x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية والجنسية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
حب علي حسنة لا تضر معه سيئة(1) (قول النبي ـ صلى الله عليه واله ـ)
المؤلف: أمل الموسوي
المصدر: الدين هو الحب والحب هو الدين
الجزء والصفحة: ص36 ــ 50
30-8-2022
1891
إن الحب في الله يعني الإتباع والطاعة إضافة إلى الحب والولاية وتعني كذلك البراءة وبغض أعداءهم، وإن معنى الحديث حب علي حسنة لا تضر معه سيئة لا يعني أن النبي (صلى الله عليه وآله)، يشجع الناس على ارتكاب المعاصي بحجة أن حبهم لعلي يحميهم من العقاب والحساب، فإن الله تعالى يقول في كتابه: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}[آل عمران: 32].
وورد عن علي (عليه السلام): (والله ما أنا إمام إلا من أطاعني فأما من عصاني فلست لهم إمام فوالله لا يجمعني الله وإياهم في دار)(2).
وأما معنى (حب علي لا تضر معه سيئة) ان من يوالي عليا ويتبعه إذا صدرت منه سيئة أو ذنب بسبب غفلة وتقصير وتداركها بالتوبة الصادقة فإنه يرجى له المغفرة من الله تعالى بشرط الندم وعدم الرجوع إلى المعصية وهذا عين ما ورد من أحاديث عن أهل الببت حول صفة التائبين وشروطهم وصفة المتقين، ومن أراد فليراجع كتب الأخلاق الغنية بذلك: خاصة كتاب (الأخلاق والآداب الإسلامية).
حيث ورد فيها إن الأعمال لا تقبل إلا بولايتهم واتباعهم ومحبتهم حيث قال الله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}[الشورى: 23]، وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (والله لو أن رجلاً صام النهار وقام الليل ثم لقى الله ـ عز وجل ـ بغير ولايتنا أهل البيت للقيه وهو عنه غير راض أو ساخط عليه)(3)، وقال أيضاً، إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: لا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين: رجل يزداد فيها كل يوم احساناً ورجل يتدارك منيته بالتوبة وأنى له بالتوبة فوالله أن لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله ـ عز وجل ـ منه عملا إلا بولايتنا أهل البيت)(4).
الولاية والبراءة
لذلك أوجب الله تعالى موالاة أهل الحق ومعاداة أهل الباطل في آيات كثيرة فيها: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}[الكافرون: 1 - 6]، وورد في سورة المنافقون البراءة الصريحة من المنافقين والكافرين وقد أكدت الأحاديث الكثيرة على ذلك منها في حديث الغدير حينما جمع النبي (صلى الله عليه وآله)، الناس في غدير خم في حجة الودع ظهراً ورفع يد علي (عليه السلام)، وقال ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم فقالوا اللهم بلى فقال ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله)، وقال الإمام علي (عليه السلام): (شيعتنا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويحجون البيت الحرام ويصومون شهر رمضان ويوالون أهل البيت ويتبرؤون من أعدائهم)(5).
وان الشرع وضع كل اهتمامه بولاية أهل البيت والبراءة من أعدائهم لما فيه من الأخذ بيد الأمة إلى الصراط المستقيم وإرشادهم إلى سبيل الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة ويؤكد ذلك ما ورد في زيارة الجامعة الكبيرة: (بموالاتكم علمنا الله معالم ديننا وأصلح ما كان فسد من دنيانا وبموالاتكم تمت الكلمة وعظمت النعمة وائتلفت الفرقة وبموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة ولكم المودة الواجبة)، وفيه أيضاً (سعد والله من والاكم وهلك من عاداكم وخاب من جحدكم وضل من فارقكم وفاز من اعتصم بكم من اتبعكم فالجنة مأواه ومن خالفكم فالنار مثواه ومن جحدكم كافر ومن حاربكم مشرك)، بل ان الذي يواليهم ويتبعهم سوف يفوز بحب الله والاعتصام به وهذا غاية ما يأمله المتقون، وعلى العكس من يبغضهم ولم يتبعهم فسوف يلقى الخسران ويبوء بغضب الله وعداوته حيث ورد في زيارة الجامعة.. (من والاكم فقد والى الله ومن عاداكم فقد عادى الله ومن أحبكم فقد أحب الله ومن أبغضكم فقد أبغض الله ومن اعتصم بكم فقد اعتصم بالله)، ولأن الولاية تعني المحبة والإتباع تلك المحبة ستؤدي إلى التأثير بعقول المحبين لأن العاطفة خير طريق إلى قلوب وعقول الناس فأنت إذا أحببت شخص صرت تابعاً له ومقتنعاً بآرائه ونظرياته ومقتدياً بسلوكه وأفعاله، وهذا كله كان النبي (صلى الله عليه وآله)، ملتفتا إليه بوحي من الله إذ لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى حيث يقول: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}[الشورى: 23]، لذلك جعل تلك المودة لأهل بيته عوضا عن أتعابه في تبليغ الرسالة وهداية الأمة وأجرا مقابل معاناته وصبره في هذا الطريق لعلمه وإدراكه لدور العاطفة في التأثير في العقول والقناعات ولكن للأسف تلك الأمة لم تفِ للرسول أجره إلا القليل من أصحابه. لذلك جعل عاقبة هؤلاء المؤمنين الموالين ان رزقهم توفيقا وحكمة تلبسهم الأخلاق الفاضلة والأنفس الطاهرة الزاكية والذنوب المغتفرة وكما ورد في نفس الزيارة الجامعة (وجعل صلاتنا عليكم وما خصنا من ولايتكم طيباً لخلقنا وطهارة لأنفسنا وتزكية لنا وكفارة لذنوبنا)، وورد في زيارة عاشوراء، إن عاقبة ولايتهم ومودتهم والبراءة من أعدائهم أن يكونوا معهم في الدنيا والآخرة مع الثبات على صراط الهداية وبلوغ المقام المحمود عند الله حيث ورد: (وأتقرب إلى الله وإليكم بموالاتكم وموالاة وليكم وبالبراءة من أعدائكم والناصبين لكم الحرب وبالبراءة من أشياعهم وأتباعهم.. فاسأل الله الذي أكرمني بمعرفتكم ومعرفة أوليائكم ورزقي البراءة من أعدائكم أن يجعلني معكم في الدنيا والآخرة وأن يثبت لي عندكم قدم صدق في الدنيا والآخرة وأن يبلغني المقام المحمود لكم عند الله، وأسأل الله بحقكم وبالشأن الذي لكم عنده أن يعطيني بمصابي بكم أفضل ما يعطي مصاباً بمصيبته، اللهم اجعلني في مقامي هذا ممن تناله منك صلوات ورحمة ومغفرة، اللهم اجعل محياي محيا محمد وآل محمد ومماتي ممات محمد وآل محمد).
فلسفة التولي والتبري
إن الإنسان قد خلق في جسد وروح فكما أن الجسد بدايته نطفة ثم علقة وينمو إلى جنين حتى يصير طفلا ويتدرج بعد ذلك شيئا فشيئاً ليغدو شابا نضرا كذلك أن عقله وروحه تنمو وتكبر حينما تجد تربية صحيحة وسليمة ويتكامل حينما تحتضنه يد تغذيه بالمعرفة والعلم بحيث نستطع القول أن عقله قد تبرمج وتنور ببرامج وعقائد يكون لها تأثير كبير على سلوكه وعمله في بيته ومجتمعه وتحدد نمط علاقته مع خالقه ومع أهله فيعطي لكل ذي حق حقه فيعلم أن نفسه أمارة بالسوء ميالة للعب والهوى فيوقفها عند حدها وأن أهله بحاجة إلى رعايته لأن كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فيؤدي حقوقهم ومع مجتمعه فيسعى إلى خدمتهم والتعايش الطيب معهم، فتلك البرمجة العقلية إذا لم تتنور بالمعرفة الإلهية ولم تتغذى بهدي محمد وآل محمد ولم تجد تربية سليمة بقي عقله وروحه على حاله في دور الطفولة فهو كالمشلول لا يقوى على الحركة التكاملية حينذاك يصدق عليه تسميته جاهلا أو أحمقا أو سفيها أو عدوا فهي عناوين شتى تجتمع على ذلك الجاهل والجاهل كما تعلم يعمل بنفسه كما يعمل العدو بعدوه وقد عرفهم الإمام الصادق حينما يحذر شيعته من مخالطتهم ومصاحبتهم في حديثه عن أبيه (عليه السلام) قال: قال لي أبي علي بن الحسين (يا بني انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق، فقلت يا أبة من هم؛ عرفنيهم، قال: إياك ومصاحبة الكذاب، فإنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد ويبعد عنك القريب، وإياك ومصاحبة الفاسق، فإنه بايعك بأكله وأقل من ذلك وإياك ومصاحبة البخيل، فإنه يخذلك من مال أحوج ما تكون إليه وإياك ومصاحبة الأحمق، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك وإياك ومصاحبة القاطع لرحمة، فإني وجدته ملعونا في كتاب الله في ثلاثة مواضع، قال الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}[محمد: 22، 23]، وقال: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد: 25]، وقال: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[البقرة: 27](6).
وذلك الجاهل الذي يرتكب كل تلك السيئات قد ابتعد عن طريق الهداية والصلاح إلا إذا أدركته الرحمة الإلهية وتاب وأصلح سلوكه.
إن التولي لأولياء الله ومحبتهم والبراءة من أعداء الله وبغضهم له دور في تقويم سلوك الإنسان حيث تؤدي إلى الإيحاء إلى القوى الروحية العاملة والموجهة لسلوك الإنسان بما يدفعه إلى الاقتدار والسير على نهج الصالحين والابتعاد ورفض المفسدين وبالتالي سوف تنمو وتترعرع النوازع الإيمانية وتقوى الملكات الرحمانية بتأييد الله ولطفه وأما الملكات الباطلة، والشيطانية فسوف تندثر وتضمحل في سلوكه وعقله لذلك وردت الأحاديث الكثيرة على وجوب التولي والتبري والحب في الله والبغض في الله.
قصته فى عاقبة مصاحبة الفاسقين وعدم أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر
حيث ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): في قوله (وكانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون، قال: أما انهم لم يكونوا يدخلون مداخلهم، ولا يجلسون مجالسهم ولكن كانوا إذا لقوهم ضحكوا في وجوههم وأنسوا بهم) (الوسائل: ج11، ص509) وروي عنه أيضا أنه قال:
مر عيسى بن مريم (عليه السلام)، على قرية قد مات أهلها وطيرها ودوابها، فقال: أما أنهم لم يموتوا إلا بسخطه، ولو ماتوا متفرقين لتدافنوا، فقال الحواريون: يا روح الله وكلمته ادع الله أن يحييهم لنا فيخبرونا ما كانت أعمالهم فتتجنبها، قال: فدعا عيسى فنودي من الجو أن نادهم فقام عيسى (عليه السلام)، بالليل على شرف من الأرض، فقال: يا أهل القرية، فأجابه مجيب منهم لبيك فقال: ويحكم ما كانت أعمالكم؟ قال: عبادة الطاغوت، وحب الدنيا مع خوف قليل وأمر بعيد، وغفلة في لهو ولعب، إلى أن قال: كيف عبادتكم للطاغوت؟ قال: الطاعة لأهل المعاصي، قال: كيف كان عاقبة أمركم؟ قال: بتنافي عافية وأصبحنا في الهاوية.
فقال: وما الهاوية؟ قال: سجين.. قال: وما سجين؟ قال: جبال من جمر توقد علينا إلى يوم القيامة، إلى أن قال: ويحك كيف تكلمي ونم يكلمني غيرك من بينهم؟ قال: يا روح الله إنهم ملجمون بلجم من نار، بأيدي ملائكة غلاظ شداد، وإني كنت فيهم ولم أكن منهم.. فلما نزل العذاب عمني معهم، فأنا معلق بشعرة على شفير جنهم لا أدري أكبكب فيها أم أنجو منها، فالتفت عيسى (عليه السلام)، إلى الحواريين فقال يا أولياء الله أكل الخبز اليابس بالملح الجريش والنوم على المزابل خير كثير مع عافية الدنيا والآخرة) (الوسائل ج11، ص499)، وهكذا وجدنا أن الرجل لم يكن من أهل المعاصي بل كان مهادنا لهم دون أن يغيرهم أو يهجرهم، أما إذا كان من جلاسهم لكان مصيره مصيرهم فيلجم بلجام من نار.. أعاذنا الله من مجالس أهل المعاصي في الدنيا ومصائرهم في الآخرة.
التبري يعني اللعن والطرد
إن التبري من أعداء الله الناكبين عن الصراط المستقيم والمنتهكين لحدود الله وأوامره لن تجني ثمرته إلا بتحقق عنوان اللعن والطرد عليهم وهذا بدوره يتحقق بمستويات عديدة منها مما يكون على مستوى العقيدة والفكر وأخرى على مستوى اجتناب معاشرتهم والاختلاط بهم وتارة على مستوى عدم محاكاتهم في سلوكهم وأفعالهم بل الاجتهاد والسعي الحثيث في ممارسة الطاعات والتكاليف التي حث الشارع عليها لكي تحصل حالة من الحصاة والقوة الإيمانية والنورانية تعطيه الثبات على الصراط المستقيم بدون حصول مخاوف سيطرة البدع والضلالات الداعية إلى الانحراف عن الطريق الصحيح.. لذلك فمن المنطقي جدا أن تلعن اللص والإرهابي وتلعن القتلة مثل الحجاج وصدام وهتلر حتى تفوت الفرصة على النفوس المريضة لإعادة نفس الأدوار الشريرة التي مارسوها أولئك الطغاة ولكي ننبذ النماذج السيئة كما نشجع على إيجاد النماذج الطيبة حتى ينال كل منهم استحقاقه ونتيجة عمله، وإن اللعن قضية إلهية عقلية فطرية بدليل أن الله خلق الجنة لمن أطاعه ولو كان عبدا حبشيا وخلق النار لمن عصاه ولو كان سيدا قرشيا، وإن العقل يحكم بقبح الظلم وحسن العدل، وإلا فهل يعقل أن يتساوى في الجزاء القاتل والمقتول والمجرم والبريء، ووردت آيات كثيرة في القرآن تؤكد في مضامينها على لعن الظالمين والكافرين حيث قال تعالى: {أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}[البقرة: 159]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[البقرة: 159، 160].
وقال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}[المائدة: 78، 79].
إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قد لعن عمرو بن العاص حين هجا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بسبعين بيتا من الشعر حيث قال قد هجوت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بسبعين بيتا من الشعر، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، اللهم إنني لا ينبغي لي أن أقول الشعر فالعن عمرو بن العاص بكل بيت ألف لعنة)(7).
وكذلك ورد في زيارة عاشوراء الواردة عن الأمام الباقر (عليه السلام) (فلعن الله امة أسست أساس الظلم والجور عليكم أهل البنت ولعن الله أمة دفعتكم عن مقامكم وأزالتكم عن مراتبكم التي رتبكم الله فيها، ولعن الله أمة قتلتكم ولعن الله الممهدين لهم بالتمكين من قتالكم، برئت إلى الله وإليكم منهم ومن أشياعهم وأتباعهم وأوليائهم يا أبا عبد الله إني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم إلى يوم القيامة ولعن الله آل زياد وآل مروان ولعن الله بني أمية قاطبة ولعن الله شمرا ولعن الله أمة أسرجت وألجمت وتنقبت لقتالك يا أبا عبد الله إني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم إلى يوم القيامة ولعن الله آل زياد وآل مروان ولعن الله بي أمية قاطبة ولعن الله شمرا ولعن الله أمة أسرجت وألجمت وتنقبت لقتالك يا أبا عبد الله إني أتقرب إلى الله وإلى رسوله وإلى أمير المؤمنين وإلى فاطمة وإلى الحسن وإليك بموالاتك وبالبراءة ممن قاتلك ونصب لك الحرب والبراءة ممن أسس أساس الظلم والجور عليكم وأبرئ إلى الله وإلى رسوله ممن أسس أساس ذلك وبنى عليه بنيانه وجرى في ظلمه وجوره عليكم وعلى أشياعكم برئت إلى الله وإليكم منهم وأتقرب إلى الله وإليكم بموالاتكم وموالاة وليكم وبالبراءة من أعدائكم والناصبين لكم الحرب.. الخ(8).
إن الهدف من التولي والتبري ومن اللعن هو إجراء عملية طرد لقوى الشر والظلام مقابل إحلال وتنمية قوى الخير والنور والإيمان والعدل وبالاستمرار بهذه العملية سوف يتسنى الازدهار للقوى الخيرة والصالحة من الظهور والمباركة.. وموت واندثار القوى الظالمة المظلمة وهذا عين ما حثت عليه الشريعة في القرآن والسنة وما حثت عليه سيرة المعصومين حيث اختصرها الله في هذه الآية: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}[التوبة: 33]. وإظهار الدين كله على يد الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، حينما يخرج فيمحو بسيفه كل قوى الشر والكفر ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلماً وجورا.. فأنت لا تستطع أن تنشر الضياء والنور إلا بلعن الظلام وطرد الشر طبقا للقاعدة العقلية التي يقرها العلماء والفضلاء وهي (التخلية والتحلية.. فتلك القاعدة لا نطبقها على مستوى الفرد فقط حيث يقرها العلماء حينما يراقب نفسه ويجاهدها حتى تصل إلى درجة خلوها من المعاصي (التخلية) وتأتي بعدها دور تحليها بالفضائل الخلقية (التحلية) لكي يتسنى لها الصعود في مدارج القرب الإلهي والتكامل الروحي، ان تلك القاعدة العقلية يجب أن تطبق على صعيد المجتمع حتى يتسنى له الوصول إلى المجتمع العادل وهذا ما يسعى له الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، حينما يجد المؤمنين المنتظرين لدولته فينهض بهم ويقضي على الظلم والفساد والإلحاد (التخلية) ويحل محله العدل والإحسان (التحلية) حيث يملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وذلك هو التطبيق العملي لمبدأ التبري والتولي حيث قال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}[الصف: 8، 9].
الأجر العظيم على اللعن (البراءة)
إن اللعن (البراءة) من الظالمين والكافرين ولما لها من دور كبير في تحصين الفرد والمجتمع من الانحراف وحمايته من الاعتداء بسبب ما يلقي في النفس الإنسانية من كراهية واشمئزاز لسلوك ذلك المنهج وبالتالي حمايته هو ومجتمعه من تسلط الظالمين وإيذائهم من جراء وحدة كلمتهم ووقوفهم بوجههم وما ينالهم في سبيل ذلك من أذى واعتداء وصبر له أجر كبير وحثت عليه الآيات القرآنية والأحاديث والأدعية الشريفة حنث قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[البقرة: 256].
وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا}[النساء: 60].
وقال الصادق (عليه السلام): (لعن الله قاطعي سبيل المعروف)(9)، وهناك رواية أيضا عن الإمام الصادق (عليه السلام)، يقول داود الرقي: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ أستسقى الماء، فلما شربه رأيته قد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه، ثم قال لي: يا داود لعن الله قاتل الحسين (عليه السلام)، وما من عبد يشرب الماء فذكر الحسين (عليه السلام)، وأهل بيته ولعن قاتله (التبري) إلا وكتب الله له مئة ألف حسنة، وكل حسنة أكبر من الدنيا بما فيها، (وفي رواية أخرى) وحط عنه مئة ألف سيئة، ورفع له مئة ألف درجة، كل درجة فاصلها عن الأرض أكثر من الأرض إلى عنان السماء، وكأنما أعتق مئة ألف نسمة، وحشره الله تعالى يوم القيامة، ثلج الفؤاد)(10).
وهكذا يكون دور التولي والتبري في إيجاد حاجز حديدي بين جبهة الإيمان وجبهة الكفر، وإلا غزت جيوش الظلام جحافل النور).
أما زيارة عاشوراء الواردة عن الإمام الباقر (عليه السلام)، والتي ركزت على مفهوم الموالاة والبراءة فقد ورد في ثواب قراءتها الأجر الجزيل حيث قال: من زار الحسين (عليه السلام)، يوم عاشوراء من المحرم حتى يظل عنده بكيا لقى الله تعالى يوم القيامة بثواب ألفي ألف (ألف ألف) حجة وألفي ألف (ألف ألف) عمرة وألفي ألف غزوة، وثواب كل حجة وعمرة وغزوة كثواب من حج واعتمر وغزا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومع الأئمة الراشدين (صلوات الله تعالى عليهم أجمعين)، وقال أيضاً يا علقمة إن استطعت أن تزوره في كل يوم بهذه الزيارة من دهرك فافعل فلك ثواب جميع ذلك إن شاء الله تعالى، حيث تقول من بعد حين تصعد سطحا مرتفعا في الدار أو تخرج إلى الصحراء (صلى الله عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح الني حتت بفنائك وأناخت برحلك).
أضف إلى ذلك أن الله يحشر العبد مع من أحب وأعطى ولاءه وكذلك يشركه في ثوابهم إن كانوا صالحين ويشاركهم في عقابهم ان كانوا منحرفين لذلك إن من عرف وآمن وانتظر صاحب الزمان ثم مات قبل أن يقوم القائم (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، كان له مثل أجر من قتل معه (غيبة الطوسي: ص460، رقم 474)، وكذلك انه لما قتل أمير المؤمنين الخوارج يوم النهروان قام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين طوبى لنا إذ شهدنا معك هذا الموقف وقتلنا معك هؤلاء الخوارج، فقال أمير المؤمنين والذي خلق الحبة وبرأ النسمة لقد شهدنا في هذا الوقت أناس لم يخلق الله آباءهم ولا أجدادهم بعد فقال الرجل، وكيف يشهدنا قوم لم يخلقوا قال بلى قوم يكونون في آخر الزمان يشركوننا فيما نحن فيه ويسلمون لنا فأولئك شركاؤنا فيما كنا فيه حقاً حقاً) المحاسن: ج1، ص407- 208، حديث926.
إذن هم شريكون في أجورهم لأن من أحب عمل قوم حشر معه ولكن بشرط التقوى والورع حيث ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال ذات يوم ألا أخبركم بما لا يقبل الله (عز وجل) من العباد عملاً إلا به فقلت بلى: فقال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله والانتظار للقائم ثم قال إن لنا دولة يجيء الله بها إذا شاء ثم قال من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه فجدوا وانتظروا هنيئاً لكم أيتها العصابة المرحومة) (غيبة النعماني: ص200، باب11، حديث16).
التولي والتبري فيه بركات تجدها فى مضامين زيارة عاشوراء الواردة عن المعصومين:
1ـ إن الله أكرم الإنسان المؤمن حيث رزقه نعمة التولي والتبري كما أكرمه بمعرفة الحسين وحبه حيث ورد فيها (فأسأل الله الذي أكرمني بك، اللهم اجعلي عندك وجيها بالحسين... وأسأل الله الذي أكرمني بمعرفتكم ومعرفة أوليائكم ورزقي البراءة من أعدائكم أن يثبت لي قدم صدق... الخ).
2ـ إن التولي والتبري يوفق الإنسان إلى أن يكون من أنصار الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ورفع لواء الثار للحسين حيث ورد في الزيارة (أن يرزقني طلب ثارك مع إمام منصور من أهل بيت محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ).
3ـ إن التولي والتبري الصادق يوفق الإنسان إلى أن يرتفع عند الله بحيث يكون وجيهاً بالحسين في الدنيا (التوفيق للطاعات واجتناب الحرمات والرزق المادي والمعنوي) وفي الآخرة (العاقبة الحسنة والفوز برضوانه تعالى).
4ـ إن موالاة أهل البيت ومعاداة أعدائهم تعطي الإنسان درجة القرب الإلهي والقرب من محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وأن يجعله الله معهم في الدنيا والآخرة حيث يقول (فاسأل الله الذي أكرمني بمعرفتكم ومعرفة أوليائكم ورزقني البراءة من أعدائكم أن يجعلني معكم في الدنيا والآخرة وأن يثبت لي عندكم قدم صدق في الدنيا والآخرة وأسأله أن يبلغني المقام المحمود لكم عند الله).
5ـ إن التولي والتبري يجعل الإنسان يربح ثواب صلوات الله ورحمته ومغفرته حيث ورد فيها اللهم اجعلني في مقامي هذا ممن تناله منك صلوات ورحمة ومغفرة حيث ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) (من أحبنا كان معنا أو جاء معنا يوم القيامة ثم قال (عليه السلام)، (والله لو أن رجلاً صام النهار وقام الليل ثم لقى الله ـ عز وجل ـ بغير ولايتنا أهل البيت للقيه وهو عنه غير راض أو ساخط عليه)(11)، وقال الصادق (عليه السلام)، أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: لا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين: رجل يزداد فيها كل يوم إحسانا ورجل يتدارك منيته بالتوبة وأنى له بالتوبة فوالله أن لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله ـ عز وجل ـ منه عملاً الا بولايتنا اهل البيت)(12)، وقال (عليه السلام): (والله ما انا امام الا من اطاعني فأما من عصاني فلست لهم امام فوالله لا يجمعني الله واياهم في دار)(13).
٦- إن التولي والتبري ترفع الإنسان درجة بحيث يكون جزاؤه من الله أن تكون حياته شبيهة بحياة المعصومين في البركة والعطاء والخير ومماته شبيه بمماتهم في العاقبة السعيدة والدرجات العالية ومرضاة الله حيث ورد فيها (اللهم اجعل محياي محيا محمد وآل محمد ومماتي ممات محمد وآل محمد).
وهكذا تجد هذه المفاهيم في أغلب الزيارات ولاسيما الزيارة الجامعة الكبيرة الصحيحة بالسند والواردة عن المعصومين حيث ورد فيها، من والاكم فقد والى الله ومن عاداكم فقد عادى الله ومن أحبكم فقد أحب الله ومن أبغضكم فقد أبغض الله ومن اعتصم بكم فقد اعتصم بالله، وفيها أيضا، سعد والله من والاكم وهلك من عاداكم وخاب من جحدكم وضل من فارقكم وفاز من اعتصم بكم من اتبعكم فالجنة مأواه ومن خالفكم فالنار مثواه ومن جحدكم كافر ومن حاربكم مشرك ومن رد عليكم في أسفل درك من الجحيم، الخ من العبارات الولائية، وكل ذلك لأن الله جعل مبدأ الحب في الله والبغض في الله أساس عالم التكوين والشرائع حيث بدأ الخلق بإيجاد أنوار المعصومين ثم شق منهم أنوار السماوات والأرضين بل ان كل ما في الكون خلفه الله لأجلهم ومحبتهم كما هو وارد في حديث الكساء حيث يقول فيه (ما خلقت سماء مبنية ولا أرض مدحية إلا لأجلهم ومحبتهم) ويستحب الإكثار من قراءة حديث الكساء لقضاء الحوائج ونزول البركات.
حكمة البراءة والولاء:
إن هناك حكم عديدة لفلسفة التبري منها تمحيص الإنسان عن طريق وضعه في - خط المواجهة مع الأعداء والانتصار عليهم للتخلص من صفة النفاق ومجاملة الآخرين حيث قال تعالى (المنافقين في الدرك الأسفل من النار).
وإن مسيرة الدعوة لابد أن يتبناها المخلصون الصابرون المضحون لأنهم الوحيدون الذين يستطيعون قيادة الأمة بنجاح فلو كانت مسيرة الدعوة تخلو من المكاره والصعاب ولو كانت مليئة بالامتيازات والمصالح لتجمعت حولها المنافقين وضعفاء النفوس، واحتلوا منها المواقع الحساسة، وإذا ما تولت هذه الطائفة أمور الدعوة فقدت هذه الدعوة قدرتها على التغيير والقيادة، وعندما تكون مسيرة الدعوة مليئة بالآلام والصعاب ومواجهة الظالمين فسوف تخلص وتبقى للمؤمنين الصادقين ويتميز المؤمنون من غيرهم حيث قال يصف المنافقين: {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ}[الأحزاب: 19]، وهكذا يثبت المؤمنون حيث قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}[آل عمران: 142].
وإن هؤلاء المؤمنين في تاريخ البشرية لن يظهروا في الحياة الهادئة الوديعة، المترفة بل ظهروا في زحمة المتاعب والجهود فبصبرهم وانتصارهم على أهواءهم وعلى متع الدنيا وغرورها ازدادوا إيماناً وهدى واستطاعوا من تربية أنفسهم أكثر وارتفعوا في تهذيبها وتزكيتها لأن النفس لا تسمو في الرخاء والعافية كما تسمو في الشدة والبلاء، وأما بالنسبة للكافرين فإن ذلك البلاء يمحقهم ويهلكهم فلا طاقة لهم في مقاومة ومواجهة المعاناة والمحنة فيتميز الصابرون من غيرهم حيث قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}[آل عمران: 142].
إن الحب في الله والبغض في الله بل قل موالاة أولياء الله ومعادات أعداء الله تعصم الإنسان من الوقوع في حبائل الطاغوت والحاكم الظالم وطاعته والدوران في فلكه.. ذلك الطاغوت الذي يقوم بإذلال الناس وتطويع إرادتهم واستضعافهم لإرادته ونفوذه عن طريق هدم مراكز القوة والمعرفة والقيم لديهم أي عن طريق إفساد ذلك الإنسان وسحق شخصيته بل أن الذنوب والأهواء والجهل إذا تراكم على نفوس الناس حجبت عنهم كنوز الهداية والإيمان وصفة رفض الظلم وإباء الضيم، وهذه الحالة يصورها القرآن الكريم: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[القصص: 4]، لذلك جعل الله من أولويات أهداف بعثة الأنبياء هو تخليص الأمة من تلك القيود والأغلال التي كبلهم بها الطواغيت من أجل استضعافهم وهي أمور تمنعهم من الانطلاق إلى الله في رحلة تكاملهم وتربيتهم حيث قال تعالى يصف دور النبي (صلى الله عليه وآله)، في عملية الإصلاح: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}[الأعراف: 157]، وقال: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}[البقرة: 151]، ومن أطاع الله ورفض الانصياع إلى الطاغوت فلهم البشرى حيث قال: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ}[الزمر: 17]، وقال تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:256ـ 257]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ مناقب آل أبي طالب: ج3، ص3، عن الحدائق الأربعين، فضائل الخمسة: ج2 ص219، عن كنوز الحقائق للمناوي: ص62.
2ـ وسائل الشيعة: 16/238، ح1.
3ـ روضة الكافي: ص٩٢.
4ـ المصدر السابق: ص211.
5ـ صفات الشيعة: ج5.
6ـ الوسائل: ج8، ص419 – 420، من أصول الكافي ص480 وص411.
7ـ الاحتجاج للشيخ الطبرسي: ج2، ص150.
8ـ زيارة عاشوراء، مفاتيح الجنان.
9ـ الكافي الشريف للشيخ الكليني: ج4، ص33.
10ـ راجع كتاب كامل الزيارات لابن قولويه: ص212.
11ـ روضة الكافي: ص92.
12ـ المصدر السابق: ص111.
13ـ وسائل الشيعة: 16/238، ح1.