إلّا رجلا مسحورا ولست بنبي .
فقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : هل بقي من كلامك شيء ؟ قال : بلى ، لو أراد اللّه أن يبعث إلينا رسولا لبعث أجل من فيما بيننا أكثره مالا وأحسنه حالا ، فهلا أنزل هذا القرآن الذي تزعم أن اللّه أنزله عليك وابتعثك به رسولا على رجل من القريتين عظيم إما الوليد بن المغيرة بمكة وإما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف .
فقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : هل بقي من كلامك شيء يا عبد اللّه ؟ فقال : بلى لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا بمكة هذه ، فإنها ذات أحجار وعرة وجبال ، تكسح أرضها وتحفرها وتجري فيها العيون ، فإننا إلى ذلك محتاجون أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا فتفجر الأنهار خلالها خلال تلك النخيل والأعناب تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا فإنك قلت لنا وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ فلعلنا نقول ذلك .
ثم قال : أو تأتي باللّه والملائكة قبيلا ، تأتي به وبهم وهم لنا مقابلون ، أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه وتغنينا به فلعلنا نطغى ، وانك قلت لنا : كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى .
ثم قال : أو ترقى في السّماء أي تصعد في السّماء ولن نؤمن لرقيك أي لصعودك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه من اللّه العزيز الحكيم إلى عبد اللّه بن أبي أمية المخزومي ومن معه بأن آمنوا بمحمّد بن عبد اللّه بن عبد المطلب فإنه رسولي وصدقوه في مقاله انه من عندي ، ثم لا أدري يا محمّد إذا فعلت هذا كله أؤمن بك أو لا أؤمن بك ، بل لو رفعتنا إلى السماء وفتحت أبوابها وأدخلتناها لقلنا انما سكرت أبصارنا وسحرتنا .
فقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : يا عبد اللّه أبقي شيء من كلامك ؟ قال : يا محمّد أوليس فيما أوردته عليك كفاية وبلاغ ، ما بقي شيء فقل ما بدا لك وأفصح عن نفسك إن كان لك حجة وأتنا بما سألناك به .
فقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : اللهم أنت السامع لكل صوت والعالم بكل شيء تعلم ما قاله عبادك ، فأنزل اللّه عليه ، يا محمّد وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ إلى قوله رَجُلًا مَسْحُوراً ثم قال اللّه تعالى : انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا .
ثم قال : يا محمّد تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً وأنزل عليه : يا محمّد فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ الآية ، وأنزل اللّه عليه : يا محمّد وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ إلى قوله وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ .
فقال له رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : يا عبد اللّه أما ما ذكرت من اني آكل الطعام كما تأكلون وزعمت أنه لا يجوز لأجل هذا أن أكون للّه رسولا فإنما الأمر للّه تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، وهو محمود وليس لك ولا لأحد الاعتراض عليه ب لم وكيف ، ألا ترى ان اللّه كيف أفقر بعضا وأغنى بعضا وأعز بعضا وأذل بعضا وأصح بعضا وأسقم بعضا وشرف بعضا ووضع بعضا ، وكلهم ممن يأكل الطعام .
ثم ليس للفقراء أن يقولوا « لم أفقرتنا وأغنيتهم » ولا للوضعاء أن يقولوا « لم وضعتنا وشرفتهم » ولا للزمني والضعفاء أن يقولوا « لم أزمنتنا وأضعفتنا وصححتهم » ولا للأذلاء أن يقولوا « لم أذللتنا وأعززتهم » ولا لقباح الصور أن يقولوا « لم قبّحتنا وجمّلتهم » بل إن قالوا ذلك كانوا على ربهم رادّين وله في أحكامه منازعين وبه كافرين . ولكان جوابه لهم :
أنا الملك الخافض الرافع المغني المفقر المعز المذل المصحح المسقم وأنتم العبيد ليس لكم إلّا التسليم لي والانقياد لحكمي ، فان سلمتم كنتم عبادا مؤمنين وإن أبيتم كنتم بي كافرين وبعقوباتي من الهالكين .
ثم أنزل اللّه عليه : يا محمّد قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يعني آكل الطعام و يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ يعني قل لهم : أنا في البشرية مثلكم ولكن ربي خصّني بالنّبوة دونكم كما يخص بعض البشر بالغنى والصحة والجمال دون بعض من البشر ، فلا تنكروا أن يخصني أيضا بالنبوة [ دونكم ] .
ثم قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : وأما قولك « هذا ملك الروم وملك الفرس لا يبعثان رسولا إلّا كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده » فان اللّه له التدبير والحكم لا يفعل على ظنك وحسبانك ولا باقتراحك بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو محمود .
يا عبد اللّه انما بعث اللّه نبيه ليعلم الناس دينهم ويدعوهم إلى ربهم ويكدّ نفسه في ذلك آناء الليل ونهاره ، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها وعبيد وخدم يسترونه عن الناس أليس كانت الرسالة تضيع والأمور تتباطأ ، أو ما ترى الملوك إذا احتجبوا كيف يجري الفساد والقبائح من حيث لا يعلمون به ولا يشعرون .
يا عبد اللّه إنّما بعثني اللّه ولا مال لي ليعرفكم قدرته وقوته وانه هو الناصر لرسوله ولا تقدرون على قتله ولا منعه في رسالاته ، فهذا بين في قدرته وفي عجزكم وسوف يظفرني اللّه بكم فأسعكم قتلا وأسرا ثم يظفرني اللّه ببلادكم ويستولي عليها المؤمنون من دونكم ودون من يوافقكم على دينكم .
ثم قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : وأما قولك لي « لو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده ، بل لو أراد اللّه أن يبعث إلينا نبيا لكان إنّما يبعث ملكا لا بشرا مثلنا » فالملك لا تشاهده حواسكم لأنه من جنس هذا الهواء لا عيان منه ، ولو شاهدتموه - بأن يزاد في قوى أبصاركم - لقلتم ليس هذا ملكا بل هذا بشر ، لأنه انما كان يظهر لكم بصورة البشر الذي ألفتموه لتفهموا عنه مقالته وتعرفوا خطابه ومراده .
فكيف كنتم تعلمون صدق الملك وأن ما يقوله حق ، بل انما بعث اللّه بشرا وأظهر على يده المعجزات التي ليست في طبائع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم فتعلمون بعجزكم عما جاء به انه معجزة وان ذلك شهادة من اللّه بالصدق له ، ولو ظهر لكم ملك وظهر على يده ما [ تعجزون عنه ] يعجز عنه [ جميع ] البشر لم يكن في ذلك ما يدلكم ان ذلك ليس في طبائع سائر أجناسه من الملائكة حتى يصير ذلك معجزا .
ألا ترون أنّ الطيور التي تطير ليس ذلك منها بمعجز لأن لها أجناسا يقع منها مثل طيرانها ، ولو أن آدميا طار كطيرانها كان ذلك معجزا ، فان اللّه عز وجل سهل عليكم الأمر وجعله بحيث تقوم عليكم حجته وأنتم تقترحون عمل الصعب الذي لا حجة فيه .
ثم قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : وأما قولك « ما أنت إلّا رجل مسحور » فكيف أكون كذلك وقد تعلمون اني في صحة التميز والعقل فوقكم فهل جربتم عليّ منذ نشأت إلى أن استكملت أربعين سنة خزية أو زلّة أو كذبة أو خيانة أو خطأ من القول أو سفها من الرأي ، أتظنّون أن رجلا يعتصم طول هذه المدّة بحول نفسه وقوتها أو بحول اللّه وقوته .
وذلك ما قال اللّه انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا * إلى أن يثبتوا عليك عمى بحجة أكثر من دعاويهم الباطلة التي تبين عليك تحصيل بطلانها .
ثم قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : وأما قولك « لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ، الوليد بن المغيرة بمكة أو عروة [ بن مسعود الثقفي ] بالطائف » فان اللّه ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت ولا خطر له عنده كما له عندك بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقى كافرا به مخالفا له شربة ماء وليس قسمة اللّه إليك بل اللّه هو القاسم للرحمات والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه .
وليس هو عزّ وجلّ ممن يخاف أحدا كما تخافه أنت لماله وحاله فعرفته بالنبوة لذلك ، ولا ممن يطمع في أحد في ماله أو في حاله كما تطمع أنت فتخصه بالنبوة لذلك ، ولا ممن يحبّ أحدا محبّة الهواء كما تحبّ أنت فتقدم من لا يستحقّ التقديم وإنّما معاملته بالعدل ، فلا يؤثر أحدا لأفضل مراتب الدين وخلاله إلّا الأفضل في طاعته والأجدّ في خدمته ، وكذلك لا يؤخر في مراتب الدين وخلاله إلّا أشدّهم تباطؤا عن طاعته .
وإذا كان هذا صفته لم ينظر إلى مال ولا إلى حال بل هذا المال والحال من تفضله ، وليس لأحد من عباده عليه ضريبة لازب ، فلا يقال له : إذا تفضلت بالمال على عبد فلا بد أن تتفضل عليه بالنبوة أيضا ، لأنه ليس لأحد اكراهه على خلاف مراده ولا إلزامه تفضلا لأنه تفضل قبله بنعمه .
ألا ترى يا عبد اللّه كيف أغنى واحدا وقبح صورته ، وكيف حسن صورة واحد وأفقره ، وكيف شرف واحدا وأفقره ، وكيف أغنى واحدا ووضعه . ثم ليس لهذا الغني أن يقول « هلا أضيف إلى يساري جمال فلان » ولا للجميل أن يقول « هلا أضيف إلى جمالي مال فلان » ، ولا للشريف أن يقول « هلا أضيف إلى شرفي مال فلان » ولا للوضيع أن يقول « هلا أضيف إلى ضعتي شرف فلان » ، ولكن الحكم للّه يقسم كيف يشاء ويفعل كما يشاء ، وهو حكيم في أفعاله محمود في أعماله وذلك قوله تعالى : وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ قال اللّه تعالى أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ يا محمّد نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا .
فأحوجنا بعضا إلى بعض ، أحوجنا هذا إلى مال ذلك ، وأحوج ذلك إلى سلعة هذا وإلى خدمته . فترى أجلّ الملوك وأغنى الأغنياء محتاجا إلى أفقر الفقراء في ضرب من الضروب : إما سلعة معه ليست معه ، وإما خدمة يصلح لها لا يتهيأ لذلك الملك أن يستغني إلّا به ، وإما باب من العلوم والحكم هو فقير إلى أن يستفيدها من هذا الفقير ، فهذا الفقير يحتاج إلى مال ذلك الملك الغني ، وذلك الملك يحتاج إلى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته .
ثم ليس للملك أن يقول هلا اجتمع إلى مالي علم هذا الفقير ، ولا للفقير أن يقول هلا اجتمع إلى رأيي وعلمي وما أتصرف فيه من فنون الحكمة مال هذا الملك الغني ، ثم قال اللّه : وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا ثم قال :
يا محمّد قل لهم وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ أي ما يجمعه هؤلاء من أموال الدنيا .
ثم قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : وأما قولك لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً إلى آخر ما قلته ، فإنك قد اقترحت على محمّد رسول اللّه أشياء : منها ما لو جاءك به لم يكن برهانا لنبوته ورسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) يرتفع عن أن يغتنم جهل الجاهلين ويحتج عليهم بما لا حجة فيه ، ومنها ما لو جاءك به كان معه هلاكك .
وانما يؤتى بالحجج والبراهين ليلزم عباد اللّه الايمان بها لا ليهلكوا بها فإنّما اقترحت هلاكك وربّ العالمين أرحم بعباده وأعلم بمصالحهم من أن يهلكهم كما تقترحون ، ومنها المحال الذي لا يصح ولا يجوز كونه ورسول رب العالمين يعرفك ذلك ويقطع معاذيرك ويضيق عليك سبيل مخالفته ، ويلجئك بحجج اللّه إلى تصديقه حتى لا يكون لك عنه محيد ولا محيص ، ومنها ما قد اعترفت على نفسك أنّك فيه معاند متمرد لا تقبل حجة ولا تصغي إلى برهان ، ومن كان كذلك فدواؤه عذاب اللّه النازل من سمائه في جحيمه أو بسيوف أوليائه .
فأما قولك يا عبد اللّه : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً بمكة هذه فإنها ذات أحجار وصخور وجبال تكسح أرضها وتحفرها وتجري فيها العيون فإننا إلى ذلك محتاجون ، فإنك سألت هذا وأنت جاهل بدلائل اللّه . يا عبد اللّه أرأيت لو فعلت هذا أكنت من أجل هذا نبيا ؟ قال : لا .
قال رسول اللّه : أرأيت الطائف التي لك فيها بساتين أما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصلحتها وذللتها وكسحتها وأجريت فيها عيونا استنبطتها ؟ قال : بلى . قال : وهل لك في هذا نظراء ؟ قال : بلى . قال : فصرت أنت وهم بذلك أنبياء ؟ قال : لا .
قال : فكذلك لا يصير هذا حجة لمحمد لو فعله على نبوته ، فما هو إلّا كقولك :
« لن نؤمن لك حتى تقوم وتمشي على الأرض كما يمشي الناس أو حتى تأكل الطعام كما يأكل الناس » .
وأما قولك يا عبد اللّه : « أو تكون لك جنّة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا وتفجر الأنهار خلالها تفجيرا » أوليس لك ولأصحابك جنات من نخيل وعنب بالطائف تأكلون وتطعمون منها وتفجرون الأنهار خلالها تفجيرا ، أفصرتم أنبياء بهذا ؟ قال : لا .
قال : فما بال اقتراحكم على رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) أشياء لو كانت كما تقترحون لما دلت على صدقه ، بل لو تعاطاها دل تعاطيها على كذبه لأنه يحتج بما لا حجة فيه ويختدع الضعفاء عن عقولهم وأديانهم ، ورسول رب العالمين يجل ويرتفع عن هذا .
ثم قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : يا عبد اللّه وأما قولك « أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا » فإنك قلت : « وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم » فان في سقوط السماء عليكم هلاككم وموتكم فإنما تريد بهذا من رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) أن يهلكك ورسول رب العالمين أرحم من ذلك ، لا يهلكك ولكنه يقيم عليك حجج اللّه ، وليس حجج اللّه لنبيه وحده على حسب اقتراح عباده ، لأن العباد جهال بما يجوز من الصلاح وما لا يجوز منه من الفساد ، وقد يختلف اقتراحهم ويتضاد حتى يستحيل وقوعه ، واللّه عزّ وجلّ طبيبكم لا يجري تدبيره على ما يلزم به المحال .
ثم قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : وهل رأيت يا عبد اللّه طبيبا كان دواؤه للمرضى على حسب اقتراحهم ، وانما يفعل به ما يعلم صلاحه فيه أحبه العليل أو كرهه ؟ فأنتم المرضى واللّه طبيبكم ، فان انقدتم لدوائه شفاكم وإن تمردتم عليه أسقمكم .
وبعد فمتى رأيت يا عبد اللّه مدعي حق من قبل رجل أوجب عليه حاكم من حكامهم فيما مضى بينة على دعواه على حسب اقتراح المدعى عليه ؟ إذا ما كان يثبت لأحد على أحد دعوى ولا حق ، ولا كان بين ظالم ومظلوم ولا بين صادق وكاذب فرق .
ثم قال رسول اللّه : يا عبد اللّه وأما قولك : « أو تأتي باللّه والملائكة قبيلا يقابلوننا ونعاينهم » فإنّ هذا من المحال الذي لا خفاء به ، وانّ ربّنا عزّ وجلّ ليس كالمخلوقين يجيء ويذهب ويتحرّك ويقابل شيئا حتى يؤتى به ، فقد سألتم بهذا المحال ، وانّما هذا الذي دعوت اليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعلم ولا تغني عنكم شيئا ولا عن أحد .
يا عبد اللّه أوليس لك ضياع وجنان بالطائف وعقار بمكة وقوّام عليها ؟ قال : بلى .
قال : أفتشاهد جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك وبين معامليك ؟ قال : بسفراء . قال :
أرأيت لو قال معاملوك واكرتك وخدمتك لسفرائك : « لا نصدقكم في هذه السفارة الا ان تأتونا بعبد اللّه بن أبي أمية لنشاهده فنسمع ما تقولون عنه شفاها » ، كنت تسوغهم هذا أو كان يجوز لهم عندك ذلك ؟ قال : لا .
قال : فما الذي يجب على سفرائك أليس أن يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلهم على صدقهم يجب عليهم أن يصدقوهم ؟ قال : بلى . قال : يا عبد اللّه أرأيت سفيرك لو أنه لما سمع منهم هذا عاد إليك وقال لك : « قم معي فإنهم قد اقترحوا عليّ مجيئك معي أليس يكون هذا لك مخالفا » وتقول له : انما أنت رسول لا مشير ولا آمر ؟
قال : بلى .
قال : فكيف صرت تقترح على رسول ربّ العالمين ما لا تسوغ لأكرتك ومعامليك أن يقترحوه على رسولك إليهم ؟ ! وكيف أردت من رسول رب العالمين أن يستذم إلى ربّه بأن يأمر عليه وينهى وأنت لا تسوغ مثل هذا على رسولك إلى أكرتك وقوامك ؟ ! هذه حجة قاطعة لإبطال جميع ما ذكرته في كل ما اقترحته يا عبد اللّه .
وأما قولك يا عبد اللّه : « أو يكون لك بيت من زخرف » وهو الذهب ، أما بلغك أن لعظيم مصر بيوتا من زخرف ؟ قال : بلى . قال : أفصار بذلك نبيا ؟ قال : لا . قال :
فكذلك لا يوجب لمحمد ( صلّى اللّه عليه واله ) نبوّة لو كان له بيوت ، ومحمد لا يغنم جهلك بحجج اللّه .
وأما قولك يا عبد اللّه : « أو ترقى في السّماء » ، ثم قلت : « ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه » يا عبد اللّه الصعود إلى السّماء أصعب من النزول عنها ، وإذا اعترفت على نفسك أنك لا تؤمن إذا صعدت فكذلك حكم النزول ، ثم قلت « حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه من بعد ذلك ، ثم لا أدري أؤمن بك أو لا أؤمن بك » ، فأنت يا عبد اللّه مقرّ بأنك تعاند حجة اللّه عليك ، فلا دواء لك إلّا تأديبه لك على يد أوليائه من البشر أو ملائكته الرّبانية ، وقد أنزل عليّ حكمة بالغة جامعة لبطلان كل ما اقترحته .
فقال عز وجل : « قل » يا محمّد : سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا ما أبعد ربي عن أن يفعل الأشياء على ما يقترحه الجهال مما يجوز ومما لا يجوز ، وهل كنت الا بشرا رسولا لا يلزمني إلّا إقامة حجة اللّه التي أعطاني ، وليس لي أن آمر على ربي ولا أنهى ولا أشير فأكون كالرسول الذي بعثه ملك إلى قوم من مخالفيه فرجع إليه يأمره أن يفعل بهم ما اقترحوه عليه .
فقال أبو جهل : يا محمّد ههنا واحدة ألست زعمت : ان قوم موسى احترقوا بالصاعقة لما سألوه أن يريهم اللّه جهرة ؟ قال : بلى . قال : فلو كنت نبيا لاحترقنا نحن أيضا ، فقد سألنا أشدّ ممّا سأل قوم موسى ، لأنهم كما زعمت قالوا : « أرنا اللّه جهرة » ونحن نقول : « لن نؤمن لك حتى تأتي باللّه والملائكة قبيلا » نعاينهم .
فقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : يا أبا جهل أما علمت قصة إبراهيم الخليل لما رفع في الملكوت ، وذلك قول ربي : وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ قوّى اللّه بصره لما رفعه دون السماء حتى أبصر الأرض ومن عليها ظاهرين ومستترين فرأى رجلا وامرأة على فاحشة فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ، ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا .
ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ، ثم رأى آخرين فهم بالدعاء عليهما فأوحى اللّه إليه : يا إبراهيم اكفف دعوتك عن عبادي وإمائي فاني أنا الغفور الرحيم ، الجبار الحليم ، لا يضرّني ذنوب عبادي كما لا تنفعني طاعتهم ، ولست أسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك .
فاكفف دعوتك عن عبادي وإمائي فإنما أنت عبد نذير لا شريك في الملك ولا ميهمن عليّ ولا عبادي وعبادي معي بين خلال ثلاث : إما تابوا إليّ فتبت عليهم وغفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم ، وإما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات مؤمنون فارفق بالآباء الكافرين وأتأنى بالأمهات الكافرات وأرفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن من أصلابهم .
فإذا تزايلوا حل بهم عذابي وحاق بهم بلائي ، وإن لم يكن هذا ولا هذا فان الذي أعددته لهم من عذابي أعظم مما تريده بهم ، فان عذابي لعبادي على حسب جلالي وكبريائي ، يا إبراهيم خل بيني وبين عبادي فأنا أرحم بهم منك وخل بيني وبين عبادي فاني أنا الجبار الحليم العلام الحكيم ادبّرهم بعلمي وأنفذ فيهم قضائي وقدري[1].
2 - قال أبو محمّد الحسن العسكري ( عليه السّلام ) : لما كان رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) بمكة أمره اللّه تعالى أن يتوجه نحو بيت المقدس في صلاته ، ويجعل الكعبة بينه وبينها إذا أمكن وإذا لم يمكن استقبل بيت المقدس كيف كان ، فكان رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) يفعل ذلك طول مقامه بها ثلاث عشرة سنة ، فلما كان بالمدينة وكان متعبدا باستقبال بيت المقدس استقبله وانحرف عن الكعبة سبعة عشر شهرا أو ستة عشر شهرا ، وجعل قوم من مردة اليهود يقولون :
« واللّه ما درى محمّد كيف يصلي حتى صار يتوجه إلى قبلتنا ويأخذ في صلاته بهدينا ونسكنا » ، فاشتد ذلك على رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) لما اتصل به عنهم وكره قبلتهم وأحب الكعبة ، فجاءه جبرئيل ( عليه السّلام ) فقال له رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : يا جبرئيل ! لوددت لو صرفني اللّه عن بيت المقدس إلى الكعبة فقد تأذيت بما يتصل بي من قبل اليهود من قبلتهم .
فقال جبرئيل ( عليه السّلام ) : فاسأل ربّك أن يحولك إليها فإنه لا يردك عن طلبتك ولا يخيبك من بغيتك ، فلما استتم دعاؤه ، صعد جبرئيل ثم عاد من ساعته فقال : اقرأ يا محمّد قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ الآيات .
فقال اليهود - عند ذلك : ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها ؟ فأجابهم اللّه أحسن جواب فقال : قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ وهو يملكهما وتكليفه التحويل إلى جانب كتحويله لكم إلى جانب آخر يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وهو أعلم بمصلحتهم وتؤديهم طاعتهم إلى جنات النعيم .
3 - قال أبو محمد ( عليه السّلام ) : وجاء قوم من اليهود إلى رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) فقالوا :
يا محمّد هذه القبلة بيت المقدس قد صليت إليها أربع عشرة سنة ثم تركتها الآن ، أفحقا كان ما كنت عليه ؟ فقد تركته إلى باطل فان ما يخالف الحق باطل أو باطلا كان ذلك فقد كنت عليه طول هذه المدة فما يؤمننا أن تكون الآن على باطل ؟
فقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : بل ذلك كان حقا وهذا حق ، يقول اللّه : قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ إذا عرف صلاحكم أيها العباد في استقبالكم المشرق أمركم به ، وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب أمركم به ، وإن عرف صلاحكم في غيرهما أمركم به ، فلا تنكروا تدبير اللّه في عباده وقصده إلى مصالحكم .
ثم قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : لقد تركتم العمل يوم السبت ثم عملتم بعده سائر الأيام ، ثم تركتموه في السبت ثم عملتم بعده ، أفتركتم الحق إلى الباطل ، أو الباطل إلى الحق ، أو الباطل إلى الباطل ، أو الحق إلى الحق ؟ قولوا كيف شئتم فهو قول محمّد وجوابه لكم ، قالوا : بل ترك العمل في السبت حق ، والعمل بعده حق فقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : فكذلك قبلة بيت المقدس في وقته حق ، ثم قبله الكعبة في وقته حق .
فقالوا له : يا محمّد أفبدا لربك فيما كان أمرك به بزعمك من الصلاة إلى بيت المقدس حتى نقلك إلى الكعبة ؟
فقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : ما بدا له عن ذلك فإنه العالم بالعواقب والقادر على المصالح لا يستدرك على نفسه غلطا ولا يستحدث رأيا بخلاف المتقدم جل عن ذلك ، ولا يقع عليه أيضا مانع يمنعه من مراده ، وليس يبدو إلّا لمن كان هذا وصفه ، وهو عز وجل يتعالى عن هذه الصفات علوا كبيرا .
ثم قال لهم رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : أيها اليهود أخبروني عن اللّه أليس يمرض ثم يصح ، ويصح ثم يمرض ، أبدا له في ذلك ؟ أليس يحيي ويميت ، أبدا له في كل واحد من ذلك ؟
قالوا : لا . قال : فكذلك اللّه تعبّد نبيه محمّدا بالصلاة إلى الكعبة بعد أن كان تعبّده بالصلاة إلى بيت المقدس وما بدا له في الأول .
ثم قال : أليس اللّه يأتي بالشتاء في أثر الصيف ، والصيف في أثر الشتاء ، أبدا له في كل واحد من ذلك ؟ قالوا : لا . قال : فكذلك لم يبد له في القبلة .
قال : ثم قال أليس قد ألزمكم في الشتاء أن تحترزوا من البرد بالثياب الغليظة ، وألزمكم في الصيف أن تحترزوا من الحر ؟ أفبدا له في الصيف حين أمركم بخلاف ما كان أمركم به في الشتاء ؟ قالوا : لا .
فقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : فكذلكم اللّه تعبدكم في وقت لصلاح يعلمه بشيء ثم تعبدكم في وقت آخر لصلاح يعلمه بشيء آخر ، فإذا أطعتم اللّه في الحالتين استحققتم ثوابه ، فأنزل اللّه تعالى : وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ يعني : إذا توجهتم بأمره فثم الوجه الذي تقصدون منه اللّه وتأملون ثوابه .
ثم قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : يا عباد اللّه أنتم كالمرضى واللّه رب العالمين كالطبيب فصلاح المرضى فيما يعمله الطبيب ويدبره به لا فيما يشتهيه المريض ويقترحه . ألا فسلموا للّه أمره تكونوا من الفائزين .
فقيل : يا بن رسول اللّه فلم أمر بالقبلة الأولى ؟ فقال : لما قال اللّه تعالى :
وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها وهي بيت المقدس إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ إلّا لنعلم ذلك منه وجودا بعد أن علمناه سيوجد ، وذلك ان هوى أهل مكة كان في الكعبة .
فأراد اللّه أن يبين متبعي محمّد ممن خالفه باتباع القبلة التي كرهها ومحمّد يأمر بها ، ولما كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس أمرهم بمخالفتها والتوجه إلى الكعبة ليبين من يوافق محمّدا فيما يكرهه ، فهو مصدقه وموافقه .
ثم قال : وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ إن كان التوجه إلى بيت المقدس في ذلك الوقت لكبيرة إلّا على من يهدي اللّه ، فعرف أن للّه أن يتعبد بخلاف ما يريده المرء ليبتلي طاعته في مخالفة هواه .
4 - وقال أبو محمّد ( عليه السّلام ) : قال جابر بن عبد اللّه الأنصاري : سأل رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) عبد اللّه بن صوريا - غلام يهودي أعور ، تزعم اليهود أنه أعلم يهودي بكتاب اللّه وعلوم أنبيائه - عن مسائل كثيرة يعنته فيها فأجابه عنها رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) بما لم يجد إلى انكار شيء منه سبيلا .
فقال له : يا محمّد من يأتيك بهذه الأخبار عن اللّه ؟ قال : جبرئيل . قال : لو كان غيره يأتيك بها لآمنت بك ، ولكن جبرئيل عدونا من بين الملائكة ، فلو كان ميكائيل أو غيره سوى جبرئيل يأتيك لآمنت بك .
فقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : لم اتخذتم جبرئيل عدوا ؟ قال : لأنه ينزل بالبلاء والشدة على بني إسرائيل ، ودفع « دانيال » عن قتل ( بخت نصر ) حتى قوى أمره وأهلك بني إسرائيل ، وكذلك كلّ بأس وشدة لا ينزلها إلّا جبرئيل ، وميكائيل يأتينا بالرحمة .
فقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : ويحك أجهلت أمر اللّه وما ذنب جبرئيل إلّا أن أطاع اللّه فيما يريده بكم ؟ أرأيتم ملك الموت هل هو عدوكم وقد وكله اللّه بقبض أرواح الخلق ؟ أرأيتم الآباء والأمهات إذا أوجروا الأولاد الدواء الكريهة لمصالحهم ، أيجب أن يتخذهم أولادهم أعداء من أجل ذلك ؟ لا . ولكنكم باللّه جاهلون ، وعن حكمه غافلون .
أشهد أن جبرئيل وميكائيل بأمر اللّه عاملان وله مطيعان ، وانه لا يعادي أحدهما إلّا من عادى الآخر ، وان من زعم أنه يحب أحدهما ويبغض الآخر فقد كفر وكذب ، وكذلك محمّد رسول اللّه وعلي أخوان ، كما أن جبرئيل وميكائيل اخوان فمن أحبهما فهو من أولياء اللّه ، ومن أبغضهما فهو من أعداء اللّه ، ومن أبغض أحدهما وزعم أنه يحب الآخر فقد كذب وهما منه بريئان واللّه تعالى وملائكته وخيار خلقه منه براء .
وقال أبو محمد ( عليه السّلام ) : كان سبب نزول قوله تعالى : قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ما كان من اليهود أعداء اللّه من قول سئ في جبرئيل وميكائيل وما كان من أعداء اللّه النصّاب من قول أسوأ منه في اللّه وفي جبرئيل وميكائيل وسائر ملائكة اللّه .
أما ما كان من النصاب : فهو أن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) لما كان لا يزال يقول في علي ( عليه السّلام ) الفضائل التي خصه اللّه عز وجل بها ، والشرف الذي نحله اللّه تعالى ، وكان في كل ذلك يقول : أخبرني به جبرئيل ( عليه السّلام ) عن اللّه ، ويقول في بعض ذلك جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، ويفتخر جبرئيل على ميكائيل في أنه عن يمين علي ( عليه السّلام ) الذي هو أفضل من اليسار ، كما يفتخر نديم ملك عظيم في الدنيا يجلسه الملك عن يمينه على النديم الآخر الذي يجلسه على يساره ، ويفتخران على إسرافيل الذي خلفه بالخدمة ، وملك الموت الذي أقامه بالخدمة وان اليمين واليسار أشرف من ذلك ، كافتخار حاشية الملك على زيادة قرب محلهم من ملكهم .
وكان رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) يقول - في بعض أحاديثه - : إن الملائكة أشرفها عند اللّه أشدها لعلي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) حبا ، وانه قسم الملائكة فيما بينها والذي شرّف عليا على جميع الورى بعد محمد المصطفى . ويقول مرة : إن ملائكة السماوات والحجب ليشتاقون إلى رؤية علي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) كما تشتاق الوالدة الشفيقة إلى ولدها البار الشفيق آخر من بقي عليها بعد عشرة دفنتهم ، فكان هؤلاء النصاب يقولون : إلى متى يقول محمد : جبرئيل ، وميكائيل ، والملائكة ، كل ذلك تفخيم لعلي وتعظيم لشأنه ، ويقول اللّه تعالى لعلي خاص من دون سائر الخلق ، برئنا من رب ومن ملائكة ومن جبرئيل ومن ميكائيل هم لعلي بعد محمد مفضلون ، وبرئنا من رسل اللّه الذين هم لعلي بعد محمد مفضلون .
وأما ما قاله اليهود : فهو ان اليهود أعداء اللّه ، لما قدم رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) المدينة أتوه بعبد اللّه بن صوريا فقال : يا محمد كيف نومك فانا قد أخبرنا عن نوم النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) الذي يأتي في آخر الزمان ؟ فقال : تنام عيني وقلبي يقظان . قال : صدقت يا محمد .
ثم قال : فأخبرني يا محمد الولد يكون من الرجل أو من المرأة ؟ فقال النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) :
أما العظام والعصب والعروق فمن الرجل ، وأما اللحم والدم والشعر فمن المرأة . قال :
صدقت يا محمد .
ثم قال : يا محمد فما بال الولد يشبه أعمامه ليس فيه من شبه أخواله شيء ، ويشبه أخواله ليس فيه من شبه أعمامه شيء ؟ فقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : أيهما علا ماؤه ماء صاحبه كان الشبه له . قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عمن لا يولد له ومن يولد له ؟ فقال ( صلّى اللّه عليه واله ) :
إذا مغرت النطفة لم يولد له - أي : إذا حمرت وكدرت - فإذا كانت صافية ولد له .
فقال : أخبرني عن ربك ما هو ؟ فنزلت : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إلى آخرها فقال ابن صوريا : صدقت خصلة بقيت لي إن قلتها آمنت بك واتبعتك . أي ملك يأتيك بما تقوله عن اللّه ؟ قال : جبرئيل . قال ابن صوريا : ذاك عدونا من بين الملائكة ينزل بالقتل والشدة والحرب ، ورسولنا ميكائيل يأتي بالسرور والرخاء فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك آمنا بك لان ميكائيل كان مسدد ملكنا وجبرئيل كان مهلك ملكنا ، فهو عدونا لذلك .
فقال له سلمان الفارسي ( رضى اللّه عنه ) : وما بدء عداوته لكم ؟ قال : نعم يا سلمان ، عادانا مرارا كثيرة ، وكان من أشد ذلك علينا ان اللّه أنزل على أنبيائه ان بيت المقدس يخرب على يد رجل يقال « بخت نصر » وفي زمانه ، وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه ، واللّه يحدث الأمر بعد الأمر فيمحو ما يشاء ويثبت .
فلما بلغنا ذلك الخبر الذي يكون فيه هلاك بيت المقدس بعث أوائلنا رجلا من أقوياء بني إسرائيل وأفاضلهم نبيا كان يعد من أنبيائهم يقال له « دانيال » في طلب بخت نصر ليقتله ، فحمل معه وقر مال لينفقه في ذلك ، فلما انطلق في طلبه لقيه ببابل غلاما ضعيفا مسكينا ليس له قوة ولا منعه ، فأخذه صاحبنا ليقتله فدفع عنه جبرئيل وقال لصاحبنا :
إن كان ربكم هو الذي أمر بهلاككم فان اللّه لا يسلطك عليه ، وإن لم يكن هذا فعلى أي شيء تقتله ؟ فصدقه صاحبنا وتركه ورجع إلينا فأخبرنا بذلك . وقوي بخت نصر وملك ، وغزانا وخرب بيت المقدس فلهذا نتخذه عدوا ، وميكائيل عدو لجبرئيل .
فقال سلمان : يا بن صوريا ، فبهذا العقل المسلوك به غير سبيله ضللتم ؟ أرأيتم أوائلكم كيف بعثوا من يقتل بخت نصر وقد أخبر اللّه تعالى في كتبه على ألسنة رسله انه يملك ويخرب بيت المقدس ؟ أرادوا تكذيب أنبياء اللّه في أخبارهم أو اتهموهم في أخبارهم أو صدقوهم في الخبر عن اللّه ومع ذلك أرادوا مغالبة اللّه ، هل كان هؤلاء ومن وجهوه إلّا كفارا باللّه ؟ وأي عداوة يجوز أن يعتقد لجبرئيل وهو يصده عن مغالبة اللّه عز وجل وينهى عن تكذيب خبر اللّه تعالى ؟
فقال ابن صوريا : قد كان اللّه تعالى أخبر بذلك على ألسن أنبيائه ، ولكنه يمحو ما يشاء ويثبت قال سلمان : فإذا لا تثقون بشيء مما في التوراة من الأخبار عما مضى وما يستأنف فان اللّه يمحو ما يشاء ويثبت ، وإذا لعل اللّه قد كان عزل موسى وهارون عن النبوة وأبطلا في دعواهما لأن اللّه يمحو ما يشاء ويثبت ، ولعل كلما أخبراكم به عن اللّه أنه يكون لا يكون وما أخبراكم به انه لا يكون لعله يكون .
وكذلك ما أخبراكم انه لم يكن لعله كان ، ولعل ما وعده من الثواب يمحوه ولعل ما توعد به من العقاب يمحوه ، فإنه يمحو ما يشاء ويثبت . انكم جهلتم معنى يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ . فلذلك أنتم باللّه كافرون ، ولأخباره عن الغيوب مكذبون وعن دين اللّه منسلخون .
ثم قال سلمان : فاني أشهد أنه من كان عدوا لجبرئيل فإنه عدو لميكائيل وانهما جميعا عدوان لمن عاداهما مسالمان لمن سالمهما ، فأنزل اللّه تعالى عند ذلك موافقا لقول سلمان : قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ في مظاهرته لأولياء اللّه على أعداء اللّه ونزوله بفضائل علي ( عليه السّلام ) ولي اللّه من عند اللّه فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ . فان جبرئيل نزل هذا القرآن عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ من سائر كتب اللّه وَهُدىً من الضلالة وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ بنبوة محمّد وولاية علي ( عليه السّلام ) ومن بعده من الأئمة [ الاثني عشر ] بأنهم أولياء اللّه حقا إذا ماتوا على موالاتهم لمحمد وعلي وآلهما الطيبين .
ثم قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : يا سلمان ، ان اللّه صدق قيلك ووافق رأيك ، وأن جبرئيل عن اللّه تعالى يقول : يا محمّد ، سلمان والمقداد أخوان متصافيان في ودادك ووداد علي أخيك ووصيك وصفيك ، وهما في أصحابك كجبرئيل وميكائيل في الملائكة ، عدوان لمن أبغض أحدهما وليان لمن والى محمّدا وعليا عدوان لمن عادى محمدا وعليا وأولياءهما .
ولو أحب أهل الأرض سلمان والمقداد كما تحبهما ملائكة السماوات والحجب والكرسي والعرش لمحض ودادهما لمحمد وعلي وموالاتهما لأوليائهما ومعاداتهما لأعدائهما لما عذب اللّه أحدا منهم عذاب البتة[2].