x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
سنّة النكاح والتحذير من مخافة الفقر
المؤلف: السيد محمد علي أيازي
المصدر: تفسير القرآن المجيد المستخرج من تراث الشيخ المفيد
الجزء والصفحة: ص375-384.
8-1-2023
1428
{ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ ... وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ ...}[النور/٣٢-٣٣]
إذا وجد الإنسان امرأة مؤمنة عاقلة ذات أصل كريم ، فلا يمتنع من مناكحتها لفقرها ، فإن الله تعالى يغنيها من فضله وكذلك إذا خطب إلى إنسان رجل دين عاقل ، ذو أصل كريم ، فلا يمتنع من انكاحه ابنته أو أخته لفقره ، فإن الله تعالى قال: { إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }(1).
ومن سنن الإسلام النكاح ، وترك التعزب ، واجتناب التفرد.
فمن دعته الحاجة إلى النكاح ، ووجد له طولاً فلم يتزوج ، فقد خالف سنة النبي (صلى الله عليه واله وسلم). وفي النكاح فضل كثير ، لأنه طريق التناسل ، وباب التواصل ، وسبب الألفة والمعونة على العفة. وقد حث الله تعالى عليه ، ودعا عباده إليه؛ فقال: { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } ، وقال سبحانه: { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ }.
فأمر من أغناه من فضله بالنكاح ، ومن لم يغنه بالاستعفاف واجتناب الفجور. وقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): " من أحب أن يلقى الله طاهراً مطهراً فليلقه بزوجة(2)"(3).
ويستحب للمولى أن يهب له من مال مكاتبته شيئاً يعينه به على فكاك رقبته من الرق ، قال الله (عزوجل): { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ }.
وإذا عجز المكاتب عن الأداء ، كان له سهم من الصدقات يستعين به على أداء ما عليه قال الله (عزوجل): { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] ، يعني العتق والكتابة(4).
{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ...}[النور / ٥٥]
فصل
فإن قال: قد فهمت ما ذكر تموه في هذه وما قبلها من الأى ، ولست أرى لأحد حجة في دفعه لوضوحه في البيان ، ولكن خبروني عن قوله تعالى في سورة النور: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }.
أليس قد ذكر المفسرون أنها في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب (عليه السلام)؟! واستدل المتكلمون من مخالفيكم على صحة ذلك ، بما حصل لهم من جميع هذه الصفات:
فأولها: أنهم كانوا حاضرين لنزولها بدليل كاف المواجهة(5) بلا اختلاف. ثم إنهم كانوا ممن خاف في أول الإسلام ، فآمنهم الله تعالى ، ومكن لهم في البلاد ، وخلفوا النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وأطاعهم العباد ، فثبت أنها نزلت فيهم بهذا الضرب من الاعتبار ، وإلا فبينوا لنا الوجه في معناها ، إن لم يكن الأمر على ما ذكرناه.
قيل له: إن تفسير القرآن لا يؤخذ بالرأي ، ولا يحمل على اعتقادات الرجال والأهواء ، وما حكيته من ذلك عن المفسرين فليس هو إجماعاً منهم ، ولا مرجوعاً به إلى ثقة ممن تعاطاه ومن ادعاه ، ولم يسنده إلى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ، ولا إلى من تجب طاعته على الأنام.
وممن فسّر القرآن عبد الله بن عباس ، والمحكى عنه في تأويل هذه الآية غير ما وصفت بلا تنازع بين حملة الآثار ، وكذلك المروى عن محمد بن علي (عليهما السلام) ، وعن عطاء ومجاهد(6) ، وإنما ذكر ذلك برأيه وعصبيته مقاتل بن سليمان ، وقد عرف نصبه لآل محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ، وجهله وكثرة تخاليطه في الجبر والتشبيه ، وما ضمنته كتبه في معاني القرآن.
على أن المفسرين للقرآن طائفتان: شيعة ، وحشوية؛ فالشيعة لها في هذه الآية تأويل معروف تسنده إلى أئمة الهدى (عليهم السلام) ، والحشوية مختلفة في أقاويلها على ما ذكرناه ، فمن أين يصح إضافة ما ادعوه من التأويل إلى مفسّري القرآن جميعاً على الإطلاق ، لولا عمى العيون وارتكاب العناد؟!
فأما ما حكوه في معناها عن المتكلمين منهم ، فقد اعتمده جميعهم على ما وصفوه بالاعتبار الذي ذكروه ، وهو ضلال عن المراد ، وخطأ ظاهر الفساد ، من وجوه لا تخفى على من وفق للرشاد:
أحدها: أن الوعد مشترط بالإيمان على التحقيق بالأعمال الصالحات ، وليس على ما يذهب إليه مخالفونا من إيمان أصحابهم على الحقيقة ، و أنهم كانوا من أصحاب الصالحات بإجماع ، ولا دليل يقطع به على الحق عند الله ، بل الخلاف في ذلك ظاهر بينهم وبين خصومهم ، والمدافعة عن الأدلة على ذلك موجودة كالعيان.
والثاني: أن المراد في الآية بالاستخلاف ، إنما هو توريث الأرض والديار ، والتبقية لأهل الإيمان بعد هلاك الظالمين لهم من الكفار ، دون ما ظنه القوم من الاستخلاف في مقام النبوة ، وتملك الإمامة وفرض الطاعة على الأنام.
ألا ترى إن الله سبحانه قد جعل ما وعد به من ذلك مماثلاً لما فعله بالمؤمنين وبالأنبياء (عليهم السلام) قبل هذه الأمة في الاستخلاف ، وأخبر بكتابه عن حقيقة ذلك وصورته ومعناه ، وكان بصريح ما أنزله من القرآن مفيداً لما ذكرناه ، من توريث الديار والنعم والأموال عموم المؤمنين دون خصوصهم ، ومعنى ما بيناه ، دون الإمامة التي هي خلافة للنبوة والإمرة والسلطان.
قال الله تعالى في سورة الأعراف: { قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } [الأعراف: 128 ، 129].
فبشرهم بصبرهم على اذى الكافرين بميراث أرضهم ، والملك لديارهم من بعدهم ، والاستخلاف على نعمتهم ، ولم يرد بشيء من ذلك تمليكهم مقام النبوة والإمامة على سائر الأمة ، بل أراد ما بيناه.
ونظير هذا الاستخلاف من الله سبحانه لعباده ، ومما هو في معناه قوله جل اسمه في سورة الأنعام: { وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} [الأنعام: 133] ، وليس هذا الاستخلاف من الإمامة وخلافة النبوة في شيء وإنما هو ما قدمنا ذكره ووصفناه.
وقوله تعالى: { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } [يونس: 14] ، فإنما أراد بذلك تبقيتهم بعد هلاك الماضين ، وتوريثهم ما كانوا فيه من النعم ، فجعله من مننه عليهم ولطفه بهم ليطيعوه ولا يكفروا به كما فعل الأولون.
ومنه قوله تعالى: { آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد: 7] ، وقد علم كل ذي عقل أن هذا الاستخلاف مباين للعامة في معناه ، وقد وفي الله الكريم موعده لأصحاب نبيه جميعاً في حياته وبعد وفاته ، ففتح لهم البلاد ، وملكهم رقاب العباد ، وأحلهم الديار ، وأغنمهم الأموال ، فقال عز من قائل: { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} [الأحزاب: 27].
وإذا كان الأمر على ما وصفناه ، ثبت أن المراد بالآية من الاستخلاف ما ذكرناه ، ولم يتضمن ذلك الإمامة وخلافة النبوة على ما بيناه ، وكان الوعد به عموماً لأهل الإيمان بما شرحناه ، وبطل ما تعلق به خصومنا في إمامة المتقدمين على أمير المؤمنين(عليه السلام) ووضح جهلهم في الاعتماد على التأويل الذي حكيناه عنهم للآية بما تلوناه من كتاب الله تعالى وفضلنا وجهه وكشفناه.
وقد حكي هذا المعنى بعينه في تأويل هذه الآية الربيع عن أبي العالية(7) والحسين بن محمد ، عن الحكم ، وغيرهما ، عن جماعات من التابعين ، ومفسّري القرآن(8).
فصل
على أن عموم الوعد بالاستخلاف للمؤمنين الذي عملوا الصالحات من أصحاب النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ، على ما اختصوا به من الصفات في عبادتهم لله تعالى على الخوف والأذى والاستسرار بدين الله جل اسمه ، على ما نطق به القرآن ، يمنع مما ادعاه أهل الخلاف من تخصيص أربعة منهم دون الجميع ، لتناقض اجتماع معاني العموم على الاستيعاب والخصوص ، ووجوب دفع أحدهما صاحبه بمقتضى العقول.
وإذا ثبت عموم الوعد ، وجب صحة ما ذكرناه في معنى الاستخلاف من توريث الديار والأموال ، وظهور عموم ذلك لجميعهم في حياة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وبعده بلا اختلاف ، بطل ما ظنه الخصوم في ذلك وتأولوه على المجازفة ، والعدول عن النظر الصحيح.
فصل
فإن قال منهم قائل: إن الآية و إن كان ظاهرها العموم ، فالمراد بها الخصوص ، بدليل وجود الخلافة فيمن عددناه دون الجميع. وعلى هذا يعتمد متكلموهم.
قيل له: أحلت في ذلك من قبيل أنك إنما أوجبت لأصحابك الإمامة ، وقضيت لهم بصحة الخلافة بالآية ، وجعلتها ملجأ لك في حجاج خصومك ، ودفعهم عما وصفوا به من فساد عقلك ، فلما لم يتم لك مرادك من الآية ، بما أوجبه عليك عمومها بظاهرها ، ودليل متضمنها ، عدلت إلى تصحيح تأويلك منها ، بادعاء ما تورعت فيه من خلافة القوم ، وثبوت إمامتهم ، الذي أفقرك عدم البرهان عليه إلى تصحيحه عندك بالآية ، فصرت دالاً على وجود معنى تنازع فيه بوجود شيء تتعلق صحة وجوده بوجود ما دفعت عن وجوده ، وهذا تناقض من القول ، وخبط أوجبه لك الضلال ، وأوقعك فيه التقليد والعصبية للرجال ، نعوذب الله من الخذلان.
ثم يقال له: خبرنا عما تدعيه من استخلاف الله تعالى لأئمتك على الأنام ، وصحة إمامتهم على ما زعمت فيما سلف لك من الكلام ، أبظاهر أمرهم ونهيهم وتملكهم علمت ذلك ، وحكمت به على القطع والثبات ، أم بظاهر الآية ودليلها على ما قدمت من الاعتبار ، أم بغير ذلك من ضروب الاستدلال؟
فإن قال: بظاهر أمرهم ونهيهم في الأمة ، ورئاستهم الجماعة ، ونفوذ أمرهم وأحكامهم في البلاد ، علمت ذلك وقطعت به على أنهم خلفاء الله تعالى ، والأئمة بعد رسوله (صلى الله عليه واله وسلم) ، وجب على وفور هذه العلة القطع بصحة إمامة كل من ادعى خلافة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) ، ونفذت أحكامه وقضاياه في البلاد ، وهذا ما لا يذهب إليه أحد من أهل الإيمان.
وإن قال: إنما علمت صحة خلافتهم بالآية ودلائلها على الاعتبار.
قيل له: ما وجه دلالة الآية على ذلك ، وأنت دافع لعمومها في جميع أهل الإيمان ، وموجب خصوصها بغير معنى في ظاهرها ، ولا في باطنها ، ولا مقتضاها على الأحوال؟ فلا يجد شيئاً يتعلق به فيما ادعاه.
وإن قال: إن دلالتي على ما ادعيت من صحة خلافتهم معنى غير الآية نفسها ، بل من الظاهر من أمر القوم ونهيهم ، وتأمرهم على الأنام خرجت الآية عن يده ، وبانت فضيحته فيما قدره منها وظنه في تأويلها وتمناه ، وهذا ظاهر بحمد الله.
فصل
مع أنا لو سلمنا لهم في معنى الاستخلاف ، أن المراد في الآية ما ذكروه من إمامة الأنام ، لما وجب به ما ذهبوا إليه من صحة خلافة المتقدمين على أمير المؤمنين (عليه السلام) ، بل كانت الآية نفسها شاهدة بفساد أمرهم وانتقاضه على البيان.
وذلك أن الله جل اسمه وعد المؤمنين من أصحاب نبيه (صلى الله عليه واله وسلم) بالاستخلاف ، ثواباً لهم على الصبر والإيمان ، والاستخلاف من الله تعالى للأئمة ، لا يكون استخلافاً من العباد ، ولما ثبت أن أبا بكر كان منصوباً باختيار عمر وأبي عبيده بن الجراح ، وعمر باستخلاف أبي بكر دون النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ، وعثمان باختيار عبد الرحمن ، فسد أن يكونوا داخلين تحت الوعد بالاستخلاف ، لتعزيهم من النص بالخلافة من الله تعالى ، و إقرار مخالفينا -إلا من شذ منهم أن إمامتهم كانت باختيار ، وثبت أن الآية كانت مختصة بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) دونهم ، لإجماع شيعته على إن إمامته باستخلاف الله تعالى له ، ونصه عليه ، وأقامه (عليه السلام) نبيه (صلى الله عليه واله وسلم) ، علماً للأمة وإماماً لها بصريح المقال.
فصل آخر
ويقال لهم: ما تنكرون أن يكون خروج أبي بكر وعمر وعثمان من الخوف في أيام النبي (صلى الله عليه واله وسلم) يخرجهم عن الوعد بالاستخلاف ، لأنه إنما توجه إلى من كان يلحقه الخوف من اذى المشركين ، وليس له مانع منهم ، كأمير المؤمنين (عليه السلام) وما عني به مع النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وعمار وأمه وأبيه ، والمعذبين بمكة ، ومن أخرجهم النبي (صلى الله عليه واله وسلم) مع جعفر بن أبي طالب إلى بلاد الحبشة ، لما كان ينالهم من الفتنة والأذى في الدين.
فأما أبو بكر فإن الشيعة تذكر أنه لم يكن خائفاً في حياة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لأسباب نحن أغنياء عن شرحها ، وأنتم تزعمون أن الخوف مرتفع عنه لعزته في قريش ومكانه منهم وكثرة ماله واتساع جاهه ، و إعظام القوم له لسنه وتقدمه ، حتى أنه كان يجير ولا يجار عليه ، ويؤمن ولا يحتاج إلى أمان ، وزعمتم أنه اشترى تسعة نفر من العذاب.
وأن عمر بن الخطاب لم يخف قط ولا هاب أحداً من الأعداء ، وأنه جرد سيفه عند إسلامه ، وقال: لا يعبد الله اليوم سراً. ثقة بنفسه ، وطمأنينة إلى سلامته ، وأمنا من الغوائل ، وأنه لن يقدم عليه أحد بسوء ، لعظم رهبة الناس منه و إجلالهم لمكانه.
وأن عثمان بن عفان كان آمناً ببني أمية ، وهم ملاك الأمر إذ ذاك؛ فكيف يصح لكم مع هذا القول أن تستدلوا بالآية على صحة خلافتهم ودخولهم تحت الوعد بالاستخلاف ، وهم من الوصف المنافي لصفات الموعودين بالاستخلاف على ما ذكرناه ، لولا أنكم تخبطون فيما تذهبون إليه خبط عشواء؟!
فصل
ويقال لهم: أليس يمكنكم إضافة ما تلوتموه من هذه الآية في أئمتكم إلى صادق عن الله تعالى فيجب العمل به ، وإنما أسندتم قولكم فيه إلى ضرب من الرأي والاعتبار الفاسد بما أوضحناه.
وقد ورد عن تراجمة القرآن من آل محمد (صلى الله عليه واله وسلم) في تأويلها ما هو أشبه من تأويلكم وأولى بالصواب ، فقالوا: إنها نزلت في عترة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وذريته الأئمة الأطهار ، وتضمنت البشارة لهم بالأستخلاف ، والتمكن في البلاد ، وارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهدي منهم ، فكانوا هم المؤمنين العاملين الصالحات ، بعصمتهم من الزلات.
وهم أحق بالإستخلاف على الأنام ممن عداهم ، لفضلهم على سائر الناس ، وهم المدالون(9) على أعدائهم في آخر الزمان ، حتى يتمكنوا في البلاد ، ويظهر دين الله تعالى بهم ظهوراً لا يستخفى على أحد من العباد ، ويأمنون بعد طول خوفهم من الظالمين المرتكبين في أذاهم الفساد ، وقد دل القرآن على ذلك وجاءت به الأخبار:
قال الله(عزوجل): { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ } [الأنبياء: 105]. وقال تعالى: { وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران: 83] ، وقال تعالى: { وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء: 159]. وكل هذه أمور منتظرة ، غير ماضية ولا موجودة في الحال.
ومثلهم فيما بشرهم الله تعالى به من ذلك ما تضمنه قوله تعالى:
{ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ } [القصص: 5-6] ، وقوله تعالى في بني اسرائيل: { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} [الإسراء: 6]
ومما أنزله فيهم سوى المثل لهم (عليهم السلام) قوله تعالى: { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41].
فصار معاني جميع ما تلوناه راجعاً إلى الإشارة إليهم بما ذكرناه.
ويحقق ذلك ما روي عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) على الاتفاق من قوله: " لن تنقضي الأيام والليالي حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ، يملأها قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجورا"(10).
وأما ما تعلقوا به من كاف المواجهة ، فإنه لا يخل بما شرحناه في التأويل من آل محمد (عليهم السلام) ، لأن القائم من آل محمد والموجود من أهل بيته في حياته هم من المواجهين في الحقيقة والنسب والحسب ، و إن لم يكن من أعيانهم ، فإذا كان منهم بما وصفناه ، فقد دخل تحت الخطاب ، وبطل ما توهم أهل الخلاف(11).
{ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ..}
(النور / ٥٦)
[انظر: سورة الزمر ، آية ٢٨ ، من المسائل الصاغانية / 50 في مسألة الزكاة.]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المقنعة: ٥١٣.
٢- الوسائل ، ج ١٤ ، الباب ١ من أبواب مقدمات النكاح ، ح ١٥ ،ص ٦ ، والباب ١٠ ، ح ٤ ، ص ٢٥.
3- المقنعة: ٤٩٦.
4- المقنعة: ٥٥٢.
5- المراد منها كاف الخطاب في الآية.
6- انظر سعد السعود: ١٦٦ - ۱۷٣؛ مجمع البيان ۷: ۲۳۹؛ تفسير الطبري ۱۸: ۱۲۲؛ تفسير القرطبي ۱۲: ۲۹۷.
7- هو رفيع بن مهران الرياحي البصري ، أدرك الجاهلية لكنه أسلم بعد وفاة النبي(صلى الله عليه واله وسلم) ، قاري ، حافظ مفسّر ، روى عنه الربيع بن أنس الخراساني ، راجع تهذيب الكمال ٩: ٢١٤ وسير أعلام النبلاء ٤: ٢٠٧.
8- انظر: تفسير الطبري ۱۸: ۱۲۲؛ الدر المنثور ٦: ٢١٥.
9- المدالون: المنصورون ، يقال: أداله على عدوه: نصره. (الصحاح "دول" ٤: ١٧٠٠).
10- سنن أبي داود ٤: ١٠٦؛ سنن الترمذي ٤: ٥٢؛ مسند أحمد ١: ۳۷٦ ، ۳۷۷ ، ٤٣٠ ، ٤٤٨ ، وراجع: إحقاق الحق ١٣: .٢٣٤ – ٢٤٧.
11- الإفصاح: ۹۰، والمصنفات ۸: ۹۰.