x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
التوحيد
النظر و المعرفة
اثبات وجود الله تعالى و وحدانيته
صفات الله تعالى
الصفات الثبوتية
القدرة و الاختيار
العلم و الحكمة
الحياة و الادراك
الارادة
السمع و البصر
التكلم و الصدق
الأزلية و الأبدية
الصفات الجلالية ( السلبية )
الصفات - مواضيع عامة
معنى التوحيد و مراتبه
العدل
البداء
التكليف
الجبر و التفويض
الحسن و القبح
القضاء و القدر
اللطف الالهي
مواضيع عامة
النبوة
اثبات النبوة
الانبياء
العصمة
الغرض من بعثة الانبياء
المعجزة
صفات النبي
النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
الامامة
الامامة تعريفها ووجوبها وشرائطها
صفات الأئمة وفضائلهم
العصمة
امامة الامام علي عليه السلام
إمامة الأئمة الأثني عشر
الأمام المهدي عجل الله فرجه الشريف
الرجعة
المعاد
تعريف المعاد و الدليل عليه
المعاد الجسماني
الموت و القبر و البرزخ
القيامة
الثواب و العقاب
الجنة و النار
الشفاعة
التوبة
فرق و أديان
علم الملل و النحل ومصنفاته
علل تكون الفرق و المذاهب
الفرق بين الفرق
الشيعة الاثنا عشرية
أهل السنة و الجماعة
أهل الحديث و الحشوية
الخوارج
المعتزلة
الزيدية
الاشاعرة
الاسماعيلية
الاباضية
القدرية
المرجئة
الماتريدية
الظاهرية
الجبرية
المفوضة
المجسمة
الجهمية
الصوفية
الكرامية
الغلو
الدروز
القاديانيّة
الشيخية
النصيرية
الحنابلة
السلفية
الوهابية
شبهات و ردود
التوحيـــــــد
العـــــــدل
النبـــــــوة
الامامـــــــة
المعـــاد
القرآن الكريم
الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)
الزهراء (عليها السلام)
الامام الحسين (عليه السلام) و كربلاء
الامام المهدي (عليه السلام)
إمامة الائمـــــــة الاثني عشر
العصمـــــــة
الغلـــــــو
التقية
الشفاعة والدعاء والتوسل والاستغاثة
الاسلام والمسلمين
الشيعة والتشيع
اديان و مذاهب و فرق
الصحابة
ابو بكر و عمر و عثمان و مشروعية خلافتهم
نساء النبي (صلى الله عليه واله و سلم)
البكاء على الميت و احياء ذكرى الصاحين
التبرك و الزيارة و البناء على القبور
الفقه
سيرة و تاريخ
مواضيع عامة
مقالات عقائدية
مصطلحات عقائدية
أسئلة وأجوبة عقائدية
التوحيد
اثبات الصانع ونفي الشريك عنه
اسماء وصفات الباري تعالى
التجسيم والتشبيه
النظر والمعرفة
رؤية الله تعالى
مواضيع عامة
النبوة والأنبياء
الإمامة
العدل الإلهي
المعاد
القرآن الكريم
القرآن
آيات القرآن العقائدية
تحريف القرآن
النبي محمد صلى الله عليه وآله
فاطمة الزهراء عليها السلام
الاسلام والمسلمين
الصحابة
الأئمة الإثنا عشر
الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
أدلة إمامة إمير المؤمنين
الإمام الحسن عليه السلام
الإمام الحسين عليه السلام
الإمام السجاد عليه السلام
الإمام الباقر عليه السلام
الإمام الصادق عليه السلام
الإمام الكاظم عليه السلام
الإمام الرضا عليه السلام
الإمام الجواد عليه السلام
الإمام الهادي عليه السلام
الإمام العسكري عليه السلام
الإمام المهدي عليه السلام
إمامة الأئمة الإثنا عشر
الشيعة والتشيع
العصمة
الموالات والتبري واللعن
أهل البيت عليهم السلام
علم المعصوم
أديان وفرق ومذاهب
الإسماعيلية
الأصولية والاخبارية والشيخية
الخوارج والأباضية
السبئية وعبد الله بن سبأ
الصوفية والتصوف
العلويين
الغلاة
النواصب
الفرقة الناجية
المعتزلة والاشاعرة
الوهابية ومحمد بن عبد الوهاب
أهل السنة
أهل الكتاب
زيد بن علي والزيدية
مواضيع عامة
البكاء والعزاء وإحياء المناسبات
احاديث وروايات
حديث اثنا عشر خليفة
حديث الغدير
حديث الثقلين
حديث الدار
حديث السفينة
حديث المنزلة
حديث المؤاخاة
حديث رد الشمس
حديث مدينة العلم
حديث من مات ولم يعرف إمام زمانه
احاديث متنوعة
التوسل والاستغاثة بالاولياء
الجبر والاختيار والقضاء والقدر
الجنة والنار
الخلق والخليقة
الدعاء والذكر والاستخارة
الذنب والابتلاء والتوبة
الشفاعة
الفقه
القبور
المرأة
الملائكة
أولياء وخلفاء وشخصيات
أبو الفضل العباس عليه السلام
زينب الكبرى عليها السلام
مريم عليها السلام
ابو طالب
ابن عباس
المختار الثقفي
ابن تيمية
أبو هريرة
أبو بكر
عثمان بن عفان
عمر بن الخطاب
محمد بن الحنفية
خالد بن الوليد
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
عمر بن عبد العزيز
شخصيات متفرقة
زوجات النبي صلى الله عليه وآله
زيارة المعصوم
سيرة وتاريخ
علم الحديث والرجال
كتب ومؤلفات
مفاهيم ومصطلحات
اسئلة عامة
أصول الدين وفروعه
الاسراء والمعراج
الرجعة
الحوزة العلمية
الولاية التكوينية والتشريعية
تزويج عمر من ام كلثوم
الشيطان
فتوحات وثورات وغزوات
عالم الذر
البدعة
التقية
البيعة
رزية يوم الخميس
نهج البلاغة
مواضيع مختلفة
الحوار العقائدي
* التوحيد
* العدل
* النبوة
* الإمامة
* المعاد
* الرجعة
* القرآن الكريم
* النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
* أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
* فضائل النبي وآله
* الإمام علي (عليه السلام)
* فاطمة الزهراء (عليها السلام)
* الإمام الحسين (عليه السلام) وكربلاء
* الإمام المهدي (عجل الله فرجه)
* زوجات النبي (صلى الله عليه وآله)
* الخلفاء والملوك بعد الرسول ومشروعية سلطتهم
* العـصمة
* التقيــة
* الملائكة
* الأولياء والصالحين
* فرق وأديان
* الشيعة والتشيع
* التوسل وبناء القبور وزيارتها
* العلم والعلماء
* سيرة وتاريخ
* أحاديث وروايات
* طُرف الحوارات
* آداب وأخلاق
* الفقه والأصول والشرائع
* مواضيع عامة
القول في الأمراض و الآلام
المؤلف: العلامة الشيخ سديد الدين الحمصيّ الرازيّ
المصدر: المنقذ من التقليد والمرشد الى التوحيد المسمى بالتعليق العراقي
الجزء والصفحة: ج1 - ص307- 330
9-08-2015
484
نذكر أوّلا اختلاف الناس في حسن الآلام وقبحها ثمّ نرتّب عليه المقصود، فنقول: ذهبت الثنويّة إلى قبح جميعها وذهبت المجبّرة إلى حسن جميعها من محدثها، وذهبت غير الثنويّة والجبريّة الى حسن بعضها وقبح البعض، و اختلفوا في تعيين ما يقبح أو يحسن، فذهبت البكريّة و أصحاب التناسخ إلى أنّ الألم لا يحسن إلّا إذا كان مستحقّا، و ما عداه فهو قبيح. وأدّى هذا المذهب البكريّة إلى جحد ما علموه و علمه كلّ عاقل، ضرورة، من تألّم أطفال و غيرهم ممّن ليس عليهم تكليف بالأمراض النازلة بهم من قبل اللّه لما علموا أنّهم لم يذنبوا فلا يستحقّون عقوبة و أنّه تعالى لا يفعل القبيح، و التناسخيّة إلى القول بالتناسخ و أنّ كلّ من يؤلّمه تعالى بالأمراض و غيرها من الأطفال و البهائم و غيرهم، فانّما يؤلّمه بسبب أنّهم عصوا اللّه قبل هذا في زمان تكليفهم لمّا كانوا في هياكل اخر.
ذهب شيوخ أهل العدل إلى أنّ الألم قد يحسن،
لوجوه:
منها: أن يكون مستحقّا.
و منها: أن يكون فيه نفع يوفي عليه.
و منها: أن يكون فيه دفع ضرر أعظم منه.
و منها: أن يظنّ فيه أحد الوجهين: إمّا
النفع الموفي عليه، أو الدفع بالضرر أعظم منه...
ومنها: أن لا يكون مفعولا بمجرى العادة و
جاريا مجرى فعل غير من فعله.
فإذا اختصّ الألم بوجه من هذه الوجوه حسن و
لم يكن ظلما. و إذا تعرّى عن جميعها كان ظلما. ولهذا حدّدنا الظلم بأنّه ضرر غير
مستحقّ لا يكون فيه نفع موفي عليه للمضرور ولا دفع مضرّة عنه هي أعظم منه ولا يظنّ
فيه أحد هذين الوجهين ولا يكون واقعا على وجه الدفع، ولا يكون جاريا مجرى فعل غير
فاعله مفعولا بالعادة. وكما يقبح الألم لكونه ظلما ... فقد يقبح لكونه عبثا، و قد
يقبح لكونه مفسدة.
والّذي يبطل قول الثنويّة بأنّ الآلام كلّها
قبيحة، هو أنّ العقلاء بأسرهم يستحسنون ذمّ المسيء في وجهه مع علمهم بأنّ ذمّهم
له يغمّه و يؤذيه. و إنّما يستحسنونه لكونه مستحقّا.
وممّا
يبطل قولهم وقول البكريّة وأصحاب التناسخ أيضا- حيث قالوا:
الألم لا يحسن إلّا للاستحقاق- أنّ العقلاء
كما يستحسنون ذمّ المسيء فيستحسنون فقصدّ أنفسهم و شرب الأدوية البشعة و كذا فصد
من كون عليه من الأولاد و العبيد و سقيهم الأدوية الكريهة إذا رجوا بذلك دفع
الأمراض، و كذا يستحسنون إتعاب أنفسهم و أولادهم في طلب العلوم و الآداب والأرواح
في الأسفار و التجارات، رجاء أن يصلوا بذلك إلى منفعة. والرجاء هو ظنّ وصول نفع
إلى الظانّ أو اندفاع ضرر عنه. و إذا حسن ذلك مع ظنّ المنفعة و دفع المضرّة، فلأن
يحسن مع العلم بذلك أولى. و كذا يعلمون أنّ الألم الواقع على وجه الموافقة ليس
بقبيح، بل هو حسن. كأن يقصد زيد إلى قتل عمرو فيدفعه عمرو عن نفسه، فيؤول دفعه إلى
الإضرار بزيد، إمّا بالقتل أو بدون القتل.
و لا يمكن الشيخ أبا عليّ أن يستدلّ بهذا
الوجه على البكريّة و التناسخيّة، لأنّه يذهب إلى أنّ هذا الألم إنّما يحسن
للاستحقاق، قال: إنّ زيدا لما قصد إلى قتل عمرو استحقّ بطلبه نفس عمرو أن يقتله
عمرو. فلا يمكنه الاستدلال بهذا الوجه خاصّة على البكريّة و التناسخيّة لأنّهم
يقولون بحسن الألم للاستحقاق.
فأمّا أبو هاشم، فانّه يمكنه الاستدلال به
عليهم، لأنّه يذهب إلى أنّه إنّما يحسن هذا الألم لوقوعه على وجه الدفع لا
للاستحقاق، لأنّه لو كان وجه حسنه الاستحقاق لوجب أن يستحقّه و ان أمسك عن قتل
عمرو من غير توبة عنه بعد أن قصد قتله، والمعلوم خلافه من حيث أنّه لو كفّ عن قتله
لما استحسن العقلاء إيلامه و قتله و إن لم يتب، و كذا يحسن الألم، الذي يفعله
اللّه تعالى، وهو جار مجرى فعل غيره، نحو أن يطرح الإنسان طفلا أو غيره في النار
أو الثلج فيتألّم ويموت، فانّ ألمه من فعل اللّه تعالى إمّا مبتدأ أو متولّدا أو
يمنع منه إن كان متولّدا لا بتصديق صادق من حيث انّه نقض للعادة ولا يحسن نقض
العادة في زمان التكليف لا للتصديق، فانّما حسن ذلك الألم، لأنّه يجري مجرى فعل
غيره تعالى، لا للعوض، على ما قاله من خالف فيه، لأنّ العوض الواجب في ذلك يلزم
الطارح، و هو عوض مساو للألم غير موفي عليه، لأنّه لو كان موفيا لكان طرح الطارح
غير ظلم لأدائه إلى النفع الموفي.
و الذي يبطل قول المجبّرة: «إنّ الآلام
كلّها حسنة من محدثها»، ... كلامنا في وجوه الحسن والقبح، فانّ الظلم يقبح لكونه
ظلما، فيقبح من كلّ فاعل.
إذا تقرّرت هذه الجملة فاعلم، أنّ الناس قد
اختلفوا في إيلام الأطفال و البهائم، فذهبت البكريّة إلى أنّهم لا يألمون بالأمراض
و الأسقام. و قال غيرهم:
إنّهم يألمون. فاختلفوا، فقالت الثنويّة:
آلامهم قبيحة و فاعلها الظلمة. وقال غير الثنويّة: آلامهم حسنة، لوجه يقتضي حسنها.
ثمّ اختلفوا في ذلك الوجه، فقالت المجبّرة: إنّها حسنة، لأنّ فاعلها ليس تحت رسم،
لا أمر و لا نهي. و قال غيرهم: إنّها حسنت، لوجه يرجع إليها. ثمّ اختلفوا، فقالت
أصحاب التناسخ:
إنّها حسنة، لأنها مستحقّة على ذنوب
اقترفتها النفوس في هياكل سوى هذه الهياكل، ثمّ نقلت إلى هذه الهياكل و عوقبت
فيها. و قال شيوخ أهل العدل: انّ هذه الأمراض و الآلام، إنّما حسنت للنفع الموفي
عليها على تفصيل اختلفوا فيه ...
وينبغي أن نبيّن أنها حسنة، ثمّ نبيّن أنها
حسنت للنفع الموفي عليها على سبيل الجملة، ثمّ نتكلّم في تفصيل ذلك.
و الكلام في حسنها و وجه حسنها جملة أو
تفصيلا، يتفرّع على أنّ الأطفال و المجانين و البهائم يتألمون بالأمراض و غيرها. و
العلم بذلك ضروريّ، لأنّا نعلم باضطرار أنّا نتألّم بالأمراض و الأوجاع في حال
الطفوليّة قبل البلوغ، و كذا نعلم و كلّ عاقل ضرورة تألّم غيرنا من الأطفال
والمجانين و البهائم بالأمراض و الآلام التي لا تكون إلّا من قبله، و كذا نعلم
تألّم البهائم بالذبح الذي هو بإذنه وأمره تعالى، فمن ينكر ذلك كان جاحدا لما
يعلمه باضطرار.
إذا ثبت أنّ من ذكرناهم يتألّمون بالآلام و
الأمراض التي لا تكون إلّا من جهته تعالى فالدلالة على أنّها حسنة هي أنّها من
فعله تعالى، مع ما قد ثبت أنّه عزّ و جلّ لا يقبح بفعل القبيح و أنّ فعله لا يعرى
من القبح والحسن، لاستحالة التوهّم و السهو و الغفلة عليه.
والدليل على أنّ هذه الأمراض و الآلام من
فعله عزّ وجلّ، هو أنّه لو كانت من فعل غيره لكان ذلك الغير إمّا قديما أو
محدثا...
و نزيد هاهنا و نقول: الظلمة إنّما هي فقد
النور عمّا يقبل النور و ليست هي ذاتا حتّى ينسب إليها فعل. و على هذا إذا فقدنا
النور في الهواء لتصوّر فضاء مظلما. و لانّهم إنّما نسبوا الأمراض و الآلام إلى
الظلمة، لاعتقادهم أنّ الآلام كلّها قبيحة، و قد ... يكون الألم حسنا. فبطل ما
توصّلوا به إلى إسناد الإمراض إلى غيره تبارك و تعالى. و لا يجوز أن يضاف الإمراض
إلى فاعل محدث، لأنّ الفاعلين المحدثين على تفاوتهم و تفاضلهم في الاقتدار لا يصحّ
منهم امراض أحد ابتداء.
وبيان أنّ أفعاله تعالى لا تعرى عن الحسن و
القبح هو ... أنّه تعالى يستحيل عليه السهو و الغلط و الغفلة. و فعل الساهي هو
الذي يتصوّر أن يخلق عن الحسن والقبح.
فأمّا العالم الذاكر، فانّه لا يتصوّر في
أفعاله الخلوّ عن الحسن و القبح، لأنّه لا يخلو من أن يكون له غرض صحيح فيما يفعله
أو يكون له في ذلك غرض صحيح. إن كان القسم الأوّل كان فعله عبثا قبيحا، و إن كان
الثاني، و هو أن يكون له في فعله غرض صحيح، فأمّا أن ينتفي عنه وجوه القبح أو لا
تنتفي إن انتفى عنه جميع وجوه القبح كان حسنا بلا خلاف، و إن لم ينتف كان قبيحا.
وأمّا الكلام في وجه حسنها و أنّه هو النفع،
فهو ما قد ثبت أنّها لا تحسن إلّا لوجه، اذ لو لم يكن وجه يقتضي حسنا، لم تكن بأن
تحسن أولى من أن لا تحسن. و لا وجه من وجوه الحسن يمكن أن يقال إنّه ثابت في هذه
الأمراض و الآلام التي يفعلها تعالى في الدنيا إلّا النفع.
و إنّما قلنا ذلك، لأنّه لا يجوز أن يقال
إنّما حسنت لوقوعها على وجه المدافعة، لأنّ الطفل لم يقصد قتل أحد فيقال ذلك
المقصود بالقتل من جهة دفعه عن نفسه، فأدّى دفعه إلى مرضه و تألّمه به؛ و لأنّ
المؤلم بالمرض هو اللّه تعالى، و المنافع و المضارّ يستحيلان عليه تعالى.
و لا يجوز أن يكون وجه حسنها وقوعها بمجرى
العادة من حيث أنّ الطفل لو لم يمرض لم يسفر بذلك عادة، و لا يجوز أن يقال: إنّ
وجه حسنها إنّما هو كونها مستحقّة على ما قاله و ذهب إليه أصحاب التناسخ لما قد
بيّنا أنّ الحيّ الفاعل المكلّف المخاطب إنّما هو هذه الجملة المشاهدة، و ليس شيئا
فيها أو خارجا منها فيبطل قولهم انّ الفاعل هو شيء سوى الجملة ينتقل من جملة إلى
جملة اخرى، و أنّه لمّا كان في الجملة الأولى أو مصرفا لها أذنب و عصى في تكاليفه
التي كان عليه في ذلك الزمان فاستحقّ العقوبة فعوقب بالأمراض عند انتقاله إلى
الجملة الاخرى.
و ممّا يبطل قولهم بأنّه كان للمؤلمين
بالأمراض زمان تكليف آخر عصوا فيه، فاستحقّوا العقوبة بالأمراض و الأوجاع، سواء
قالوا إنّ المكلّف هو شيء سوى هذه الجملة أو هو هذه الجملة بعينها- أنّه لو كان
الأمر كما ذكروه لوجب أن يذكر أحدنا أنّه كان في جملة اخرى أو مدبرا لها أو أنّه
قبل نشوء هذا الجملة أو نموّها و بلوغها حدّ الكمال كان له حال كمال آخر كان فيها
خيرا أو شريرا أومتوسّطا بينهما خالطا لأحدهما بالآخر بسبب طول بقائه كامل العقل،
في ذلك الزمان و لكونه كاملا عاقلا الآن. فانّ الامور العظيمة المعتدّ بها المتصلة
الأزمان التي جرت على العاقل في حال عقله لا ينساها في حال اخرى هو فيها كامل
العقل.
وبيانه: أنّه لا يجوز أن يلي العاقل قضاء
بلدة أو إمارتها سنين كثيرة، ثم بعد انتقاله إلى بلدة اخرى ينسى ذلك كلّه، حتّى لا
يذكره بوجه، و لأنّ نسيها بالكليّة في ذكره يقدح في كمال عقله.
فإن قيل: إنّ أحدنا إنّما لا يذكر ذلك، و
ينساها لتخلّل الحالتين نقصان عقل.
قلنا: ما اشير إليه لا يمنع من الذكر بعد
كمال العقل. ألا ترى من وصفناه لو جنّ بعد ولادته تلك السنين المتطاولة ثمّ أفاق و
صحّ عقله و عاد عاقلا كما كان، لما جاز أن ينسى جميع ما كان فيه. و لو نسيه لحكم
عليه بأنّه ما أفاق و ما عاد عاقلا بعد.
و ممّا يبطل قولهم: أنّ الأمراض لو لم تكن
إلّا مستحقّة لكانت عقوبات، و في ذلك كون الأنبياء عليهم السلام معاقبين و أن يحسن
ذمّهم و لعنهم، لأنّ العقوبة آلام معقولة على وجه الذم واللعن.
و ممّا يردّ به عليهم:
إن قالوا: لا أوّل له بطل بما دللنا به على
حدوث العالم.
و إن قالوا له أوّل.
قلنا لهم: أو كان أوّل التكليف أمرا شاقّا
على المكلّف أو شيئا سهلا غير شاقّ؟
إن
قالوا: كان أمرا سهلا غير شاقّ.
قلنا: فلم عصى المكلّف مع علمه بوجوب الفعل
عليه و أنّه لا يشقّ عليه فعله.
فإن قالوا: لا جرم لم يعص أحد من المكلّفين
في ابتداء التكليف.
قلنا: فلم استحقّوا العقوبة عليه حتّى
عوقبوا بالتكاليف الشاقّة و الأمراض.
وإن قالوا: كان ابتداء التكليف تكليفا شاقّا
على ما هو عليه الآن.
قلنا لهم: فلم ابتدءوا بتكليف الشاقّ و لم
يستحقّوا ذلك؟ و على قاعدتهم لا يحسن تكليف الأمر الشاق إلّا عقوبة.
فإن قالوا بحسن تكليف الأمر الشاقّ، لا
للعقوبة، بل لتعريض المنافع و المصلحة.
قلنا لهم: فإلزام المشاقّ كإنزال الآلام و
الإمراض في العقل، فإن جاز أن يكلّفنا اللّه تبارك وتعالى الأمر الشاقّ علينا
تعريضا للنفع و المصلحة، جاز أن تنزل الآلام بنا تعريضا للنفع و المصلحة.
ويمكن إيراد هذا الإلزام عليهم مع تسليم
القول، جدلا، بأنّ التكاليف الماضية لا أوّل لها، بأن يقال لهم: هل فيما مضى من
التكاليف تكليف سهل أو ليس فيها تكليف سهل؟
إن قالوا فيها تكليف سهل.
قلنا لهم: فلم عصى المكلّف فيه مع علمه
بوجوب الواجب عليه و قبح القبيح منه، و مع علمه بأنّه لا مشقّة عليه، فيما كلّفه
إقداما و إحجاما. و كان ينبغي أن يكون التكاليف بعده كلّها سهلة وإن لم يكن فيها
تكليف سهل، فقد كلّف الانسان تكليفا صعبا من غير أن يكون ذلك عقوبة على معصية في
تكليف.
قال الشيوخ: و لا يجوز أن يكون وجه حسن
إمراض اللّه تعالى الحيوان دفع المضارّ عنهم، لأنّ الإيلام إنّما يحسن لدفع
المضرّة إذا لم يكن دفعها إلّا بالإيلام.
واللّه تعالى قادر على دفع كلّ ضرر من
الحيوان من دون أن يؤلمه و يمرضه فلا يحسن منه الإيلام لدفع المضرّة.
قالوا: و إن كان الضرر المدفوع من مقدوره
تعالى كالعقاب، فانّه لا يحسن منه تعالى إيلام المكلّف لدفع ذلك الضرر من وجه آخر،
و هو أنّ الايلام لدفع الضرر إنّما يحسن إذا كان الضرر، المدفوع من قبل غير
المؤلم، فأمّا إذا كان من مقدوره فانّه لا يحسن منه إيلامه لدفع ذلك الضرر.
وجعلوا هذا وجها آخر في قبح إيلامه تعالى
العبد ليدفع عنه بذلك الايلام ضرر العقاب.
على ما يتراءى لي ليس هذا الذي ذكروه ثانيا،
وجها زائدا على ما ذكروه أوّلا من جهة المعنى، و ذلك لأنّه لا وجه لقبح الإيلام
لدفع الضرر مهما كان الدافع و المدفوع جميعا من قبل فاعل واحد إن سلّمنا قبح ذلك
الأمر، حيث أنّهما إذا كانا من قبل فاعل واحد، فانّه يمكن ذلك الفاعل أن لا يفعل
الضرر الذي فرضناه مدفوعا من دون هذا الألم، و لا يعقل وجه آخر يؤثّر في قبح الألم
الموصوف.
وهذا على ما ترى يرجع إلى الوجه الأوّل، وهو
أنّ الإيلام إنّما يحسن لدفع الضرر إذا لم يمكن دفعه إلّا بالإيلام.
وقد اعترضت أنا على هذه الجملة في مسألة
الأعواض التي أمليتها بأن قلت: كما لا يحسن الإيلام لمجرّد دفع الضرر إلّا إذا لم
يمكن دفع الضرر إلّا بالإيلام فكذلك لا يحسن الإيلام بمجرّد النفع إلّا إذا لم
يمكن أولا يحسن إيصال ذلك النفع إلّا بالإيلام. وهذا يوجب أن لا يحسن من اللّه
تعالى إمراض العبد للنفع الذي هو العوض من حيت أنّه يمكنه تعالى و يحسن منه إيصال
مثل ذلك النفع إلى العبد من دون إيلام و إمراض.
قلت: فإن قالوا: انّ اللّه تعالى لا يولم
بمجرّد العوض و إنّما يولم للمصلحة ليخرج الألم بها من كونه عبثا و يعوّض عليه
ليخرج بالعوض من كونه ظلما.
قلنا: و كذلك من يجوّز إيلام اللّه تعالى
العبد لدفع الضرر، فانّه لا يجوّز أن يلومه لمجرّد دفع ضرر العقاب، بل إنّما يولمه
كما قلتم للمصلحة ليخرج بها من كونه عبثا و يدفع عنه من عقابه المستحقّ شيئا عظيما
بأن يعفوه من ذلك الضرر العظيم ليخرج إيلامه بذلك من كونه ظلما كما قلتم حذو النعل
بالنعل.
وأوردت على نفسي أسئلة من ذلك، فأجبت عنها و
أيّدت ما ذكرته بالأخبار الواردة في معناه، وذكرت أنّ هذا إنما اجوزه فيمن يستحق
العقاب و لا يمنع من إسقاط عقابه مانع، و ذكرت فيها زوائد و تفاصيل في هذا الباب.
فمن أرادها فليطالع تلك المسألة، ليطلّع على
المقصود منها، و أوردت فيها جواز أن يؤلم تعالى شخصا ليدفع عنه بذلك الألم ضررا
أعظم منه بكثير، كأن يوصله إليه غيره تعالى لو لا ذلك الإيلام، إذا كان في إيلامه
صلاح لبعض المكلّفين.
وتحقيق القول فيه: أنّه إنّما يجوز أن يؤلمه
تعالى، لاستصلاح المكلّف الذي تعلّقت مصلحته بإيلامه و بأن يكون ذلك هو الغرض
الأصليّ، و به يخرج الألم من كونه عبثا، و لكنّ الذي يخرجه من كونه ظلما يكون دفعه
تعالى ضرر الغير عنه بذلك الإيلام، و قلت إن حسن الإيلام لدفع مثل هذا الضرر وجه
يستوي فيه من يستحقّ العقاب و من لا يستحقّه.
فإذا بطل أن يكون إيلام الأطفال حسنا، لشيء
من الوجوه إلّا النفع أو دفع الضرر الذي ليس هو عقابا- على ما أشرت إليه و أحلت
شرحه على مسألة الأعواض- ثبت أنّه مفعول لهما أو لأحدهما، و لذلك يقع إيلامهم
حسنا.
فأمّا إيلام اللّه تعالى المذنبين وإمراضهم
فمن الجائز أن يكون مفعوله على طريق العقوبة، فيكون وجه حسنهما الاستحقاق، على ما
ذكره جماعة من المحقّقين.
فإن قيل: العقوبة تستحق على وجه الاستخفاف و
الإهانة و يكون معها الذمّ و اللعن، و هذا أمر ممنوع منه في المرض، صالحا كان
المريض أو فاسقا.
قلنا: إيلام المعاقب و ذمّه و لعنه حقّان له
تعالى، فيجوز أن يفعلهما و يجوز أن يفعل أحدهما على ما يختاره فبأن لا نعلمه ذامّا
للمريض لاعنا له في حال مرضه و لا يرخّص لنا في ذمّه ولعنه لا يمكن القطع على أنّ
مرضه ليس عقوبة له إذا كان فاسقا.
ثم ومن الجائز أن يذمّه اللّه تعالى و
يلعنه، أو يذمّه الملائكة و تلعنه و نحن لا نطّلع على ذلك.
وليس لأحد أن يقول: لو لعنه تبارك و تعالى
أو لعنته الملائكة، لما منعنا من الذمّ له و اللعن عليه. وذلك لأنّه لا يمتنع أن
يتعلّق صلاحنا بأن لا نذمّهم، و لذلك منعنا منه، قال اللّه تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي
غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا
أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ
عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ}
[الأنعام: 93] ،
وقوله تعالى:{وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ
كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [الأنفال: 50] ومعلوم أنّ الملائكة إنّما تفعل بهم ذلك في
تلك الحال استخفافا بهم و إهانة، ولا يطلع على ذلك من يحضرهم من البشر.
وكما أنّ هذا جائز في إمراض المذنبين، فمن
الجائز أيضا أن يكون إيلام المذنب لاستصلاحه أو لاستصلاح غيره من المكلّفين و
يعوّضه اللّه تعالى عن إيلامه، بمنافع. فأمّا غير المذنبين، فلا شكّ في أنّهم لا
يؤلمون للعقوبة، و إنّما يؤلمون لما في إيلامهم من مصلحة بعض المكلّفين ويعوّضهم
اللّه تعالى عن إيلامهم بما يخرج إيلامهم من كونه ظلما.
ولمّا قلنا: إنّ الإيلام يحصل للنفع، فاعلم
أنّ النفع قد يكون عوضا، و هو النفع المستحقّ في مقابلة الآلام لا على وجه التعظيم
و الاجلال، و قد يكون لطفا، و هو ما عنده يطيع المكلّف ، ولولاه لم يطع مع تمكّنه
في الحال ...
و اختلف الشيوخ في أنّه هل يجب أن يجتمع في
الإمراض اللطف و العوض؟ أو يجوز أن ينفرد أحدهما من الآخر؟
فقال أبو هاشم: لا يحسن المرض، إلّا إذا كان
فيه عوض موف ليخرج عن كونه ظلما و لطف للمؤلم أو لغيره ليخرج من كونه عبثا.
و قال أبو عليّ يحسن فيه المرض بالعوض و إن
لم يكن لطفا.
و قال بعض العلماء: إن الألم يحسن إذا كان
فيه لطف للمؤلم، و إن لم يكن له فيه عوض.
واستدلّ أبو هاشم بأن قال: لو لم يكن في
الألم الّا العوض دون اللطف، لكان الغرض به نفع المؤلم بالعوض فقط. و هذا الغرض
يمكن و يحسن الوصول إليه من دون الألم، و الإيلام لأجله يكون عبثا، لأنّه يكون
إيصال الألم إلى الغير لغرض يمكن و يحسن الوصول إليه من دون الألم. وذلك لأنّه لا
قدر من المنافع إلّا و اللّه تعالى قادر على أن يدمنه، و يحسن منه التفضّل به، إذ
لا مقتضي لحسن التفضّل ببعضه دون بعض.
فلو آلم اللّه تعالى المؤلم للعوض فقط، جرى
مجرى من استأجر أجيرا، ليغترف الماء من الفرات و يصبّه في الفرات أيضا، لا لغرض
سوى نفع الأجير بالأجرة. ...
فوجب أن يكون في الألم لطف لا يحصل من دونه
ليتنزّل منزلة من استأجر أجيرا باجرة مثله ليستقي الماء من الفرات فيصبّه في إناء
لمقعد في أنّه بالاجرة يخرج من كونه ظلما و بنفع المقعد من كونه عبثا.
فإن قيل: إنّما يقبح من أحدنا استعمال الأجير
فيما لا يكون له غرض، سوى نفع الأجير بالأجرة، لا لانّه عبث، بل لأنّه فوّت نفسه
الشكر و المدح اللذين كان يستحقّهما لو نفعه ذلك النفع من دون تحميله تلك المشقّة.
قلنا: لو كان تفويت الشكر و المدح قبيحا،
لوجب فيمن يمكنه أن يتفضّل على غيره إذا لم يتفضّل عليه أن يستحقّ الذمّ، لأنّه
فوّت نفسه الشكر و المدح اللذين كان يستحقّهما لو تفضّل عليه. و هذا يوجب أن
يستحقّ أكثر الناس الذمّ، لقدرتهم على التفضّل على الغير ممّا يتسرّ لهم، مع أنّهم
لم يفضّلوا به عليه، و أن يستحقّ- تعالى عن ذلك علوّا كبيرا- الذمّ من حيث أنّه لم
يتفضّل على خلقه بجميع ما في مقدوره.
ثمّ نقول: و ليس في هذا السؤال نصرة لمذهب
أبي عليّ، إذ فيه لزوم أن يقبح منه تعالى الإيلام لمجرّد العوض لثبوت هذا الوجه
فيه، و هو تفويت الشكر و المدح. و ذلك إبطال لمذهبه، لا نصرته و تصحيحه.
فإن قيل: تقويت الشكر و المدح إنّما كان
يلزم لو أمكن إيصال ذلك النفع على ذلك الوجه إلى المؤلم من دون ألم. و لكن ذلك غير
ممكن، لأنّ النفع المستحقّ الذي له المزيّة على المتفضّل به من عند أبي عليّ لا
يمكن إيصاله من دون ألم.
قلنا: فعلى هذا يلزم حسن ما قد علمنا قبحه
من استعمال الأجير فيما لا يحصل فيه غرض سوى نفعه بالاجرة، لمثل ما ذكره السائل. وهو
أنّ ذلك النفع المستحقّ لا يمكن إيصاله إليه من دون ذلك الاستيجار.
فإن قيل: يمكن إيصاله من دون ذلك الاستيجار
بأن يستأجر فيما يحصل فيه غرض صحيح، نحو انتفاع المستأجر أو غيره بعمله.
... لو فرضنا أن لا ينتفع الذي استأجره
بعلمه بوجه من الوجوه بأن لا يكون له حاجة إلى عمله أصلا و البتة، و فرضنا أيضا أن
لا يكون هناك غيرهما حتّى نقدّر انتفاعه بعلمه لوجب أن يحسن منه ذلك الاستيجار و
لا يقبح، لارتفاع الخيال الذي ذكره من أنّ استيجارا آخر يقوم مقام ذلك الاستيجار بل
كان يلزم أن يكون مثل ذلك الاستيجار من أحدنا أحسن لظهور مزيّة ما يستحقّ علينا
على ما يتفضّل به بالاتفاق.
فأمّا أبو عليّ فانّه يستدلّ به بأن يقول:
الألم إذا فعل للعوض فقد فعل لغرض لا سبيل إليه إلّا بالألم. و ذلك لأنّه توصّل
إلى نفع يستحقّ. فلو لم يفعل الألم، لم يكن النفع مستحقّا، و النفع المستحقّ له
مزية في النفس ليست للتفضّل به. ألا ترى أنّ لمائة دينار مستحقة في النفس لمائة
متفضّل بها.
وأبو هاشم يجيب عن ذلك بأنّ النفع المستحقّ
انّما يكون أوقع من المتفضّل به إذا كان من جهة من يؤنف من تفضّله. فأمّا من لا
يؤنف من تفضّله فلا مزيّة لما يستحقّ منه على ما يتفضّل به.
و بيان ذلك أنّه لا مزيّة لما يستحقّه بعض
الأجراء على السلطان على ما يتفضّل به عليه، فاللّه تعالى بهذا الحكم أولى.
ثمّ و إن كان المستحقّ من العظماء من النفع
مزيّة فهي يسيرة لا يتساوى أحوال العقلاء و كلّهم في احتيار الآلام العظيمة
لأجلها.
فأمّا
الإيلام لمجرّد حصول المصلحة فيه، فإن كانت المصلحة الحاصلة فيه لغير المؤلم فانّه
لا يحسن بالاتفاق من حيث أنّه لا يحسن إيلام زيد لينتفع عمرو و لا ينتفع زيد أصلا.
و إن كانت المصلحة الحاصلة فيه للمؤلم نفسه، كأن يعلم تعالى أنّ زيدا يعصي و
يستحقّ العقاب، فإن أمرضه اختار الطاعة فلم يستحقّ العقاب و استحق الثواب. فعند
الشيخين أبي عليّ و أبي هاشم أنّه لا يحسن إيلامه لمجرّد ذلك، بل يجب أن يعوّضه
على الألم، لأنّ الألم الذي لا يكون مستحقّا لا بدّ من أن يكون في مقابلته نفع أو
دفع ضرر، و الثواب المستحقّ على الطاعة التي الألم لطف فيها إنّما هو في مقابلة
الطاعة. ألا ترى أنّه يستحقّ عليها و لو أطاع من دون ألم فيحصل الألم متجرّدا من
نفع أو دفع ضرر و استحقاق ذلك قبيح.
و استدلّ من أجاز إيلام المكلّف لمصلحة من
دون عوض: بأنّ الألم يحسن لنفع مقابله و يحسن لنفع يقابل لما يؤدّي إليه الألم.
ألا ترى أنّه كما يحسن من الإنسان أن يتحمّل المشقّة في البيع والشرى لربح يقابله،
فكذلك يحسن أن يتعب نفسه بالسفر، لأنّه يؤدّي إلى بيع متاع في بلد يربح عليه و إن
لم يكن الربح مقابلا لتعبه في السفر، لأنّه مقابل لبيع المتاع و إخراجه من ملكه.
فإذا قيل له: الثواب يكون مستحقّا بطريق
التعظيم و التبجيل، و ذلك لا يستحقّ الّا بما يفعله المكلّف من الطاعة، فكيف يجعل
في مقابلة الألم الذي فعل به، و ليس هو من فعله، و استحقاق التعظيم و المدح بطريق
المجازاة إنّما يحصل بما يكون من جهة المستحق لذلك إقداما و إحجاما. فأمّا ما
يستحقّه المؤلم بما فعل به من الألم، فانّه يجري مجرى أرش الجناية و قيمة المتلف
في خلوّه من التعظيم و التبجيل. و على هذا فانّه لو أتى المكلّف بالطاعة من دون
ذلك الألم الذي فرضناه لطفا له يستحقّ ذلك الثواب، فانكشف أنّ الثواب مستحقّ في
مقابلة الملطوف فيه، فيبقى الألم خاليا مما يقابله من نفع أو دفع ضرر، فيكون ظلما.
أمكنه
أن يقول: الأمر و إن كان على ما ذكر في السؤال، فليس الألم، الذي هو لطف له في
الطاعة التي استحقّ بها ما استحقّ من الثواب هو الذي أراه إلى ذلك، فلولاه لما
اختار به ما استحقّ ذلك الثواب، فصار الثواب كأنّه حصل بذلك الألم. كما أنّ الربح
الحاصل في بيع المتاع في بلد، كأنّه حاصل في تحمله التعب بالسفر الذي أدّاه إلى
ذلك و لم يعدّه أحد من العقلاء تحمّله التعب بالسفر خاليا من نفع و فائدة بسبب أنّ
النفع بالربح حصل ببيع المتاع.
و يمكنه أيضا أن يقول: إذا كان المكلّف
إنّما يطيع عند الألم ولو لاه لم يطع، و كأنّه الذي أخرج نفسه إلى الألم، و كأنّه
الذي آلم نفسه، و لا شكّ في أنّه إذا كان المؤلم هو الذي أخرج نفسه إلى الإيلام،
فإنه لا يستحقّ عوضا على الألم.
فهذه الجملة غاية ما يمكن أن ينصر به هذا
المذهب فليحسن تأمّلها، و يعتقد ما ينكشف بالنظر الصحيح. و قد انكشف و صحّ بجميع
ما بيّناه أنّ الآلام التي ليست مستحقة قد تحسن للنفع و غيره من الوجوه ... و بطل
بذلك مذهب البكريّة و التناسخيّة.
فإنّ قيل: الإيلام للنفع إنّما يحسن إذا
اختار المؤلم ذلك، فأمّا إذا لم يختره فانّه لا يحسن و اللّه تعالى يؤلم المكلّفين
و غيرهم من الأطفال و البهائم و سائر الحيوانات من غير أن يختاروا ذلك، فيجب أن لا
يحسن إيلامهم، كما لا يحسن أن يستعمل أحدنا أجيرا و يوفّيه اجرته من غير اختياره.
قال: إنّما لا يحسن منّا استعمال الاجير
إلّا بأن يختار ذلك و يظهر بلسانه اختياره له، لأنّا لا نعلم رضاه لذلك و اختياره
له بقلبه. و الحال فيه تعالى بخلاف ذلك. لأنّه عزّ و جلّ لا يؤلم أحدا غير مستحقّ
للألم إلّا وقد علم أنّه لو أطلعه على مقدار العوض الذي ضمنه له في مقابلة إيلامه
وخيّره بين أن يؤلمه و يعطيه ذلك العوض و بين أن لا يؤلمه، فيفوته تلك المنافع
لاختار الألم ليحصل له العوض، و هذا آكد من أن يتلفّظ المؤلم باختياره.
و بعد فانّما يعتبر باختيار الأجير و إظهاره
الرضا بما يعيّنه من الاجرة من حيث انّ الأمر فيما يعطيه من الاجرة مشتبه، فمن
العقلاء من يختار تحمّل تلك المشاقّ لمثل تلك الاجرة، و منهم من لا يختاره بل يؤثر
الرفاهيّة و الدعة. و ليس كذلك العوض المستحقّ على اللّه تعالى، لأنّه يزيد على
الألم زيادة عظيمة لا يشتبه الحال فيه، بل يختار جميع العقلاء تحمّل مثل تلك الآلام
لمثل تلك الأعواض، فلا معنى لاعتبار اختيار المؤلم. و يجري ذلك مجرى من قيل له:
«قم من مكانك وخذ مائة ألف دينار». ولا وصمة عليه في القيام من مكانه، فانّ
العقلاء يتساوون في اختياره ذلك. و من لم يختره من الناس يستدلّ بذلك على اختلال
عقله فلنا أن نلي عليه ونكرهه على القيام، كما نلي على جميع الصبيان و المجانين،
فنكرههم على مصالحهم.
فإن قيل: إنّما يحسن الألم للنفع إذا لم
يمكن الوصول إلى النفع أو لا يحسن إلّا بالإيلام ألا ترى أنّه لا يحسن منّا السفر
وإتعاب النفس فيه طلبا للأرباح التي يمكننا الظفر بها في بلادنا. و إنّما يحسن ذلك
منا إذا أعوزتنا تلك الأرباح في أوطاننا، و اللّه تعالى قادر على نفعنا بمقدار
العوض من غير ألم، فلم يحسن الألم منه لنفع العوض.
قلنا: أمّا على مذهب أبي عليّ، فانّه لا يرد
هذا السؤال. و ذلك لأنّ النفع المستحقّ هو العوض الذي يستبدّ بمزيّة دون التفضّل
به لا يمكن إيصاله إلى المؤلم من غير ألم، فالسؤال ساقط على مذهبه.
فأمّا على مذهب أبي هاشم، فانّه عزّ وجلّ لا
يفعل الألم للعوض فقط، و إنّما يفعله للطف ليخرج باعتباره عن كونه عبثا، و يعوّضه
عن الألم ليخرج بالعوض من كونه ظلما. و على مذهب غيره الذي حكينا مذهبه إنما يفعل
الألم الذي كون فيه لطف للمؤلم. فعلى هذين المذهبين اللطف معتبر فيما يفعله تعالى
من الألم، و ذلك اللطف لا يحصل إذا لم يفعل ذلك الألم أو ما يقوم مقامه.
فإن قيل: فما تقولون إذا كان في المقدور ما
يقوم مقام ذلك الألم في اللطف و لا يكون ألما، بل يكون لذّة أو لا يكون لذّة و لا
ألما: أكان يحسن منه تعالى العدول ممّا يقوم مقام الألم في اللطف ممّا وصفناه إلى
الألم و تحصيل اللطف به مع ضمانه العوض في مقابلة الألم أم ما كان يحسن ذلك؟.
قلنا: هذا ممّا اختلف فيه العلماء، فمذهب
أبي هاشم أنّه يجوز أن يفعل تعالى الألم و يعدل عمّا يقوم مقامه ممّا هو لذّة أو
ليس بألم و لا لذّة.
قال: لأنّ الألم بالعوض الموفي صار كأنّه
منفعة فيصير مساويا للذة في كونها منفعة و يصير اللطف كأنّه حاصل بكلّ واحدة من
لذّتين، فأيّهما فعل جاز و حسن.
قال: فلا فرق بين أن يلطف اللّه تعالى بفعل
اللذّة و بين أن يلطف بألم صار بالعوض كأنّه لذّة.
وذهب قوم من البغداديّين إلى خلاف ذلك و لم
يجوّزوا أن يلطف اللّه تعالى بالألم و الحال ما وصفناه.
واختار أبو الحسين البصريّ هذا المذهب ونصره.
قال: و الدليل على صحّة ذلك ما قد ثبت أنّ الألم الذي ليس بمستحقّ لا يحسن إلّا
لغرض لا يحصل من دونه. فامّا إن حصل من دونه، أي إن أمكن حصوله من دونه، فانّه قد
يكون عبثا، ولهذا منعنا من فعل الألم للعوض فقط لمّا أمكن الوصول إلى ذلك النفع
من دون الألم. فإذا كان الغرض بالألم النفع باللطف والعوض وأمكن الوصول إليهما من
دونه، كان فعله عبثا. ألا ترى أنّه كما يمكن ويحسن أن يتفضّل اللّه تعالى بذلك
القدر من المنافع من دون ألم ، كذلك يمكنه تحصيل اللطف بفعل اللذّة، أو ما ليس
بألم ولا لذّة، فقد أمكن الوصول إلى المنفعة واللطف جميعا من دون الألم.
وأجاب عن قول أبي هاشم: «إن الألم بالعوض قد
خرج عن حكم الألم و صار كأنّه منفعة»، بأن قال: هذا يقتضي حسن فعل الألم للعوض
فقط، لأنّه خرج بالعوض من حكم الألم و صار كأنّه لذّة فكما يجوز فعل المنفعة و
اللذّة من دون أن يكون مصلحة وجب أن يجوز فعل الألم للعوض من دون أن يكون فيه
مصلحة.
قال: و يلزمه جواز إتعابنا أنفسنا في
الأسفار، لطلب الأرباح و إن أمكننا أن نربح ذلك المقدار من الربح في بلادنا وأوطاننا،
لأنّ على هذا المذهب قد صار إتعابنا أنفسنا في حكم اللذّة بالربح الموفي.
قال: وهذا يدلّ على أنّ الألم إنّما يصير في
حكم اللّذة بالعوض الموفي إذا لم يمكن الوصول إلى الغرض المطلوب بالألم إلّا به.
فأمّا أن يصير بالعوض في حكم اللذة على الإطلاق فلا.
ونصر سيّدنا المرتضى، قدّس اللّه روحه- مذهب
أبي هاشم، و قال: «الألم إذا كان فيه لطف و عوض موف فانّه لا يقبح، لقيام اللذّة
أو ما ليس ألما و لا لذّة مقامه في اللطف، كان الفعل إذا حصل فيه غرض المثل، و
انتفى عنه وجوه القبح حسن و بأن يقوم غيره مقامه في ذلك الغرض لا يقبح و لا يصير
عبثا.
ولو
لا صحّة ما ذكرناه للزم قبح كلّ فعلين يمكن التوصّل بكلّ واحد منهما إلى الغرض
الذي يتوصّل بالآخر إليه، ألمين كانا او لذّتين أو لا ألمين ولا لذتين، بأن يقال:
يمكن التوصّل إلى ذلك الغرض من دون هذا، لقيام ذلك مقامه، وكذا يمكن التوصّل إليه
من دون ذلك، لقيام هذا مقامه.
ولأنّ
هذا معلوم مقرّر عند العقلاء. ألا ترى أنّ أحدنا إذا كان جائعا وهو ممّن يشبع
برغيف واحد، و بين يديه رغيفان متساويان في الطعم و المقدار و الصفا و جودة الخبز،
فانّه إذا تناول أحدهما لا يذمّه عاقل و لا يعدّه عابثا، بسبب أنّ الرغيف الذي لم
يتناوله يقوم مقام الذي تناوله في غرضه.
فإن
قيل: ما حكمنا بقبح الألم في الصورة التي فرضناها. لمجرّد قيام غيره، ممّا هو لذّة
أو ليس بألم و لا لذّة، مقامه في اللطف و الاستصلاح حتّى تجيبوا ما ذكرتموه، وإنّما
حكمنا بقبحه من حيث أنّ فاعله يكون متوصّلا بالألم إلى غرض يمكنه التوصّل إليه من
دون الألم، و هذا الوجه لا يثبت في الفعلين إذا كانا جميعا لذّتين أو ألمين أولا
ألمين و لا لذّتين، إذا لوجه المقبّح إنّما هو قيام غير الألم مقامه في الغرض
المطلوب.
قال- قدّس اللّه روحه- في الجواب: «الألم
بما تضمّنه من العوض الموفي صار كأنّه ليس بألم، بل صار كأنّه لذّة و منفعة في
الخروج من كونه ظلما، فيصير الألم ما يقوم مقامه، و الحال ما وصفناه، كأنّهما
لذّتان أو فعلان ليسا بألمين و لا لذّتين، يبيّن ما ذكرناه أنّ الألم الموصوف لو
قبح لم يخل وجه قبحه من أن يكون كونه ظلما أو كونه عبثا، إذ لا يعقل فيه وجه قبح
آخر، و لا يصحّ أن يدّعى كونه ظلما و أنّه إنّما قبح لذلك، لأنّه بما تضمّنه من
العوض الموفي خرج عن كونه ظلما؛ و لا أن يدّعى أنّه عبث و أنّه يقبح لذلك، من حيث
أنّ فيه لطف المكلّف استصلاحه، وذلك غرض صحيح و هو غرض المثل. وبيّنا أنّ قيام
غيره مقامه في ذلك الغرض لا يوجب أن يكون عبثا و لا قبيحا.
وإذا لم يكن ظلما و لا عبثا وجب أن لا
يقبح، لأنّه لا يعقل فيه وجه قبح آخر.
وأمّا قول الشيخ أبي الحسين: «لو كان الألم
بالعوض قد خرج من حكم الألم و صار كأنّه منفعة، لوجب أن يحسن فعل الألم للعوض فقط
من دون أن يكون فيه لطف كما يحسن فعل اللذّة و النفع من دون أن يكون فيه لطف، و
للزم جواز إتعابنا أنفسنا في الأسفار لطلب الأرباح و إن أمكن أن نربح مثل ذلك في
أوطاننا».
فانّه يمكن أن يقال عليه: السيد لا يقول ولا
أحد ممّن ينصر مذهب أبي هاشم: إنّ الألم بالعوض صار كأنّه لذّة و نفع مطلقا و من
كلّ وجه، بل في خروجه من كونه ظلما يجري مجراه فحسب. فلا يلزم على هذا حسن الألم
لمجرّد العوض، لأنّ الألم قد يقبح، لا لكونه ظلما، بل لكونه عبثا أو مفسدة.
فإن اعيد القول بأنّه إذا قامت اللذّة مقام
الألم في اللطف و المصلحة، أو قام ما ليس بألم و لا لذّة مقامه في ذلك كان الألم
عبثا، كان الجواب عنه ما سبق، من أنّ الفعل لا يصير عبثا بأن يقوم غيره مقامه في
الغرض المقصود منه على ما بيّناه، و إنّما كان يلزم عبثيّة الألم أن لو أمكن
استصلاح المكلّف و تحصيل لطفه من غير الألم و ما يقوم مقامه. فحينئذ كان يقبح
استصلاحه بفعل ما، أيّ فعل كان، ألما كان أو غير ألم، لكونه عبثا. فأمّا إذا لم
يمكن استصلاحه إلّا بفعل إمّا ألم أو لذّة أو ما ليس بألم و لا لذّة، فانّه لا
يقتضي أن يكون استصلاحه بالألم عبثا.
فإن قيل: لو حسن أن يولم اللّه تعالى لنفع
المولم، لحسن من الواحد منّا أن يؤلم غيره و يعوّضه على ذلك بمنافع.
قلنا: أمّا أبو عليّ، فانّه لا يلزمه هذا
السؤال، لأنّه يذهب إلى أنّه إنّما يحسن أن يولم اللّه تعالى العبد لعوض دائم إذا
لم يستحقّ العبد الإيلام فلا يلزم ما تضمّنه السؤال، لأنّ أحدنا لا يقدر على أعواض
دائمة.
وأمّا
من يقول بأن العوض غير دائم و إن استحقّ عليه تعالى، فانّه يجيب عن السؤال بأن
يقول: إن كان الالم دون قطع الاعضاء و إيلامها و هتك الحرمة و غيرها ممّا يشتبه
الحال فيه في اختيار جميع العقلاء تحمّل مثل ذلك الألم لمثل ما يجعل في مقابلته من
العوض و النفع بأن يكون بحيث لا يشتبه على عاقل أنّ جميع العقلاء يختارون تحمّل
مثل ذلك الألم لمثل ذلك العوض، فانّ إيلام أحدنا غيره هذا الضرب من الألم لمثل العوض
الذي وصفناه لا يكون ظلما، ولكن يكون عبثا فلا يحسن لذلك.
و إنّما قلنا إنّه يكون عبثا من حيث إنّه
يمكن إيصال تلك المنافع إلى الغير و يحسن من دون ذلك الألم و لا ما يقوم مقامه. و
ليس له في ذلك غرض آخر، فانّ غرضنا أنّه علم أو غلب على ظنّه أنّه إذا ضرب مثلا
غيره بالعصا عدّة ضربات ضربا خفيفا انزجر بها ابنه و اتّعظ و لا ينزجر إلّا بذلك و
لم يكن المضروب ممّن له وجاهة و حرمة عند الناس، فانّه يحسن عقلا منه إيلام ذلك
الغير إذا جعل في مقابلة إيلامه من العوض و النفع ما يرضى به ذلك الغير او يبلغ
الذي يجعله في مقابلة إيلامه إيّاه من العوض و النفع حدّا في الكثرة يعلم أنّ جميع
العقلاء يختارون تحمّل مثل ذلك الألم لمثل تلك الأعواض و المنافع، فانّ ذلك الألم
يخرج عن كونه عبثا و يحسن عقلا، لأنّه يكون قد خرج عن كونه ظلما بالنفع الموفي
الذي وصفناه و خرج بالفائدة المذكورة من كونه عبثا. فان جاء الشرع بالمنع من ذلك
فذلك قبيح شرعيّ، لا عقليّ و إن كان الألم شيئا عظيما، كقطع بعض الأعضاء، فانّه لا
يحسن ذلك، لأنّ العوض الذي جعله في مقابلة إيلامه ذلك، و إن عظم و بلغ في الكثرة
كلّ مبلغ يصل إليه، و ليس له ذلك العوض من اليد أو الرجل أو غيرهما، فالعقلاء غير
متساويين في اختيار قطع أيديهم أو أرجلهم أو غيرهما من الأعضاء ليصلوا إلى ملك
عظيم، وهم في ذلك الملك بلا يد أو رجل.
وهذا بخلاف ما يفعله تعالى، لأنّه جلّ جلاله
يوصل الأعواض في الآخرة إلى من آلمه في الدنيا و هو في حال وصول العوض إليه كامل
البينة غير منقوص نقصانا يورثه التبعيض .