1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية والجنسية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : التربية والتعليم : التربية الروحية والدينية :

أثر التربية السليمة

المؤلف:  الشيخ محمد تقي فلسفي

المصدر:  الشاب بين العقل والمعرفة

الجزء والصفحة:  ج1 ص380 ــ 384

2023-04-03

1425

لا بد من القول إن التغلب على الغرائز الجامحة والشهوات الهائجة ، عمل في غاية الصعوبة يتطلب من الانسان مجاهدة كبيرة، ولكن الانسان الذي ترعرع منذ طفولته وحتى مرحلة بلوغه في ظل تربية سليمة وخضع لمراقبة تامة ومستمرة من قبل مربين أكفاء زرعوا في نفسه الإيمان بالله وبتعاليمه السامية ، لا بد وأن يمتلك في شبابه شخصية قوية فذة تسيطر على أهوائها وتكبح غرائزها وشهواتها بكل سهولة.

وإليك عزيزي القارئ نضرب هذا المثل الذي انتقيناه من تاريخ الإسلام :

المؤدب الكفوء : 

كان ليزيد بن معاوية ولد يدعى معاوية ، كان يحبه حباً جماً ، ويود تربيته تربية حسنة تعينه على بلوغ مدارج الكمال. فاختار له مؤدباً كفوءاً ومعلما فاضلاً يدعى «عمر المقصوص» ، وقد عرف هذا المؤدب بإيمانه وورعه وحبه وموالاته لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) وبغضه الدفين لظلم وبغي معاوية بن أي سفيان وولده يزيد.

وقد حرص هذا المعلم الكفوء على تعليم وتربية معاوية بن يزيد على كافة التعاليم الإسلامية ، وتحريك وتنمية حس الإيمان والعقل والرغبة في المعرفة الدينية في كيانه ، وقد أفلح فعلاً في أن يصنع من معاوية بن يزيد فرد مؤمناً عاقلا ومحباً لعلي (عليه السلام) وأولاده من الأئمة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .

وقد بويع لمعاوية بن يزيد بالخلافة يوم موت أبيه وهو في عنفوان شبابه ، حيث لم يكن يتجاوز العشرين من عمره.

مرحلة بروز الرغبات:

إن سن العشرين هو من سني الدورة الواقعة بين سن الـ 18 والـ 23 ، وهي مرحلة تبرز فيها الرغبات بقوة في أعماق الفتيان والشباب. ففيها تصل الشهوة الجنسية إلى ذروتها ، وتتفتح أحاسيس التفوق والشهرة وحب المال والجاه في ذات الشاب بعنف. وخلال هذه الدورة يصبح الشاب متعطش لإصابة اللذائذ وإشباع الشهوات ، وقد يلجأ إلى الإتيان بالمحرمات وسلوك الطرق الملتوية وغير المشروعة لتحقيق أمانيه ورغباته الدفينة.

الشخصية الحرة والمستقلة:

إن خلافة يزيد وحكومة بلاد واسعة كانت بالنسبة لمعاوية الشاب أفضل وسيلة لإشباع ميوله ورغباته، إذ كان بإمكانه إشباع نزواته الجنسية وأحاسيس التفوق وحب المال والجاه وغيرها من الرغبات الجامحة التي تكمن في أعماق كل شاب بصورة فطرية. فمعاوية بن يزيد كان قادراً على استغلال وجوده على عرش الخلافة شر استغلال في إرضاء غرائزه لو كان عبداً لهواه ، ذليلاً لشهواته، أو لو لم يكن قد نشأ في ظل تربية إسلامية صحيحة ، وترعرع في كنف مؤدب كفوء رسخ في نفسه روح الإيمان بالله والتعاليم الاسلامية الحقة ، ليجعل منه إنساناً ذا إرادة قوية متحرراً من قيود النفس الأمارة مستقلاً ، لن يؤثر فيه منصب الخلافة بكل عظمتها .

لقد أقام معاوية بن يزيد في الخلافة أربعين يوماً ، نظر فيها في كل ما ارتكبته حكومة أبيه وجده من بغي وسوء فعال وجرأة على الله سبحانه وتعالى ، فأدرك عظم الجرائم التي ارتكبها أبوه يزيد بن معاوية طيلة فترة خلافته الذي تجرأ على الله وبغى على من استحل حرمته من أولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله).

على مفترق طريقين:

فوجد معاوية بن يزيد نفسه أمام مفترق طريقين، عليه أن يختار سلوك أحدهما، فإما أن يستمر في الخلافة ويسير على خطى أبيه وجده في البغي والرذيلة وممارسة الظلم بحق العباد وإشباع جميع رغباته وغرائزه ، وإما أن يطيع أوامر الله ويسلك طريق الحق والفضيلة، ويخلع نفسه عن الخلافة التي لن تعود عليه إلا بالذل والعار.

التصميم على الاستقالة:

وقد أتخذ معاوية بن يزيد قراره ، واستطاع بقوة إيمانه والتربية السليمة التي عاش في ظلها أيام طفولته وصباه ، أن يتغلب على هواه ويصمم على إقالة نفسه من الخلافة ، فصعد المنبر ثم حمد الله وأثنى عليه وذكر النبي (صلى الله عليه وآله) بأحسن ما يذكر به ، ثم قال: أيها الناس ، إن جدي معاوية بن أبي سفيان قد نازع في أمر الخلافة من كان أولى بها منه ومن غيره لقرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وعظم فضله وسابقته أعظم المهاجرين قدراً وأشجعهم قلباً وأكثرهم علماً وأولهم إيماناً وأشرفهم منزلة وأقدمهم صحبة ، إبن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصهره وأخوه ، زوجه (صلى الله عليه وآله) ابنته فاطمة وجعله لها بعلاً وجعلها له زوجة ، أبو سبطيه سيدي شباب أهل الجنة وأفضل هذه الأمة ، فركب جدي منه ما تعلمون وركبتم معه ما لا تجهلون حتى انتظمت لجدي الأمور ، فلما جاه القدر المحتوم واخترمته أيدي المنون بقي مرتهناً بعمله فريداً في قبره ، ووجد ما قدمت يداه ورأى ما ارتكبه واعتداه .

التجرؤ على الله:

ثم انتقلت الخلافة إلى أبي يزيد - والكلام ما زال لمعاوية - ، لقد كان أبي يزيد بسوء فعله وإسرافه على نفسه غير خليق بالخلافة على أمة محمد (صلى الله عليه وآله) ، فركب هواه واستحسن خطاه وأقدم على ما أقدم من جرأته على الله وبغيه على من استحل حرمته من أولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقلت مدته وآنقطع أثره وضاجع عمله وصار حليف حفرته رهين خطيئته ، وبقيت أوزاره وتبعاته .

اعتزال الخلافة:

ثم اختنقته العبرة فبكى طويلاً وعلا نحيبه ثم قال: وما كنت لأتحمل آثامكم ولا يراني الله جلت قدرته متقلداً أوزاركم وألقاه بتبعاتكم، فشأنكم أمركم فخذوه ومن رضيتم به عليكم فولوه ، فلقد خلعت بيعتي من أعناقكم والسلام . فاضطرب المجلس، وقام مروان بن الحكم وكان تحت المنبر فقال له: أسنة عمرية يا أبا ليلى؟، فقال معاوية: اغد عني، أعن ديني تخدعني؟، فوالله ما ذقت حلاوة خلافتكم فأتجرع مرارتها ، والله لئن كانت الخلافة مغنماً لقد نال أبي منها مغرماً ومأثماً ، ولئن كانت سوءاً فحسبه منها ما أصابه ، ثم نزل من على المنبر وعيناه مغرورقتان بالدموع .

ولما رأى بنو أمية ما حصل قالوا لمؤدبه عمر المقصوص : أنت علمته هذا ولقنته إياه وصددته عن الخلافة وزينت له حب علي وأولاده ، وحملته على ما وسمنا به من الظلم وحسنت له البدع حتى نطق بما نطق وقال ما قال ، فقال : والله ما فعلته ولكنه مجبول ومطبوع على حب علي ، فلم يقبلوا منه ذلك وأخذوه ودفنوه حياً حتى مات(1).

الشخصية المؤمنة:

لقد حقق معاوية بن يزيد لنفسه شخصية مؤمنة استطاعت التغلب على هوى النفس ، ورفضت الخلافة لأنها مجبولة بالمعصية والرذيلة والعار ، أما أبوه وجده فقد كانا من عبيد الهوى وأسرى الشهوات ، فأقاما في الخلافة سنين طويلة ، وارتكبا ما ارتكباه من جرائم لا تنسى ولا يمكن أن تنسى مهما طال ادهر وامتد لأمد . قال تعالى : {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد: 14].

__________________________

(1) حياة الحيوان للدميري، ج1 ، ص 88 و89.