1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

النبي الأعظم محمد بن عبد الله

أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)

آبائه

زوجاته واولاده

الولادة والنشأة

حاله قبل البعثة

حاله بعد البعثة

حاله بعد الهجرة

شهادة النبي وآخر الأيام

التراث النبوي الشريف

معجزاته

قضايا عامة

الإمام علي بن أبي طالب

الولادة والنشأة

مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)

حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله

حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)

حياته في عهد الخلفاء الثلاثة

بيعته و ماجرى في حكمه

أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته

شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة

التراث العلوي الشريف

قضايا عامة

السيدة فاطمة الزهراء

الولادة والنشأة

مناقبها

شهادتها والأيام الأخيرة

التراث الفاطمي الشريف

قضايا عامة

الإمام الحسن بن علي المجتبى

الولادة والنشأة

مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)

التراث الحسني الشريف

صلح الامام الحسن (عليه السّلام)

أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته

شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة

قضايا عامة

الإمام الحسين بن علي الشهيد

الولادة والنشأة

مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)

الأحداث ما قبل عاشوراء

استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء

الأحداث ما بعد عاشوراء

التراث الحسينيّ الشريف

قضايا عامة

الإمام علي بن الحسين السجّاد

الولادة والنشأة

مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)

شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)

التراث السجّاديّ الشريف

قضايا عامة

الإمام محمد بن علي الباقر

الولادة والنشأة

مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)

شهادة الامام الباقر (عليه السلام)

التراث الباقريّ الشريف

قضايا عامة

الإمام جعفر بن محمد الصادق

الولادة والنشأة

مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)

شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)

التراث الصادقيّ الشريف

قضايا عامة

الإمام موسى بن جعفر الكاظم

الولادة والنشأة

مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)

شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)

التراث الكاظميّ الشريف

قضايا عامة

الإمام علي بن موسى الرّضا

الولادة والنشأة

مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)

موقفه السياسي وولاية العهد

شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة

التراث الرضوي الشريف

قضايا عامة

الإمام محمد بن علي الجواد

الولادة والنشأة

مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)

شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)

التراث الجواديّ الشريف

قضايا عامة

الإمام علي بن محمد الهادي

الولادة والنشأة

مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)

شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)

التراث الهاديّ الشريف

قضايا عامة

الإمام الحسن بن علي العسكري

الولادة والنشأة

مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)

شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)

التراث العسكري الشريف

قضايا عامة

الإمام محمد بن الحسن المهدي

الولادة والنشأة

خصائصه ومناقبه

الغيبة الصغرى

السفراء الاربعة

الغيبة الكبرى

علامات الظهور

تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى

مشاهدة الإمام المهدي (ع)

الدولة المهدوية

قضايا عامة

سيرة الرسول وآله : الإمام الحسن بن علي المجتبى : الولادة والنشأة :

ولادة الامام الحسن عليه السلام ونشأته

المؤلف:  السيد سعيد كاظم العذاري

المصدر:  الإمام الحسن السّبط عليه السلام سيرة وتاريخ

الجزء والصفحة:  ص9-17

16-4-2022

1838

ولد الإمام الحسن عليه ‌السلام في حياة جدّه رسول الله صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله وعاش في ظلّ رعايته وتربيته سبع سنوات وستّة أشهر ، وكانت هذه الفترة كافية للسموّ والتكامل والارتقاء إلى أعلى قمم الإيمان والتقوى والصلاح. حيث تلقّى رعاية خاصّة من جدّه رسول الله صلى‌ الله ‌عليه‌ وآله ابتدأت من اللحظات الأولى لولادته. حيث أذّن رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى ، ولهذه الممارسة نتائج إيجابية على شخصية الإنسان المستقبلية كما ورد عن رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله أنّه قال : « من ولد له مولود فيؤذّن في أذنه اليمنى بأذان الصلاة ، وليقم في اليسرى ؛ فإنّها عصمة من الشيطان الرجيم »[1]. ومن الطبيعي أن تصل هذه العصمة إلى قمّتها حينما يكون رسول الله صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله هو من يفعل ذلك ، وبمن ؟ بسبطه ابن علي وفاطمة صلوات الله عليهم. وهكذا أحيط الحسن عليه‌ السلام منذ نعومة أظفاره بجميع مقوّمات التربية والتعليم والرعاية النفسية والروحية ؛ فأصبح بهذه المقوّمات ـ ومن قبلها الرعاية الإلهيّة ـ معصوماً بإرادته.

التقدير والتكريم والاهتمام : دلّت الدراسات العلمية والنفسية على دور التقدير والتكريم في مرحلة الطفولة في بناء شخصية الإنسان في جميع مقوّماتها الفكرية والعاطفية والسلوكية ، وقد ثبت « أنّ نموّ الطفل متكيّفاً تكيّفاً حسناً وكينونته راشداً صالحاً يتوقّف على ما إذا كان الطفل محبوباً مقبولاً شاعراً بالاطمئنان في البيت »[2] . وكلّما وجد الطفل التقدير والاهتمام والتكريم كان منقاداً لمن يقدّره ويهتمّ به ويكرّمه. ويتوقّف تأثير ذلك على شخصيّة المربّي وشخصية المراد تربيته والمحيط الاجتماعي الذي يعيشان فيه ، وفي مقامنا هذا نرى أنّ الإمام الحسن عليه السلام قد تلقّى ذلك من قبل جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله ، في مواقع عديدة أمام مرأى ومسمع الصحابة ، وكلّ ذلك أسهم ـ مع بقيّة المقوّمات ـ على أن يكون الإمام عليه السلام معصوما بإرادته التي تطابقت مع الإرادة الإلهيّة ، فالله تعالى هيّأ هذه المقوّمات وهي الوراثة الصالحة والتربية الصالحة والرعاية الروحية والنفسية. وهذا النوع من الرعاية تعدّى رعاية الجدّ لحفيده ، وتعدّى الرعاية العاطفية المحضة بل كانت مظاهرها العديدة تنبيهاً للأمة على دور الإمام الحسن عليه السلام الريادي ودوره كقدوة وأسوة وإمام مفترض الطاعة ، ولولا هذا الإشعار لأمكن له صلى الله عليه وآله أن يقدّره ويكرّمه بشكل آخر كما يفعل الأجداد والآباء ، وقد تجلّى ذلك في ممارسات عديدة.

عن البرّاء بن عازب قال : « رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله حامل الحسن بن علي رضي الله عنهما على عاتقه وهو يقول : اللهمّ إنّي أحبّ حسناً فأحبّه »[3] . فقد أشار صلى الله عليه وآله إلى هذا الحبّ وهو حامل الإمام الحسن عليه السلام على عاتقه ؛ ليُشْعِر المسلمين بأهمية وضرورة هذا الحبّ ؛ وهو الذي لا ينطق عن الهوى ، فهو حبّ عقائدي يفرض على المسلمين أن يقتدوا بهذا المحبوب المكرّم من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله.

وعن جابر قال : « دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وهو يمشي على أربعة وعلى ظهره الحسن والحسين رضي الله عنهما ، وهو يقول : نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما »[4] .

وعن عبدالله بن مسعود ، قال : « حمل رسول الله صلى الله عليه وآله الحسن والحسين على ظهره ، الحسن على أضلاعه اليمنى والحسين على أضلاعه اليسرى ، ثمّ مشى وقال : نعم المطيّ مطيّكما ، ونعم الراكبان أنتما وأبوكما خير منكما »[5].

وهذه الممارسة قد يستهجنها البعض في تلك المرحلة القريبة من الجاهلية ، ولكنها مداليل عظيمة تبيّن عظمة هذين السبطين من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله ؛ فهي ليست ممارسة عاطفية محضة ؛ بل هي ممارسة تربوية لتربية المسلمين على أهميّة هذين السبطين في الحياة الإسلامية والإنسانية ؛ هذه الأهمية دفعت برسول الله صلى الله عليه وآله إلى أداء هذه الممارسة. ليوجه أنظار الصحابة إلى الدور الذي سيقوم به الحسن عليه السلام بعد رحيل جدّه وأبيه.

وفي مقام آخر نجد أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله يقطع خطبته وينزل عن منبره ليحتضن الحسن والحسين عليهما ‌السلام ويأخذهما معه إلى المنبر ؛ لكي يستشعر الصحابة ويستشعر المسلمون مقام هذين السبطين. قال ابن كثير : « وقد ثبت في الحديث أنّه عليه السلام بينما هو يخطب إذ رأى الحسن والحسين مقبلين فنزل إليهما فاحتظنهما وأخذهما معه إلى المنبر ، وقال : صدق الله { أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 28] ، إنّي رأيت هذين يمشيان ويعثران فلم أملك أن نزلت إليهما ، ثمّ قال : إنّكم لمن روح الله وإنّكم لتبجلون وتحبّبون »[6] .

ومن مصاديق ومظاهر الاهتمام ما ورد عن أبي هريرة أنّه قال لمروان بن الحكم : « أشهد لخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله حتى إذ كنّا ببعض الطريق سمع رسول الله صلى الله عليه وآله صوت الحسن والحسين وهما يبكيان مع أمّهما ، فأسرع السير حتى أتاهما فسمعته يقول لها : ما شأن ابْنَيَّ ، فقالت : العطش ، قال : فاختلف رسول الله صلى الله عليه وآله إلى شنة يبتغي فيها ماء ، وكان الماء يومئذ أغدار ، والناس يريدون الماء ، فنادى : هل أحد منكم معه ماء ؟ فلم يبقَ أحد أخلف بيده إلى كلاَّبه يبتغي الماء في شنة ، فلم يجد أحد منهم قطرة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ناوليني أحدهما ، فناولته إيّاه من تحت الخدر ، فأخذه فضمّه إلى صدره وهو يطغو ما يسكت ، فأدلع له لسانه فجعل يمصّه حتى هدأ أو سكن ، فلم أسمع له بكاء ، والآخر يبكي كما هو ما يسكت ، فقال : ناوليني الآخر ، فناولته إيّاه ففعل به كذلك ، فسكتا »[7] . ومن خلال هذه الرواية نجد أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قد أشبع حاجات الحسن والحسين بنفسه ، وأبدى عناية واهتماما بهما أمام مرأى الصحابة ليبيّن عظمة هذين السبطين ومكانتهما من رسول الله صلى الله عليه وآله.

الحُبّ : الحاجة إلى المحبّة أو الشعور بها حاجة أساسية للإنسان وخصوصاً في مرحلة الطفولة ، والحبّ الذي يشعر به الطفل له تأثير كبير على جميع جوانب شخصيّته الفكرية والعاطفية والسلوكية ، ويكون تأثير المحبّة أكثر إيجابية حينما يكون المحبّ هو رسول الله صلى الله عليه وآله ومن فوقه الله تعالى ، ويكون المحبوب هو الحسن عليه السلام المنحدر من سلالة طاهرة ، والمهيّأ من قبل الله تعالى ورسوله ليكون إماماً مفترض الطاعة وحجّة على الإنسانية إلى يوم القيامة. وقد تواترت الروايات على تأكيد هذا الحبّ بعد التصريح به من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله في مناسبات عديدة.

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنّه قال للحسن : « اللهمّ إنّي أحبّه فأحبّه وأحبب من يحبّه »[8] .

وعن أسامة بن زيد قال : « طرقت النبي صلى الله عليه وآله ذات ليلة في بعض الحاجة فخرج النبي صلى الله عليه وآله وهو مشتمل على شيء لا أدري ما هو ، فلمّا فرغت من حاجتي ، قلت : ما هذا الذي أنت مشتمل عليه فكشفه فإذا حسن وحسين على وركيه ، فقال : هذان إبناي وإبنا إبنتي اللهمّ إنّي أحبُّهما فأحبَّهُما واحبب من يحبُّهما »[9].

وعن سلمان رضي ‌الله‌ عنه قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله للحسن والحسين : من أحبّهما أحببته ، ومن أحببته أحبّه الله ، ومن أحبّه الله أدخله جنّات النعيم ، ومن أبغضهما أو بغى عليهما أبغضته ، ومن أبغضته أبغضه الله ، ومن أبغضه الله أدخله عذاب جهنّم وله عذاب مقيم »[10] .

وعن الإمام علي عليه السلام قال : « إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله أخذ الحسن والحسين ، فقال : من أحبّ هذين ، وأباهما وأمّهما ، كان معي في درجتي يوم القيامة »[11] . والدعوة لحبّ أهل البيت عليهم‌ السلام دعوة رسالية لتوجيه المسلمين إلى الارتباط بهم فكرياً وعاطفياً ومن ثمّ الاقتداء بهم والالتزام بأوامرهم وتوجيهاتهم لتكون مفاهيمهم وقيمهم هي الحاكمة على حركة الإنسان والمجتمع المسلم.

المناغاة والتربية البدنية : تُعدُّ المناغاة في مراحل الإنسان الأولى من الممارسات الضرورية له ولهذا نرى أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قد مارسها مع حفيده الحسن عليه السلام فقد روي أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان يرقّص الحسن والحسين عليهما ‌السلام ويقول : حزقّة حزقّة ترقّ عين بقّة. وفي رواية أنّه أخذ يديه جميعاً بكتفي الحسن والحسين وقَدَماهما على قدم رسول الله صلى الله عليه وآله ويقول : ترقّ عين بقّة[12]. وكانت فاطمة عليها ‌السلام ترقص ابنها حسنا وتقول :

 « أشبه أباك يا حسن 

 

واخلع عن الحقّ الرسن 

واعبد إلها ذا منن 

 

ولا توال ذا الإحن » 

وكانت أمّ سلمة ترقّص الحسن وتقول :

 « بأبي ابن علي 

 

أنت بالخير مليّ 

كن كأسنان حليّ 

 

كن ككبش الحولي »[13]

التربية والتعليم : التربية والتعليم من المسؤوليّات العظيمة التي تساهم في إعداد الإنسان للدخول في الحياة الاجتماعية ؛ ليكون عنصراً فعّالاً في إصلاحها وبنائها ، والأسرة هي نقطة البدء التي تتبنّى إنشاء وتنشئة الشخصية بجميع مقوّماتها : الفكرية والعاطفية والسلوكية ، وهي نقطة البدء المؤثّرة في جميع مراحل الحياة إيجاباً وسلباً ؛ وفي مقامنا هذا نجد إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قد أدّى مسؤوليّته في أسرته ومجتمعه ؛ فقد ربّى هذه الأسرة الكريمة على أساس مفاهيم وقيم القرآن ، وقد أبدى عناية تربوية وتعليمية استثنائية وعظيمة لعظم الشخصّيات المراد تربيتها وتعليمها لأنّها عدل للقرآن الكريم ولأنّها القرآن الناطق ، ومنها الإمام الحسن عليه السلام ، فقد كان يصطحبه إلى المسجد وإلى المواقع المتعدّدة التي يتواجد فيها صلى الله عليه وآله ، ومن يتتبع الروايات وأخبار المؤرّخين يجد أنّ أسرة علي وفاطمة عليهما ‌السلام أقرب الأسر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله من حيث اللقاءات والزيارات ، ولا نبالغ إذا قلنا إنّ لقاءاته مع هذه الأسرة الكريمة تكاد تكون أكثر من لقاءاته مع زوجاته ؛ فالإمام علي عليه السلام والحسن والحسين عليهما‌ السلام كان يصحبونه إلى المسجد أو يلتقون به في المسجد ، إضافة إلى اللقاءات المستمرّة في دارهم تارة وفي دار رسول الله صلى الله عليه وآله تارة أخرى ؛ ولهذا كانت الصحبة أدوم وأكثر نوعاً وكمّاً ، وكان تأثير التربية واضحاً على أفراد هذه الأسرة الكريمة لدوام ارتباطهم برسول الله صلى الله عليه وآله ودوام تلقّيهم لتوجيهاته وإرشاداته وتعاليمه. وقد دلّت الأخبار على هذا القرب المكاني ، فقد ورد أنّ عليّاً عليه السلام أصاب منزلاً مستأخراً عن رسول الله صلى الله عليه وآله قليلاً ، فقال له صلى الله عليه وآله : « إنّي أريد أن أحوّلك إليّ ». فحوّله بجنبه[14]  ولم تنقطع العلاقة بهذه الأسرة يوماً ما ، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد فصلى به ركعتين ثمّ يأتي فاطمة ، ثمّ يأتي أزواجه[15] . ومن الطبيعي أن يكون الحسن عليه السلام قريباً من رسول الله صلى الله عليه وآله ومصاحباً له في أغلب أوقاته ، ومن خلال هذا القرب وهذه المصاحبة أحاط الإمام الحسن عليه السلام بالعلوم والمعارف والمفاهيم والقيم ، من طرق شتّى ، ويأتي التسديد الإلهي والإلهام في طليعتها ؛ باعتباره من الصفوة المختارة من قبل الله عزّوجلّ ، زيادة على التعلّم المباشر والاستماع إلى توجيهات رسول الله صلى الله عليه وآله مباشرة ، وقد صرّح الإمام الحسن عليه السلام بذلك وهذا واضح من خلال أقواله وتصريحاته ، فتارة يقول :  « علّمني رسول الله صلى الله عليه وآله » ، وأخرى يقول : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله ».

ففي مجال الدعاء ورد عنه عليه السلام أنّه قال : « علّمني رسول الله صلى الله عليه وآله كلمات أقولهنّ في الوتر : اللهمّ اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولّني فيمن تولّيت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شرّ ما قضيت ، فإنّك تقضي ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذلّ من واليت ، تباركت ربّنا وتعاليت »[16] .

وفي مجال العبادة وما يتعلّق بها من مندوبات ورد عن عمير بن مأمون ، قال : « سمعت الحسن بن علي يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : من صلى الغداة فجلس في مصلاّه حتى تطلع الشمس كان له حجاب من النار »[17] .

وفي المجال الاجتماعي والأخلاقي يجيب عليه السلام عن تساؤلات البعض ، فقد ورد عن أبي الحوراء ، قال : « قلت للحسن بن علي رضي الله عنهما : مثل من كنت في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ وما عقلت عنه ؟ قال : عقلت عنه أنّي سمعته يقول : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فإنّ الشرّ ريبة ، والخير طمأنينة ، وعقلت عنه الصلوات الخمس ، وكلمات أقولهنّ عند انقضائهنّ قال : اللهمّ اهدني ... »[18]. وقال عليه السلام : « أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله أن نلبس أجود ما نجد ، وأن نتطيّب بأجود ما نجد ، وأن نضحّي بأسمن ما نجد ، البقرة عن سبعة ، والجزور عن عشرة ، وأن نظهر التكبير ، وعلينا السكينة والوقار »[19] .

وفي مجال الفقه والتشريع كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتدخّل ـ أحياناً ـ ليعلّم الحسن عليه السلام بعض الأحكام عن طريق الموقف العملي ، فقد ورد عن ربيعة بن شيبان قال : « قلت للحسن بن علي رضي‌ الله ‌عنه : ما تعقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال : صعدت معه غرفة الصدقة ، فأخذت تمرة فلكتها ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : القها فإنّا لا تحلّ لنا الصدقة »[20] .

وفي مجال الثواب والتعويض يوم القيامة ، قال الأصبغ بن نباتة : « دخلت مع عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الحسن بن علي نعوده ، فقال له عليّ رضي الله عنه : كيف أصبحت يا ابن رسول الله ؟ قال : أصبحت بحمد الله بارئاً ، قال : كذلك إن شاء الله ، ثمّ قال الحسن رضي الله عنه : أسندوني ، فأسنده علي رضي الله عنه إلى صدره ، فقال : سمعت جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إنّ في الجنّة شجرة يقال لها شجرة البلوى يؤتى بأهل البلاء يوم القيامة ، فلا يرفع لهم ديوان ، ولا ينصب لهم ميزان ، يُصبّ عليهم الأجر صبّا »[21]. وكان الحسن عليه السلام يحضر مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ابن سبع سنين ، فيسمع الوحي فيحفظه فيأتي أمّه فيلقي إليها ما حفظه ، وكلّما دخل عليّ عليه السلام وجد عندها علماً بالتنزيل ، فيسألها عن ذلك ، فتقول : « من ولدك الحسن »[22]. وهذا الحضور وفي عمر مبكّر يؤهّل صاحبه لأنّ يكون قمّة في العلم والمعرفة ، فقد كان الحسن عليه السلام يستمع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله برغبته ويصغي إليه فيحفظ ما يقوله من آيات قرآنية ومن أحاديث شريفة ، ولم يكتف بهذا الحفظ ، بل يلقي إلى أمّه فاطمة الزهراء عليها‌ السلام ما حفظه ، فتأخذ به مسلمة بصحّة صدوره ، لمعرفتها وثقتها بالقدرة العلمية لولدها لأنّه ذو شأن عند الله ورسوله صلى الله عليه وآله. وكان الحسن عليه السلام يبادر رسول الله صلى الله عليه وآله بالأسئلة ليتعلّم منه ما يحتاجه من علوم ومعارف في مختلف جوانب الحياة الإنسانية ومنها الارتباط الروحي برسول الله صلى الله عليه وآله وآثاره الإيجابية. قال الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم‌ السلام « بينا الحسن بن علي عليهما‌ السلام ذات يوم في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله إذ رفع رأسه فقال : يا أبة ما لمن زارك بعد موتك ، قال : يا بني من أتاني زائراً بعد موتي فله الجنّة ، ومن أتى أباك زائراً بعد موته فله الجنّة ، ومن أتى أخاك زائراً بعد موته فله الجنّة ، ومن أتاك زائراً بعد موتك فله الجنّة »[23].

 

[1]  الكافي ٦ : ٢٤ / ٦ كتاب العقيقة ، باب : ما يفعل بالمولود.

[2]  علم النفس التربوي / فاخر عاقل : ١١٠.

[3]  المعجم الكبير / الطبراني ٣ : ٣٢ / ٢٥٨٤.

[4]  المعجم الكبير ٣ : ٥٢ / ٢٦٦١.

[5]  بحار الأنوار / المجلسي ٤٣ : ٢٨٦ / ٥١ تاريخ الإمامين الهمامين ، باب ولادتهما.

[6]  البداية والنهاية / ابن كثير ٨ : ٣٣.

[7]  المعجم الكبير ٣ : ٥٠ ـ ٥١ / ٢٦٥٦.

[8]  صحيح مسلم ٢ : ٤٥٦ / ٥٦ باب فضائل الحسن والحسين عليهما‌ السلام.

[9]  سنن الترمذي : حديث ٣٧٩٤ ، باب مناقب الإمام الحسن عليه السلام.

[10] المعجم الكبير ٣ : ٥٠ / ٢٦٥٥.

[11]  سير أعلام النبلاء / الذهبي ٣ : ٢٥٤.

[12] الحزقة : القصير الصغير الخُطا ، وعين بقّة : أصغر الأعين.

[13]  بحار الأنوار ٤٣ : ٢٨٦ ـ ٢٨٧ / ٥١ ، باب فضائل الإمامين الحسنين عليهما‌ السلام.

[14]  المنتظم في تاريخ الأمم والملوك / ابن الجوزي ٣ : ٨٧.

[15]  الاستيعاب / ابن عبد البر ٤ : ٣٧٦.

[16]  أسد الغابة ١ : ٤٨٨.

[17]  أسد الغابة ١ : ٤٨٩.

[18] المعجم الكبير ٣ : ٧٥ / ٢٧٠٨.

[19]  المعجم الكبير ٣ : ٩٠ / ٢٧٥٦.

[20]  المعجم الكبير ٣ : ٨٦ / ٢٧٤١.

[21]  المعجم الكبير ٣ : ٩٣ / ٢٧٦٠.

[22]  بحار الأنوار ٤٣ : ٣٣٨ / ١١.

[23]  روضة الواعظين / محمد بن الفتّال النيسابوري : ١٨٦

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي