اتخاذ الأصنام لأرباب الأنواع و غيرهم
المؤلف:
محمد حسين الطباطبائي
المصدر:
تفسير الميزان
الجزء والصفحة:
ج10 , ص218-219
8-10-2014
2271
كان اتخاذ تماثيل الرجال هو الذي نبه الناس على اتخاذ صنم الإله إلا أنه لم يعهد منهم أن يتخذوا تمثالا لله سبحانه المتعالي أن يحيط به حد أو يناله وهم، و كأن هذا هو الذي صرفهم عن اتخاذ صنمه بل تفرقوا في ذلك فأخذ كل ما يهمه من جهات التدبير المشهود في العالم فتوسلوا إلى عبادة الله بعبادة من وكله إلى الله على تدبير تلك الجهة المعنى بها بزعمهم.
فالقاطنون في سواحل البحار عبدوا رب البحر لينعم عليهم بفوائدها و يسلموا من الطوفان و الطغيان، و سكان الأودية رب الوادي، و أهل الحرب رب الحرب، و هكذا.
و لم يلبثوا دون أن اتخذ كل منهم ما يهواه من إله فيما يتوهمه من الصورة و الشكل، و مما يختاره من فلز أو خشب أو حجارة أو غير ذلك حتى روي أن بني حنيفة من اليمامة اتخذوا لهم صنما من أقط ثم أصابهم جدب و شملهم الجوع فهجموا عليه فأكلوه.
و كان الرجل إذا وجد شجرة حسنة أو حجرا حسنا و هواه عبده، و كانوا يذبحون غنما أو ينحرون إبلا فيلطخونه بدمه فإذا أصاب مواشيهم داء جاءوا بها إليه فمسحوها به، و كانوا يتخذون كثيرا من الأشجار أربابا فيتبركون بها من غير أن يمسوها بقطع أو كسر و يتقربون إليها بالقرابين و يأتون إليها بالنذورات و الهدايا.
و ساقهم هذا الهرج إلى أن ذهبوا في أمر الأصنام مذاهب شتى لا يكاد يضبطها ضابط، و لا يحيط بها إحصاء غير أن الغالب في معتقداتهم أنهم يتخذونها شفعاء يستشفعون بها إلى الله سبحانه ليجلب إليهم الخير و يدفع عنهم الشر، و ربما أخذها بعض عامتهم معبودة لنفسها مستقلة بالألوهية من غير أن تكون شفعاء و ربما كانوا يتخذونها شفعاء و يقدمونها أو يفضلونها على الله سبحانه كما يحكيه القرآن في قوله تعالى: { فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ} [الأنعام: 136].
و كان بعضهم يعبد الملائكة و آخرون يعبدون الجن، و قوم يعبدون الكواكب الثابتة كشعرى، و طائفة تتخذ بعض السيارات إلها - و قد أشير إلى جميع ذلك في الكتاب الإلهي - كل ذلك طمعا في خيرها أو خوفا من شرها.
و قل أن يتخذ إله من دون الله و لا يتخذ له صنم يتوجه إليه في العبادات به بل كانوا إذا اتخذوا شيئا من الأشياء إلها شفيعا عملوا له صنما من خشب أو حجر أو فلز، و مثلوا به ما يتوهمونه عليه من صورة الحياة فيسوونه في صورة إنسان أو حيوان و إن كان صاحب الصنم على غير الهيئة التي حكوه بها كالكواكب الثابتة و السيارة و إله العلم و الحب و الرزق و الحرب و نحوها.
و كان الوجه في اتخاذ أصنام الشركاء قولهم: إن الإله لتعاليه عن الصورة المحسوسة كأرباب الأنواع و سائر الآلهة غير المادية أو لعدم ثباته على حالة الظهور كالكوكب الذي يتحول من طلوع إلى غروب يصعب التوجه إليه كلما أريد بالتوجه فمن الواجب أن يتخذ له صنم يمثله في صفاته و نعوته فيصمد إليه بوسيلته كلما أريد.
الاكثر قراءة في مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة