التوحيد
النظر و المعرفة
اثبات وجود الله تعالى و وحدانيته
صفات الله تعالى
الصفات الثبوتية
القدرة و الاختيار
العلم و الحكمة
الحياة و الادراك
الارادة
السمع و البصر
التكلم و الصدق
الأزلية و الأبدية
الصفات الجلالية ( السلبية )
الصفات - مواضيع عامة
معنى التوحيد و مراتبه
العدل
البداء
التكليف
الجبر و التفويض
الحسن و القبح
القضاء و القدر
اللطف الالهي
مواضيع عامة
النبوة
اثبات النبوة
الانبياء
العصمة
الغرض من بعثة الانبياء
المعجزة
صفات النبي
النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
الامامة
الامامة تعريفها ووجوبها وشرائطها
صفات الأئمة وفضائلهم
العصمة
امامة الامام علي عليه السلام
إمامة الأئمة الأثني عشر
الأمام المهدي عجل الله فرجه الشريف
الرجعة
المعاد
تعريف المعاد و الدليل عليه
المعاد الجسماني
الموت و القبر و البرزخ
القيامة
الثواب و العقاب
الجنة و النار
الشفاعة
التوبة
فرق و أديان
علم الملل و النحل ومصنفاته
علل تكون الفرق و المذاهب
الفرق بين الفرق
الشيعة الاثنا عشرية
أهل السنة و الجماعة
أهل الحديث و الحشوية
الخوارج
المعتزلة
الزيدية
الاشاعرة
الاسماعيلية
الاباضية
القدرية
المرجئة
الماتريدية
الظاهرية
الجبرية
المفوضة
المجسمة
الجهمية
الصوفية
الكرامية
الغلو
الدروز
القاديانيّة
الشيخية
النصيرية
الحنابلة
السلفية
الوهابية
شبهات و ردود
التوحيـــــــد
العـــــــدل
النبـــــــوة
الامامـــــــة
المعـــاد
القرآن الكريم
الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)
الزهراء (عليها السلام)
الامام الحسين (عليه السلام) و كربلاء
الامام المهدي (عليه السلام)
إمامة الائمـــــــة الاثني عشر
العصمـــــــة
الغلـــــــو
التقية
الشفاعة والدعاء والتوسل والاستغاثة
الاسلام والمسلمين
الشيعة والتشيع
اديان و مذاهب و فرق
الصحابة
ابو بكر و عمر و عثمان و مشروعية خلافتهم
نساء النبي (صلى الله عليه واله و سلم)
البكاء على الميت و احياء ذكرى الصاحين
التبرك و الزيارة و البناء على القبور
الفقه
سيرة و تاريخ
مواضيع عامة
مقالات عقائدية
مصطلحات عقائدية
أسئلة وأجوبة عقائدية
التوحيد
اثبات الصانع ونفي الشريك عنه
اسماء وصفات الباري تعالى
التجسيم والتشبيه
النظر والمعرفة
رؤية الله تعالى
مواضيع عامة
النبوة والأنبياء
الإمامة
العدل الإلهي
المعاد
القرآن الكريم
القرآن
آيات القرآن العقائدية
تحريف القرآن
النبي محمد صلى الله عليه وآله
فاطمة الزهراء عليها السلام
الاسلام والمسلمين
الصحابة
الأئمة الإثنا عشر
الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
أدلة إمامة إمير المؤمنين
الإمام الحسن عليه السلام
الإمام الحسين عليه السلام
الإمام السجاد عليه السلام
الإمام الباقر عليه السلام
الإمام الصادق عليه السلام
الإمام الكاظم عليه السلام
الإمام الرضا عليه السلام
الإمام الجواد عليه السلام
الإمام الهادي عليه السلام
الإمام العسكري عليه السلام
الإمام المهدي عليه السلام
إمامة الأئمة الإثنا عشر
الشيعة والتشيع
العصمة
الموالات والتبري واللعن
أهل البيت عليهم السلام
علم المعصوم
أديان وفرق ومذاهب
الإسماعيلية
الأصولية والاخبارية والشيخية
الخوارج والأباضية
السبئية وعبد الله بن سبأ
الصوفية والتصوف
العلويين
الغلاة
النواصب
الفرقة الناجية
المعتزلة والاشاعرة
الوهابية ومحمد بن عبد الوهاب
أهل السنة
أهل الكتاب
زيد بن علي والزيدية
مواضيع عامة
البكاء والعزاء وإحياء المناسبات
احاديث وروايات
حديث اثنا عشر خليفة
حديث الغدير
حديث الثقلين
حديث الدار
حديث السفينة
حديث المنزلة
حديث المؤاخاة
حديث رد الشمس
حديث مدينة العلم
حديث من مات ولم يعرف إمام زمانه
احاديث متنوعة
التوسل والاستغاثة بالاولياء
الجبر والاختيار والقضاء والقدر
الجنة والنار
الخلق والخليقة
الدعاء والذكر والاستخارة
الذنب والابتلاء والتوبة
الشفاعة
الفقه
القبور
المرأة
الملائكة
أولياء وخلفاء وشخصيات
أبو الفضل العباس عليه السلام
زينب الكبرى عليها السلام
مريم عليها السلام
ابو طالب
ابن عباس
المختار الثقفي
ابن تيمية
أبو هريرة
أبو بكر
عثمان بن عفان
عمر بن الخطاب
محمد بن الحنفية
خالد بن الوليد
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
عمر بن عبد العزيز
شخصيات متفرقة
زوجات النبي صلى الله عليه وآله
زيارة المعصوم
سيرة وتاريخ
علم الحديث والرجال
كتب ومؤلفات
مفاهيم ومصطلحات
اسئلة عامة
أصول الدين وفروعه
الاسراء والمعراج
الرجعة
الحوزة العلمية
الولاية التكوينية والتشريعية
تزويج عمر من ام كلثوم
الشيطان
فتوحات وثورات وغزوات
عالم الذر
البدعة
التقية
البيعة
رزية يوم الخميس
نهج البلاغة
مواضيع مختلفة
الحوار العقائدي
* التوحيد
* العدل
* النبوة
* الإمامة
* المعاد
* الرجعة
* القرآن الكريم
* النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
* أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
* فضائل النبي وآله
* الإمام علي (عليه السلام)
* فاطمة الزهراء (عليها السلام)
* الإمام الحسين (عليه السلام) وكربلاء
* الإمام المهدي (عجل الله فرجه)
* زوجات النبي (صلى الله عليه وآله)
* الخلفاء والملوك بعد الرسول ومشروعية سلطتهم
* العـصمة
* التقيــة
* الملائكة
* الأولياء والصالحين
* فرق وأديان
* الشيعة والتشيع
* التوسل وبناء القبور وزيارتها
* العلم والعلماء
* سيرة وتاريخ
* أحاديث وروايات
* طُرف الحوارات
* آداب وأخلاق
* الفقه والأصول والشرائع
* مواضيع عامة
ركن العدل
المؤلف: الشيخ ابو الحسن الحلبي
المصدر: اشارة السبق الى معرفة الحق
الجزء والصفحة: ص18-39
7-08-2015
1065
[إن]... الكلام في ركن العدل... يترتب على أصلين :
أحدهما إثبات التحسين والتقبيح العقليين ، لأنه قد ثبت عموم
العلم بمحسنات ومقبحات ، ولا يقف العلم بحسنها وقبحها على ما وراء كمال العقل ،
ولا يمكن الخروج عنه معه ، فلو لا أنه من جملة علومه ، لم يكن لجميع ذلك وجه، ولا تأثير لأمر ولا نهي ، في حسن
مأمور ولا قبح منهي ، لأنهما لو أثرا لتوقف العلم بحسن ما حسنته العقول، وقبح ما
قبحته على ورودهما فيستحيل الجمع ، لما
فيه من الدور ، وكان لا يقبح منه تعالى تصديق الكذابين ، الذي لو جاز عليه لم يبق
طريق إلى العلم بصدق الأنبياء ـ عليهم
السلام ـ ولا بصحة الشرائع ، وما بصحة مدلوله فساد دليله إلا غير خاف الفساد (1).
وثانيهما : إثبات اقتداره تعالى على ما له صفة القبح ، لأن استناد كونه قادرا إلى ما هو عليه في
ذاته ، يقتضي عموم تعلق قادريته بكل مقدور على الوجه الذي لا يتناهى.
ومن جملة المقدورات القبيح ، فيجب كونه قادرا عليه ، ولأن
القبيح مقدور لنا ، لصحة وقوعه منا ، وهو آكد حالا منا في كونه قادرا ، فلا وجه
لكونه غير قادر عليه ، كما لا وجه لاختصاص قادريته بمقدور دون غيره. وحينئذ يجب
كونه متنزها عن فعل القبيح ، لأنه عالم لا يجهل ، وغني لا يحتاج ، فهو عالم بقبحه
، واستغنائه عنه ، ومع ثبوت ذلك لا يجوز أن يختار فعله ، لأنه لا يكون إلا لداع ،
وهو أما جهل بقبحه ، أو حاجة إليه ، ومع
استحالتهما وثبوت داعي الحكمة الذي لا يتقدر له داع سواه ، لا بد من كونه متعاليا عنه ( ولأن وجه حسن
الفعل داع إليه ووجه قبحه صارف عنه ) ، إذ المخبر فيهما مع علمه بهما لغرض مستوفي
كليهما لا يختار إلا الحسن الذي وجه حسنه داع له إلى فعله ، وإن جاز عليه خلافه ،
فأولى بذلك من لا يجوز عليه ما ينافي داع الحكمة ولا ما يخالفه.
ولأنه لو جاز منه وقوع القبيح لسمي بأسمائه التي إطلاقها
تابع لوقوعه ، فكما استحال أن يسمى بشيء منها
يكون وقوع القبيح منه أولى بالاستحالة وعن إرادته ، لأنها تابعة المراد ،
فمتى كان قبيحا كانت هي أيضا قبيحة ، فلما لم يجز عليه فعله لم يجز منه إرادته ،
ولأنه لا فاعل لإرادته سبحانه سواه ، فلو جاز أن يريد القبيح ، كان على الحقيقة
فاعلا له ، وذلك مناف لحكمته التي يستحيل منافاتها ولأنه ناه عنه ، لكونه كارها له
، فلو أراده كان على الشيء وحده وعن الأمر به لقبحه ولمنافاته لما ثبت من حكمته ،
ولاستحالة كونه آمرا بما ثبت كونه عنه ناهيا ، مع اتحاد الوقت والمأمور ، فإنه لا
يأمر إلا بما يريد ، كما لا ينهى إلا عما يكره.
وقد ثبت بذلك تنزهه عن كلما يتبع إرادة القبيح من مشيته
ومحبته والرضى به ، إذ كل واحد من ذلك إرادة مخصوصة ، وعن قضائه وقدره ، لوجوب
الرضى بهما ، والصبر عليهما ، مع قبح الرضى والصبر مما ليس بحسن ، ولأنه لو جاز أن يقضي ويقدر شيئا من القبيح
كان العبد بذلك معذورا غير ملوم ، كما لا ملامة عليه في كل ما قضاه وقدره من
أفعاله سبحانه وكانت حجة العباد عليه ،
لاستحالة خروجهم عن قضائه وقدره ، فلا يبقى له في كل ما احتج به عليهم حجة ، ولا
وجه مع ذلك لبعثة نبي ولا إنزال كتاب ولا نصب دلالة ولا أمر ولا نهي.
والوجه في جميع ذلك ظاهر ، وأفعاله سبحانه كلها مقتضية
مقدرة لكونها حكمة وصوابا وصلاحا ، سواء
ظهر الوجه فيها مفصلا أو مجملا أو لم يظهر ، فإنه يجب إلحاق ما خفي وجهه منها بما
ظهر ذلك فيه ، وحمل الجميع على الأصل المقرر بأدلته ، لاستحالة تنافي مدلول
الأدلة.
ومن جملة صفاته الفعلية كونه تعالى متكلما ، لاستحالة أن
يكون الكلام ذاتيا أو معنويا ، لأنه لا حكم لذلك ، فلا طريق إليه ، ولو كان كذلك
وجب شياع كلامه في كل ما يصح أن يسمى كلاما، من كذب وغيره ، فلا يوثق مع ذلك
بخطابه ، لانسداد طريق العلم القطعي بصدقه وصدق أنبيائه ، فلا معنى لكونه متكلما
إلا ما هو معقول من كونه فاعلا.
وقد تبين بذلك حدوث كلامه كحدوث جميع أفعاله. ويزيده بيانا
أنه مؤلف من الحروف والكلمات التي لا فائدة فيها إلا باختلافها وترتيبها في تقديم
بعضها على بعض ، وباشتماله على البداية والنهاية والتجزئ والانقسام الذي هو من
خصائص الحدوث ، لاستحالة جميع ذلك على القديم ، وكل ما يقع من العباد من فعلهم
باطنا وظاهرا منسوب إليهم لا إليه لوجوب وقوعه بحسب الداعي والإرادة ، وانتفائه
بحسب الصارف والكراهة ، فلو لم يكن فعلا ممن وقع منه لم يجب ذلك ، وجاز خلافه ،
كما لا يجب في كل ما ليس من فعلهم ذلك ، لظهور الفرق بينهما ، ولأن وجوب استحقاقهم
المدح على فعل ، والذم على آخر كاشف عن كونهم فاعلين وإلا لم يكن لهذا الاستحقاق
وجه ، كما لا وجه له في كل ما لا تعلق لهم بفعله ، ولأنهم مأمورون ومنهيون ،
مرغبون بالمثوبة على امتثال ما أمروا به ، مرهبون بالعقوبة على مخالفتهم ، فلولا
أنهم ممكنون من ذلك ، لم يكن لجميعه وجه ، ولأن نفي كونهم فاعلين يسد طريق العلم
بإثبات الفاعل مطلقا ، وثبوت الفعل مع انتفاء الفاعل مما لا يعقل ، لكونه جهالة.
وقد ظهر بذلك أن أفعالهم ليست مخلوقة فيهم ، ويزيده ظهورا
أنه يستحيل وقوع الفعل الواحد بفاعلين ، كما يستحيل وقوع مقدور الواحد بقدرتين ،
لاستحالة كون الشيء الواحد موجودا معدوما
، واقعا مرتفعا ، في حالة واحدة ، فيتحقق بذلك بطلان الكتب ، وإن كان غير معقول ، لكون
العلم بكل واحد من صحته وحقيقته موقوفا بالعلم على الآخر ، مع أنه إن كان نفس الفعل
فهو واقع بفاعله ، وإن كان وجهه الذي يقع عليه فهو تابع لاختيار الفاعل وقصده ،
لاستحالة تجرده عن ذات الفعل وماهيته ، فلا معنى لكونه العبد مكتسبا إلا كونه
فاعلا ، وليس في العقلاء، من يسند الفعل الواحد إلى فاعلين : أحدهما محمود ، وهو
الخالق ، والآخر مذموم ، وهو العبد المكتسب ، إلا المجبرة والمجوس.
وإذا ثبت كون العباد فاعلين ثبت كونهم قادرين ، لاستحالة
وقوع المقدور لا بقادر ، ولأن لهم بصحة وقوعه مزية على تعذره لولاها لم يكونوا
بأحدهما أولى من الآخر ، وهي مستندة إلى القدرة المحدثة ، لاستحالة كونها ذاتية أو
فاعلية ، ولأن جواز حصول القدرة وإن لا تحصل ، وثبوت التفاضل بين القادرين في
كونهم كذلك مع استمرار ما هم عليه من حال
وشرط دلالة على ثبوت القدرة إذ لا وجه لشيء من ذلك
إلا باعتبارها وقدرهم متعلقة بحدوث أفعالهم
، لاتباع تعلقها صحة الحدوث ، وهي متقدمة على الفعل ، فيصح كونها مؤثرة فيه ومخرجة له من العدم إلى الوجود
، لأن تأخرها يستحيل منه ذلك فكيف يكون به
، ومقارنتها تنافي الاختيار، ويقتضي كونها
علة في أثرها ، وهو ظاهر الفساد ، لمنافاته ما دلت عليه الأدلة ، فصح كونها
متقدمة ومتعلقة بالضدين لصحة التصرف في الجهات المختلفة مع تضادها ، ولأنها ليست
بأحدهما أولى من الآخر ، فلو لم تكن متعلقة بهما للزم اجتماعهما عند حدوث الفعل ،
فلا يخفى فساده ، وإيجابها الصفة وتعلقها
بمتعلقها لما هي عليه في نفسها لكونها لا تعلم إلا كذلك ، وهي مختلفة لا متضاد ولا
متماثل فيها لتعلق كل جزء منها بجزء من المقدور مع اتحاد الوقت والجنس والمحل ، ولاستحالة أن يصح بكل جزء منها
غير ما يصح بالآخر ، لكونه إيجاد موجود.
فأما مع اختلاف ما ذكرناه فلا انحصار لتعلقها، وهي متفقة فيه
( وإن اختلف ، لأنه لا وجه لاختلافها فيه ) وشرط مقدورها أن يكون ممكنا في نفسه ،
لاستحالة تعلقها بما ليس كذلك.
فعلى هذا يكون تكليف الكافر بالإيمان ممكنا ، لكونه مقدورا
له وحسنا ، لكونه إرادة حكيم منزه عن كل قبيح.
وقد يكون واجبا في الحكمة لتكامل شروطه ، ولا تأثير لتعلق
العالمية بأنه لا يختاره ، إذ ليست مؤثرة في معلومها ولا مضادة لوقوعه منه ، فكان
ممكن الوقوع باعتبار تمكنه واقتداره محالا بسوء اختياره ، ولو أوجب تعلق العالمية
كفر الكافر ، لأوجب إيمان المؤمن ، فيقبح التكليف ، ويسقط ما يترتب عليه ، وقد كلف
الله سبحانه كل من أكمل له شروطه التي هي الحياة والعقل والاقتدار والتمكين ونصب
الأدلة وإزاحة العلة وشهوة القبيح والنفار عن الحسن والألطاف المعلومة له ، لأنه
مع إكمالها إذا لم يغن بالحسن عن القبيح ،
بل جعل ما أمر به شاقا ، لكونه مؤلما منفورا عنه وما نهى عنه كذلك ، لكونه ملذا
مشتهى ، فلو لا كونه مكلفا كل من أكمل له فعل المشاق وترك الملذ كان عابثا أو
مغريا له بالقبيح ويتعالى الله عنهما ولا وجه لكونه باعتبارها غير مكلف ، لأنه على
الصفات المعتبرة في ثبوت كونه كذلك ، وحسن هذا التكليف معلوم ، لاستناده إلى مكلف
حكيم ، ولتضمنه التعريض إلى استحقاق المنافع العظيمة التي لا تستحق إلا به ، لقبح
الابتداء بمثلها ، وذلك هو الغرض به ، والتعريض للشيء في حكم إيصاله، والمخاطب به من
تكاملت له شروطه المشار إليها ، وهو من جملة المشاهدة المسماة إنسانا ما لا
يتم كونه حيا إلا به ، ولا اعتبار بما سوى
ذلك ، كما لا اعتبار بالسمن بعد الهزال ، ولا بالزيادة بعد النقصان ، لأن الحياة ،
حالة في الجملة. والأفعال صادرة عنها ، والأحكام متعلقة بها ، والإدراك واقع ببعض
أعضائه فلو لا أن التكليف منها ما بيناه لم يكن لجميع ما ذكرناه وجه ، كما لا
وجه له بالنسبة إلى الشعر منها والظفر.
وما به يتعلق التكليف إما إلزام بفعل ، فإيجاب ، أو ما هو
أولى ، فندب ، أو ما منع من فعل ، فحظر ، أو ما الامتناع منه أولى ، فكراهة ومكروه.
وذاك إما عقلي أو سمعي ، من أفعال القلوب أو الجوارح الظاهرة
، داخل تحت الطاقة والاستطاعة ، لكونه مقدورا للمكلف ، بشهادة العقول بقبح تكليف ما لا يطاق ، سواء كان
بفقد قدرة أو آلة أو شرط من شروطه التي لا
يحسن إلا معها ، ولكونه مستحيلا بأن لا يكون مقدورا، ولا وجه لقبحه إلا لكونه
تكليفا بما لا يطاق ، لثبوت حسنه بثبوت الطاقة ، ولانتفائه بانتفائها ، ولا يتعلق
بما لا حكم له ولا استحقاق به كالمباح.
ويعتبر في قيام المكلف به ، معرفته بمكلفه سبحانه على صفاته
جملة وتفصيلا ، وبالتكليف على صفته وبكيفية ترتيبه وإيقاعه ، وإلا لم يفد قيامه به
، ولا بد من فاصل بين التكليف وبين ما يستحق عليه ، لأنه لو اتصل به ممازجا أو
معاقبا لزم الإلجاء المنافي له ، وحصول المستحق على الوجه المنافي لما به يستحق
محال ، فكان انقطاعه واجبا لذلك ، وهو إما بالفناء أو بغيره مما تتعلق به المصلحة ، وتقتضيه
الحكمة ، ولا ضد للجواهر إلا الفناء وبوجوده إلا في محل ينتفي وجودها جملة ، ووجود ما يتبعها ويختص بها
تبعا لانتفائها ، وطريق إثباته السمع ، وهو إجماع الأمة وظواهر الآيات وما هو
معلوم من الملة الإسلامية والشريعة النبوية ، فيكون عدم الجواهر به حقيقيا لا
مجازيا ، وإعادتها بأعيانها لإيفائها ، والاستيفاء منها مقدور له سبحانه ،
ليتميزها بما لا تعلم إلا عليه ، ولا يصح
خروجها عنه ، لاستحالة خروج المعلوم عن كونه معلوما ، ولا تجب إعادة ما زاد من الجملة
على ما به يكون المكلف مكلفا ، بل ذلك راجع إلى اختيار الحكيم ولا إعادة من لا
مستحق له أو عليه.
وما علم تعالى أنه يقرب المكلف إلى ما كلف فعلا واجتنابا ،
أو يكون معه أقرب باختياره هو المسمى باللطف والصلاح ، وهو إما عام أو خاص ، أو ما
هو أخص منهما ، إما من فعله تعالى أو من
فعل المكلف لنفسه أو من فعل غيره له إذا كان في المعلوم فعله أو ما يقوم مقامه ،
والحكمة تقتضي فعله لوجوبه ، لأنه جار مجرى التمكين والأقدار ، وقبح منعه كقبح
منعهما ، ولأن منعه مناقض للغرض المجري بالتكليف إليه ، والحكم لا يناقض غرضه ،
لكونه منافيا لحكمته ، وشروطه تقدمه على ما هو لطف فيه ، وثبوت مناسبته بينهما
وخلوة من كل مفسدة ، وهو فيما لا يتعلق بالدين غير واجب ، إذ لا وجه لوجوب الأصلح
الدنياوي ، ولا طريق إليه ، لاستحالة كونه تعالى في كل حال غير منفك من الإخلال
بالواجب ، وتقتضيه المفسدة ، ولا يجب المنع منها بل الأعلام بها والتمكين من دفعها
، لإزاحة العلة ، واستتمام الغرض بذلك.
ولا وجه في اللطف إذا كان مصلحة في أمر أو لمكلف مفسدة في
غيره ولآخر، كما لا وجه لكل مصلحة لا تتم إلا بمفسدة.
ومعرفة الله تعالى واجبة ، لكونها أصلا لجميع التكاليف
المكتسبة ، عقلا وشرعا ، لكون اللطف الذي هو العلم باستحقاق الثواب والعقاب على
الطاعة مشروطا بثبوتها ، ومتوقفا على حصولها، ولكونها شرطا في شكر نعمه سبحانه
تعالى وعبادته ، التي هي كيفية في شكره الذي لا يصح إلا بعد صحتها ، ولا يثبت
حقيقته إلا بعد ثبوتها.
وكلما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ولا وصلة إليها في
دار التكليف إلا بالنظر الحاصل على شروطه ، لاستحالة كونها ضرورية أو حاصلة عن
طريق يرجع إلى الضرورة ، لثبوت الخلاف فيها ، وارتفاعه في كل ضروري.
ولسنا في تكليف العلم بالمكلف مضطرا إلى العلم به ، أو
سمعه ، لتوقف العلم بصحة السمعيات على
تقدمها ، وأن السمع مؤكد لوجوبها ، فكانت باعتبار
ما ذكرناه نظرية واستدلالية ، وكان النظر واجبا لوجوبها ، وهي على التحقيق أول
الواجبات ، فيكون ما هو وصلة إليها وسبب فيها كذلك لأن ما عدا النظر من جميع الواجبات العقلية
والسمعية قد يخلو المكلف منها إما وجوبا أو جوازا ، أو لا يخلو من وجوبه عليه ،
فكان أول الواجبات وصلة وترتيبا.
وإنما يجب عند حصول الخوف والرجاء ، وقد يحصل خوف المكلف
بسبب لا يتعدى عنه ، لتدبره ما هو عليه من أحواله ، وما هو فيه من النعم ظاهرا
وباطنا ، وبسبب خارج عنه ، لسماعة اختلاف العقلاء في المذاهب والآراء ، مع فقدهما
وفقد ما به يحصل كل واحد منهما ، لا بد من ورد الخاطر عليه ، وأولى ما كان كلاما
داخل سمعه متضمنا إخافته من إهمال النظر وحثه على استعماله وتجويز الضرر يقتضي وجوب الاحتراز منه ، معلوما
كان أو مظنونا ، وذلك باعث على النظر ومؤكد لوجوبه ، وهو مولد للعلم مع تكامل
شروطه ، لكونه واقعا بحسبه وتابعا له ، يقل بقلته ويكثر بكثرته ، فكان مسببا عنه
ومتولدا من جهته ، ومن لم يولد نظره العلم فلتقصير منه ، أما في النظر أو في
المنظور فيه أو لأنه نظر في الشبهة لا في الدليل، والنظر فيها لا يولد شيئا ولا
يفضي بصاحبه إلا إلى الجهل أو الشك ، والجهل ليس مسببا ولا متولدا عن النظر ،
لكونه نقيض العلم وضده ، لاستحالة الجمع بين النقيضين.
والمنظور فيه لاكتساب المعرفة الواجبة ما خرج عن مقدور كل
قادر بقدرة مما يختص سبحانه بالاقتدار
عليه ، ومن الجائز في أصل العقل أن يخلو العاقل من كل تكليف ، لكن ذلك مشروط بأن
يغنيه بالحسن عن القبيح ، ولا يثبت ذلك إلا بأن يكون مشتهيا للحسن ، نافرا عن القبيح لا بالعكس من ذلك ، فبتقديره
يكون خلوة من التكليف جائزا ، لكونه غير مناف للحكمة ، ويكون كمال عقله مع ما يضامه
من أصول النعم الباطنة والظاهرة نعمة منه سبحانه عليه ، وإحسانا إليه ، والعقل
يقتضي حسن الابتداء بذلك لا قبحه.
ومما يتفرع على ركن العدل الكلام في الوعد والوعيد،
وهو ما يستحق بالتكليف فعلا وتركا، والمستحقات ستة:
المدح والذم والثواب والعقاب والشكر والعوض ، فالمدح يتميز
بكونه دالا على الارتفاع ، والذم بكونه دالا على الاتضاع ، والثواب بوقوعه مستحقا
على وجه التعظيم ، والعقاب بوقوعه مستحقا على وجه الإهانة ، والشكر بوقوعه اعترافا
مقصودا به التعظيم ، والعوض بانقطاعه
وتعريه من تعظيم.
ويعتبر في المدح والذم العلم بما به يستحقان ، والقصد إلى كل
واحد منهما ، والوضع العرفي فيهما ، ويثبتان بالقول حقيقة وبالفعل مجازا ،
ويشتملان على أسماء ودعاء ، ويستعمل كل واحد منهما بحسب الموجب له مطلقا في موضع ،
مقيدا في غيره ، ويعلمان عقلا ، لاقتضاء ضرورته
لهما.
فما به يستحق المدح ، إما فعل الواجب لوجه وجوبه ، أو الندب
لوجه ندبيته ، أو اجتناب القبيح لوجه قبحه ، أو إسقاط الحقوق لوجهها لا يستحق على
ما سوى ذلك ، وعلى ما به يثبت استحقاقه ثبت استحقاق الثواب بشرط حصول المشقة في
الفعل والترك ، أو في سببهما وما به يتوصل إليهما.
وطريق العلم باستحقاقه العقل ، لثبوت إلزام المشاق التي لولا
ما في مقابلتها من الاستحقاق لم يحسن إلزامها ، ولا كان له وجه فبوجوبها تعنى اللطف فيها ، وبما يقابلها من
الاستحقاق تعين فيها وجه الحكمة ، ولزم احتمالها والصبر عليها.
وبدوامه السمع لحسن تحمل المشاق للمنافع المنقطعة عقلا ، إذ
ليس فيه ما يقتضي اشتراط دوامها ، فيكون القطع على دوامه وصفاته سمعا بإجماع جميع الأمة ، ولا يلزم حمله على المدح ،
لاشتراكهما في جهة الاستحقاق ، لأنهما وإن اشتركا في ذلك فقد اختلفا في غيره ،
ويثبت أحدهما في موضع يستحيل ثبوت الآخر
فيه.
وما به يستحق الذم أما فعل القبيح أو الإخلال بالواجب لا
يستحق بغير هما، ومما به يثبت استحقاقه
ثبت استحقاق العقاب بشرط اختيار المكلف ذلك على ما فيه مصلحته.
وطريق العلم به السمع ، لأن العقل وإن أجازه ولم يمتنع منه
إلا أنه لا قطع به على ثبوت استحقاقه ، لخلوه من دلالة قطعية على ذلك ، ضرورة
واستدلالا ، فالمرجع بإثباته قطعا إلى السمع المقطوع على صحته ، وهو الإجماع
والنصوص القرآنية ، ولا يلزم عليه الإغراء
لأن تجويزه عقلا ، والقطع عليه سمعا زاجر لا إغراء معه.
وإذا كان الأصل الذي
هو ثبوت استحقاقه لا يعلم إلا سمعا، فالفرع الذي هو دوامه وانقطاعه أولى
بذلك.
وقد أجمعت الأمة على
دوام عقاب من مات من العصاة ، كافرا ، ولا إجماع على دوام عقاب من عداهم من عصاة
المؤمنين ، فهم على ما كانوا عليه ، من ثبوت استحقاق الثواب الدائم وإن استحقوا
معه بعصيانهم العقاب ، لأن انقطاع عقابهم ممكن بتقديمه ، ودوام ثوابهم المجمع عليه
مانع من انقطاعه ، لإمكان حصوله معاقبا للاستيفاء منهم ، ولا مانع من ذلك كما لا
مانع من استحقاقهم المدح في حالهم فيها مستحقون الذم ، لوجوب مدحهم بإيمانهم وذمهم
بفسقهم ، وما تعذر ذلك من فاعل واحد إلا لفقد الآلة لا لفقد الاستحقاق ، فإنه لو كان له لسانان لمدح بأحدهما
وذم بالآخر ، ولو مدح بلسانه وذم بما يكتب بيده وبالعكس من ذلك لصح ، وكان جامعا بينهما في حال واحدة ، فكما لا
تنافي بين ثبوت استحقاقهما إلا على أمر واحد بل على أمرين مختلفين ، فكذلك لا
تنافي أيضا بين ثبوت استحقاق ما يتبعهما من ثواب وعقاب ، وكما أجمعت الأمة على
دوام عقاب الكفار ، أجمعوا أيضا عدا الوعيدية (2) على انقطاع عقاب من وصفنا حالهم.
ولاستحالة الجمع بين دائمي الثواب والعقاب ، وجب كون المنقطع
متقدما على الدائم الذي يحصل بدلا منه ومعاقبا له.
__________________
(1)
هكذا في النسخ التي بأيدينا والظاهر أن لفظة « إلا » زائدة.
(2) هم القائلون بعدم جواز العفو عن الكبائر عقلا
كالمعتزلة ومن تبعهم.