تاريخ الفيزياء
علماء الفيزياء
الفيزياء الكلاسيكية
الميكانيك
الديناميكا الحرارية
الكهربائية والمغناطيسية
الكهربائية
المغناطيسية
الكهرومغناطيسية
علم البصريات
تاريخ علم البصريات
الضوء
مواضيع عامة في علم البصريات
الصوت
الفيزياء الحديثة
النظرية النسبية
النظرية النسبية الخاصة
النظرية النسبية العامة
مواضيع عامة في النظرية النسبية
ميكانيكا الكم
الفيزياء الذرية
الفيزياء الجزيئية
الفيزياء النووية
مواضيع عامة في الفيزياء النووية
النشاط الاشعاعي
فيزياء الحالة الصلبة
الموصلات
أشباه الموصلات
العوازل
مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة
فيزياء الجوامد
الليزر
أنواع الليزر
بعض تطبيقات الليزر
مواضيع عامة في الليزر
علم الفلك
تاريخ وعلماء علم الفلك
الثقوب السوداء
المجموعة الشمسية
الشمس
كوكب عطارد
كوكب الزهرة
كوكب الأرض
كوكب المريخ
كوكب المشتري
كوكب زحل
كوكب أورانوس
كوكب نبتون
كوكب بلوتو
القمر
كواكب ومواضيع اخرى
مواضيع عامة في علم الفلك
النجوم
البلازما
الألكترونيات
خواص المادة
الطاقة البديلة
الطاقة الشمسية
مواضيع عامة في الطاقة البديلة
المد والجزر
فيزياء الجسيمات
الفيزياء والعلوم الأخرى
الفيزياء الكيميائية
الفيزياء الرياضية
الفيزياء الحيوية
الفيزياء العامة
مواضيع عامة في الفيزياء
تجارب فيزيائية
مصطلحات وتعاريف فيزيائية
وحدات القياس الفيزيائية
طرائف الفيزياء
مواضيع اخرى
أصل النجوم (من الغبار الى الغبار)
المؤلف: نيل ديجراس تايسون ودونالد جولدسميث
المصدر: البدايات
الجزء والصفحة: الجزء الثالث الفصل التاسع (ص138-ص153)
28-1-2023
1875
ذا نظرت إلى سماء الليل الصافية، بعيدًا جدًّا عن أضواء المدينة، فستحدد على الفور شريطا غائما من الضوء الشاحب تتخلله من موضع لآخر بقع مظلمة، يمتد من الأفق للأفق. هذا السديم الضبابي الذي يحمل لون بياض اللبن المعروف منذ زمن بعيد بالطريق اللبني قبل أن يعرف بمجرة الطريق اللبني أو درب التبانة)، يضم أضواء عدد مذهل من النجوم والسدم الغازية سيرى من يرصدون درب التبانة بالنظارات المقربة أو التلسكوبات الموضوعة في أفنية منازلهم أن المناطق المظلمة المملة ليست سوى مجرد مناطق مظلمة مملة، لكن سيتضح لهم أن المناطق الساطعة ليست مجرد وهج منتشر بل هي عدد لا يحصى من النجوم والسدم.
أورد جاليليو جاليلي في كتابه الصغير (المرسال الفلكي)، المنشور في البندقية عام 1610، أول توصيف للسماء كما تُرى من خلال التلسكوب، بما في ذلك توصيف لبقع الضوء في درب التبانة. تحدث جاليليو - الذي كان يشير لأداته باسم «المنظار»؛ نظرًا لأن كلمة تلسكوب telescope التي تعني باليونانية (كاشف البعد) لم تكن قد صيغت بعد - وهو لا يكاد يتمالك نفسه:
بالإمكان رؤية الطريق اللبني نفسه بواسطة المنظار، بوضوح شديد حتى إن جميع النقاشات التي حيرت الفلاسفة لأجيال عديدة ستتبدد على الفور على يد الحقيقة المنظورة، وسوف نتحرر بهذا من المجادلات اللفظية. فالمجرة ما هي إلا تجمع لعدد لا يحصى من النجوم الموزعة في عناقيد. وأينما وجهت منظارك ستقابل عددًا مهولاً من النجوم أمامك، بعضها يبدو ضخمًا إلى حد ما وسهل التمييز، لكن أغلب النجوم الصغيرة يصعب تمييزها. (جاليليو جاليلي، المرسال لفلكي، ترجمة ألبرت فان هيلدن شيكاجو: مطابع جامعة شيكاجو، 1989 ص 62.)
بطبيعة الحال كانت المناطق المكتظة بالنجوم في درب التبانة، التي وصفها جاليليو بأن بها (عددًا لا يحصى من النجوم)، هي موضع النشاط الفلكي الحقيقي. لماذا إذن قد يهتم أحدهم بالبحث العميق عن المناطق المظلمة التي لا تحوي أي نجوم منظورة؟ فالمناطق المظلمة، بناء على مظهرها هي على الأرجح ثقوب كونية؛ فتحات لمناطق خاوية لا نهاية لها من الفضاء.
مرت ثلاثة قرون قبل أن يتوصل أحدهم لماهية البقع المظلمة في الطريق اللبني، وأنها ليست ثقوباً، بل تتكون في الحقيقة من سحب كثيفة من الغازات والغبار تحجب عنا الحقول النجمية الأبعد وتحوي في أعماقها الحاضنات النجمية. مسترشدًا باقتراحات مسبقة من الفلكي الأمريكي جورج كاري كومستوك، الذي تساءل لماذا تبدو النجوم البعيدة للغاية أكثر خفوتا مما تستدعيه مسافاتها وحدها حدد الفلكي الهولندي ياكوبوس كورنيليوس كابتين في عام 1909، المشتبه به الرئيسي. ففي ورقتين بحثيتين تحملان العنوان نفسه عن (امتصاص الضوء في الفضاء) (ياكوبوس كورنيليوس كابتين، أستروفيزيكال جورنال ،29، 46، 1909، 30، 284، 1909.) قدم كابتين الدليل على أن السحب المظلمة - «الوسيط النجمي» الذي عثر عليه حديثًا - لا تحجب الضوء القادم من النجوم وحسب، بل تفعل هذا على نحو غير متساو عبر ألوان الطيف الضوئي الصادر عن النجوم؛ فهي تمتص الضوء عند الطرف البنفسجي من طيف الضوء المرئي وتشتته ومن ثم تضعفه عما هو الحال مع طرف الضوء الأحمر. هذا الامتصاص الانتقائي يتخلص عمدًا من المزيد من الضوء البنفسجي عن الضوء الأحمر، وهو ما يجعل النجوم البعيدة تبدو أكثر حمرة من النجوم القريبة. إن مقدار هذا الاحمرار لضوء النجوم يتزايد طرديا مع إجمالي كمية المادة التي يقابلها الضوء في رحلته إلينا.
الهيدروجين والهيليوم العاديان وهما المكونان الرئيسيان للسحب الغازية الكونية لا يسببان احمرار الضوء. لكن الجزيئات المؤلفة من عدة ذرات تفعل هذا، خاصة تلك التي تحوي عنصري الكربون والسليكون. وحين تنمو الجسيمات النجمية لحجم كبير جدا بحيث يتعذر تسميتها بالجزيئات في ظل وجود مئات الآلاف أو حتى ملايين الذرات في كل واحد منها، نطلق عليها الغبار أغلبنا يعرف الغبار المنزلي، مع أن قلة منا قد يهمهم معرفة أنه في المنازل المغلقة يتكون أغلب الغبار من خلايا الجلد البشري الميتة المنسلخة (إضافة إلى زغب الحيوانات الأليفة إذا كنا نملك واحدًا منها أو أكثر). على حد علمنا لا يحتوي الغبار الكوني على أي خلايا بشرية. ومع ذلك فهو يحتوي على مجموعة مدهشة من الجزيئات المعقدة، التي تطلق الفوتونات في نطاقي الأشعة تحت الحمراء والإشعاع الميكروي من الطيف. لم يملك الفيزيائيون الفلكيون تلسكوبات ميكروية جيدة حتى الستينيات، أو تلسكوبات فعالة للأشعة تحت الحمراء حتى السبعينيات. لكن فور تصنيع وسائل الرصد هذه، تمكنوا من سبر أغوار العناصر الكيميائية الغنية التي يحويها الغبار الموجود بين النجوم. وعلى مدار العقود التي تلت هذه المبتكرات التقنية بدأت صورة مبهرة معقدة لمولد النجوم في التكون.
لن تكون كل السحب الغازية نجومًا طوال الوقت. ففي أغلب الأوقات لا تدري السحابة ما عليها فعله وفي حقيقة الأمر الفيزيائيون الفلكيون هم الذين يشعرون بالحيرة هنا. فنحن نعلم أن السحابة النجمية تريد الانهيار على نفسها بفعل جاذبيتها كي تكون نجمًا واحدًا أو أكثر. لكن دوران السحابة، إلى جانب تأثيرات تحركات الغازات المضطربة تحول دون تحقيق هذا الغرض. والأمر عينه ينطبق على ضغط الغاز الذي درسناه في صفوف الكيمياء في المرحلة الثانوية. أيضًا تقاوم مجالات الجاذبية هذا الانهيار؛ إذ إنها تتغلغل في السحابة وتعيق حركة أي جسيمات مشحونة حرة الحركة موجودة هناك، وتقاوم الانضغاط، ومن ثم تغير الطريقة التي يمكن أن تستجيب بها السحابة لجاذبيتها الخاصة المفزع في هذه التجربة الفكرية هو إدراكنا أنه لو لم يكن أحد يعلم مقدمًا بأن النجوم موجودة، لكان بمقدور الباحثين تقديم العديد من الأسباب المقنعة لعدم إمكانية تكون النجوم مطلقا.
تدور السحب الغازية العملاقة حول مركز المجرة، تماما مثلما تفعل مئات المليارات من النجوم الموجودة في مجرة درب التبانة والمسماة على اسم شريط الضوء الذي ترسمه المناطق الأكثر اكتظاظا بالنجوم عبر السماء. تتناثر النجوم نقاطا صغيرة مضيئة، يبلغ حجم الواحدة منها ثواني ضوئية قليلة، وتطفو في محيط شاسع من الفضاء الخاوي، وأحيانا تمر الواحدة منها قرب الأخرى كالسفن المبحرة بالليل. على النقيض من ذلك تتسم السحب الغازية بالضخامة وتحتوي السحابة الواحدة، الممتدة في المعتاد لمساحة مئات السنوات الضوئية على كتلة مقدارها مليون مرة قدر كتلة الشمس. وبينما تتهادى هذه السحب العملاقة في أرجاء المجرة عادة ما تصطدم الواحدة بأخرى، وهذا يؤدي إلى تشابك أحشائها الداخلية المحملة بالغبار والغازات في بعض الأحيان، اعتمادا على سرعاتهما النسبية وزاوية الاصطدام، تلتصق السحابتان معًا، وفي أحيان أخرى يؤدي اصطدام السحابتين إلى تمزيقهما إربا.
إذا بردت السحابة لدرجة حرارة منخفضة ملائمة أقل من 100 درجة فوق الصفر المطلق)، تلتصق الذرات المؤلفة لها عند اصطدامها بعضها ببعض، بدلًا من دفع بعضها بعضًا كما يحدث عند الاصطدام في درجات حرارة عالية لهذا التحول الكيميائي تبعاته التي تؤثر على كل شيء. فالجزيئات المتزايدة - التي يحوي الواحد منها مئات الذرات الآن - تبدأ في تشتيت الضوء جيئة وذهابًا، متسببة في خفوت الضوء القادم من النجوم الواقعة خلفها. وحين تصير الجزيئات حبيبات غبار كاملة النمو تحتوي الواحدة منها على مليارات الذرات. تصنّع النجوم المسنة حبيبات غبار مشابهة وتنفثها بهدوء في الفضاء النجمي خلال مرورها بمرحلة العملاق الأحمر على العكس من الجسيمات الصغيرة لا تشتت حبيبات الغبار التي تحتوي على مليارات الذرات فوتونات الضوء المرئي القادمة من النجوم الواقعة خلفها، بل تمتص هذه الفوتونات ثم تشع طاقتها على صورة أشعة تحت الحمراء تستطيع الإفلات بسهولة من السحابة. وبينما يحدث هذا يدفع الضغط القادم من الفوتونات المنقول إلى الجزيئات التي تمتصها السحابة في اتجاه معاكس لمصدر الضوء. وهكذا تربط السحابة نفسها بضوء النجوم.
تولد النجوم حين تؤدي القوى التي تجعل السحابة أكثر كثافة مع الوقت إلى انهيارها على نفسها بفعل الجاذبية، وأثناء هذا يجذب كل جزء من السحابة الأجزاء الأخرى بحيث تصير أقرب. وبما أن الغاز الحار يقاوم الانضغاط والانهيار أكثر من الغاز البارد، يواجهنا إذن موقف عجيب فيجب على السحابة أن تبرد أولاً قبل أن تسخن مجددًا أثناء تكوين النجم. بعبارة أخرى، يتطلب تكوين النجم الذي تصل حرارة قلبه إلى عشرة ملايين درجة، وهي الحرارة الكافية لبدء تفاعل الاندماج النووي، أن تصل السحابة أولًا إلى أبرد حالاتها الداخلية الممكنة. فقط عند درجات الحرارة الباردة للغاية، التي لا تتجاوز بضع عشرات الدرجات فوق الصفر المطلق، تستطيع السحابة الانهيار على نفسها والسماح للنجم بالبدء في التكون ما الذي يحدث داخل السحابة كي يتحول الانهيار إلى نجم وليد؟ لا يملك الفيزيائيون الفلكيون إلا التخمين وبقدر ما يسعدهم تتبع الآليات الداخلية للسحب النجمية الهائلة، فإن تصنيع نموذج محاكاة حاسوبي يتضمن قوانين الفيزياء، وكافة التأثيرات الخارجية والداخلية المبذولة على السحابة، وكل التفاعلات الكيميائية ذات الصلة التي يمكن أن تقع داخلها لا يزال أمرًا خارج نطاق قدراتنا صعوبة أخرى تكمن في حقيقة تدعونا للتواضع تفيد بأن السحابة الأصلية تبلغ من الحجم مليارات المرات أضعاف حجم سحابة النجم التي نحاول تخليقها، والتي بدورها لها كثافة تبلغ ألف تريليون ضعف المتوسط الكثافة داخل السحابة في هذه المواقف ما قد يكون مهما على مستوى حجم معين قد لا يستحق القلق بشأنه على مستوى آخر من الحجم. ومع ذلك، استنادًا إلى ما يمكننا رؤيته في الكون يمكننا أن نؤكد أنه في أعمق مناطق السحابة الغازية، وأكثرها ظلامًا وكثافة، حيث تهبط الحرارة إلى حوالي العشر درجات فوق الصفر المطلق، تتسبب الجاذبية في انهيار جيوب غازية، تستطيع بسهولة التغلب على مقاومة المجالات المغناطيسية وغيرها من المعيقات يحول الانكماش طاقة جاذبية الجيوب الغازية إلى حرارة. وهكذا ترتفع الحرارة داخل كل واحدة من هذه المناطق - التي سرعان ما ستصير قلبًا للنجم الوليد - بسرعة شديدة خلال الانهيار، متسببة في تفتيت كل حبيبات الغبار في الجوار أثناء تصادمها. وفي النهاية تصل حرارة المنطقة المركزية للجيب الغازي المنهار إلى القيمة الحرجة البالغة 10 ملايين درجة فوق الصفر المطلق.
في درجة حرارة سحرية كهذه تتحرك بعض البروتونات (التي هي ببساطة ذرات هيدروجين مجردة من الإلكترونات التي تدور حول أنويتها بسرعة كافية للتغلب على قوة التنافر بينها. تمكنها سرعتها العالية من الاقتراب بعضها من بعض بما يكفي لجعل «القوة النووية القوية تربط بينها. هذه القوة التي تعمل فقط على مسافات قصيرة للغاية، تربط البروتونات بالنيوترونات داخل كل أنوية الذرات. ينتج عن الاندماج النووي الحراري للبروتونات - اندماج نووي - لأنه يدمج الجسيمات معا في نواة واحدة و«حراري» لأنه يحدث في درجات حرارة عالية - أنوية الهيليوم، التي تحمل الواحدة منها كتلة أقل بقدر طفيف من مجموع الجسيمات التي اندمجت لتكونها. أما الكتلة التي تختفي خلال هذا الاندماج فتتحول إلى طاقة بالصورة التي تصفها معادلة أينشتاين الشهيرة. إن الطاقة المجسدة على شكل كتلة (التي يبلغ قدرها دوما الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء) يمكن تحويلها إلى أشكال أخرى من الطاقة، كطاقة حركية إضافية للجسيمات التي تنشأ عن تفاعلات الاندماج النووي.
مع انتشار الطاقة المنتجة حديثًا من تفاعل الاندماج النووي إلى الخارج، يسخن الغاز ويسطع. بعد ذلك، على سطح النجم تهرب الطاقة التي كانت حبيسة الأنوية المنفردة إلى الفضاء على صورة فوتونات يولدها الغاز كلما تسببت الطاقة المنبعثة من تفاعل الاندماج في تسخينه الحرارة قدرها آلاف الدرجات. ومع أن هذه المنطقة من الغازات الحارة لا تزال كامنة داخل الرحم الكوني للسحابة الغازية العملاقة، فإن بمقدورنا أن نعلن المجرة درب التبانة أن ... نجمًا جديدًا قد ولد.
يعرف الفلكيون أن النجوم تتراوح في الكتلة بين عُشر كتلة الشمس إلى حوالي مائة مرة قدر كتلة الشمس. ولأسباب لم نفهمها جيدًا بعد تستطيع السحابة الغازية العادية تكوين العديد من الجيوب الغازية الباردة التي تنهار على نفسها في الوقت عينه، بحيث تتولد منها نجوم جديدة؛ بعضها صغير الحجم وبعضها عملاق. لكن عادة ما يكون عدد النجوم صغيرة الحجم أكبر بكثير؛ فمقابل كل نجم ذي كتلة عالية، تولد آلاف النجوم ذات الكتل المنخفضة. إن مشاركة نسبة قليلة للغاية من كل الغازات الموجودة في السحابة في مولد النجوم يعد من الأمور المستعصية على التفسير عند الحديث عن عملية تكون النجوم فلماذا لا يتحول سوى هذا القدر اليسير من السحابة الغازية إلى نجوم؟ تكمن الإجابة غالباً في الإشعاع الذي تنتجه النجوم الوليدة، والذي يميل إلى الحد من تكون النجوم.
يمكننا بسهولة تفسير الحد الأدنى لكتلة النجوم الوليدة فجيوب الغازات المنهارة ذات الكتل الأقل من حوالي عُشر كتلة الشمس تكون طاقة الجاذبية لديها ضعيفة لدرجة لا تمكنها من رفع حرارة قلوبها إلى العشرة ملايين درجة المطلوبة لإتمام تفاعل الاندماج النووي للهيدروجين. في هذه الحالة لن يولد نجم من خلال تفاعلات الاندماج النووي، بل ستكون النتيجة نجمًا غير مكتمل جسمًا يسميه الفلكيون القزم البني» لعدم وجود مصدر طاقة خاص بالقزم البني فهو يخبو بمعدل ثابت ويشع مقدار الطاقة اليسير المتولد خلال عملية الانهيار الأولى. الطبقات الغازية الخارجية للقزم البني تكون باردة حتى إن الكثير من الجزيئات الكبيرة التي في المعتاد تُدمَّر في الغلاف الخارجي للنجوم الأعلى حرارة تظل صحيحة كما هي. يصعب السطوع الخافت للأقزام البنية للغاية من عملية كشفها؛ لهذا يتعين على الفيزيائيين الفلكيين إذا أرادوا العثور عليها توظيف مجموعة من الطرق المعقدة الشبيهة بتلك المستخدمة للعثور على الكواكب كالبحث عن وهج الأشعة تحت الحمراء الخافت القادم من هذه الأجسام. وفقط في السنوات الأخيرة تمكن الفلكيون من اكتشاف أعداد كبيرة من الأقزام البنية بما يكفي لتصنيفها في أكثر من فئة.
أيضًا يمكننا بسهولة تعيين الحد الأقصى لكتلة النجم المتكون. فالنجم الذي تتجاوز كتلته كتلة الشمس بأكثر من مائة مرة سيكون سطوعه عظيمًا - تدفق مهول من الطاقة على صورة ضوء مرئي وأشعة تحت الحمراء وأشعة فوق البنفسجية – حتى إن أي غاز أو غبار إضافي ينجذب نحو النجم سيُصَد بفعل الضغط الشديد للضوء النجمي الصادر عنه. ستدفع بروتونات النجم حبيبات الغبار داخل السحابة التي بدورها ستحمل الغاز بعيدًا عنها. هنا يتناسب ضوء النجم تناسبًا عكسياً مع ما يحيط به من غبار. إن ضغط الإشعاع هذا يعمل بكفاءة كبيرة حتى إن عددا قليلا من النجوم كبيرة الكتلة داخل أي سحابة مظلمة حاجبة سيتمتع بسطوع كافٍ لاختراق كل المواد الموجودة بها، بحيث يكشف للكون عن عشرات إن لم يكن مئات النجوم الوليدة - الشقيقة في الواقع - حتى تراها بقية المجرة.
كلما نظرت إلى سديم الجبار الواقع أدنى النجوم الثلاثة الساطعة لحزام الجبار، في منتصف المسافة إلى سيف الصياد الخافت نسبيًّا، رأيت حاضنة نجمية من النوع الذي نتحدث عنه. ولدت آلاف النجوم داخل هذا السديم، وهناك آلاف غيرها تنتظر التكون، وسريعًا ما سيتكون عنقود نجمي عملاق يصير مرئيًّا أكثر وأكثر للكون مع تبدد السديم. إن أكبر النجوم الجديدة حجما، التي تشكل مجموعة تعرف بمعيّن الجبار، تعمل بدأب على نخر ثقب عملاق في منتصف السحابة التي تكونت منها تكشف. صور تلسكوب هابل الفضائي لهذه المنطقة عن وجود المئات من النجوم الجديدة في هذه المنطقة وحدها، وكل نجم وليد محاط بقرص كوكبي ناشئ مكون من الغبار والجزيئات الأخرى الآتية من السحابة الأصلية. وداخل هذه الأقراص ستبدأ مجموعات الكواكب في التكون.
حتى بعد تكون مجرة درب التبانة بعشرة مليارات عام، لا تزال عملية تكون النجوم مستمرة إلى اليوم في أماكن عدة في المجرة. ومع أن أغلب عمليات تكون النجوم في مجرة عملاقة تقليدية كمجرتنا قد حدثت بالفعل، فإننا محظوظون لأن نجومًا جديدة آخذة في التكون وسيستمر هذا عدة مليارات قادمة من الأعوام. إن حظنا الحسن نابع من قدرتنا على دراسة عملية تكون النجوم والنجوم الوليدة، والبحث عن الأدلة التي ستكشف، بكل فخر القصة الكاملة لتحول النجوم من مجموعة من الغازات الباردة والغبار إلى النضوج الساطع.
كم يبلغ عمر النجوم؟ لا يحمل النجم بطاقة عليها عمره، لكن أعمار النجوم تظهر بشكل ما من خلال أطيافها. فمن الوسائل العديدة التي طورها الفيزيائيون الفلكيون لتحديد أعمار النجوم يعد الطيف الضوئي هو الوسيلة الأجدر بالثقة في تحليل الألوان المختلفة لضوء النجم بالتفصيل. فكل لون - كل طول موجي وكل تردد الموجات الضوء التي نرصدها - يخبرنا بقصة عن الكيفية التي صنعت بها المادة هذا الضوء النجمي أو أثرت عليه حين غادر النجم، أو تصادف وقوعها على امتداد خط البصر بيننا وبين النجم. وقد تمكن الفيزيائيون - من خلال المقارنة الدقيقة للأطياف في المختبرات - من تحديد الطرق العديدة التي تؤثر بها الذرات والجزيئات المختلفة على نطاق الألوان التي يحملها الضوء المرئي. وبإمكانهم تطبيق هذه المعرفة الخصبة على أطياف النجم المرصودة، ومن ثم استنتاج عدد الذرات والجزيئات التي أثرت على الضوء من نجم بعينه، إضافة إلى حرارة تلك الجزيئات وضغطها. وكثافتها وقد عرف الفيزيائيون الفلكيون - بعد سنوات من مقارنة أطياف الضوء في المختبرات بأطياف النجوم، إلى جانب دراسة أطياف مختلف الذرات والجزيئات في المختبرات - كيف يقرءون طيف أي جرم سماوي وكأنه بصمة كونية مميزة تكشف عن الظروف المادية الموجودة داخل الطبقة الخارجية للنجم وهي المنطقة التي يتدفق منها الضوء مباشرة نحو الفضاء. إضافة إلى ذلك يستطيع الفيزيائيون الفلكيون تحديد الكيفية التي أثرت بها الذرات والجزيئات، التي تطفو في الفضاء النجمي في درجات حرارة أبرد بكثير، على طيف الضوء النجمي الذي يرصدونه ومن ثم يمكنهم استنتاج التركيب الكيميائي للمادة الموجودة بين النجوم إلى جانب درجة حرارتها وكثافتها وضغطها.
في التحليل الطيفي كل نوع مختلف من الذرات أو الجزيئات يحكي قصة مختلفة. فعلى سبيل المثال، قد يكشف وجود جزيئات بعينها، تم التيقن من وجودها بسبب تأثيرها المميز على ألوان معينة في طيف الضوء، عن أن درجة حرارة الطبقة الخارجية لنجم ما أقل من 3 آلاف درجة مئوية (حوالي 5 آلاف درجة فهرنهايت) في درجات الحرارة الأعلى تتحرك الجزيئات بسرعة كبيرة حتى إن اصطدامها بعضها ببعض يجعلها تتفتت إلى ذرات مفردة. يستطيع الفيزيائيون الفلكيون من خلال التوسع في هذا النوع من التحليل ليشمل العديد من المواد المختلفة أن يرسموا صورة شبه كاملة للظروف التفصيلية في الأجواء النجمية. يقال إن بعض الفيزيائيين الفلكيين المجدين في عملهم يعرفون عن أطياف النجوم أكثر بكثير مما يعرفونه عن أسرهم. وبالطبع قد يكون لهذا تأثير سلبي على العلاقات الأسرية، حتى لو كان يؤدي إلى زيادة فهم الإنسان للكون. من كل عناصر الطبيعة – من بين أنواع الذرات المختلفة التي يمكنها تكوين أنماط معينة في طيف النجوم - يتعرف الفيزيائيون الفلكيون على نوع معين ويستخدمونه في معرفة عمر أحدث النجوم عمرًا. هذا العنصر هو الليثيوم، ثالث أبسط العناصر الكيميائية وأخفها والثالث في الترتيب في الجدول الدوري للعناصر، والمألوف لبعض البشر على الأرض بوصفه مكونا نشطاً لبعض الأدوية المضادة للاكتئاب. في الجدول الدوري للعناصر يأتي الليثيوم بعد الهيدروجين والهيليوم مباشرة، وهما العنصران الأشهر بفضل وجودهما بكميات أوفر بكثير في أنحاء الكون خلال الدقائق الأولى من عمر الكون اندمجت ذرات الهيدروجين لتكون ذرات الهيليوم بأعداد كبيرة، ولم تتكون سوى كميات بسيطة من العناصر الأخرى الأثقل نتيجة لذلك ظل الليثيوم عنصرًا نادرًا إلى حد ما، وأكثر ما يميزه عند الفيزيائيين الفلكيين هو الحقيقة الكونية التي تقضي بأن النجوم نادرا ما تكون المزيد من ذرات الليثيوم، لكنها تدمر فقط الموجود منها. إن الليثيوم يسير في طريق ذي اتجاه واحد لأن تفاعلات الاندماج النووي للنجوم أكثر فعالية في تدمير ذرات الليثيوم عن تخليقها. نتيجة لذلك يقل المخزون الكوني من الليثيوم بثبات، وعلى نحو مستمر؛ لذا، إذا كنت تريد بعضًا من هذا العنصر فالآن هو الوقت المناسب للحصول عليه.
تعد هذه الحقيقة البسيطة عن الليثيوم بمنزلة أداة مفيدة للغاية في يد الفيزيائيين الفلكيين لقياس أعمار النجوم. فكل النجوم تبدأ حياتها بحصة متساوية نسبيًّا من الليثيوم، متخلفة عن الاندماج النووي الذي حدث في أول نصف ساعة من عمر الكون، وخلال الانفجار العظيم ذاته وما هذه الحصة المتساوية؟ حوالي واحد في كل مائة مليار نواة. وبعد أن يستهل النجم الوليد حياته بهذه الثروة من الليثيوم، تبدأ الأحوال في التدهور، فيما يتعلق بالليثيوم على أي حال، حيث تعمل التفاعلات النووية في قلب النجم على استهلاك مخزون الليثيوم ببطء. يتسبب الاختلاط الثابت، والعرضي أحيانًا، بين المادة الموجودة في قلب النجم والمادة الموجودة في طبقته الخارجية في حمل المادة إلى الخارج؛ لذا بعد بضعة آلاف من السنوات تستطيع الطبقة الخارجية للنجم أن تعكس ما حدث من قبل في قلبه.
حين يبحث الفيزيائيون الفلكيون عن أصغر النجوم عمرًا، فإنهم لذلك يتبعون قاعدة بسيطة مفادها: ابحث عن النجم ذي المخزون الأكبر من الليثيوم. إن عدد أنوية الليثيوم داخل النجم مقارنة بأنوية الهيدروجين مثلا (المحدد من خلال الدراسة الحريصة لطيف النجم)، سيضع النجم في مكان ما على امتداد الخط البياني الذي يوضح ارتباط عمر النجم بمقدار الليثيوم الموجود في طبقته الخارجية يستطيع الفيزيائيون الفلكيون باستخدام هذه الطريقة، أن يحددوا بثقة أصغر النجوم عمرًا في أي عنقود نجمي، ويمكنهم أن يعينوا لكل نجم عمرًا محددًا بناءً على محتواه من الليثيوم ولأن النجوم تدمر الليثيوم بكفاءة، لا تحوي النجوم المسنة إلا القدر اليسير من هذا العنصر ، هذا إن احتوت عليه من الأساس. لهذا تصلح هذه الطريقة على نحو طيب مع النجوم التي لا تتجاوز أعمارها بضع مئات الملايين من الأعوام. أما مع النجوم صغيرة السن فيكون أسلوب الليثيوم مفيدًا للغاية. تظهر دراسة حديثة أجريت على نيف وعشرين نجمًا صغير السن في سديم الجبار، وكلها لها كتلة قريبة من كتلة الشمس، أن أعمار هذه النجوم تتراوح من مليون إلى 10 ملايين عام. وفي يوم ما قد يتمكن الفيزيائيون الفلكيون من تحديد النجوم الأصغر سنَّا من ذلك، لكن في الوقت الحالي يعد المليون عام أفضل ما يسعهم التوصل إليه.
باستثناء تشتيت شرائق الغاز التي تكونت منها، لا تشغل مجموعات النجوم الوليدة أحدًا لفترة طويلة من الوقت حيث تواصل دمج الهيدروجين إلى هيليوم في قلوبها في هدوء وتدمر مخزونها من أنوية الليثيوم كجزء من تفاعلات الاندماج النووي التي تجري داخلها. لكن لا شيء يستمر إلى الأبد. فعلى مدار ملايين عديدة من الأعوام «يتلاشى» السواد الأعظم من العناقيد النجمية التي في سبيلها للتكون بفعل اضطرابات الجاذبية التي تسببها السحب العملاقة المارة بجوارها وتتناثر النجوم في أرجاء المجرة. بعد تكون شمسنا بحوالي 5 مليارات عام اختفت شقيقاتها من النجوم الأخرى، فمنها ما ظل على قيد الحياة ومنها ما لم ينج. ومن بين كل نجوم مجرة درب التبانة والمجرات الأخرى تستهلك النجوم ذات الكتل المنخفضة وقودها ببطء شديد حتى إنها تعيش بشكل شبه أبدي. أما شمسنا وما شابهها من النجوم متوسطة الكتلة، فستتحول في نهاية حياتها إلى عملاق أحمر، حيث تتمدد طبقاتها الغازية الخارجية مئات الأضعاف بينما تسير على طريق الفناء. هذه الطبقات الخارجية تصير مرتبطة ارتباطًا واهنا بالنجم حتى إنها تنجرف بعيدًا في الفضاء، كاشفة عن قلب من الوقود النووي المستنفد الذي غذى النجم طوال حياة قوامها 10 مليارات عام. أما الغاز الذي سيعود إلى الفضاء فستجرفه السحب العابرة، ليشارك في تكوين نجوم جديدة.
إن النجوم ذات الكتلة الأعلى، مع ندرتها تحمل كل الأوراق التطورية تقريبًا في جعبتها فكتلتها العالية تمدها بأعلى درجات السطوع النجمي – إذ يصل سطوع بعضها إلى مليون مرة قدر سطوع الشمس - ولأنها تستهلك وقودها النووي بسرعة أعلى بكثير من النجوم منخفضة الكتلة، فهي تعيش أقصر حياة بين كل النجوم؛ فلا تزيد أعمارها عن ملايين معدودة، أو أقل من الأعوام. الاندماج النووي المستمر داخل النجوم عالية الكتلة يمكنها من تصنيع عشرات العناصر الكيميائية في قلوبها، بداية بالهيدروجين ومرورًا بالهيليوم والكربون والنيتروجين والأكسجين والنيون والماغنسيوم والسليكون والكالسيوم وهكذا دواليك وصولاً إلى الحديد وتستمر هذه النجوم في تكوين المزيد من العناصر في مراحلها الأخيرة التي يتجاوز سطوع النجم فيها سطوع المجرة الموجود فيها بأسرها. يطلق الفيزيائيون الفلكيون على هذه النجوم المستعرات العظمى، التي تشبه في شكلها وإن اختلفت في أصلها المستعرات العظمى من النوع la. ينشر انفجار المستعر الأعظم كلا من المادة المصنعة من قبل إضافة إلى العناصر المكونة حديثًا في أرجاء المجرة، نافثًا الغازات في أنحائها ومثريا السحب القريبة بالمادة الخام لتصنيع حبيبات غبار جديدة. يمر الانفجار بسرعة هائلة خلال هذه السحب النجمية، ضاغطًا ما تحويه من غازات وغبار، ومسببًا تكون بعض الجيوب ذات الكثافة العالية اللازمة لتكوين النجوم.