1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

تاريخ الفيزياء

علماء الفيزياء

الفيزياء الكلاسيكية

الميكانيك

الديناميكا الحرارية

الكهربائية والمغناطيسية

الكهربائية

المغناطيسية

الكهرومغناطيسية

علم البصريات

تاريخ علم البصريات

الضوء

مواضيع عامة في علم البصريات

الصوت

الفيزياء الحديثة

النظرية النسبية

النظرية النسبية الخاصة

النظرية النسبية العامة

مواضيع عامة في النظرية النسبية

ميكانيكا الكم

الفيزياء الذرية

الفيزياء الجزيئية

الفيزياء النووية

مواضيع عامة في الفيزياء النووية

النشاط الاشعاعي

فيزياء الحالة الصلبة

الموصلات

أشباه الموصلات

العوازل

مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة

فيزياء الجوامد

الليزر

أنواع الليزر

بعض تطبيقات الليزر

مواضيع عامة في الليزر

علم الفلك

تاريخ وعلماء علم الفلك

الثقوب السوداء

المجموعة الشمسية

الشمس

كوكب عطارد

كوكب الزهرة

كوكب الأرض

كوكب المريخ

كوكب المشتري

كوكب زحل

كوكب أورانوس

كوكب نبتون

كوكب بلوتو

القمر

كواكب ومواضيع اخرى

مواضيع عامة في علم الفلك

النجوم

البلازما

الألكترونيات

خواص المادة

الطاقة البديلة

الطاقة الشمسية

مواضيع عامة في الطاقة البديلة

المد والجزر

فيزياء الجسيمات

الفيزياء والعلوم الأخرى

الفيزياء الكيميائية

الفيزياء الرياضية

الفيزياء الحيوية

الفيزياء العامة

مواضيع عامة في الفيزياء

تجارب فيزيائية

مصطلحات وتعاريف فيزيائية

وحدات القياس الفيزيائية

طرائف الفيزياء

مواضيع اخرى

علم الفيزياء : الفيزياء الحديثة : ميكانيكا الكم :

تفسير المعاملات اللازمنية

المؤلف:  جون جريبين

المصدر:  ستة أشياء مستحيلة («كموم العزاء» وألغاز العالم دون الذري)

الجزء والصفحة:  (ص69 – ص76)

2023-03-28

1150

تعود أصول تفسير المعاملات لميكانيكا الكم إلى لغز يتعلَّق بطبيعة الضوء التي حيرت ألبرت أينشتاين. ولما كانت حيرة أينشتاين بشأن طبيعة الضوء هي التي قادته إلى وضع النظرية الخاصة للنسبية، فهذا وحده كفيل بأن يجعلنا نأخذها على محمل الجد. إن الإدراك الذي أدى إلى النظرية الخاصة للنسبية يتمثل في أن المعادلات التي تصف سلوك الضوء، وسائر الإشعاعات الكهرومغناطيسية الأخرى، تقول إن سرعة الضوء واحدة لجميع الأشخاص، يمثلها ثابت يُشار إليه الآن بالرمز c إذا سلطت مصباحًا نحوي وأنا واقف بجوارك، سأقيس سرعة الضوء القادم من المصباح بالرمز c ولكن حتى إذا كنت منطلقًا نحوك، أو بعيدًا عنك بسرعة عالية، فستظل سرعة الضوء المنبعث من المصباح تُقاس بالرمز c. ومن هذه الحقيقة البسيطة استنبط أينشتاين نظرية النسبية.

تُعرف المعادلات التي تقول، ضمن أشياء أخرى، إن سرعة الضوء واحدة لأي مراقب، بمعادلات ماكسويل، نسبة إلى الفيزيائي الذي اكتشفها في القرن التاسع عشر. لكن معادلات جيمس كلارك ماكسويل تتّسم بسمة أخرى غريبة. فهي متناظرة في الزمن. في أي مسألة تتعلق بإشعاع كهرومغناطيسي، مثل الإشعاع المرتبط بإلكترون متحرك، يوجد دائما حلان للمعادلات. يصف أحدهما ما يُدعى موجة متأخرة، تخرج من مصدر ما وتمضي في الزمن لتمتص في مكان ما في العالم. أما الآخر فيصف موجةً «متقدمة في الزمن»، تأتي من ممتصات في العالم بالخارج وتتلاقى فيما نعتقد أنه المصدر (الإلكترون المتحرك في هذه الحالة) من المستقبل. يتجاهل أغلب الفيزيائيين هذا الحل المتقدم. لكن أينشتاين قال في عام 1909:

في الحالة الأولى يُحسب المجال الكهربائي من إجمالي العمليات التي ينتج عنها، وفي الحالة الثانية يُحسب من إجمالي العمليات التي تمتصه ... يمكن دائمًا استخدام التصورين بصرف النظر عن تخيلنا لمدى بعد الأجسام الممتصة. وهكذا لا يمكن استنتاج أن [الحل المتأخر] له أي أفضلية على الحل [المحتوي على أجزاء متساوية من الموجات المتقدمة والمتأخرة].1

«بصرف النظر عن تخيلنا لمدى بعد الأجسام الممتصة». ليس هذا بالشيء الذي ينطبق فحسب على الإلكترونات المتفاعلة مع جيرانها، وإنما على سبيل المثال، على الإشارات التلفزيونية المنبعثة من الأرض في أرجاء الكون دائمًا ما تتضمن المعادلات التي تصف هذه العملية حلا يصف الموجات المتقدمة التي تجمع من الكون الإشارات المنبعثة منها على هوائيات التلفزيون. توجد هنا إشارة إلى نوع آخر (أو لعله نفس النوع؟) من اللاموضعية التي صادفناها من قبل، لكن بالطبع لم يكن هذا في ذهن أينشتاين في عام 1909.

كان ريتشارد فاينمان من القلائل الذين أخذوا الفكرة على محمل الجد، حين كان طالب أبحاث في جامعة برينستون في أربعينيات القرن العشرين. فبتشجيع من جون ويلر2 المشرف على رسالته طوَّر فكرة أنه حين يتفاعل إلكترون مع جسيم آخر مشحون يسافر شيء أشبه بموجة نصفية إلى المستقبل والماضي. وحيثما تلتقي الموجة بجسيم آخر مشحون، ينتج الجسيم الآخر موجته النصفية التي تمضي إلى كلٌّ من المستقبل والماضي في الزمن. لكن في صيغة فاينمان للنظرية، تتداخل الموجتان النصفيتان لتلغي كلٌّ منهما الأخرى في كل مكان عدا المساحة بين الجسيمين، حيث تُعزز كلٌّ منهما الأخرى ليصنعا موجة كاملة. حين ألقى فاينمان خطابًا حول الموضوع في جامعة برينستون، كان من بين الأعلام الحاضرين أينشتاين وفولفجانج باولي قال باولي إنه لا يعتقد أن الفكرة ناجعة، وسأل أينشتاين إن كان متفقا معه فقال أينشتاين: «لا، لكنني أرى فقط أنه سيكون من الصعوبة بمكان أن نضع نظرية مناظرة لتفاعل الجاذبية.»

بالرغم من هذا التأييد، أُهملت الفكرة؛ لأن الناس ببساطة كانوا لا «يعتقدون» في فكرة قدوم الموجات من المستقبل. لكن في أواخر سبعينيات القرن العشرين، وفي أثناء عمل جون كريمر بالتدريس في جامعة واشنطن في سياتل، وهو الذي أسرته فكرة فاينمان منذ صادفها وهو طالب جامعي قبل عشرين عامًا، خطرت له رؤية عبقرية لكيفية دمج الفكرة في ميكانيكا الكم. وشأن العديد من الأفكار الجيدة، أصبحت بارزة بمجرد أن أشار إليها احدهم.

كانت رؤية كريمر مدفوعة بالتفكير فيما يحدث لـ «الموجة الاحتمالية» في نظام كمي عند كشف موقع محدد للجسيم الذي ترتبط به كيف «تعرف» الموجة الموجودة في كل مكان آخر أنها ستختفي في تلك اللحظة؟ يشبه كريمر هذا الأمر بزجاجة يلقى بها في المحيط الأطلسي من شاطئ في فلوريدا. لتتخيَّل أنها زجاجة كمية تختفي داخل موجة ممتدة عبر أنحاء المحيط حتى أوروبا. ثم على شاطئ في إنجلترا تظهر الزجاجة. في تلك اللحظة تختفي الموجات الممتدة في أنحاء المحيط. أدرك كريمر أنه لا بد من وجود موجات متقدمة ومتأخرة «تتصافح» كميًّا في أرجاء المكان، وأن تلك الموجات المتأخرة التي صنعت «أصداء» لموجات متقدمة هي وحدها التي تستطيع التأثير على موقع الجسيمات؛ أي انتقالها الكمي الميكانيكي الغامض من «أ» إلى «ب» أو من مستوى طاقة لآخر من دون اجتياز المسافة بينهما. لقد سافرت موجات من الزجاجة في إنجلترا في اتجاه عكسي في الزمن إلى فلوريدا، عابرة المحيط، لإنشاء اتصال فريد وإلغاء الموجات الأخرى. بدا هذا لكريمر شديد الشبه بنموذج الموجة الدليلية، الذي يحتوي على موجات تدل الجسيمات أين تذهب، لكن مع اختلاف حاسم، وهو أنه لا يحتوي على تأكيد التصافح المعكوس زمنيًّا.

يفسر هذا كذلك لغز (إي بي آر) فالجسيمان اللذان تفاعلا مرةً يظلان متصلين، على الدوام وللأبد، عن طريق المصافحات فيما بينهما وموقع تفاعلهما. وكل هذا يتسق مع الوصف الصحيح (من وجهة نظر كريمر) لمعادلة شرودنجر الشهيرة.3

لكي نطبق أفكار نظرية الممتص على ميكانيكا الكم، لا بد من معادلة كمية تعطينا حلين، مثل معادلات ماكسويل، يعادل أحدهما موجة طاقة موجبة تتدفق داخل المستقبل، ويصف الآخر موجة طاقة سالبة تتدفق داخل الماضي. تبدو معادلة شرودنجر للوهلة الأولى لا تفي بالغرض؛ لأنها تصفُ تدفقا في اتجاه واحد فقط، نفسّره (بالطبع) بأنه يمتد من الماضي للمستقبل. لكن كما يتعلم كل الفيزيائيين في الجامعة (وينساه أغلبهم سريعا)، فإن الصيغة الأكثر استخدامًا من هذه المعادلة ليست متكاملة. فهي لا تراعي شروط نظرية النسبية كما أدرك رواد فيزياء الكم أنفسهم. وهذا ليس بالأمر المهم في أغلب الحالات؛ ولذلك فإن طلاب الفيزياء، وحتى أغلب من يمارسون ميكانيكا الكم عمليا، يستخدمون الصيغة المبسطة من المعادلة دون أي مبالاة بذلك. لكن الصيغة الكاملة للمعادلة الموجية، التي تراعي التأثيرات النسبوية بالقدر المناسب، أشبه بمعادلات ماكسويل إلى حدٍّ كبير. وعلى نحو خاص، تعطي هذه الصيغة مجموعتين من الحلول، إحداهما تتفق ومعادلة شرودنجر البسيطة المألوفة، والأخرى توازي صورةً طبق الأصل من معادلة شرودنجر؛ إذ تصف تدفق الطاقة السالبة في الماضي.

تتجلى هذه الازدواجية في أوضح صورها في حساب الاحتمالات في سياق ميكانيكا الكم. ثمة مصطلح رياضي يصف خواص النظام الكمي، يُدعى متجه الحالة، وهو المصطلح الذي تصفه معادلة شرودنجر الموجية. وهو عدد مركب بوجه عام. والعدد المركب هو عدد يتضمن الجذر التربيعي لسالب واحد، ويُكتب i لذا بينما a وb عددان عاديان، سيكون (a + ib) عددًا مركبا، وكذلك (a – ib). تتوقف حسابات الاحتمالات اللازمة لحساب احتمال العثور على إلكترون (مثلا) في مكان معيَّن في زمن معيّن على حساب تربيع متجه الحالة الموافق لتلك الحالة بعينها للإلكترون.

لكن حساب تربيع متغير مركب لا يعني ببساطة ضربه في نفسه. وإنما يجب، بدلًا من ذلك، الإتيان بمتغير آخر، وهو صورة طبق الأصل منه تُسمَّى مرافق العدد المركب، بتغيير العلامة أمام الجزء التخيلي: فإذا كانت + صارت –، والعكس بالعكس. وبذلك يكون a – ib)) المرافق المركَّب لـ (a + ib). ثم يضرب كلا العددين المركبين في الآخر لإعطاء الاحتمالية. أما بالنسبة إلى المعادلات التي تصف كيفية تغير نظام ما مع مرور الوقت، فإن عملية تغيير علامة الجزء التخيلي وإيجاد مرافق العدد المركب تعادل عكس اتجاه الزمن تحتوي معادلة الاحتمالات الأساسية نفسها، التي وضعها ماكس بورن عام 1926، على إشارة صريحة لطبيعة الزمن، وإلى إمكانية وجود نوعين من معادلات شرودنجر؛ أحدهما يصف موجات متقدمة، والآخر يمثل موجات متأخرة.

الأثر الجدير بالملاحظة هو أنه منذ عام 1926، كان كلما أخذ فيزيائي مرافق العدد المركب لمعادلة شرودنجر المبسطة واستخدمه لحساب احتمال كمي، كان في الواقع يأخذ في حسبانه حل الموجة المتقدمة للمعادلات، وتأثير الموجات التي تنتقل في اتجاه عكسي في الزمن، دون أن يدرك ذلك. إن رياضيات تفسير كريمر لميكانيكا الكم لا تشوبها أيُّ شائبة على الإطلاق؛ لأن الرياضيات، وصولًا لمعادلة شرودنجر، هي نفسها الموجودة في تفسير كوبنهاجن. الفرق حرفيا في التفسير فقط.

تتمثل الطريقة التي يصف بها كريمر معاملة كمية نموذجية في مصافحة جسيم لجسيم آخر في مكان ما آخر في الزمان والمكان. فبدأ من فكرة انبعاث إشعاع كهرومغناطيسي من إلكترون ليمتصه إلكترون آخر، لكن ينطبق الوصف بالمثل على متجه الحالة لكيان كمي يبدأ في حالة وينتهي في حالة أخرى نتيجةً لتفاعل ما؛ لنقُلْ مثلًا متجه حالة إلكترون انبعث من مصدر في جانب من تجربة الثقبين وامتصَّه كاشف على الجانب الآخر من التجربة.

من الصعوبات التي تصاحب أي وصف من ذلك النوع باللغة الدارجة هو كيفية تناول التفاعلات التي تسير في الاتجاهين في الزمن في آن واحد؛ ومن ثم تحدث آنيًّا بالمعنى الذي تشير إليه الساعات في حياتنا اليومية. يفعل كريمر هذا بالوقوف فعليًّا خارج الزمن، واستخدام حيلة دلالية للوصف في إطار نوع من الزمن الاستعاري. ولا تعدو هذه كونها حيلة دلالية، لكنها قطعا تساعد أغلب الناس على استحضار الصورة في أذهانهم بوضوح.

يسير الأمر على النحو التالي. حين يتفاعل كيان كمي (الباعث) مع العالم الخارجي، في هذه الصورة، يحاول أن يفعل ذلك بإنتاج مجال هو خليط متناظر زمنيًّا من موجة متأخرة تمتد للمستقبل وموجة متقدمة تمتد للماضي. كخطوة أولى لتخيُّل ما يحدث، تجاهل الموجة المتقدمة وتابع قصة الموجة المتأخرة. تتجه هذه الموجة نحو المستقبل حتى تلتقي بكيان (الممتص) يمكنها التفاعل معه. تتضمن عملية التفاعل جعل الكيان الثاني ينتج مجالاً متأخرًا جديدًا يلغي المجال المتأخر الأول تمامًا. من ثم يكون التأثير النهائي في مستقبل الممتص هو عدم وجود مجال متأخر.

لكن الممتص ينتج كذلك موجةً متقدمة سالبة تسافر للوراء في الزمن نحو الباعث، في أثر الموجة المتأخرة الأصلية. عند الباعث تُمتص هذه الموجة المتقدمة؛ وهو ما يجعل الكيان الأصلي يرتدُّ بحيث يشع موجةً متقدمة ثانية تتجه نحو الماضي. تلغي هذه الموجة المتقدمة «الجديدة» الموجة المتقدمة «الأصلية» تمامًا، فلا يعود إشعاع فعّال للماضي قبل لحظة حدوث الانبعاث الأصلي. كلُّ ما يتبقى هو موجة مزدوجة تصل الباعث بالممتص، مكونة من موجة نصفية متأخرة تحمل طاقة موجبة متجهة نحو المستقبل، وموجة نصفية متقدمة تحمل طاقة سالبة متجهة نحو الماضي (في اتجاه الوقت السالب).

ولأن حاصل السالبين موجب تُضاف هذه الموجة المتقدمة إلى الموجة المتأخرة الأصلية كما لو كانت هي الأخرى موجةً متأخرة متجهة من الباعث للممتص. تُجمع الطاقة السالبة والزمن السالب ليعطيا طاقة موجبة تتقدَّم في الزمن. وبكلمات كريمر:

يمكن أن نعتبر الباعث ينتج موجةً يقدمها كـ «عرض» تتجه إلى الممتص. والممتص بدوره يردُّ بموجة «تأكيد» للباعث، لتتم الصفقة بـ «مصافحة» عبر الزمكان.4

لكن هذا مجرد تسلسل للأحداث من منظور الزمن الاستعاري. فالعملية في الواقع لا زمنية؛ إذ تقع مرةً واحدة. يقول كريمر: «إن كان ثَمَّة رابط بعينه مميّز في سلسلة الأحداث، فهو ليس ذلك الذي ينهي السلسلة. وإنما هو ذلك الرابط الذي في بداية السلسلة حين يتلقى الباعث موجات تأكيد عدةً من موجة العرض الخاصة به، فيدعم واحدة منها، يتم اختيارها عشوائيا وفقًا لقواعد الاحتمالية، بحيث يجسد موجة التأكيد تلك في الواقع كصفقة مكتملة. فالتبادل اللازمني ليس له «وقت» في النهاية.»

كيف يُحَلُّ هذا الغموض الجوهري الذي يكتنف تجربة الثقبين؟ وفقًا لتفسير المعاملات، تنتشر موجة «عرض متأخرة» من خلال كلا الثقبين في التجربة، وتحفز «موجة تأكيد» متقدمة من شاشة الكاشف فتسافر عائدةً من خلال الثقبين في التجربة إلى المصدر. يختار كل جسيم أي العروض يُقبل عشوائياً، منتجا نمط تداخل. لكن إذا حدث في صيغة اختيار متأخر مراوغة من التجربة، وسُدَّ أحد الثقبين بعد أن مضى الجسيم في رحلته، فإن الجسيم يعلم هذا بالفعل؛ لأن موجة التأكيد كان لديها ثقب واحد فقط لتمر من خلاله عند عودتها من أجل إجراء المصافحة. وفي ذلك يقول كريمر:

لم تَعُد مسألة متى يقرر المراقب أي تجربة سيُجري مهمة. فقد قرر المراقب تكوين التجربة والشروط الحدية وتمَّت المعاملة بناءً على ذلك. علاوةً على ذلك، فإن حقيقة أن حدث الكشف ينطوي على قياس (على عكس أي تفاعل آخر) لم يعد مهما؛ ولذلك لا يكون للمراقب دور خاص في العملية.

تحقق هذا النجاح في حلّ لغز فيزياء الكم في مقابل قبول فكرة واحدة فقط تبدو منافية للمنطق؛ وهي فكرة أن جزءًا من الموجة الكمية يمكنه فعلا العودة للوراء خلال الزمن. للوهلة الأولى، يتناقض هذا تناقضًا صارخًا مع فكرنا البديهي بأن العلل لا بد دائما أن تسبق الأحداث التي تسببها. لكن عند التأمل من كتب يتبيَّن أن السفر عبر الزمن الذي يتطلَّبه تفسير المعاملات لا يخالف مفهوم السببية الدارج مطلقًا. فحين يقع تصافح لا زمني بمساعدة موجة كمية متقدمة تسافر إلى الوراء في الزمن، لا يكون للأمر أيما تأثير على النمط المنطقي للسببية في عالمنا اليومي.

لا ينبغي الاندهاش من اختلاف تفسير المعاملات عن المنطق في طريقة تعامله مع الزمن؛ لأن تفسير المعاملات يتضمن بوضوح تأثيرات نظرية النسبية. أما تفسير كوبنهاجن، على النقيض، فيعامل الزمن بالطريقة «النيوتونية» الكلاسيكية، وهذا من صميم أي تناقضات في أي محاولة لتفسير نتائج التجارب الكمية التي تقيس متباينة بيل وفقًا لتفسير كوبنهاجن. لو كانت سرعة الضوء لا نهائية، لتلاشت المشكلات؛ فلن يكون هناك حينها اختلاف بين الوصف الموضعي واللاموضعي للعمليات التي تتضمن متباينة بيل، وستكون معادلة شرودنجر البسيطة وصفًا دقيقًا لما يحدث؛ فمعادلة شرودنجر البسيطة هي في الواقع المعادلة «النسبوية» الصحيحة حين تكون سرعة الضوء لا نهائية.

كيف يؤثر التصافح اللازمني على احتمال الإرادة الحرة؟ قد يبدو للوهلة الأولى وكأن كل شيء محدد بهذه الاتصالات بين الماضي والحاضر. فكل فوتون ينبعث «يعلم» مسبقًا متى وأين سيمتص؛ وكل موجة احتمالية كمية تنسل بسرعة الضوء من خلال الشقين في تجربة الثقبين، «تعلم» مسبقًا أي نوع من الكواشف ينتظرها على الجانب الآخر. نحن أمام صورة لكون جامد، ليس للزمان ولا المكان أي معنى فيه، وكل ما كان أو سوف يكون يوما قائم فحسب.

لكن في إطاري الزمني تُتَّخذ القرارات بإرادة حرة حقيقية ومن دون معرفة أكيدة بنتائجها. فالأمر يستغرق وقتًا (في العالم الماكروسكوبي) كي تتخذ القرارات (القرارات البشرية و«الاختيارات» الكمية مثل تلك المتعلقة بتحلل ذرة، على حد سواء) التي تصنع الواقع اللازمني للعالم المجهري.

لا يتوانى كريمر عن التأكيد على أن تفسيره لا يضع تكهنات تختلف عن تلك التي تضعها ميكانيكا الكم التقليدية، وأنه يُقدِّم، كنموذج تصوري ربما يساعد الناس على تأمل ما يحدث في عالم الكم بوضوح، أداةً يحتمل أن تكون مفيدة في التدريس خاصةً، وذات قيمة كبيرة في تنمية المدارك والرؤى الخاصة بالظواهر الكمية التي كانت ستصبح غامضة لولا هو. لكن لسنا في حاجة للشعور بأن تفسير المعاملات يعاني مقارنةً بتفسيرات أخرى في هذا الصدد؛ إذ لا يزيد أي منها عن كونه نموذجًا تصوريًا صُمِّم لمساعدتنا على فَهُم الظواهر الكمية، وكلها تعطي نفس التوقعات.

وهنا تكمن المشكلة. إن جميع سبل العزاء تتساوى في المزايا، وتتساوى جميعًا في العيوب أيضًا. وغاية ذلك على الأقل أنك حر في اختيار ما يمنحك أكبر قدر من العزاء، وتجاهل ما دونه.

 

هوامش

(1) انظر الأبحاث المجمعة لألبرت أينشتاين»، المجلد الثاني، تحرير إيه بيك وبي هافاز (دار نشر جامعة برينستون، 1989)؛ مقتبسة أيضًا في كتاب جون كرامر «المصافحة الكمية» (انظر قائمة المراجع).

(2) جون ويلر مرة أخرى. فقد كان لديه سجل أعمال طويل وباهر.

(3) الجزء التالي مأخوذ من كتابي «هرتا شرودنجر».

(4) «ريفيوز أو مودرن فيزيكس»، مجلد رقم 58، صفحة 647، 1986.

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي