الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
أسواق العرب
المؤلف:
مصطفى صادق الرافعي
المصدر:
تاريخ آداب العرب
الجزء والصفحة:
ص20-21
23-03-2015
1796
آخر الأدوار التي قامت فيها قريشٌ مقامها في تهذيب العربيّة، هو الدور العُكاظي؛ وقد أشرنا إلى أسواق العرب آنفاً- ومنها عكاظ- ونحن نوجز القول في بيانها لأنَّها ليست من غرض مانحن فيه.
وهي أسواق كانوا يقيمونها في أشهر السنة وينتقلون من بعضها إلى بعض فكانوا ينزلون "دومةَ الجندل" أول يوم من شهر ربيع الأول، ثمَّ ينتقلون إلى "هجَر" بالبحرين فتقوم سوقهم بها في شهر ربيع الأخر، ثم يرتحلون نحو "عُمانَ" في أرض البحرين أيضاً فتقوم بها سوقهم إلى أواخر جمادى الأولى، ثمَّ ينزلون سوق "المُشقَّر" وهو حصنٌ بالبحرين فقوم سوقهم به أول يوم من جمادى الآخرة، ثمَّ ينزلون سوق "صحَار" فيقيمونها خمسة أيام لعشر يمضينَ من رجب الفرد. وتقوم سوقهم "بالحشرِ" وهو ساحل بين عمان وعدن في النصف من شعبان، ثم يرتحلون فينزلون "عدن أبين " وهي جزيرة في اليمن أقام بها "أبين" فنسبت إليه، ثم تقوم سوقهم في "حضرموت " نصف ذي القعدة، ومنهم من يجوزها وينزل "صنعاء" فتقوم أسواقهم بها.
ولهم أسواق أخرى غير هذه: كــــــــ "ذي المجاز" بناحية عَرَفة، وسوق(مجنة )وهي تقام قرب أيام موسم الحج ويؤمها كثيرٌ من قبائلهم, وسوق (حباشة) كانت في ديار بارق نحو قنونا من مكة إلى جهة اليمن, ولم تكن من مواسم الحج وإنما كانت تقام في شهر رجب، وأسواق كانت بين دورهم ودور العجم يلتقون فيها للتسوّق والبياعات, وهي التي كانت أوسع أبواب الدخيل والمعرّب في هذه اللغة, وذكر منها الجاحظ في( الحيوان) سوق الأبلةِ وسوق لقه (كذا) وسوق الأنبار, وسوق الحيرة.
عكاظ
أما عكاظ فهي أعظم أسواقهم, اتّخذت سوقاً بعد عام الفيل بخمس عشرة سنة -540- للميلاد- ثم بقيت في الإسلام إلى أن نهبها الخوارج الحرورية حين خرجوا بمكة مع الختار بن عوف سنة 129 للهجرة.
وعكاظ نخلٌ في وادٍ بين نخلة والطائف، فكانت تحضره قبائل العرب كلها، لأنها متوجّههم الأكبر، فيجتمعون منه في مكان يُقال له الإبتداء، فتقوم أسواقهم ويتناشدون ويتحاجون، لأنه مشهد القبائل كلّها، إذ كان كلّ شريف إنما يحضر سوق ناحيته، إلاّ عكاظ فإنهم يتوافون إليها من كل جهة، وهم كانوا لذلك العهد يتعلقون بالكلمة السائرة والخبر المرسل، لا يعدلون بذلك شيئاً لما رُكّب في طباعهم من الفخر وحب المحمدة، وما انصرفوا إليه من المباهاة بالفصاحة وقوة العارضة وقرب ما بين اللسان والقلب، ونحو ذلك ممّا اقتضته أحوالهم يومئذٍ.
وفي هذه السوق كان يخطب الشاعر الفحل بقصيدته، والخطيب المصقع بكلمته، كما فعل عمرو بن كلثوم بطويلته التي سميت بالمعلقةِ على قول بعضهم إنها مع باقي القصائد السبع المعروفة عُلّقت في هذه السوق أو في الكعبة-وهو من الأكاذيب، وسنفصل أمره في موضعه- وكما خطب قَسّ بن ساعدة الإيادي حكيم العرب خطبته المشهورة التي شهدها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس على جمل أروق. وفيها ضربت للنابغة الذبياني قُبّةٌ من أدم ليتحاكم إليه الشعراء في أيّهم أشعَر، وقد أنشده فيها الأعشى والخنساءُ وحسانٌ في قصة مشهورة.
ولايخفى أن مثل هذا الاجتماع العام حالة من أحوال الحضارة، ولذلك اقتضت الصناعة اللسانية، فكان العرب يرجعون إلى منطقِ قريش، كما كان هؤلاء يبالغون في انتقاد اللهجات وانتقاء الأفصح منها. وهذا هو الدور الأخير من أدوار التهذيب اللغوي إذ يدخل في حالة عامّةٍ يشيع فيها النطق الفصيح وتبلغ بها اللغة درجة عالية من النشوء ليس بعدها إلاّ موت الضعيف وتحوّله إلى شكل أثري لا منفعة فيه للمجموع المكوّن على هذه الطريقة ولكنه يدلّ على أصل التكوين.
هذا أثر قريش في تهذيب اللغة، وبلغتهم نزل القرآن فتكوّنت به الوحدة اللغويّة في العرب, ومنع لغتهم على الدهر أن تضمحلّ أو تتشعّب فتصير إلى ما انتهت إليه لغات الأمم من تباين اللهجات واختلاف مناحي الكلام كما ترى في اللغات العاميّة العربيّة، فهي من أصل واحد وقد تتباين حتى يصير هذا الأصيل فيها كأنه بعض الجذور الذاهبة في طبقات الأرض خفاءً وضعفاً في التأثير.
وكما أن الذي أنزل عليه القرآن نبيّ العرب، فالقرآن نبيّ العربية، بحيث لا تجد من فضلٍ لرسول الله على الأنام، إلاّ وجدت فضلاً في معناه لكلام الله على الكلام.
الاكثر قراءة في العصر الجاهلي
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
