التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
الملامح العامة لشبه جزيرة العرب
المؤلف: لطفي عبد الوهاب
المصدر: العرب في العصور القديمة
الجزء والصفحة: ص89- 118
26-8-2018
3926
1- الموقع والسطح والأقسام الطبيعية:
تقع شبه جزيرة العرب في القسم الجنوبي من القارة الآسيوية، وهي أقصى منطقة من هذه القارة في هذا الاتجاه، وتحدها مياه البحار من الشرق والجنوب والغرب، ومع هذا فقد سماها علماء العرب "جزيرة العرب"، وهي تسمية فيها تجاوز علمي ظاهر. وأحد الأسباب التي جعلتهم يقدمون على هذا التجاوز هو وجود نهر الفرات الذي يدخل المنطقة في قسمها الشمالي الغربي قرب شواطئ البحر المتوسط ثم يمتد في اتجاه جنوبي شرقي حتى يصبَّ في مياه الخليج في القسم الشمالي الشرقي لشبه الجزيرة، وهو أمر دفع هؤلاء العلماء إلى النظر إلى المنطقة بشكل تجاوزي على أنها جزيرة. كذلك كان بين هذه الأسباب أن المنطقة تشبه جزيرة بشرية يتحدث سكانها باللغة العربية وتحدها "غير الحدود البحرية" مجموعات بشرية تتحدث بلغات أخرى؛ مما حدا بأحد هؤلاء العلماء إلى أن يقول: إن المنطقة "تسمى جزيرة العرب؛ لأن اللسان العربي فيها شائع وإن تفاضل" (1).
ورغم قلة عدد السكان في شبه جزيرة العرب بشكل ظاهر، إلا أنها أكبر شبه جزيرة في كل قارات العالم على السواء. وتبلغ مساحتها ما يقرب من ربع مساحة القارة الأوروبية بأكملها أو ثلث مساحة الولايات المتحدة الأمريكية. أما عن تفاصيل موقعها فيحدها من الشرق الخليج العربي الذي عرف في نصوص وادي الرافدين باسم "البحر الأدنى" و"النهر المر" و"البحر المالح" و"بحر الشروق الكبير"، وعرفه الكتاب الكلاسيكيون "اليونان والرمان" باسم "الخليج الفارسي" أو "البحر الفارسي". أما في الجنوب فتطل شواطئ شبه الجزيرة على المحيط الهندي الذي عرفه الكتاب الكلاسيكيون باسم "البحر الأحمر" "وهي الترجمة العربية للفظة erythre thalassa اليونانية" أما في الغرب فتغسل شواطئ شبه الجزيرة مياه البحر الأحمر الذي أطلق عليه الكتاب الكلاسيكيون الاسم نفسه. كما سموه كذلك باسم "خليج العرب" بينما عرفوا طرفه الشمالي من ناحية شبه جزيرة العرب باسم "خليج أيلة" أو "خليج الأيلانيين" نسبة إلى "إيلات"، أو "إيلوت" وهي التسمية العبرية لميناء العقبة (2).
والبحر الأحمر الذي يفصل بين شبه الجزيرة من جهة والقارة الإفريقية من جهة أخرى يمثل في الواقع الجزء الأكبر من أخدود أو هبوط أرضي حدث في العصر الجيولوجي الثالث، ويعتبر في ضوء هذه الحقيقة امتدادا طبيعيا لوادي الأردن والبحر الميت ووادي عربة من ناحية الشمال. أما ساحله الذي تطل عليه شبه الجزيرة فأغلب مناطقه من الشعب أو الصخور المرجانية المتشعبة التي لا تصلح لأن تقوم فيها موانئ لرسو السفن مما صعب الملاحة وحدا بالعرب إلى أن يديروا ظهرهم لهذا البحر بشكل عام. وأخيرا ففي أقصى الجنوب من هذا البحر توجد أضيق أماكنه وهي المنطقة المعروفة باسم مضيق "باب المندب" الذي ينتشر فيه عدد من الجزر فتجعل الانتقال بين الطرف الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة وبين الشاطئ الإفريقي أمرا ميسورا، وقد كان هذا بالفعل هو سبب الاتصال الوثيق بين اليمن والحبشة في الفترة التي نحن بصدد الحديث عنها، سواء أكان اتصالا وديا في مجال النشاط التجاري والثقافي أم نشاطا عدائيا في مجال التدخل السياسي أو الغزو والسيطرة العسكرية.
أما الحدود الشمالية والشمالية الشرقية لشبه الجزيرة فهي المنطقة الصحراوية التي تمتد بين وادي الرافدين والمنطقة السورية، والتي تقع إلى جنوبي امتداد الهلال الخصيب. والقسم الشرقي من هذه المنطقة وهو القسم المتاخم لوادي الرافدين يعرف باسم بادية السماوة بينما يعرف القسم الغربي المتاخم لسورية باسم بادية الشام. وهذه البادية الأخيرة توجد عند أطرافها من ناحية الجنوب الغربي بعض مناطق صخرية على شيء من الاتساع مثل المنطقة التي ظهرت فيها مدينة بترا petra "البتراء" عاصمة الأنباط، والتي كانوا يتحكمون من موقعها في خط القوافل التجاري إلى سورية.
وفي حدود هذا الإطار نجد أن العمود الفقري لشبه الجزيرة هو سلسلة من الجبال تمتد من جنوبي سورية في الشمال إلى اليمن في الجنوب موازية لساحل البحر الأحمر وقريبة منه، وهي جبال السراة. وهي سلسلة يصل ارتفاعها إلى 9000 قدم في منطقة مدين في القسم الشمالي الغربي لشبه الجزيرة، وفي الوسط "الحجاز الحالية" إلى 1000 قدم وإلى أكثر من 12.000 قدم في اليمن، وهذه السلسلة الجبلية تنحدر انحدارا شديدا نحو الغرب حيث المنخفض الساحلي الذي تغسله مياه البحر الأحمر، بينما تنحدر بتدرج وامتداد كبير عبر كل القسم الشرقي لشبه الجزيرة. وفي وسط هذا الامتداد المتدرج الكبير مع اتجاه بسيط نحو الشمال تقع هضبة نجد التي يبلغ متوسط ارتفاعها 2500 قدم، كما توجد بها سلسلة من الجبال هي جبال شمّر، تصل إحدى قممها، وهي جبل أجأ، إلى 5550 قدمًا فوق مستوى البحر. أما عن بقية شبه الجزيرة فنحن نجد شريطا من الأرض المنخفضة على طول السواحل الجنوبية والشرقية تليها نحو الداخل سلاسل جبلية تصل إلى ارتفاعات متفاوتة، ومن بين هذه المرتفعات يصل الجبل الأخضر في عُمان إلى 9900 قدم مشكلًا بذلك استثناء واضحا للاتجاه الشرقي المتدرج لسطح شبه الجزيرة (3).
وفيما عدا السلاسل الجبلية والمناطق المرتفعة، وأهمها نجد أو الهضبة الوسطى الشمالية، فإن بقية الأرض تتكون من امتدادات مقفرة أو مناطق معشبة وهذه الأخيرة تسمي الدارات. والدارة منطقة سهلية على شيء من الاستدارة تحيط بها التلال وتحتوي على قدر من المياه الجوفية ينبثق في شكل عيون أو ينابيع (4). ومن المناطق العشبية التي تكثر فيها الدارات بادية السماوة "غربي العراق" وبادية الشام "شرقي سورية" رغم ما قد توحي به تسمية "البادية" في بعض الأحيان من صفة صحراوية تغري بالاعتقاد في إقفارها الكامل.
أما المناطق الصحراوية المقفرة فيمكن تقسيمها من حيث تكوينها، إلى ثلاثة أقسام، وأحد هذه الأقسام أو التكوينات هو منطقة النفود. والمنطقة تشكل امتدادا صحراويا واسعا يقع بشكل مستعرض في القسم الشمالي من شبه الجزيرة ويبلغ طوله نحو 450 كيلومترًا مبتدئا بواحة تيماء في الغرب ومتجها نحو الشرق، بينما يبلغ عرضه نحو 250 كيلومترًا من الجوف شمالا إلى جبال شمر جنوبا، وتمتد المنطقة من الغرب إلى الشرق في انخفاض تدريجي يصل إلى نحو 150مترا. وبفعل الرياح تتخذ الرمال التي تغطي المنطقة شكل تموجات رملية أحيانا بينما تتخذ شكل كثبان في أحيان أخرى، ورغم جفاف المنطقة فإنها تتعرض من حين لآخر لشتاء ممطر فتغطيها "وبخاصة في الأماكن ذات الرمال الحمراء" الأعشاب والنباتات والزهور التي يقصدها الأعراب لأسباب الرعي، كما تنبت فيها بعض النباتات المرتفعة القوية السيقان "مثل بعض أنواع الغضا" يتخذها البدو حطبا يستخدمونه في أغراض حياتهم اليومية. ولكن هذه الفترات من الاخضرار لا تستمر إلا أسابيع قليلة، تجف بعدها أمام رياح السموم الحارقة التي تهبُّ من الشرق والجنوب في أواخر فصل الربيع وفي أشهر الصيف (5).
أما القسم أو التكوين الثاني فيعرف باسم الدهناء أو الأرض الحمراء، وهو مسطح شائع من الرمال الحمراء يبتدئ من النفود في الشمال ويمتد في شكل قوس كبير عبر مسافة تزيد على 600 ميل نحو الجنوب الشرقي دخولا في المنطقة المعروفة باسم الربع الخالي والجزء الغربي من الدهناء يعرف أحيانا باسم الأحقاف "أي الكثبان الرملية". وربما كانت مياه الخليج تغمرها في يوم من الأيام إذ يوجد فيها امتداد فرعي صغير للخليج يمتد إلى جنوبي قطر كما توجد فيها رواسب من النوع الذي يوجد في قاع البحر. وحين تسقط الأمطار في المنطقة بشكل موسمي تنبت الأعشاب التي يقصدها البدو لأسباب الرعي لعدة شهور في السنة، ولكنها تجف تماما في أشهر الصيف بحيث لا يصبح فيها مجال للحياة.
ويبدو أن المنطقة كانت أقل إقفارًا في مجال الحياة ومجال السكان لفترة طويلة أو قصيرة قبل الإسلام، لسببين أحدهما أنها كانت أكثر مطرا أو عيونا ومن ثم كانت أكثر خصبا، وثانيهما أنها كانت تمر بها بعض الطرق التي تسلكها الخطوط التجارية من جنوبي شبه الجزيرة إلى شواطئ الخليج، ومن بين الشواهد التي قد تدل على ذلك آثار عدد من القرى القديمة في منطقة وبار "جنوبي غرب رمال يبرين أو جبرين" وإشارة القرآن الكريم إلى منطقة الأحقاف كموطن لقوم عاد كما يدل على نشاط الخط التجاري الذي يمر بها بيت شعر للأعشى يشير فيه إلى قوافل الجمال التي كانت تمر بالدهناء إلى شاطئ الخليج حيث يحمِّلها التجار بالسلع التي كانت توجد في سوق "دارين" إحدى موانئ جزيرة تاروت "تقع إلى شمالي قطر الآن" وتعود بعدها وقد حملت من هذه السلع شيئا كثيرا (6).
ثم نأتي إلى القسم أو التكوين الثالث من المناطق الصحراوية وهو ما يعرف باسم "الحرار" أو "الحرات" "جمع حرة" وهي الأراضي التي تغطيها حجارة بركانية سوداء، بعضها هو أفواه البراكين ذاتها، والبعض الآخر ناتج من تفتت الحمم أو اللافه "سماها العرب اللابه أو اللوبه" التي قذفت بها هذه البراكين ثم بردت وتفتتت بمرور الزمن وثوران البراكين ظاهرة عرفتها شبه الجزيرة العربية منذ العصور السحيقة كما عرفتها المناطق المقابلة لها سواء في الحبشة أو في عدد من الأماكن الأخرى على السواحل الشرقية للقارة الإفريقية، وقد ظل بعض هذه الحرار ثائرا أو ثار بشكل متقطع بعد العصر الإسلامي، مثل حرة "النار" التي كانت لا تزال ثائرة في عهد عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين. وكانت آخر مناسبة ثارت فيها البراكين في شبه جزيرة العرب في أواسط القرن الثالث عشر الميلادي "1256م" حين ثارت إحدى الحرات في شرقي المدينة لعدة أسابيع وامتدت الحمم التي قذف بها حتى توقفت على مسافة بضعة كيلو مترات قليلة من المدينة، وكانت ثورة هذه الحرة فيما يبدو مظهرا من مظاهر الهزات الأرضية والانفجارات البركانية التي عرفتها بعض المناطق في غربي آسيا في أواخر القرن الثاني عشر وخلال القرن الذي يليه.
وتوجد الحرار في شبه الجزيرة العربية على امتداد المنطقة الغربية من الجنوب قرب باب المندب حتى تلتقي بالمنطقة التي توجد فيها الحرار في سورية في منطقة حوران. كما توجد في بعض المناطق الوسطى في شبه الجزيرة مثل المنطقة الشرقية الجنوبية من هضبة نجد، وقد عد أحد علماء العرب 29 من هذه الحرار، كما أضاف إليها الرحالة المحدثون عددا آخر. ومن بين الحرات التي عرفها العرب حرة تبوك حرة النار قرب خيبر "وكلتاهما في شمالي غربي شبه الجزيرة"، وحرة واقم التي تقع إلى شرقي المدينة، وحرة وبرة التي تقع على بعد ثلاثة أميال غربي المدينة في أول الطرق المؤدية إلى مكة، وحرة ضروان في اليمن (7).
وفي حدود هذه الملامح السريعة لحدود شبه جزيرة العرب، تعرفت دول وشعوب العالم القديم على شبه الجزيرة وحاولوا تصورها في أقسام تتفق بشكل أو بآخر مع اهتماماتهم السياسية أو الاقتصادية أو مع معلوماتهم الجغرافية، كما قسمها علماء العرب في العصر الإسلامي إلى أقسام تعكس تصور سكان شبه الجزيرة أنفسهم لهذا التقسيم في العصر السابق للإسلام، وتعتبر دون شك استمرارا لهذا التصور. وفي هذا المجال فإننا نجد أنه في خلال الفترة الأولى التي بدأت فيها الدول والشعوب المحيطة بشبه الجزيرة العربية تهتم بالمنطقة، وهي فترة تمتد بين أواسط القرن التاسع ق. م. والنصف الثاني من القرن السادس ق. م. كانت هذه الدول والشعوب تُعنى بالقسم الشمالي فحسب من بلاد العرب، مع اختلاف في مدى امتداد هذا القسم من الشرق إلى الغرب أو عمقه من الشمال إلى الجنوب.
ففي عهد الملوك الآشوريين ابتداء من حكم الملك شلمنصر الثالث "858-824ق. م" كانت بلاد العرب حينما تذكر في سجلات هؤلاء الملوك تعني أقصى القسم الشمالي لشبه الجزيرة. وهو القسم الذي يشكله المعبر بين وادي الرافدين وسورية. وفي آخر عهد الدولة البابلية الحديثة نجد أن هذا التصور يتسع بعض الشيء، إذ نجد الملك نابونائيد "556-539ق. م. وهو الذي عرفه اليونان باسم نابونائيد NABONIDOS" يقيم بين السنة السابعة والسنة الحادية عشرة من حكمه في مدينة تيماء التي توجد جنوبي هذا المعبر "في القسم الشمالي الغربي لشبه جزيرة العرب" كما يصل بحملاته جنوبا حتى يصل إلى يثرب "المدينة فيما بعد" وبذلك يكون قد دفع تصور البابليين عن بلاد العرب إلى حدود هذه المدينة (8) . أما اليونان فقد عرفوها في أواسط القرن الثامن، أو بالأحرى أشاروا إلى المنطقة ضمنا عن أنها بادية الشام فحسب، وهو تصور كان سائدًا عند الآراميين كذلك، حسبما نستنتج من أحد النصوص الآرامية التي ترجع أحداثها إلى النصف الأول من القرن الثامن ق. م. فإذا وصلنا إلى الفترة بين أواخر القرن السادس وأواسط القرن الخامس وجدنا تصور الفرس لبلاد العرب يتراجع، على ما يبدو، إلى تصور الآشوريين، أي: إلى المعبر الصحراوي بين وادي الرافدين وسورية رغم ما يبدو في نص أكدي من عهد أحشويرش الإمبراطور الفارسي "485-465 ق. م." مما قد يشير إلى توسع في هذا التصور خارج هذه المنطقة (9).
ولكن الفترة التي تبدأ بأواسط القرن الخامس ق. م. تشهد تغيرا كبيرا في تصور بلاد العرب لدى الشعوب والدول التي اهتمت لسبب أو لآخر بالمنطقة. ويبدو هذا التغير واضحا فيما تركه لنا الكتاب الكلاسيكيون "اليونان والرومان" سواء من بينهم المؤرخون أو الرحالة أو الجغرافيون أو الكتاب الموسوعيون. وقد كان أول من ظهر في كتاباته هذا التغير الواضح في تصور حدود شبه الجزيرة هو هيرودوتس herodotos أول المؤرخين "أو أبو التاريخ حسبما لقبه شيشرون cicero الخطيب والسياسي الروماني الشهير الذي عاش في القرن الأول ق. م". فقد كان هذا المؤرخ هو أول من دفع بحدود بلاد العرب لكي تشمل كل شبه الجزيرة العربية وإن كان قد زاد على هذه الحدود بعض المناطق التي تقع إلى خارجها. وهو تصور يتأرجح بين شبه الجزيرة وهذه المناطق الواقعة إلى خارجها "مع اختلاف في امتداد هذه المناطق الخارجية" حتى استقر نهائيا على شبه الجزيرة بما في ذلك المنطقة الصحراوية الشمالية الواقعة على الحدود الجنوبية لمنطقة الهلال الخصيب "أي بما في ذلك بادية العراق وبادية الشام" في كتابات بطليموس كلاوديوس ptolemaios klaudios التي قام بها في خلال النصف الأول من القرن الثاني الميلادي، وهو الكاتب اليوناني المصري الذي عرفه العلماء العرب في العصر الإسلامي باسم بطليموس الجغرافي.
ولم يقتصر الكتاب الكلاسيكيون على تقديم التحديد العام لشبه جزيرة العرب، وإنما تعدوا ذلك إلى تقسيمها إلى مناطق طبيعية، قسموها بدورها إلى أقسام تضم الأماكن الزراعية أو الرعوية أو التي يعيش أهلها على التجارة.
كما وصفوا تضاريسها وشواطئها ومناخها وسكانها ونباتها وحيوانها. وحين وصل هذا التقسيم العام إلى أدق ما وصل إليه عند الكتاب الكلاسيكيين كان يضم ثلاث مناطق: المنطقة الأولى أطلقوا عليها اسم "العربية الصحراوية" arabia erema وهي القسم الأكبر من الناحية الشرقية من الامتداد الصحراوي الذي يتوسط وادي الفرات شرقا وسورية غربا. و"العربية الصخرية" arabia petraea وتضم القسم الغربي من هذا الامتداد وتقع في وسطها مدينة البتراء petra المنحوتة في الصخر قرب وادي موسى في الأردن حاليا، التي اتخذها الأنباط عاصمة لهم في القرن الأول ق. م. والقرن الأول الميلادي قبل أن يدخلوا ضمن الإمبراطورية الرومانية. ولنا أن نتصور أن القسم كان حدوده تتقلص أو تتسع بالضرورة حسب الظروف السياسية، فقد وصل نفوذ الأنباط إلى دمشق أحيانا في الشمال، كما امتدت منطقة نفوذهم الجنوبية إلى المنطقة التي تعرف بمدائن صالح في الوقت الحاضر "في القسم الشمالي الغربي من المملكة السعودية الآن" تدلنا على ذلك الآثار النبطية التي توجد في هذه المنطقة الآن والتي تعتبر امتدادا لآثار البتراء سواء من حيث نحتها في الصخر أو في الطراز المعماري لها. أما القسم الثالث والأخير من هذه المناطق الطبيعية التي قسم الكتاب الكلاسيكيون بلاد العرب إليها فقد أسموه "العربية الميمونة أو المباركة" arabia eudaemon وهو القسم الذي يقع إلى الجنوب من خط وهمي يمتد من الطرف الشمالي للخليج العربي "أو الفارسي حسب التسمية الكلاسكية آنذاك" في الشرق، إلى رأس خليج العقبة "خليج أيلة في الكتابات القديمة" أو إلى نقطة على الشاطئ الشرقي لهذا الخليج. وقد سماها الكتاب الكلاسيكيون بهذا الاسم لوفرة مواردها، سواء أكانت هذه موارد زراعية وبخاصة في الركن الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة العربية "منطقة اليمن" أم كانت موارد تجارية من نقل السلع بين الأطراف المختلفة لشبه الجزيرة (10) .
وقد كان هذا القسم الأخير من التقسيم الكلاسيكي، وهو "العربية الميمونة أو المباركة" هو القسم الذي اقتصر عليه تصور الجغرافيين العرب في العصر الإسلامي ثم قسموه إلى خمس مناطق، وأكرر هنا ما سبق أن أشرت إليه وهو أن هذه المناطق تعكس بالضرورة تصور العرب قبل الإسلام لشبه الجزيرة العربية من ثم فهو استمرار لهذا التصور (11). وأولى هذه المناطق الخمسة هي منطقة الحجاز، وقد أطلقها الجغرافيون العرب على المنطقة التي تمتد فيها سلسلة جبال السراة التي رأيناها تخترق شبه الجزيرة من شماليها إلى جنوبيها، وسبب تسميتها بالحجاز عند العرب هو أنها تحجز بين المنطقة الضيقة التي توجد إلى غربيها نحو ساحل البحر الأحمر، والمنطقة الفسيحة التي تمتد شرقي هذه الجبال حتى الخليج. وقد اشار الكتاب العرب إلى عدد غير قليل من الأودية التي تتخلل هذه المنطقة الجبلية والتي يوجد بها عدد من العيون المائية. ومن بين هذه الأودية وادي نخال الذي يقع بين مكة والمدينة، ووادي القِرى الذي يقع بين المدينة والعلا "ديدان القديمة" وكان يمر به طريق القوافل الرئيسي قبل الإسلام، وبه واحة ونهر صغير "يقعان غرب آثار ديدان" وكان يتصل بهذا الوادي واديان آخران هما وادي جزل في الشمال ووادي حمض في الجنوب. ومن بينها كذلك وادي بدا الذي يوجد قرب أيلة "العقبة الحالية، على رأس خليج العقبة" (12) .
والمنطقة الثانية في التقسيم العربي لشبه الجزيرة هي منطقة "تهامة" وهي المنطقة الضيقة المنخفضة التي تقع بين جبال الحجاز والبحر الأحمر، وقد كانت كلمة تهامة عند العرب تعني الأرض المنخفضة، وهي كلمة يبدو أن العرب اشتقوها من طبيعة هذه المنطقة. أما التسمية ذاتها فهي تسمية ترد في النصوص العربية الجنوبية السابقة للإسلام في صورة "تهمت" أو "تهتم" وربما كانت لها علاقة بكلمة "تيهوم" العبرانية، كما يرى أحد الباحثين احتمال اشتقاقها من كلمة تيامتو tiamtu التي تعني البحر في البابلية، وإن كنت أستبعد هذا الرأي الأخير (13).
ثم تأتي المنطقة الثالثة وهي "اليمن" وتقع في الركن الجنوبي الغربي لشبه جزيرة العرب. وتخترق جبال السراة اليمن حتى البحر عند حدودها الجنوبية. ويتخلل المنطقة سواء في المناطق السهلية أو في الهضبة المطلة على عدن عدد من الوديان الجافة تنساب فيها المياه في الموسم المطير، وربما كانت هذه بقايا أنهار قديمة ولكنها جفت على مر القرون، ويرد اسم اليمن في النصوص العربية الجنوبية السابقة للإسلام في صورة "يمنت" أو "يمنات" أما الجغرافيون العرب في العصر الإسلامي فقد رد بعضهم تسمية اليمن إلى تيامن العرب بها على أساس أنها تقع إلى يمين الأرض "بالنسبة للشخص الذي يقف وظهره إلى البحر ونظره إلى امتداد شبه الجزيرة" بينما تقع الشام ناحية الشمال "بكسر الشين" أي إلى اليسار كما ذكر البعض الآخر أن سبب هذه التسمية يرجع إلى اليُمْن والخير لما فيها من زراعة ونخيل وثمار (14). ولعله من الوارد في هذا المقام أن نذكر بأن تسمية arabia eudameon اليونانية وتسمية arabia felix اللاتينية وهما التسميتان اللتان أطلقهما الكتاب الكلاسيكيون على المنطقة تعنيان -كلتاهما- العربية السعيدة أو الميمونة، بينما تضيف التسمية اللاتينية إلى هذه المعاني معنى "العربية الخصبة".
والمنطقة الرابعة في تقسيم العلماء العرب لشبه جزيرة العرب هي منطقة العروض. وهي تغطي الامتداد الذي يبدأ من الأطراف الشرقية لليمن ثم يستمر في اتجاه شرقي وشمالي شرقي حتى يصل إلى اليمامة وشواطئ البحرين "وإن كان أحد هؤلاء الجغرافيين يجعل اليمامة من أقسام نجد". والمنطقة تتكون من صحارٍ وسهول ساحلية، وفيها عدد قليل من الواحات التي نجمت عن سقوط القليل من المطر أو عن وجود بعض العيون التي تبلغ نحو 40 عينًا. ومن بين مدنها "هجر" التي عرفها الكتاب الكلاسيكيون باسم إجرا egra، والعقير ولعلها كانت المدينة التجارية المهمة التي عرفها هؤلاء الكتاب باسم جرهاء gerrha. وإذا اعتبرنا اليمامة "وهي المنطقة التي تلي البحرين من ناحية الغرب" قسمًا من أقسام العروض، فإننا نجدها الآن منطقة صحراوية وإن كانت الدلائل تشير إلى أنها كانت منطقة مأهولة في العصور السابقة، فقد وجدت ببعض جهاتها مواقع أثرية بها بقايا أبنية ضخمة لعلها كانت قصورا وهو أمر محتمل إذا أدخلنا في اعتبارنا أن خطا تجاريا كان يمر عبر اليمامة هو درب اليمامة. ومما يشجع هذا الاحتمال أن الأخبار المتواترة تذكر أن المنطقة كانت ذات عيون وآبار ومراعٍ، مزارع وجدت ولا يزال بعضها يوجد في أوديتها. ومن بين هذه الأودية العرض أو العارض، وهو يخترقها من الشمال للجنوب، ووادي الفقي ووادي حنيفة وعرض شمام (15).
وخامس أقسام شبه جزيرة العرب، حسب التقسيم العربي، هو منطقة نجد التي تشكلها الهضبة الوسطى في شبه الجزيرة. ويقسمها علماء العرب إلى قسمين: نجد العالية، وهي ما ولي الحجاز وتهامة؛ ونجد السافلة "أي المنخفضة" وهي ما ولي العراق، وقد جاء هذا التقسيم نتيجة تكوينها الطبيعي الذي يبدأ مرتفعا في الغرب ثم ينحدر بلطف حتى يصل إلى منطقة العروض في الشرق. ويتكون سطح الهضبة من عدد من التلال التي يبلغ ارتفاعها بضع مئات من الأقدام، كما يوجد بها عدد من الأودية أهمها: وادي الرمة ذو الأرض الطباشيرية في ناحيته الشمالية والأرض الرملية في ناحيته الجنوبية. ويبدو أن منطقة نجد كانت أكثر خصوبةً في الماضي منها في الحاضر؛ إذ يرى بعض الباحثين المحدثين أنه كانت توجد في بعض أجزائها أشجار وغابات ولا سيما في "الشربة" جنوبي وادي الرمة وفي "وجرة" (16).
2- المناخ:
هذا عن سطح شبه الجزيرة العربية بحدوده وأقسامه الطبيعية، وعن تصور العرب والشعوب المجاورة لهم أو المتصلة أو المهتمة بهم وببلادهم لهذه الحدود والأقسام الطبيعية. ونستمر الآن في الحديث عن بقية الملامح الجغرافية لشبه الجزيرة، وأول ما يسترعي انتباهنا في هذا المجال هو المناخ الذي يميل بشكل ملحوظ إلى الجفاف، والذي يسيطر على أغلب أقسام المنطقة بشكل عام. وقد يبدو هذا غريبا إذا أدخلنا في اعتبارنا أن شبه جزيرة العرب تحيط بها ثلاثة امتدادات مائية، هي الخليج العربي في الشرق والمحيط الهندي في الجنوب والبحر الأحمر في الغرب، وهي امتدادات مائية يبدو للوهلة الأولى أنها كفيلة، بما ينتج عنها من بخر، أن تجعل المنطقة أميل إلى الرطوبة المسببة للمطر، ولكن بعض العوامل الطبيعية حالت دون هذه النتيجة المفترضة؛ ومن ثم أدت إلى الجفاف الذي أصبح السمة المناخية الغالبة لشبه الجزيرة.
وأول هذه العوامل الطبيعية هو أن اثنين من هذه الامتدادات المائية، وهما الخليج في الشرق والبحر الأحمر في الغرب، لا يشكلان في حقيقة الأمر إلا سطحين ضيقين إذا قيسا ببعض البحار الداخلية مثل البحر المتوسط أو البحر الأسود، أو بالمسطحات المائية الهائلة مثل المحيطات، ومن هنا فإن أثرهما من حيث الرطوبة غير كافٍ لكسر حدة الامتداد الصحراوي الجاف وفي استمراريته المتوافرة عبر الكتلة الإفريقية الآسيوية الهائلة. أما المحيط الهندي الذي يغسل الشواطئ الجنوبية لشبه الجزيرة فرغم ما يوفره من كمية بخر هائلة إلا أن رياح السموم الحارقة "وتسمى أحيانا بالسهام أو الهفوف"، وهي العامل الطبيعي الثاني تستوعب أغلب هذا البخر وتحول دون تحوله إلى أمطار؛ ومن ثم تقضي على أثره. وتبلغ درجة الحرارة المترتبة على هذه الرياح حول 55 درجة مئوية في عمومها مع اختلاف بسيط بين منطقة وأخرى كما هو الحال، على سبيل المثال، بين مكة التي ترتفع فيها درجة الحرارة بشكل ملحوظ، والمدينة التي تقع إلى شماليها والتي تخف فيها درجة الحرارة بشكل نسبي. كما توجد بعض الاستثناءات في المناطق المرتفعة كما هو الحال في صنعاء "باليمن" التي ترتفع إلى 7000 قدم فوق سطح البحر وتعتدل فيها الحرارة بصورة تجعل جوها من أحسن أجواء شبه الجزيرة. ولا عجب، بعد هذا، أن يرتاح أغلب سكان شبه جزيرة العرب إلى الريح الشرقية التي أسموها ريح الصبا، وهي ريح معتدلة الحرارة، وهو ارتياح عبر العرب عنه في أشعارهم بشكل واضح سواء في كثرة الأشعار التي يذكرون فيها هذه الريح أو في نوعية إبداء هذا الارتياح الذي يصل إلى ما يقرب من التغزل في كثير من الأحيان. ثم يأتي بعد هذين العاملين اللذين أديا إلى الجفاف الغالب على شبه جزيرة العرب العامل الثالث وهو وجود المناطق المرتفعة بمحاذاة السواحل وعلى مقربة منها، بحيث تصد القدر الأكبر من الرياح المحملة بالسحاب، ومن ثم تفرغ حمولتها من المطر، إذا توفرت الظروف الطبيعية لتحويل هذا السحاب إلى مطر، إلا في أماكن قليلة أو في حالات عارضة (17).
وقد كانت نتيجة هذه العوامل الثلاثة المؤدية إلى الجفاف أو المساعدة عليه أن أغلب المسطح الأرضي الذي تمتد عليه شبه جزيرة العرب أصبح بادية صحراوية قد لا يصيبها المطر لفترات طويلة كما هو الحال في منطقة الحجاز "بتحديدها الحالي" التي قد يستمر فيها الجفاف ثلاث سنوات متعاقبة. بينما قسم بسيط من هذا المسطح هو وحده الذي ينعم بالمطر بدرجات متفاوتة، وإذا كان هذا المطر ينهمر غزيرا في بعض الأحيان، إلا أن هذه الغزارة ليست لها صفة الاستمرار، ومن هنا فإن شبه الجزيرة بكاملها ليس فيها نهر واحد تمكن من أن يشق مجراه، نتيجة لغزارة الأمطار، حتى يصل إلى شواطئ المنطقة، وإنما توجد بدلا من الأنهار، شبكة الوديان التي تنحتها هذه المناسبات العارضة من المطر الغزير ثم ينحسر المطر فتجف الوديان وتشكل، بمرور الزمن، شبكة الطرق الطبيعية التي عرفها سكان شبه الجزيرة في تنقلهم وراء الكلأ أو في هجراتهم أو اتخذوا منها خطوطا لقوافلهم التجارية. وليس بغريب، نتيجة لهذا الجفاف العام في شبه جزيرة العرب، أن تكون إحدى تسميات المطر عند العرب هي "الغيث" التي توحي بمفهوم الإغاثة من الإقفار الناتج عن الجفاف، أو أن نسمع بين الممارسات الدينية للعرب عن صلوات "الاستسقاء" و"الاستمطار" حتى ينزل المطر ليسقي الأرض فيحيي النبت لصالح الإنسان والحيوان على السواء.
أما هذا المطر فإنه، إلى جانب قلته، لا يصيب المناطق التي ينزل فيها بمعدل واحد من الوفرة أو الانتظام ففي اليمن ومنطقة عسير ينزل منه قدر منتظم يسمح بالزراعة الدائمة في بعض الوديان التي تمتد إلى مسافة 200 ميل من الشاطئ إلى الداخل، وفي مساحات أخرى على الشاطئ ولكنها ليست بهذا الامتداد. بل إن المطر قد ينزل على بعض المناطق الجبلية فيحولها السكان إلى مناطق زراعية، كما يفعل سكان "الجبل الأخضر" في اليمن حيث تصطدم السحب المثقلة بالبخار بقمم هذا الجبل فتفرغ ما بها من أمطار على جوانبه ويعمد سكان المنطقة إلى تسوية جوانب الجبل على هيئة مدرجات تستقبل مسطحاتها مياه المطر وتحتفظ بها ومن ثم يمكن زراعتها، بدلا من أن تنزل الأمطار جميعها إلى أسفل الجبل. وقد أدى هذا الوضع في اليمن بالذات إلى تنوع النباتات التي تتناسب مع الأجواء المختلفة، بين الجو المعتدل في المرتفعات، والجو الدافئ في الأماكن الأقل ارتفاعا، والجو الحار الرطب في الوديان المنخفضة.
ولكن هذا النوع من الأمطار لم يكن من حظ مناطق أخرى، ففي القسم الشمالي من النفود، وفي القسم الشمالي الشرقي من الحجاز "بحدوده الحالية" تنزل كميات من المطر ولكنها لا تعادل أمطار اليمن وعسير سواء من حيث الوفرة أو الانتظام. وقد أدى هذا إلى ظهور بعض الواحات التي قد يستمر بعضها دون البعض الآخر. ودليلنا على هذا عدد من الواحات، أكبرها تشغل مساحتها عشرة أميال مربعة، لا تزال باقية في القسم الشمالي من الحجاز، بينما عدد آخر من الواحات التي كانت موجودة في المنطقة إما اندثر أو اضمحل مثل واحة "فَدَك" "تعرف حاليا باسم الحائط" التي كان لها شأن في صدر الإسلام، ولكنها لم تعد الآن على ما كانت عليه من الخصوبة آنذاك.
على أن هذه الأمطار، على عدم وفرتها أو انتظامها في كل المناطق بنسب متساوية، قد تهطل في بعض الأحيان بغزارة غير معتادة فتتحول إلى سيول قد تؤدي شدة تدفقها إلى إغراق بعض السكان أو إلى تدمير بعض معالم العمران كما كان يحدث في بعض الأحيان في مكة والمدينة، وفيما يخص مكة فقد كاد أحد هذه السيول أن يهدم الكعبة في دفقة من دفقاته العنيفة، ولكن مع ذلك فلم تكن كل هذه السيول شرا محضا، فقد عمل السكان أو الحكومات على السيطرة عليها عن طريق بناء سدود تختزن مياهها للانتفاع بها في أوقات الجفاف، وأشهر هذه السدود هو سد "مأرب" في اليمن. وإن لم يكن هذا هو السد الوحيد، فقد وجد الرحالة آثار سدود قديمة في بعض مواضع في الحجاز ونجد والعربية الجنوبية تعود إلى ما قبل العصر الإسلامي (18).
3- النبات والحيوان:
وقد ظهر أثر هذا الجو الذي يسوده الجفاف، إلى جانب ملوحة أجزاء كبيرة من أرض شبه الجزيرة العربية في النباتات التي عرفتها المنطقة، فلم تتسم هذه النباتات بوفرة أصنافها أو بترف نوعياتها. هذا وقد توزعت هذه النوعيات على مناطق مختلفة من شبه الجزيرة تبعا لمقدار خصوبة الأرض أو نوع تربتها، وتبعا لحظها من الرطوبة والحرارة، كما أن عددًا منها لم يكن أصيلًا في المنطقة وإنما أدخل إليها من بلاد أخرى في فترة أو أخرى من فترات التاريخ. كذلك يبدو أن عرب شبه الجزيرة قد تعرفوا على بعض طرق الزراعة في مجال حرث الأرض أو ري المزروعات من مناطق خارج شبه الجزيرة، وهو أمر قد تشير إليه بعض الألفاظ التي اتخذها أهل الحجاز ونجد في هذا المجال؛ من بينها على سبيل المثال وصف "بعل" للنباتات التي لا تحتاج إلى ري يقوم به الإنسان، والإله بعل كان إله الينابيع والأرض الباطنية في المنطقة السورية، وقد دخلت عبادة بعل إلى المنطقة في العصر الجاهلي من سورية. كذلك لفظة "أكار" بمعنى حارث الأرض، والكلمتان من أصل آرامي.
وفي مجال الحبوب عرف سكان البلاد زراعة القمح في اليمن وفي بعض الواحات، كما عرفوا زراعة الأرز في عمان والحسا، وفي مناطق متفرقة عرفوا زراعة الذرة كما زرعوا الشعير كطعام أو علف للخيل. كذلك في مجال الفواكه كان عدد منها معروفًا في شبه الجزيرة، فقد ورد ذكر بعضها في القرآن الكريم مثل: التين والزيتون والأعناب والرمان. ومن بين هذه فإن زراعة الكروم "الأعناب" نبتت في مواطن كثيرة من بينها الطائف "في الحجاز" واليمن ومنها كانوا يعصرون نبيذ الزبيب، ويرى البعض أنها دخلت الحجاز من منطقة الشام في القرن الرابع الميلادي. أما الزيتون فيرى أحد الباحثين أن الحجاز لم يعرفه إطلاقا، بينما يرى باحث آخر أن ورود ذكره في القرآن الكريم يدل على وجوده في هذه المنطقة، وربما يكون قد وجد في العصر القديم ثم اندثرت زراعته مع اندثار بعض الواحات، كما سبق لنا أن رأينا، إما بسبب زحف الجفاف على هذه الواحات، وإما بسبب هجرة بعض القبائل أو أعداد منها من الحجاز إلى مناطق أخرى مع عصر الفتوح الإسلامية، أو لانصرافهم عن الزراعة واشتغالهم بالتجارة أو غيرها، كذلك فإن ذكر الزيتون في القرآن إذا كان يشير إلى معرفة عرب الحجاز بهذه الفاكهة، فإن هذا ليس معناه وجودها في هذه المنطقة بالضرورة فربما عرفها سكان البلاد عن طريق المبادلات التجارية التي نقلت إليهم ثمراتٍ وسلعًا -بل وأفكارًا- كثيرة لم يتعرفوا عليها إلا من خلال هذه المبادلات.
أما عن الأشجار، فقد كانت الشجرة الأولى في شبه جزيرة العرب هي النخلة، التي انتفع سكان المنطقة بكل جزء منها؛ فهي التي تحمل التمر أكثر الفواكه شيوعا وتنوعا في الانتفاع به عند العرب. فالتمر "مع الحليب" هو الطعام الأساسي لعرب البادية إذا استثنينا بعض المناسبات التي يتناولون فيها شيئا من لحم الجمل. وليس من الغريب في هذا المقام، إذن، أن يجعله سكان البادية أحد العنصرين الأساسيين للحياة حين يعبر عن حصوله على "الأسودين" وهما التمر والماء كهدف يسعى دائما إلى تحقيقه. ومن التمر يستخرجون كذلك الدبس والنبيذ، وبعض أجزاء النخلة يتخذونه دواء يتطببون به. ومن هنا فقد اكتسبت شجرة النخيل عند عرب شبه الجزيرة أهمية خاصة بل وصلت إلى قدر كبير من التبجيل في كثير من الأحيان. ومن مظاهر هذه الأهمية أن ثروة الرجل إذا كانت تقاس بما كان يملك من جمال فإنها كانت تقاس كذلك بما كان يملك من نخيل. كذلك اهتم السكان بزراعة أنواع كثيرة من النخيل تحمل أنواعا مختلفة من التمر، وفي هذا المقام نجد الكتاب العرب يعدون مائة نوع من التمر في المدينة وحولها وحدها. وفي مجال الحديث عن نخيل شبه الجزيرة يستشهد أحد المؤرخين المسلمين بحديث يحث فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- على تبجيل النخلة؛ لأنها "من طينة آدم" وسواء أكان الحديث صحيحا أم منحولا فهو يشير إلى الفكرة التي كانت سائدة لدى العرب عن أهمية هذه الشجرة، وهي أهمية يبدو أنها لم تقتصر على العرب وحدهم وإنما شاركهم فيها بعض الشعوب السامية، حيث نرى مواضع عديدة في التوراة والتلمود تشير إلى نوع من التقديس لشجرة النخيل (19).
ومن الأشجار التي كانت على جانب كبير من الأهمية في بعض أجزاء شبه الجزيرة العربية، أشجار البخور واللبان التي كانت تنمو على الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة. وقد اكتسبت هذه الشجرة أهمية خاصة في العصر القديم حين كان إحراق الطيوب يشكل قسما أساسيا من الطقوس أو الشعائر الدينية في كل العالم القديم. ليس فقط على صعيد المناسبات الرسمية، وإنما كذلك على صعيد الحياة اليومية، وحين كان اللبان يستخدم في كثير من الأغراض الطبية. وقد كانت هذه الأشجار هي السلعة الأساسية التي تحملها القوافل التجارية من جنوبي شبه الجزيرة لتجد طريقها إلى أسواق مصر والشام، ثم لتجد طريقها من موانئ الشام بوجه خاص إلى بلاد اليونان والرومان الذين كانوا يستخدمون كميات هائلة من الطيوب واللبان للأغراض الدينية والطبية ولأغراض الزينة التي تقوم مقامها الآن الروائح العطرية.
ولكن إذا كانت الأشجار، النخيل والبخور واللبان، قد وجدت في شبه جزيرة العرب تربة ومناخا ملائمين لظهورها، فإن حظ هذه البلاد كان أقل في مجال الأشجار الكبيرة التي تصلح لاستخراج الأخشاب اللازمة في بناء السفن والمعابد والبيوت. وربما وجد في بعض العصور قدر من هذه الأشجار في المناطق الجبلية والمناطق القريبة منها، حيث كان يغزر هطول الأمطار مما يؤدي إلى ظهور الأحراج والغابات في بعض مناطق اليمن مثلا. وربما كان يوجد مثل هذه الغابات في مناطق الحجاز وهو أمر قد يشير إلى تعبد أهل هذه المنطقة لإله اسمه "ذو غابة". ولكن إذا كان شيء من هذا قد وجد فلا بد أنه قل بدرجة واضحة في أواخر العصور القديمة حيث نجد سكان شبه الجزيرة يستوردون الأخشاب التي يحتاجون إليها من مناطق مثل الهند وإفريقيا. ولكن على أي الأحوال فإن أشجارا أخرى أقل من هذه في قيمة خشبها أو صلاحيته للأغراض المذكورة، مثل أشجار الأثل والطلح "الذي يستخرج منه الصمغ العربي" والأراك والغضا "الذي كان يحرق للحصول على الفحم" والسنط والسمح وغيرها (20).
وننتقل الآن إلى الحيوانات التي عرفها العرب في شبه جزيرتهم قبل ظهور الإسلام. وأول ما يطالعنا في هذه المملكة الحيوانية بالضرورة هو الجمل. وقد بدأ الساميون يعرفون الجمل في القرن الثاني عشر ق. م. ولكنه اقترن باسم العرب منذ أن بدأ اسم "العرب" يظهر في مجال الاحتكاكات الدولية بين الشعوب المجاورة لهم وبينهم. فابتداء من أواسط القرن التاسع ق. م تظهر الجمال كجزء من الغنائم التي حصل عليها ملوك الآشوريين كلما كان العرب، وحدهم أو مع غيرهم من الشعوب، هدفا لحملات هؤلاء الملوك. والشيء ذاته نجده في النصوص الفارسية فيما يخص علاقة الفرس بالعرب. وحين قام الملك الفارسي حشويرش "الذي عرفه اليونان باسم إكسركسيس XERXES" بحملته على بلاد اليونان في أوائل القرن الخامس "480ق. م" كان جنود الفصائل العربية في جيشه يركبون الجمال (21).
وفي واقع الأمر فإن اقتران الجمل باسم العرب ليس شيئا عفويا؛ فالجمل بالنسبة لأهل البادية هو رمز الحياة التي لا يستطيع العرب أن يتصوروها بدونه، فالعربي يشرب لبن الناقة -أنثى الجمل- حتى يوفر المياه "ولنتذكر أن المياه عزيزة في البادية" للماشية التي يعيش عليها بما فيها الجمل نفسه. وهو يأكل لحم الجمل ويغطي نفسه برداء مصنوع من جلده، ويصنع خيمته من وبره ويستخدم بعره وقودا في أغراض الطهي أو التدفئة، ومن بوله يتخذ دواء لبعض الأمراض بما فيها الأمراض التي تصيب الشعر، ولا يقتصر دور الجمل في حياة عرب البادية على ذلك، إذ هو وسيلتهم الأساسية للمواصلات ووسيلتهم الوحيدة للمواصلات البعيدة، إذ هو الحيوان الوحيد المؤهل لنقل الأحمال الثقيلة لمسافات بعيدة بحكم تكوين خفه الذي يساعده على المسير في الرمال بحمولته الثقيلة دون أن يغوص فيها، وبحكم قوته واحتماله وصبره الشديدين. فهو يستطيع أن يحمل أربعة أطنان ويقطع بها 60 ميلًا في اليوم في الصحراء كما يستطيع أن يسافر عشرين يوما بدون ماء في درجات الحرارة العالية، وأكثر من ذلك إذا أعطي شيئا من الكلأ الأخضر، وإلا فهو يستطيع أن يواصل سفره خمسة أيام أخرى قبل أن يموت. ومن هذا المنطلق نقدر دور الجمل في الحركة التجارية الواسعة التي مارسها العرب بشكل نشط قبل الإسلام والتي كانت قوافل الجمال تحمل خلالها منتجات شبه الجزيرة من البخور واللبان والطيوب إلى خارج المنطقة لتعود بالسلع التي يحتاجها أهل البلاد، الأمر الذي شكل المورد الاقتصادي الأول عند سكان شبه الجزيرة والمصدر الأساسي لثروتهم. ومن هذا المنطلق كذلك نستطيع أن نقول: إن الجمل بصفاته هذه، كان عاملًا أساسيًّا في تسهيل مهمة العرب في أثناء الفتوح التي تمت بعد غروب العصر الجاهلي، وظهور الدعوة الإسلامية.
وفي مقدورنا أن نتبين الأهمية الكبيرة التي أضفاها عرب شبه الجزيرة على الجمل من ظاهرتين أساسيتين: إحداهما هي أن ثروة العربي كانت تقدر بعدد ما يملكه من جمال "إلى جانب ما كان يملكه من نخيل" على أساس أن الجمل يمثل أثمن سلعة في البادية. ومن هذا المنطلق كذلك كان الجمل يشكل ما يمكن أن نسميه العملة الصعبة في المعاملات، إذا جاز لي أن أستخدم تعبيرا معاصرا. فالمهر الذي يدفع لأهل العروس، والدية التي يتقاضاها أهل القتيل، والربح الذي يحصل عليه لاعب الميسر كانت كلها تقدر بعدد من الجمال. أما الظاهرة الثانية التي تشير إلى أهمية الجمل في حياة العرب في عصر ما قبل الإسلام فهي هذا العدد الهائل من الأسماء والصفات التي أعطيت للجمل "أو الناقة" فيما يخص أنواعه ودرجات لونه ومراحل نموه وطرق سيره وهي أسماء تظهر بشكل واضح في أشعار العرب في العصر الجاهلي (22).
وإذا كان القرآن الكريم "كمصدر نستقي منه جانبًا من معلوماتنا عن حياة العرب في العصر السابق للإسلام" قد ألمح إلى الجمل كوسيلة نقل لحمل الأثقال إلى مسافات وبلاد بعيدة، فقد أشار إلى الخيل والبغال والحمير كدواب للركوب أو الزينة. وفي هذا المجال فإن الحمار هو أقدم هذه الدواب جميعًا، فقد عرفه الساميون من فترات بالغة في القدم كوسيلة للنقل. وهو يظهر في وادي الرافدين على سبيل المثال مع بداية تاريخهم. بل إنهم حين بدءوا يعرفون الجمل سموه "في اللغة الأكدية" حمار البحر "ربما إشارة إلى أنه أتى من الشاطئ العربي لمنطقة الخليج" وفي هذا الوصف وحده دليل على أن معرفتهم بالحمار كانت أقدم بكثير. والقبائل العربية البدوية كانت متاخمة لوادي الرافدين ومن ثم فإن معرفة أحد الجانبين للحمار كانت تعنى بالتبعية معرفة الجانب الآخر له. ولكن الحمار كان بالضرورة وسيلة نقل لا تلبي في قطع المسافات الطويلة وبخاصة في رمال البادية، ومن ثم فإن استخدامه لا بد أنه كان محدودا وقاصرا على الحضر وأماكن الاستقرار كدابة لركوب العوام. ولعل هذه الصفة هي التي جعلت العرب تضعه في مرتبة أدنى بكثير من مرتبة الجمل كما يظهر في أشعارهم (23).
ويأتي الحصان بعد الحمار من حيث قدم التعرف عليه من جانب عرب شبه الجزيرة، وإذا كانت أنواعه الجيدة قد اقترنت باسم العرب، إلا أنه حيوان دخيل على العرب وبقية الشعوب السامية على السواء، فقد كان أول من دجَّنه وحوله بذلك إلى حيوان أليف هم الرعاة من القبائل الآرية "الهندوأوروبية" في بعض المناطق التي تقع إلى شرقي بحر الخزر، ثم استورده الكاشيون "من المجموعات التي استقرت في وادي الرافدين" والحيثيون "في آسيا الصغرى" وأدخلوه إلى غربي القارة الآسيوية في أواسط الألف الثانية ق. م. ومن سوريا عرف طريقه إلى شبه جزيرة العرب في الفترة السابقة للعصر الميلادي.
ولكن الحصان لم يصبح في الواقع أداة نقل في المقام الأول عند عرب شبه الجزيرة. وإنما استفاد العرب من سرعته ومن بعض صفاته الأخرى في الغارات التي كانت تقوم بها القبائل فيما بينها في العصر السابق للإسلام. أما فيما عدا ذلك فقد كان دابة ترف بالنسبة للعرب، إذ كانت مهمة إطعامه والعناية به تشكل عبئا بالنسبة لأهل البادية، ومن ثم فقد كان اقتناؤه لا يتيسر إلا لمن كان على قدر من الثراء، وكان يعتبر في الواقع مظهرا من مظاهر هذا الثراء وما يتصل به من ممارسات. فالحصان كان يستخدم، إلى جانب الغزوات أو الغارات، في بعض أنواع الرياضة مثل: الصيد والسباق الذي يبدو أنه كان هواية وصلت عند عرب الجاهلية إلى قدر كبير من التفصيل والتفنن والإتقان (24).
وأخيرا يأتي البغل كدابة ركوب أو نقل. ويشير كتاب السير من العلماء المسلمين إلى أن أول بغلة رئيت في الإسلام كانت بعد هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- مما يستنتج منه أن هذه الدابة كانت نادرة الاستخدام في العصر الجاهلي. ولكن يبدو، إذا صحت رواية هؤلاء الكتاب، أن حديثهم لا يشمل شبه الجزيرة بأكملها، ولعلهم، وهو الأرجح، كانوا يقصدون منطقة الحجاز؛ إذ إن الحديث يدور عن بغلة أهداها المقوقس للرسول -صلى الله عليه و[آله] وسلم (25).
واستند في هذا الافتراض إلى بعض القرائن: فمن جهة نجد أن ذكر البغال ورد في سورة النحل وهي سورة مكية والسور المكية نزلت قبل هجرة الرسول إلى المدينة، بينما التراسل بين الرسول -صلى الله عليه و[آله] وسلم- وبين المقوقس لم يتم إلا بعد أن استقرت الدعوة الإسلامية في أعقاب الهجرة إلى المدينة. ومن جهة أخرى فإن شبه الجزيرة العربية كانت بها أقسام صخرية أو جبلية مثل منطقة الأنباط في شمالي غربي شبه الجزيرة التي أطلق عليها الكتاب الكلاسيكيون اسم "بلاد العرب الصخرية" Arabia petraea لكثرة ما بها من صخور "بل إن عاصمتهم -البتراء- هي مدينة كاملة واسمها هو في حد ذاته ترجمة حرفية لكلمة petra اللاتينية التي تعني الصخرة أو الحجر" وكذلك مثل بعض مرتفعات اليمن. ومثل هذه المناطق الوعرة أو المرتفعة لا يمكن للجمل أن يسير فيها أو يتسلقها، والبغل قادر على ذلك ومن ثم لا يمكن الاستغناء عنه كدابة للركوب أو لحمل الأثقال التي يستطيع البغل أن يحمل قدرًا لا بأس به منها. كذلك فإن البغل كان معروفا في منطقة فلسطين ومن هنا فإن الانتفاع به على الأقل في المناطق الصخرية القريبة من فلسطين يصبح أمرا واردا.
أما عن بقية الحيوانات المستأنسة التي عرفتها شبه جزيرة العرب في الجاهلية فهي الأغنام والماعز والكلاب اللازمة للحراسة بالضرورة والقطط. وغير هذه كانت توجد الحيوانات البرية مثل الأسد الذي كان موجودا في الجاهلية وكانت له عدة أسماء يتسمى بها العرب ولكنه انقرض الآن، والفهد وبعض الزواحف والهوام مثل الثعابين والحيات التي يبدو أنها كانت منتشرة بشكل ظاهر في شبه الجزيرة (26) وبعض أشباه الزواحف مثل الضب، وحيوانات أخرى مثل القرود التي لا تزال موجودة في المناطق الجبلية باليمن حتى الآن، ثم الجراد وبعض الطيور الجارحة مثل العقاب والباز والنسر والصقر والبومة، وعدد من الطيور الأخرى مثل الغراب والهدهد والعندليب والقطا، وهذه الأخيرة يبدو أنها نالت استحسان عرب الجاهلية لسبب أو لآخر "لعله جمالها أو وداعتها إلى جانب استخدامها كطعام شهي" فخلَّدوها في أشعارهم.
__________
(1) ياقوت الحموي: معجم البلدان، مادة: جزيرة العرب؛ الهمداني: صفة جزيرة العرب، ص1.
(2) عن أسماء الخليج في نصوص وادي الرافدين: البحر الأدنى: anet صفحات 267 على عهد سارجون الأول "2371-2316ق. م" ص277 على عهد شلمنصر الثالث "858-824ق. م.". النهر المر: "نار مراتو" نص من عهد شلمنصر الثالث مقتبس في G.roux: ذاته ص270. البحر المالح: anet، ص316، نص من عهد حشويرش xerxes
"485-465 ق. م." أثناء الحكم الفارسي في المنطقة. بحر الشروق الكبير، g.roux: ص465 "خريطة".
عن أسماء الخليج عند الكتاب الكلاسيكيين: البحر الفارسي: persa thalatta في اليونانية mare persicum ، strabo: XVI ، 4، 1 في اللاتينية عند plinius: historia naturalis VI، 137. الخليج الفارسي: persikos kolpos في اليونانية SInUs persicus و strabo: XVI 3،2 في اللاتينية plinius H.N.، VI، 138. عن المحيط الهندي عند الكتاب الكلاسيكيين: "البحر الأحمر" "كناية عن المحيط الهندي" erythre thalassa في اليونانية herodotos: II،8 كما ورد شاطئ البحر الأحمر rubrus litus بمعنى شاطئ المحيط الهندي في اللاتينية: plinius VI 154. عن البحر الأحمر عند الكتاب الكلاسيكيين: البحر الأحمر rubrum mare و herodotes: II ، 185 في erythre thalassa في plinus:.H.N. ،VI، 165 كذلك الخليج العربي arabios kolpos في herodotos: II،11،102 وفي strabo: XVI، 4:2 كذلك sinus arabicus في plinius: H.N،.VI. 163.
(3) Hitti: المرجع ذاته: صفحات 14-15.
(4) الفيروزآبادي: القاموس المحيط، مادة: دارة، ويعدد أكثر من 110 دارات في شبه الجزيرة العربية. راجع عمر فروخ: تاريخ الجاهلية، بيروت،1964، ص30.
(5) moritz: arabien، studien zur physikalisshen und histo-hitti ص15 "hanover 1923" rischen geographie des landes المرجع ذاته، ص15 جواد علي: المرجع ذاته، صفحات 152-153.
(6) Moritz: المرجع ذاته، الصفحة ذاتها. جواد علي: المرجع ذاته، صفحات 150-152. بيت الشعر المنسوب للأعشى في الآلوسي: تاريخ نجد، طبعة القاهرة، 1347هـ، ص30 وهو:
يمرون بالدهنا خفافًا عيابهم ... ويرجعن من دارين بُجْر الحقائب.
(7) ياقوت: معجم البلدان، مادة: حرة؛ moritz: المرجع ذاته، ص12. henri lammens: le berceau de l،lslam، l،arabie occidentale a la veille de l،hegire، الجزء الأول وهو الوحيد الذي ظهر "1914 romae" ص73، hitti المرجع ذاته، ص17.
(8) ANET: النصوص في صفحات 279، 283-286، 291-292، 297-301، 306 "الإشارة في هذا النص الأخير إلى مدينة تيماء وليست إلى بلاد العرب باللفظ"؛ luckenbill arab، يرد فيه 37 نصًّا أولها في ج1 نص رقم 611 من عهد شلمنصر الثالث "858-824 ق. م" وآخرها في ج2، نص رقم 1084 من عهد آشور بانيبال "668-626ق. م".
(9) التصور اليوناني المذكور يأتي في homeros: odysseia النشيد الرابع، سطر 84، حيث يذكر العرب مباشرة بعد الصيدونيين مما قد يوحي بالجوار في تصور الشاعر "راجع بداية الحديث عن الكتاب الكلاسيكيين في الباب الخاص بالمصادر الكتابية في القسم الثاني من هذه الدراسة". عن التصور الآرامي the words of ahiqar، anet ص420 "نقل النص الآرامي إلى الإنجليزية h،l. Ginsberg" النص الأكدي من عهد الإمبراطور الفارسي حشويرش xerxes "485-465ق. م" في anet، ص316 "نقله إلى الإنجليزية leo oppenheim". وفيه يأتي ذكر منطقة makai قارن maka عند سترابون XVI،3.2 "وهي عمان الحالية". ثم بعدها مباشرة "العربية" مما يوحي بمنطقة في وسط شبه الجزيرة، ولكن هذا التجاور اللفظي قد لا يعني التجاور على الطبيعة بالضرورة، فمن جهة نجد أن منطقتين من المناطق المذكورة في النص بعد "العربية" إحداهما الهند والأخرى قبادوقية "في آسيا الصغرى" رغم ورودهما واحدة بعد الأخرى مباشرة. كذلك فإن الثابت تاريخيا أن منطقة سيطرة الإمبراطورية الفارسية لم تشمل وسط شبه الجزيرة وإنما اقتصرت من هذه المنطقة على أطرافها الشمالية "بادية السماوة وبادية الشام" بين وادي الرافدين والمنطقة السورية.
(10) راجع الحديث عن الكتاب الكلاسيكيين في الباب الخاص بالمصادر الكتابية في القسم الثاني من هذه الدراسة.
(11) يذكر الهمداني: صفة جزيرة العرب، ص1، أن جزيرة العرب تضم سيناء، وأن بادية الشام تدخل ضمنها، ولكن تقسيم شبه الجزيرة عند الجغرافيين العرب لا يتضمن هذه المناطق. راجع هذا القسم أدناه في الباب الحالي.
(12) ياقوت: المرجع ذاته، مادة حجاز، ج2 ص219؛ الهمداني: المرجع ذاته، ص 48. قارن doujhty: travels in arabia deserta "1936 london"،ج1، ص187.
(12) ياقوت: المرجع ذاته، ج2، ص63 مادة: تهامة. ويميل جواد علي "ذاته، ص170" إلى تأييد شرادر schrader في الرأي الذي يذكره في دراسته عن النقوش المسمارية والتوراة die keininschriften und dasalte testament الطبعة التي قام بتنقيحها winkler و zimmern "برلين 1903"، ص492. وفيها يرجح شرادر وجود علاقة بين لفظة "تهامة" ولفظة "تيامتو" التي تعني "بحر" في البابلية ولفظة "تيهوم" العبرية. ويرى أن الذي يجمع بين هذه الألفاظ هو أصل سامي قديم له علاقة بالمنخفضات الواقعة على البحر، والتي تتميز بشدة الحرارة وشدة الرطوبة، ويذكر بأن اللفظة في لغة القرآن الكريم وفي اللهجات العربية الجنوبية تشير إلى السواحل المنخفضة الواقعة بين الجبال والبحر.
(14) ياقوت: المرجع ذاته، ج5، ص447، مادة: يمن؛ الهمداني: صفة جزيرة العرب، ص51.
(15) ياقوت: ذاته، ج4، ص112 مادة: عروض، ج5، ص2 مادة: يمامة، ج5، ص203، مادة: هجر، قارن جواد علي: ذاته، صفحات 170-174. كذلك ilby: the geographical journal "عدد يونيو - حزيران 1949" صفحات 86-90.
(16) ياقوت: ذاته، ج5، ص245، مادة: نجد، ج1، ص6 مادة: أجا.
(17) hitti: ذاته، صفحات 17-18.
(18) lammens: ذاته، صفحات 17-25، راجع الحديث عن السدود في الباب الخاص بالآثار والنقوش في القسم الثاني من هذه الدراسة، راجع كذلك ملحق اللوحات في آخر الدراسة، هذا وكان بعض السيول ينزل بغزارة في الحجاز بحيث يهدد الكعبة. وفي هذا الصدد يعقد البلاذري: فتوح البلدان "ليدن 1866" صفحات 53 فصلًا بأكمله عن سيول مكة، صفحات 53-55.
(19) عن النبات في شبه الجزيرة بوجه عام راجع جواد علي: ذاته، صفحات 207-211،:hitti ذاته، صفحات 18-20. عن الاشجار في الحجاز بوجه خاص راجع lammens: ذاته، صفحات 69-93. عن التمر كغذاء أساسي للبدوي راجع ابن قتيبة: عيون الأخبار "القاهرة 1930" ج3، صفحات 209-213. الحديث النبوي في تبجيل النخلة مذكور في السيوطي: حسن المحاضرة "القاهرة 1321هـ"، ج2، ص255. عن تبجيل النخلة عند العبرانيين في التوراة والتلمود، اللاويون: 23/ 40، نحميا: 15/8؛ المكابيون الأول 15/13. عن إدخال زراعة بعض أشجار الفواكه من خارج الجزيرة يرى hitti "ذاته، ص20" أن النخلة لا بد أن تكون قد دخلت شبه الجزيرة من وادي الرافدين حيث موطنها الأصلي الذي جذب الإنسان في العصر المبكر إلى هذه المنطقة. ولكن رغم كثرة النخيل في هذه المنطقة بشكل يجعله سمة أساسية لها ويسترعي الانتباه بشكل ملحوظ، إلا أن هذا الرأي يظل في تصوري مفتوحا للمناقشة، فالعبرانيون عرفوا النخلة وبجلوها كما أسلفت، والنخلة عموما تنبت حيثما يوجد المناخ الحار وشيء من الرطوبة والتربة الرملية القوام. عن وجود شجرة الزيتون في شبه الجزيرة ينفي ذلك hitti "ذاته، ص19" الذي يرى أن موطنها هو سورية، على أن تكرار ذكر هذه الشجرة في القرآن الكريم "سورة الأنعام: آيات:99 و141، سورة النحل: 11، سورة التين: 1، سورة عبس: 29، سورة النور: 35" يشير إلى معرفة العرب بها. كذلك يرد ذكر شجرة الزيتون في شبه الجزيرة العربية عند سترابون في أواخر القرن الأول ق. م. وأوائل القرن الأول الميلادي في XVI،4:18، وعند بلينيوس في أواسط القرن الأول الميلادي في H.n: XII.77 حيث يبينان خصائص الزيتون العربي التي تميزه من غيره. كذلك يذكر hitti "الموضع ذاته" أن عددا آخر من أشجار الفواكه نقلها اليهود والأنباط من الشمال إلى شبه الجزيرة. عن دخول الكروم في فترة متأخرة إلى المنطقة راجع جان جاك بيربي: جزيرة العرب "الترجمة العربية، بيروت، 1960" ص205. عن تعرف عرب شبه الجزيرة على بعض طرق الزراعة من الآراميين راجع hitti: ذاته، ص20.
(20) جواد علي: ذاته، صفحات 208 وما بعدها.
(21) عن ورود ذكر الجمل في النصوص الآشورية راجع anet ص279 "نص من عهد شلمنصر الثالث، 858-824ق. م." صفحات 283-284 "نصان من عهد تجلات بيليسر الثالث 744-727 ق. م" قارن luckenbill: arab، ج1، نصوص 610، 772، 815-819. عن ظهور الفصائل العربية في جيش حشويرش وهي تركب جمالًا راجع herodotos:
VII،86-7.
(22) تحمل الجمل للنقل في المسافات البعيدة يأتي في القرآن الكريم بشكل متضمن في سورة النحل: آية 7. عن تفصيل حمولته ومدى احتماله راجع rodinson. ذاته، ص13؛ hitti: ذاته، ص22. عن اتخاذ بول الجمل دواء لبعض الأمراض نجد ذلك في أحد أبيات لبيد بن ربيعة "560-661م" في لويس شيخو -أفرام البستاني: المجاني الحديثة، ج1، بيروت 1960، ص122، بيت 34، يصف فيه طريقًا تقطعها ناقته:
يهوي إلى قصب كأن جمامه ... سملات بول أُغليت لسقيم
عن استخدام الجمل كوسيلة للمعاملة بدلا من المال راجع hitti: ذاته، ص22، وجواد علي: ذاته، ص197.
(23) الإشارة في القرآن الكريم إلى الخيل والبغال والحمير في سورة النحل: آية 8. عن انتقال الحمار من الشواطئ العربية للخليج إلى العراق راجع جواد علي: ذاته، ص197. وضع العرب للحمار في مرتبة أدنى من الجمل يظهر، على سبيل المثال، في بيت للمتلمس "توفي 580م"، راجع شيخو - البستاني: المجاني، ص192، بيت1.
(24) عن تدجين رعاة القبائل المتحدثة بالآرية للحصان ودخوله إلى وادي الرافدين مع الكاشيين راجع g.roux: ذاته، ص221. عن دخوله إلى شبه جزيرة العرب من المنطقة السورية راجع hitti: ذاته، ص20، وأؤيد هذا بأن الحصان قد عرف في المنطقة السورية ابتداء من القرن السادس عشر ق. م. على الأقل، استنادا إلى أن جماعات الهكسوس التي اجتاحت مصر الشمالية قادمة من المنطقة السورية في ذلك الوقت "فرارا بدورها أمام اجتياح جماعات آرية من آسيا الصغرى" قد أدخلت استخدام الحصان إلى مصر بعد أن نقلت ذلك بدورها من جماعات من آسيا الصغرى راجع G.H.Breasted: A History of Egypt from the Earliest "New york 1964 Bantam Books" Times to the Persian Conquest ص186 عن الحدث وص501 عن تحديد التاريخ. عن إشارات القرآن الكريم إلى الحصان كدابة من دواب الزينة، سورة آل عمران: 14، النحل:8، كدابة حرب، سورة الأنفال:60، الإسراء:64. عن استخدام الحصان للصيد والرياضة يظهر في عديد من المواضع في الشعر الجاهلي، على سبيل المثال، عند امرئ القيس في شيخو- البستاني: المجاني، ص36، أبيات 61-68، وعند زهير بن أبي سلمى في شيخو - البستاني: ذاته، صفحات 91-92. عن مدى التفنن في رياضة السباق بالخيل نجد عشرة أسماء عند عرب شبه الجزيرة لترتيب الخيل في السباق وهي: السابق أو المميز وهو أول الخيل في الوصول إلى الهدف، ثم المصلي والمسلي والتالي والمرتاح وهو الخامس، ثم العاطف والخطي والمؤمل والسكيت وهو العاشر: راجع دراستنا "الكيان العربي" بيروت، 1965.
(25) ابن سعد: الطبقات، بيروت 1957، ج1، ص491.
(26) عن ثعابين شبه الجزيرة في النصوص الآشورية راجع luckenbill: arab، ج2، نصوص 209، 229؛ في المصادر الكلاسيكية انظر Herodotos، III،107 حيث يحدثنا المؤرخ عن ثعابين مجنحة ذات ألوان متعددة، كذلك Strabo ، XVI،4،19، الذي يتحدث عن نوع من الحيات القافزة ذات لون أحمر داكن.