x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الفضائل
الاخلاص والتوكل
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
الإيثار و الجود و السخاء و الكرم والضيافة
الايمان واليقين والحب الالهي
التفكر والعلم والعمل
التوبة والمحاسبة ومجاهدة النفس
الحب والالفة والتاخي والمداراة
الحلم والرفق والعفو
الخوف والرجاء والحياء وحسن الظن
الزهد والتواضع و الرضا والقناعة وقصر الامل
الشجاعة و الغيرة
الشكر والصبر والفقر
الصدق
العفة والورع و التقوى
الكتمان وكظم الغيظ وحفظ اللسان
بر الوالدين وصلة الرحم
حسن الخلق و الكمال
السلام
العدل و المساواة
اداء الامانة
قضاء الحاجة
فضائل عامة
آداب
اداب النية وآثارها
آداب الصلاة
آداب الصوم و الزكاة و الصدقة
آداب الحج و العمرة و الزيارة
آداب العلم والعبادة
آداب الطعام والشراب
آداب الدعاء
اداب عامة
حقوق
الرذائل وعلاجاتها
الجهل و الذنوب والغفلة
الحسد والطمع والشره
البخل والحرص والخوف وطول الامل
الغيبة و النميمة والبهتان والسباب
الغضب و الحقد والعصبية والقسوة
العجب والتكبر والغرور
الكذب و الرياء واللسان
حب الدنيا والرئاسة والمال
العقوق وقطيعة الرحم ومعاداة المؤمنين
سوء الخلق والظن
الظلم والبغي و الغدر
السخرية والمزاح والشماتة
رذائل عامة
علاج الرذائل
علاج البخل والحرص والغيبة والكذب
علاج التكبر والرياء وسوء الخلق
علاج العجب
علاج الغضب والحسد والشره
علاجات رذائل عامة
أخلاقيات عامة
أدعية وأذكار
صلوات و زيارات
قصص أخلاقية
قصص من حياة النبي (صلى الله عليه واله)
قصص من حياة الائمة المعصومين(عليهم السلام) واصحابهم
قصص من حياة امير المؤمنين(عليه السلام)
قصص من حياة الصحابة والتابعين
قصص من حياة العلماء
قصص اخلاقية عامة
إضاءات أخلاقية
تنزيه المقدّسات من سموّ النفس.
المؤلف: الشيخ علي حيدر المؤيّد.
المصدر: الموعظة الحسنة
الجزء والصفحة: ص 273 ـ 288.
2023-03-07
1472
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): «يا علي، لا تحلف بالله كاذباً ولا صادقاً من غير ضرورة ولا تجعل الله عرضة ليمينك فإنّ الله لا يرحم ولا يرعى مَن حلف باسمه كاذباً» (1).
أكبر وأجلّ من أن يوصف:
الله عزّ وجلّ أكبر وأجل من أن يوصف أو تحيط به الكلمات القاصرة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] فلا توجد حقيقة في الوجود أشرف منه تبارك وتعالى. وهو تعالى المفيض على هذا العالم وجوده وكل لوازم هذا الوجود. ولذلك جعل آياته التي أودعها في هذا العالم أثراً يدلّ عليه سبحانه وتعالى. ومع كثرة الآيات الدالة عليه إلّا أنّ الإنسان تبقى معرفته بالله تعالى قليلة. يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ما عبدناك حقّ عبادتك وما عرفناك حقّ معرفتك"(2)؛ لأنّ الإنسان محدود وهو سبحانه لا محدود والمحدود يستحيل عليه أن يحيط باللامحدود فلا تدركه الأبصار والأوهام وهو الذي لو قطع فيضه لحظة عن هذا العالم لانعدم وانمحى فبواسطة فيضه المتواصل وعنايته الدائمة كان هذا العالم واستمرّ وفي الدعاء الشريف: "يا دائم الفضل على البرية يا باسط اليدين بالعطيّة يا صاحب المواهب السنيّة" (3).
والإنسان مهما يكن لا يستطيع أن يدرك حقيقة شرف هذا الوجود المقدس؛ لأنّه جاهل بذاته المقدسة ولكنّه يتعرّف على الله من خلال أسمائه وصفاته، ولكن مراتب هذه المعرفة متفاوتة من شخص إلى آخر فمعرفة الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) لله غير معرفة الإنسان العادي لله عزّ وجلّ.
يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «علّمني رسول الله ألف باب من العلم فانفتح لي من كلّ باب ألف باب» (4).
ولا يوجد إنسان أعلى معرفة بالله تعالى من رسولنا الأعظم ولكن مع هذه المعرفة يقول الرسول (ما عرفناك حق معرفتك)، فإذا كان الأمر كذلك فالأولى بالإنسان أن يراعي إيمانه بهذه الحقيقة المقدسة وألّا يذكره في الأمور التافهة والقضايا الدنيويّة الجانبيّة. بل عليه أن يديم ذكره تعالى في القلب واللسان وأن يؤمن باله إيماناً صادقاً خالصاً. لا أن تغيب عن باله مسألة القداسة اللامتناهيّة التي يتّصف بها الله تعالى؛ لأنّها عندما تغيب عن بال الإنسان ويغفل عنها ويتمسك بالماديّات وزخارف الدنيا يكون إيمانه آنذاك ركيكا وسطحيّاً تقلّبه الأحداث والأهواء. وأحياناً ينغمس في الصفات اللاأخلاقيّة البعيدة عن روح الإيمان أمثال الحسد والغضب والعصبيّة وسوء الخلق ففي بعض الأخبار:
«إنّ الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النّار الحطب» (5).
«مَن تعصّب أو تعصّب له فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه» (6).
إذ كلّما ابتعد الإنسان عن الله سبحانه كلّما انغمس في هذه الصفات الرديئة أكثر.
الكذب مفتاح كل سوء:
لا شك أن الإنسان هو الذي يوفر أسباب سعادته أو شقاوته باختياره، والكذب من أسباب الشقاء؛ لأنّه من الذنوب الشديدة المبغوضة عند الله عزّ وجلّ؛ لأنّه من جهة مخالف للإيمان الصحيح ومعبّر عن النظرة الضيّقة التي يحملها الإنسان الكاذب عن قداسة الله وجلالته فلا يبالي في الكذب وإن كان هادماً أو مخالفاً للإيمان؛ لأنّه ليس لديه وضوح في معنى الإيمان بالله وصفات هذا الإيمان. ومن جهة أخرى فإنّ الكذب يربك العلاقات الاجتماعيّة ويقطع أواصر الأخوة لأنّه خداع ولا أحد يرضى بأن يخدع وقد جاء في الأخبار: «إنّ الكذب هو خراب الإيمان» (7).
وعندما يُهدَم إيمان المرء لا يبقى حاجز يردعه عن إيذاء النّاس.
والعلاقات الاجتماعيّة من الأمور التي اهتم ّبها الشارع كثيراً {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].
"إنّما المؤمنون إخوة بنو أب وأم وإذا ضرب على رجل منهم عرق سهر له الآخرون" (8).
وغيرها من الآيات والأحاديث التي تعكس اهتمام الشريعة في الحفاظ على الأسرة الاجتماعيّة الواحدة وعدم التفريط بها أو تصدّعها من خلال بعض الصفات اللاأخلاقيّة التي يتّصف بها البعض، ولا شكَّ أنّ الكذب من الصفات القبيحة والعقل يستهجن كلّ قبيح؛ لأنّه مخالف للفطرة الإنسانيّة التي تدعو إلى الحسن والكمال، والكذب منقصة فادحة أيضاً في كمال الإنسان. ولذلك أكّدت الشريعة المقدّسة على حرمته لأنّ أحكام الشريعة كلّها تصبّ في إيصال الإنسان إلى الكمال والخير والسعادة في الدارين وبما أنّ الكذب يعرقل الكمال لذلك جعلته من الأمور الأشدّ قبحاً إضافة إلى قبحه الذاتي. فمثلاً إنّ الكذب على الله ورسوله والأئمة الطاهرين عليهم الصلاة والسلام في شهر رمضان يعدّه الفقهاء مفطراً ومبطلاً للصيام لماذا؟ ربّما لأنّ شهر رمضان من الأشهر الروحيةّ قد جعله الله سبحانه موسماً للترقي المعنوي وطريقاً لترويض النفس وتدريبها على ترك الميل إلى الشهوات، وبالتالي فالصيام في شهر رمضان له خصوصيّة وهي أن الإنسان يتعبأ إيماناً وكمالاً من خلال البرامج الروحيّة التي جعلت في هذا الشهر المبارك ولذلك قال رسول الله: «اعمل بفرائض الله تكن أتقى الناس» (9).
أي بإخلاصٍ تامٍّ. ومعلوم أنّ التّقوى حصن حصين ولكن يأتي الكذب ليهدم ذلك أي أنّه عائق ومانع من الكمال ومن جهة فإنّ الكذب على الله ورسوله أو الأئمة الطاهرين يكون خارقاً لحرمة الألوهيّة ومقام النبوة والإمامة ومن يكون عمله هكذا فصيامه غير صحيح ولذلك حكمت الشريعة ببطلان صيامه. أي أنّ شهر رمضان أريد منه أن يكون مدرسة لتهذيب الإنسان وتنزيهه من كل رذيلة أيمن كلّ منقصة فادحة في كماله فإذا كان الأكل والشرب في شهر رمضان قادحاً ومبطلاً للصيام فإنّ الكذب على الله ورسوله والأئمة أيضاً قادح في الصيام ومبطل له لماذا؟ لأنّه منقصة لكمال الإنسان إذ الكمال في الصدق وحفظ كيانات الآخرين وعدم استغابتهم وتسقيطهم. بل إنّنا نرى الإسلام يهتمّ بجانب الروح أكثر من الجانب الجسديّ. جاء في الحديث: «كم مِن صائم ليس له من صيامه إلّا الجوع والعطش» (10).
وعن مولاتنا الزهراء (سلام الله عليها) قالت: «ما يصنع الصائم بصيامه إذا لم يصن لسانه وسمعه وبصره وجوارحه» (11).
من مفاسد الكذب:
لقد اتّفق العقل والنقل على قباحة الكذب وأنّه من المعاصي الكبيرة كما دلّت الأخبار على ذلك أيضاً.
فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «الكذب على الله وعلى رسوله (صلى الله عليه وآله) من الكبائر» (12).
وفي الكذب مفاسد دنيويّة وأخرى أخرويّة وعلى كلّ منهما تتفرّع مفاسد كثيرة، فمن الأولى أنّ الإنسان إذا كذب ثم افتضح أمره فإنّه يسقط من أعين الناس وينهدم مقامه الاجتماعيّ وتزول شخصيته ويذهب بهاؤه ولا يستطيع أن يجبر ذلك لاسيما إذا اشتهر بالكذب فيعيش طيلة عمره مبغوضاً من قبل الناس ولا يحظى! بثقتهم ويحرم من معاملتهم وربما يمنع من خيرهم ولذلك حرمت الشريعة الكذب وكرهته حتى في مواطن الهزل لأنّه ربّما يصبح مقدّمة للتعوّد عليه في الجد أيضاً.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا يجد عبد طعم الإيمان حتّى يترك الكذب هزله وجده» (13).
بل إنّ بعض الفقهاء أفتى بحرمته أيضاً: «إذا نسب الصائم عمداً كذبة إلى آله أو الأنبياء أو الأئمة الطاهرين لفظاً أو كتابة أو إشارة وما شابه بطل صومه وإن تاب فوراً» (14).
وكما أفتى بحرمته صاحب الوسائل في باب تحريم الكذب في الصغير والكبير والجد والهزل عدا ما استثنى (15).
وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين صلوات الله عليهما يقول لولده: «اتّقوا الكذب الصغير منه والكبير في كلّ جد وهزل فإنّ الرجل إذا كذب في الصغير اجترئ على الكبير أما علمتم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما يزال العبد يصدق حتّى يكتبه الله صدّيقاً وما يزال العبد يكذب حتّى يكتبه الله كاذباً» (16).
ومن تبعات الكذب أن يصبح الإنسان الكاذب ذا لسانين ووجهين؛ لأنّه يقول للناس شيئاً ويفعل أمراً غيره وهكذا دواليك وقد قال مولانا الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن لقي المسلمين بوجهين ولسانين جاء يوم القيامة وله لسانان من نار» (17).
وقطعاً فإنّ هذه الصفة من أقبح الصفات التي يستهجنها العرف الاجتماعي لأنّها أشبه بالنفاق ويقول مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): «شرّ الأخلاق الكذب والنفاق» (18).
فكما أنّ النفاق يخرج الإنسان عن ربقة الإيمان فلعلّ الكذب يكون مثله إذا استمرّ الإنسان عليه ولذلك يقول (عليه السلام): "لا مروءة لكذوب" (19).
والكذوب هو كثير الكذب والمروءة هي فضيلة الترفّع والاحتشام عن مواقعة القبيح وبما أنّ الكذوب ليست لديه هذه الفضيلة فهو كثير الوقوع في القبائح، قال الشاعر:
ودع الكذوب فلا يكن لك صاحباً *** إنّ الكذوب لبئس خلاً يصحب
وقال آخر:
لا يكذب المرء إلا من مهانته *** أو فعله السوء أو من قلة الأدب
لبعض جيفة كلب خير رائحة *** من كذبة المرء في جدٍّ وفي لعب
تبعات الكذب في الاخرة:
جاء عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ الله عزّ وجلّ جعل للشرّ أقفالاً وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب والكذب شرّ من الشراب» (20).
كما أنّ للكذب نتائج وخيمة في الدنيا كذلك الحال في آخرة الإنسان وموقفه يوم القيامة. فمن التبعات التي يتركها الكذب في عنق الإنسان نذكر ما يلي:
1- خراب الإيمان: «إنّ الكذب هو خراب الإيمان» (21) ومن خرب إيمانه ساءت عاقبته وساء موقعه في الآخرة.
2- الكذّاب مبارز لله: عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «مَن حلف
على يمين وهو يعلم أنه كاذب فقد بارز الله عزّ وجلّ» (22).
وفي حديث آخر مضمونه ما آمن بالله من حلف به كاذباً.
3 - الحرمان من الهداية: قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: 3].
4 - الكذّاب فاسق عند الله: قال تعالى يصف الكذّاب بأنّه فاسق: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6].
ولذلك نجد الكذب من الكبائر لتبعاته السيئة في الدنيا والآخرة.
دع الكذب:
قال رجل للنبي (صلى الله عليه وآله): أنا أستسر بخلال أربع: الزنا، والسرقة، وشرب الخمر، والكذب، فأيّتهنّ شئت تركت لك يا رسول الله؟ قال: دع الكذب. فلمّا تولّى همّ بالزنا فقال: يسألني - أي رسول الله صلى الله عليه وآله - فإن جحدت نقضت ما جعلت له وإن أقررت حددت أو رجمت ثم همّ بالسرقة ثمّ في شرب الخمر ففكّر في مثل ذلك فرجع إليه فقال: قد أخذت عليّ السبيل قد تركتهنّ أجمع (23).
فضيحة الكذب:
يُحكى أنّ السلطان (حسين ميرزاى بايقرا) الذي كان ملكاً في خراسان أرسل الأمير حسين أبي وردي رسولاً عنه إلى السلطان يعقوب ميرزا ملك العراق وآذربيجان يومئذٍ وأرسل معه هدايا كثيرة وعدّة كتب منها كتاب (كلّيات جامي) المشهور الذي كان جديداً ومرغوباً في ذلك الوقت إلّا أنّ صاحب المكتبة أعطاه سهواً بدل كلّيات جامي كتاب (الفتوحات المكيّة) ولم يتأكّد الأمير حسين فأخذ الكتاب معه ودخل مع مجموع الهدايا على السلطان يعقوب فأحسن السلطان استقباله وسؤال حاله وقال له: لقد عانيت الكثير لطول المسافة فقال له الأمير حسين: كان معي في الطريق رفيقاً يؤنسني ويدفع الملل عنّي وهو كتاب كلّيات جامي الذي أرسل لك هدية.
فأمر السلطان وهو في شدّة الاشتياق للكتاب بالإتيان به فأرسل الأمير حسين من يحضره فلمّا جاؤوا به فإذا هو الفتوحات المكيّة وليس كلّيات جامي وافتضح الأمير حسين في كذبه حين قال بأنّي كنت مأنوساً بمطالعة الكتاب في الطريق فقال له السلطان: أما تستحي من مثل هذا الكذب فخجل الأمير حسين ولم يحر جواباً وخرج من البلاط خجلاً وعاد بلا توقف إلى خراسان وقال عن ذلك: وددت حين افتضح أمري وانكشف كذبي لو مت في مكاني ذلك ولم يكن ما كان.
فلا بدّ أن يأتي ذلك اليوم الذي ينكشف الكذّاب أمام الآخرين وتظهر حقيقته لأنّ الله لا يدعه هكذا يخدع عباده، فضلاً عن أنّه سوف يفتضح غداً على رؤوس الأشهاد.
اليمين الكاذبة:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "يا علي لا تحلف بالله كاذباً.. وهو المسمّى ب «اليمين الكاذبة» أو اليمين الغموس وهو من الذنوب الكبيرة وله آثار سيّئة جداً نذكر منها ما جاء عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: في كتاب علي (عليه السلام): ثلاث خصال لا يموت صاحبهنّ أبداً حتى يرى وبالهنّ: البغي وقطيعة الرحم واليمين الكاذبة يبارز الله بها، وإن أعجل الطاعة ثواباً لصلة الرحم وإن القوم ليكونون فجّاراً فيتواصلون فتنمى أموالهم ويثرون وإنّ اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم لتذران الديار بلاقع من أهلها وتنقل الرحم وإن نقل الرحم انقطاع النسل" (24).
وهناك أخبار تقول إنّ الله سبحانه لا يرحم من حلف به كذباً كما جاء في حديث الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) ولكن ما معنى رحمة الله هل هي الصفة الانفعاليّة التي تحصل في نفوسنا أم لا؟ إذ إنّ الرحمة أو الفرح أو الحزن.. صفات حادثة تحصل في نفوسنا بسبب تأثرنا بالوقائع الخارجيّة ومن مقولة الانفعال أو الكيف النفسانيّ كما يرى الحكماء. فهل هذا الأمر يكون في ذاته المقدسة أم لا؟ أي أنّنا عندما نقول: إنّ الله يرحم أو لا يرحم هل أنّه يتأثر وينفعل بالواقع الخارجي أم لا؟
نقول: إنّ معنى رحمة الله أو أنّه تعالى لا يفيض رحمته على صاحب اليمين الكاذبة مثلاً معناه أنّه تعالى لا يفيض أثر رحمته فمعنى الرحمة هو آثار الخير التي يتفضّل الله بها على الصالحين من عباده. فالله تعالى لا يتأثّر بأيّ شيء؛ لأنّه ليس جسماً مادياً لكي يتّصف بما يتصف به الجسم المادي وبما أنّه ليس جسماً فهو خارج عن حدود هذا الوجود المحدود بل إنّ ذاته تعالى غير محدودة ولا متناهية. فعندما نقول: إنّ الله يغضب أو يفرح وغيرها من هذه الصفات معناها أنّ الله سبحانه يظهر أثر الغضب والفرح على العباد لا أنه تعالى له مزاج أو نفس كنفوسنا فتتأثر بالأشياء والآثار مخلوقات من قبله تعالى لتدل عليه. وهذا معنى العبارة التي يذكرها العلماء (خذ الغايات واترك المبادئ) أي على الإنسان أن ينظر إلى الآثار ولا ينظر إلى مبادىء الصفة كما تحصل هي فينا وإنّما تطلق هذه الصفات النفسانيّة مثل الرحمة والغضب لتدلّ على آثارها لا على انفعال الذات سبحانه وتعالى.
وعلى هذا فيكون معنى قول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): (فإنّ الله لا يرحم و..) أي: لا ينشر آثار الخير والسعادة ويظهر آيات رحمته على الإنسان الذي يحلف بالله كاذباً فيحرم من الرزق وأسباب السعادة في الدنيا والآخرة.
عن الصادق (عليه السلام): «إنّ الذنب يحرم العبد الرزق» (25).
لماذا القسم؟
المعنويّات كلّما قويت في الإنسان، أي: كلّما ارتفع فيه الجانب المعنويّ وتحلّى بالصفات الكمالية، كلما قويت شخصيته وزادت ثقته بنفسه؛ لأنّ الكمالات ترفع من مستوى الإيمان، والإيمان يعني القرب من الله وهذا القرب هو الذي يلهم المؤمن قوة وثباتاً وثقة بالنفس فلذلك نرى أمثال هؤلاء لا يحتاجون للقسم ولا يتعرّضون لمقام الربّ تبارك وتعالى المقدس ولا لمقامات الأئمة (عليهم السلام)؛ لأنّهم ملازمون للصدق ويرون فيه كفاية في الإثبات، هذا من جهة ومن جهة أخرى إنّ الإيمان العميق يزيد قداسة الله عزّ وجلّ وجلالته في قلبه، وكذلك قداسة الرسول والأئمة، فلا يقسم بهذه المقدّسات من أجل أمور دنيويّة تافهة أمام مقام الله سبحانه والأئمة مهما عظمت.
أمّا الإنسان ضعيف الإيمان ضعيف الشخصية فهو يشعر بهذا النقص والفجوة في أعماقه فيحاول أن يدعم كلامه بالقسم أو يعطي لكلامه قدسيّة بالحلف أو يحاول أن يكسب قناعة الآخرين بالقسم أو بالعكس.
فهو يكذب ولكن بالحلف يحاول أن يغطّي على كذبه وهو من أقبح الأمور ولعلّ هذا هو الذي أشار إليه الرسول الأعظم في حديثه (فإنّ الله لا يرحم ولا يرعى من حلف باسمه كاذباً).
القسم بالله:
من خلال أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) وسيرتهم الجهاديّة نرى أنّهم لم يحلفوا بالله إلّا في الأمور العظيمة جداً والتي تشكّل خطراً على الرسالة أو بعض القضايا السياسيّة أو العقائديّة المهمّة في نظر الإسلام أمّا أمور الدنيا المادية فلا يقرنونها بالحلف.
فمثلاً أمير المؤمنين (عليه السلام) أراد أن يبيّن للمسلمين عامّة أنّ خلافة أبي بكر كانت غصبيّة وكانت مفتاحاً للفتن والانشقاقات نراه في هذا المورد يقسم بالله لكي يدعم كلامه أكثر ويرفع أي شك في أذهان المسلمين فيقول: "أما والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحا ينحدر عنّي السيل ولا يرقى إليّ الطير فسدلت دونها ثوباً وطويت عنها كشحاً.." (26).
ثم بعد أن ذكر أنّ خلافة الأوّل كانت غصبيّة وخالية من كلّ لون شرعيّ يبيّن أنّه حتّى أعماله وتصرّفاته كانت غير مطابقة للشريعة فيقول (عليه السلام): "فيا عجباً بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشدّ ما تشطّرا ضرعيها" (27).
فالعبارة الأخيرة تبيّن سياسة الأول والثاني واتّفاقهما على سلب هذا الأمر عن أمير المؤمنين والتلاعب بأموال المسلمين (لشدّ ما تشطّرا ضرعيها) ثم يبيّن الأسوأ من هذا وذاك بقوله: "ومال الآخر لصهره مع هن وهن إلى أن قام ثالث القوم.. وقام معه بنو أبيه يخضمون (28) مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع.. " (29).
فهذه من الأمور العظام وهي حاكميّة رجال تسلّطوا باسم الإسلام فأراد الإمام أن يبيّن عدم شرعيّتهم فافتتح كلامه الشريف بالقسم. وهكذا الأمر في الموارد الخطيرة التي تكون مائزاً بين الحق والباطل نرى أئمتنا (عليه السلام) يقسمون بالله وإلّا ففي الأمور الجزئيّة والجانبيّة لا يتعرّضون لمقام الله عزّ وجلّ أبداً.
فمثلاً عندما أشير على أمير المؤمنين (عليه السلام) بعدم قتال طلحة والزبير وعدم رصد الجيش قبالهم نرى أنّ الإمام يفتتح كلامه بقوله: "والله لا أكون كالضبع تنام على طول اللدم (30) حتّى يصل إليها طالبها ويختلها راصدها ولكنّي أضرب بالمقبل إلى الحقّ المدبر عنه.." (31) وهنا نلاحظ قضيّة مهمّة جداً لذلك أقسم الإمام بالله سبحانه؛ لأنّه كان خليفة المسلمين وصاحب الشرعيّة بلا منازع مطلقاً وإذا ترك قتال طلحة والزبير مع نكثهما البيعة يعني في ذلك إعطاء الشرعيّة لهما ولتحرّكهما العسكري ممّا يثير الفتن والاحتمالات والشكوك والأقاويل وغيرها من الأمور التي تمزّق وحدة المسلمين. هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا يريد أن يكون فريسة سهلة لطلحة والزبير اللذين يمثلان الباطل ليتلاعبا بأمور المسلمين كما فعلها الأوائل قبله. ومن جهة ثالثة إنّ أمير المؤمنين دائماً وأبداً مع الحق "علي مع الحق والحق مع علي" (32) فهيهات أن يفتح مجالاً لدخول الباطل إلى دولته فهو دائم الدفاع عن الحق ودولة الحق ولذا يقول: "أضرب بالمقبل إلى الحق المدبر عنه".
فالقسم بالله العظيم ليس أمراً سهلاً تلوكه الألسن في كلّ آنٍ بل هو من عظائم الأمور وأجلّها فعلى المؤمن أن ينتبه إلى ذلك ولا يجعل الله عرضة لأيمانه في كلّ أمر تعالى الله عن ذلك.
القسم في مجتمعاتنا:
وكذا الحال في مجتمعاتنا فالكثير من الناس يحلف بالرسول أو أحد الأئمة (عليهم السلام) على أيّ أمر حتّى على الدينار أو على كيلو من الطعام أو ثوباً ما وهكذا.. يجب علينا أن نفهم مقام أهل البيت (عليهم السلام) الشامخ وألّا نتعرّض إلى هذه الأسماء المقدّسة وهذه الوجودات القدسيّة ونقسم بها على أدنى شيء ولذلك جاء في الروايات وفتاوى الفقهاء أنّ الحلف بالأئمة والرسول كذباً يفطر الصائم كما أنّ الحلف بالله كذباً يفطر الصائم.
فأهل البيت بفضلهم ومن أجلهم بل هم العلّة الغائية وراء خلق هذا الوجود فإنّ الله اشتق من أنوارهم القدسية - بعد أن خلقها - هذا العالم ودان لهم العالم كلّه بما فيه (33).
عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إنّ الله خلقني وخلق عليّاً وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق آدم حين لا سماء مبنيّة ولا أرض مدحيّة ولا ظلمة ولا نور ولا شمس ولا قمر ولا نار فقال العباس: فكيف كان بدء خلقكم يا رسول الله؟ فقال: يا عم لمّا أراد الله أن يخلقنا تكلّم بكلمة فخلق منها نوراً ثم تكلّم بكلمة أخرى فخلق منها روحاً ثم خلط النور بالروح فخلقني وخلق عليّاً وفاطمة والحسن والحسين فكنّا نسبّحه حين لا تسبيح ونقدّسه حين لا تقديس فلمّا أراد الله تعالى أن ينشئ خلقه فتق نوري فخلق منه العرش فالعرش من نوري ونوري من نور الله ونوري أفضل من العرش ثم فتق نور أخي علي فخلق منه الملائكة فالملائكة من نور علي ونور علي من نور الله وعلي أفضل من الملائكة ثم فتق نور ابنتي فاطمة فخلق منه السماوات والأرض فالسماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة ونور ابنتي فاطمة من نور الله وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض ثم فتق نور ولدي الحسن وخلق منه الشمس والقمر فالشمس والقمر من نور ولدي الحسن ونور الحسن من نور الله والحسن أفضل من الشمس والقمر ثم فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنّة والحور والعين فالجنّة والحور العين من نور ولدي الحسين ونور ولدي الحسين من نور الله وولدي الحسين أفضل من الجنّة والحور العين (34).
كفى بهذا الحديث بياناً لمقام أهل البيت (عليهم السلام) فعلى الذين يلوكون أسماءهم المقدّسة على أدنى الأمور أن ينتهوا وينتبهوا إلى هذا المقام الشامخ مع أيّ حرمة يتعاملون..
الإمام السجاد أسوة:
جاء في الرواية المشهورة عن الإمام الباقر (عليه السلام): إنّ أباه الإمام السجاد (عليه السلام) كانت عنده امرأة من الخوارج فقال له مولى له: يا بن رسول الله إنّ عندك امرأة تتبرّأ من جدّك فقضى لأبي أنّه طلّقها فادّعت
عليه صداقها فجاءت به إلى أمير المدينة تستعديه عليه فقالت: لي
عليه صداقي أربعمائة دينار، فقال الوالي ألكِ بيّنة؟ فقالت: لا، ولكن
خذ يمينه. فقال والي المدينة: يا علي إمّا أن تحلف وإمّا أن تعطيها
فقال لي: يا بنيّ قم فأعطها أربعمائة دينار، فقلت: يا أبه جعلت فداك ألست محقاً؟ فقال: بلى يا بنيّ ولكنّي أجللتُ الله أن أحلف به يمين صدق (35).
فكان من حقّ الإمام أن يحلف بالله لكي يثبت الحق لنفسه ويبيّن بطلان قول المرأة ولكنّه اعتبر الحلف بالله العظيم من أجل أربعمائة دينار أمراً تافهاً فليس الأمر بتلك الأهميّة لكي يقسم بالله فليس هو أمراً سياسيّاً خطيراً ولا مطلباً عقائدياًّ مهمّاً ولا هو أمر متعلّق بعظائم الأمور فلذلك لم يحلف الإمام (عليه السلام).
وكذا الحال بنا عندما نجلّ ونقّدس ساحة أئمتنا (عليهم السلام) ولا نجعل هذه الوجودات الشريفة عرضة لكلامنا وقضايانا الجانبيّة، فإنّنا كلّما قرنّا أسماءهم (عليهم السلام) بأمورنا الدنيويّة نكون قد قلّلنا من قداستهم في قلوبنا، بل علينا أن ندعم كلامنا بالمنطق السليم والصدق فلا نحتاج إلى أن نحلف بالله أو بالرسول ولا الأئمة وإن فاتنا بعض المنافع أحياناً.
علينا أن نتأسّى بأئمتنا فلا نقسم إلّا في القضايا المهمّة المرتبطة بالمعنويّات والمصالح النوعيّة وإحقاق الحقوق.
أمّا في إثبات القضايا الشخصيّة فإذا كان بالإمكان ألّا يحلف الإنسان فعدم حلفه يكون من الكواشف عن كمالاته ورفعه شخصيّته كما أنّ عدم الحلف يزيد من قداسة وجلالة وعظمة الله في قلب الإنسان كما يزيد من آداب المجتمع عموماً ويدفعه نحو تقديس مقدساته بالصورة الأفضل ممّا يضفي عليه قوة في الإيمان وكمالاً في الصفات وبالتالي يقترب الإنسان عبر هذه الروحانيّة من الله عزّ وجلّ، مما يجعله في محل رحمته سبحانه.
أما إذا حلف كاذباً فهذا أولى بالبعد عن ساحة الرحمة الإلهيّة والحرمان من العناية الإلهيّة ورعاية الأئمة الطاهرين (عليهم الصلاة والسلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كلمة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): ص 152.
(2) البحار: ج 71، ص23.
(3) راجع مفاتيح الجنان أعمال ليلة الجمعة.
(4) كشف الغمة: ج 1، فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، ص 132، ط ـ بيروت.
(5) الكافي: ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الحسد، ح1.
(6) نفس المصدر: باب العصبيّة، ح 1.
(7) الكافي: ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الكذب، ح 4.
(8) الكافي: ج 2، كتاب الإيمان والكفر، باب أخوّة المؤمنين، ح 1، ص 165.
(9) الكافي: ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب أداء الفرائض، ح 4.
(10) البحار: ج93، باب آداب الصائم، ح 24.
(11) نفس المصدر: ح 25.
(12) الكافي: ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الكذب، ح 5.
(13) الكافي: ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الكذب، ح 1.
(14) راجع المسائل الإسلاميّة: كتاب الصوم، مسألة 1604.
(15) وسائل الشيعة: ج 8، باب 140، باب تحريم الكذب في الصغير و...
(16) الكافي: ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الكذب، ح 2، ص 253.
(17) نفس المصدر: باب ذي اللسانين، ح 1، ص 257.
(18) غرر الحكم: ص218، ح 4373.
(19) مائة كلمة لأمير المؤمنين (عليه السلام): البحرانيّ، ص 104، ك 12، ط ـ يران.
(20) الكافي: ج2، كتاب الإيمان والكفر باب الكذب، ح 3.
(21) المصدر نفسه: ح4.
(22) عقاب الأعمال: ص 271، ح 1وح ،10 ط ـ الأعلميّ.
(23) ربيع الأبرار: ج3، ص639، ط ـ إيران.
(24) الكافي: ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب قطيعة الرحم، ح4.
(25) الكافي: ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الذنوب، ح 1.
(26) نهج البلاغة: صبحي الصالح، خ 3 الشقشقيّة، نسخة المعجم.
(27) المصدر نفسه.
(28) الخضم: أكل الشيء الرطب.
(29) نهج البلاغة: صبحي الصالح، خ 3 الشقشقيّة، نسخة المعجم.
(30) اللدم: صوت العصا تضرب بها الأرض فمع شدة الصوت إلّا أنّ الضبع يبقى نائماً.
(31) راجع النهج من كلام له (عليه السلام) عندما أشير عليه بعدم رصد القتال لطلحة والزبير، نسخة المعجم.
(32) كشف الغمة: ج 1، ص 143.
(33) راجع كتاب بصائر الدرجات للتفصيل في بيان مقام أهل البيت (عليهم السلام).
(34) البحار: ج54، باب حدوث العالم، ص 193، ح 139.
(35) البحار: ج104، ص281، ح16، باب 6.