علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
البحث حول الراوي محمد بن إسماعيل.
المؤلف: الشيخ محمد طالب يحيى آل الفقيه
المصدر: سدرة الكمال في علم الرجال
الجزء والصفحة: ص 424 ـ 431.
24/12/2022
1819
محمد بن إسماعيل:
اختلف المتأخّرون ولم يصرّح المتقدّمون بكون محمد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكلينيّ مباشرة وبلا واسطة في الكافي من هو في نفسه، إذ تكاثر الاسم وتقاربت الطبقات حتّى صار من المشتركات التي من الصعب تمييز أيّ عن الآخر، فتكاثرت الأقوال، خاصّة أنّ الأثر عظيم فيما يترتّب على النتيجة وذلك لوثاقة بعض وضعف آخرين إن لم تصحّ الرواية دون الراوي حتّى مع جهالته كما ذهب إليه بعض آخر.
الذي يظهر بعد التتبّع أنّ الأقوال في أصل المطلب أربعة:
الأول: أنّه محمد بن إسماعيل النيشابوريّ البندقيّ، وقد ذهب إليه السيد بحر العلوم في رجاله وتبعه على ذلك السيد الخوئيّ.
الثاني: أنّه محمد بن إسماعيل البرمكيّ وقد ذهب إليه البهائيّ وصاحب جامع الرواة.
الثالث: أنّه ابن بزيع وقد تبنّاه المقدّس الأردبيليّ.
الرابع: التوقّف كما ذهب إليه السبزواريّ في الذخيرة.
ويظهر ممّا حكاه الشيخ الصالح محمد صالح المازندرانيّ أنّ البندقيّ مغاير للنيشابوريّ إذ حكى القول الأول عن الشيخ حسن صاحب المنتقى والثاني عن الميرداماد، فتكون الأقوال على ذلك ستّة.
وقبل بيان وتفصيل المطلب لا بأس بنقل ما ذكره المولى صالح في شرحه الأصول الكافي لأهميته ومن ثم نشرع بالتفصيل.
قال (رحمه الله): "محمد بن إسماعيل: هذا الاسم مشترك بين ثلاثة عشر رجلا، ثلاثة منهم ثقات معتمدون وهم محمد بن إسماعيل بن بزيع ومحمد بن إسماعيل بن ميمون الزعفرانيّ ومحمد بن إسماعيل بن أحمد البرمكيّ، والعشرة الباقية لم يوثّق علماء الرجال أحداً منهم، ولمّا اتّفق علماؤنا على تصحيح ما يرويه المصنّف عن محمد بن إسماعيل وكان الظاهر أنّ روايته عنه بلا واسطة ولا حذف ظهر أنّ ليس المراد أحد هؤلاء العشرة على أنّهم عدّوا ستة منهم من أصحاب الصادق (عليه السلام) وبقاؤهم إلى زمان المصنّف بعيد جداً، فتعيّن أن يكون أحداً من الثلاثة المذكورين أولا، فقيل: المراد به هو ابن بزيع وهو ليس بصحيح من وجوه:
الأول: أنّ ابن بزيع أدرك عصر الكاظم (عليه السلام) وروى عنه، وكان من أصحاب الرضا والجواد (عليهما السلام)، فبقاؤه إلى عهد المصنّف بعيد جدا.
والثاني: أنّ: قول علماء الرجال: "أدرك أبا جعفر الجواد (عليه السلام)" يعطي أنّه لم يدرك أحداً من الأئمة بعده، فإنّ مثل هذه العبارة إنّما يذكرونها في آخر إمام أدركه الراوي كما لا يخفى على من له أنس بكلامهم.
الثالث: أنّه لو بقي إلى زمن المصنّف لكان قد عاصر ستّة من الأئمة (عليهم السلام) وهذه مزية عظيمة لم يظفر بها أحد غيره، فكان ينبغي لعلماء الرجال ذكرها وعدّها من مزاياه، وحيث لم يذكروا عُلِمَ أنّه غير واقع.
الرابع: أنّه من أصحاب الأئمة الثلاثة (عليهم السلام)، وقد سمع منهم أحاديث متكثّرة بالمشافهة، فلو لقيه المصنّف لنقل عنه شيئاً منها بلا واسطة بينه وبين الأئمة (عليه السلام)؛ لأنّ قلّة الوسائط شيء مطلوب، وشدّه اهتمام المحدّثين بعلوّ السند أمر معلوم، وحيث لم ينقل عنه كذلك عُلِمَ أنّه غيره.
وإذا أُظهر ضعف هذا القول بقي الاحتمال دائراً بين الزعفرانيّ والبرمكيّ، لكن الزعفرانيّ ممّن لقي الصادق (عليه السلام) كما نصّ عليه النجاشيّ فيبعد بقاؤه إلى عهد المصنّف، فيبقى الظنّ في جانب البرمكيّ، ويتأكّد بأنّ الصدوق يروي عن الكلينيّ بواسطة وعن البرمكيّ بواسطتين، وبأنّ الكشّي وهو كان معاصر المصنّف يروي عن البرمكيّ بواسطة وبدونها، وبأنّ محمد بن جعفر الأسديّ المعروف بأبي عبد الله الذي كان معاصر البرمكيّ توفّي قبل وفاة المصنّف بقريب من ست عشرة سنة فيقرب زمان المصنّف من زمان البرمكيّ جدا.
هذا ملخّص ما ذكره أفضل المتأخّرين بهاء الملّة والدين في مشرق الشمسين، وقد بسط الكلام فيه بسطاً عظيماً، من أراد الاطّلاع عليه فليرجع إليه.
وقال ابن الشهيد الثاني: يظهر من الكشّي أنّ للفضل بن شاذان صاحب اسمه محمد بن إسماعيل البندقيّ ولا يبعد أن يكون هو.
وقال السيد الدّاماد: هو أبو الحسين النيشابوريّ محمد بن إسماعيل بن علي بن سخنويه الذي ذكره الشيخ في باب - من لم يروِ عنهم (عليهم السلام) - من كتاب الرجال وقد علمنا من الطبقات أنّه يروي عن الفضل بن شاذان" انتهى كلامه (رحمه الله).
والمستفاد من كلماته انحصار الاسم بأحد ثلاثة: محمد بن إسماعيل بن بزيع وقد نفاه لبعد طبقته وقرائن أخرى، ومحمد بن إسماعيل الزعفرانيّ، وقال أيضا: إنّه ممّن يروي عن الصادق (عليه السلام)، ما يعني عدم رواية الكلينيّ عنه بلا واسطة، ومحمد بن إسماعيل البرمكيّ وقد رجّحه الشيخ البهائيّ من جهتين، الأولى: نفي الأغيار، والثانية: وحدة طبقة محمد بن يعقوب مع طبقة البرمكيّ ما يعني إمكانيّة الرواية عنه مباشرة.
وممّا يرجّح أيضاً ما أفاده البهائيّ كون البرمكيّ من الريّ كالشيخ الكلينيّ، فكلاهما رازيَان.
ثم نقل عن ابن الشهيد الثاني والسيد الدّاماد أنّه النيشابوري.
أقول: الظاهر أنّه لم يتردّد أحد بكون البندقيّ هو النيشابوريّ، فيكون قولهما متّحداً، وقرينة ذلك ما صرّح به الشيخ في رجاله من أنّ النيشابوريّ هو البندقيّ بقوله: "محمد بن إسماعيل يُكنّى أبا الحسن نیشابوريّ يدعى بندقيّ".
والمفيد في الإرشاد صرّح بأنّ البندقيّ هو النيشابوريّ فقال في ترجمة الفضل بن شاذان: "محمد بن إسماعيل البندقيّ النيشابوريّ".
وكذا قاله من قبلهما الكشّي في رجاله فقال: "ذكر أبو الحسن محمد بن إسماعيل البندقيّ النيشابوريّ".
ومنه يُعلَم أنّ البندقيّ هو النيشابوريّ.
يبقى الكلام في أنّ محمد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكلينيّ مَن هو في نفسه؟ فهل هو البندقيّ أم البرمكيّ بعد استبعاد بن بزيع والزعفرانيّ لِمَا ذكره الشيخ البهائيّ (رحمه الله) وقد تقدّم، وهو الحق.
أمّا القرائن التي تفيد أنّه البرمكيّ فقد أوضحها بما لا مزيد عليه شيخ الملّة والدين في مشرق الشمسين (رحمه الله)، لكنّه (رحمه الله) لم يحتمل أنّه البندقيّ، ولذا لم يذكره في بحثه، بل اقتصر على ابن بُزيع والزعفرانيّ والبرمكيّ، ولا نفي الأولين انحصر القول في الثالث، وأيّد كلامه بوحدة الطبقة فيما بينه وبين الكلينيّ، وأنّه قد روى عنه في الكافي بواسطة محمد بن جعفر ولا مانع من أن يروي عنه بلا واسطة أيضا كما فعل مع الصفّار.
أقول: روى الكلينيّ في باب التوحيد من الكافي عن محمد بن إسماعيل بواسطة محمد بن جعفر الأسديّ عن محمد بن إسماعيل البرمكيّ الرازيّ، فالواسطة هنا واحدة، وقد وصفه بالرازي.
وروى أخرى عن محمد بن إسماعيل بواسطة العدّة عن سهل بن زياد عن محمد بن إسماعيل الرازي.
فالواسطة هنا راويان وقد وصفه بالرازي.
وروى في باب النوادر عن محمد بن إسماعيل بواسطة محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن السياري عن محمد بن إسماعيل الرازي عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام).
ومن المحتمل جدا كون الثلاثة واحدة وذلك لوحدة الاسم والأب والصفة، ولم يلحظ بأيّ من هذه الأسانيد الرواية عن الفضل بن شاذان، فرواية الكلينيّ عن البرمكيّ - كلّما ذكره - إنّما كانت بواسطة، ولم يصرّح بالكافي كلّه روايته عنه بلا واسطة، ولا روايته عن الفضل، في حين أنّ الذي يروي تراث الفضل في الكافي إنّما هو محمد بن إسماعيل المطلق ما يُعلم منه أنّ محمد بن إسماعيل هذا مغاير للبرمكيّ الثقة، وأنّه ينبغي أن يكون غيره للقرائن المذكورة، ولهذا ذهب جملة من الرجاليّين إلى كونه البندقيّ وذلك لتصريح الكشّي بوجود العلقة ما بين البندقيّ والفضل بن شاذان فقال: "ذكر أبو الحسن محمد بن إسماعيل البندقيّ النيشابوريّ أنّ الفضل بن شاذان بن الخليل نفاه عبد الله بن طاهر عن نیشابور.."(1).
فالبندقيّ يعرف حال الفضل ويحدّث عنه وكلاهما نیشابوریّان، فمن الممكن جدا أنّه حمل تراثه في نیشابور ورواه للكلينيّ.
فقد تبيّن لك حتّى هاهنا أنّ محمد بن إسماعيل كونه ابن بُزيع صعب مستصعب، بل لا قرينة عليه وإن تبنّاه الأردبيليّ وبعضهم، أمّا أنّه البرمكيّ فلم يدلّ عليه دليل سوى كونه في طبقة الكلينيّ، وأمّا أنّه البندقيّ فقد تأيّد بما ذكره الكشّي في كتابه، ولهذا نقول: إنّ الراوي تراث الفضل بن شاذان النيشابوريّ هو محمد بن إسماعيل النيشابوريّ.
نعم، ما ذكره السيد الخوئيّ لتأييد ما نقول من قوله: "والمذكور في هذه الموارد هو محمد بن إسماعيل مطلقا إلا أنّه صرّح في ترجمة أبي يحيى الجرجانيّ بأنّ محمد بن إسماعيل الذي يروي عنه - الفضل بن شاذان - هو النيشابوريّ" في غير محلّه، وذلك لعدم تصريح الكشّي بأنّه النيشابوريّ، بل لم يذكر اسم الفضل بن شاذان عند ذكره أبي يحيى الجرجانيّ إنّما قال: وذكر محمد بن إسماعيل بنیشابور أنّه هجم عليه محمد بن طاهر فأمر بقطع لسانه ويديه ورجليه وبضربه ألف سوط وبصلبه.
والضمير في "عليه" إنّما يرجع إلى أحمد بن داود بن سعيد الفزاريّ، وليس للفضل بن شاذان حتّى يقول: "إنّه صرّح في ترجمة أبي يحيى الجرجانيّ - أحمد بن داوود - بأنّ محمد بن إسماعيل هو النيشابوريّ (2).
نعم، قد تصلح ترجمة أبي يحيى الجرجانيّ قرينة على كون محمد بن إسماعيل الذي يروي عن الفضل بن شاذان هو النيشابوريّ، إذ أنّ محمد بن طاهر الذي أمر بقطع لسان أبي يحيى الجرجانيّ هو أخو عبد الله بن طاهر الذي أمر بنفي الفضل بن شاذان، والذي يروي القصّتين معاً هو محمد بن إسماعيل النيشابوريّ البندقيّ.
فمن المظنون جداً أنّ الراوي عن الفضل بن شاذان هو محمد بن إسماعيل النيشابوريّ البندقيّ وليس غيره، وقد أيّد هذه النتيجة الحرّ في وسائله فقال: "لا تبعد رواية الكلينيّ عن محمد بن إسماعيل البندقيّ النيشابوريّ غالباً بغير واسطة، وتارة بواسطة محمد بن يحيى كما هو واقع له مع محمد بن الحسن ويروي عن ابن بُزيع بواسطتين وفي بعض الأسانيد ثلاثة.
وقال المجلسيّ في الوجيزة: "محمد بن إسماعيل البندقيّ النيشابوريّ مجهول، وهذا هو الذي يروي الكلينيّ عن الفضل بن شاذان بتوسّطه، واشتبه على القوم وظنّوه بن بُزیع، ولا يضرّ جهالته لكونه من مشايخ الإجازة".
بحث حول وثاقته:
إذن، الكلام يبقى في وثاقته بعد معرفته في نفسه وأنّه البندقيّ النيشابوريّ، فقد ذهب جمع إلى ضعفه لجهالته وعدم ترجمته في كتب القدماء الرجاليّة، وقيل بوثاقته لمشهوريّته واعتماد الأصحاب عليه وكونه شيخ محمد بن يعقوب مباشرة والذي اعتمده في مسائل الدين وبيان سنّة سيد المرسلين، إضافة إلى كونه من مشايخ الإجازة.
قال السيد ميرداماد في الراشحة التاسعة عشرة من رواشحه: "فهذا الرجل شيخ كبير فاضل جليل القدر، معروف الامر، دائر الذكر بين أصحابنا الأقدمين - رضوان الله عليهم - في طبقاتهم وأسانيدهم وإجازاتهم.. ثم ليعلم أنّ طريق الحديث بمحمد بن إسماعيل النيشابوريّ هذا صحيح لا حسن كما قد وقع في بعض الظنون، ولقد وصف العلّامة وغيره من أعاظم الأصحاب أحاديث كثيرة هو في طريقها بالصحّة (3).
هذا كلّ ما استدلّ به الأصحاب للقول بصحّته، وإلا فهو مجهول، فلكونه معروفاً معتمداً وشيخ إجازة وثقه الأصحاب.
نعم، أضيف إلى ذلك أنّ الكلينيّ لم يصنّف كتابه ليروي فيه الغثّ والسمين وليجمع التراث كيفما اتّفق، إنّما قال في ديباجة كتابه: ".. كتاب كافٍ يجمع من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلّم ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين والسنن القائمة التي عليها العمل وبها يؤدي فرض الله عز وجل وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) ..." (4).
فمع قوله هذا كيف يمكن أن يكون شيخه ومعتمده ضعيفا بالجهالة أو الوضع والكذب وقد روى عنه كثيراً واعتمده لتراث الفضل بن شاذان بحيث يمكن القول بأنّه لولا محمد بن إسماعيل البندقيّ لضاع تراث الفضل بمعظمه، فإنّ ما ذكرنا من أهمّ القرائن على اعتماد محمد هذا، ولا يمكن القول معها بأنّ الكلينيّ قد اعتمد على قرائن الصدور.
نعم، قد يُقال بأنّ كتاب الفضل كان كتاباً مشهوراً آبياً عن الدين والتزوير ولهذا اعتمده الكلينيّ وليس محمد بن إسماعيل حينئذٍ سوى واسطة في إثبات الكتاب ولا يضرّ ضعفه حينئذٍ.
قلنا: على هذا تكون الأخبار معتمدة وهو المطلوب، وإن كان محمد ضعيفاً في نفسه، إذ ليس لمحمد بن إسماعيل البندقيّ أخبار ذات أثر شرعيّ سوى المذكور في الكافي، فإن صحّت الرواية لصحّته أو لصحّتها كفى ذلك، وعليه تكون أخباره معتمدة والله العالم بحقائق الأمور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال الكشّي، ص584، رقم 1024.
(2) راجع رجال الكشّي، ترجمة أبي يحيي الجرجانيّ، ص578، رقم 1016.
(3) الرواشح السماوية، ص70، الراشحة التاسعة عشرة.
(4) مقدّمة كتاب الكافي.