في حلقاتنا المتسلسلة عن "مفاهيم أخلاقية وقيم مرجعية "، والتي نحاول من خلالها التعريف بأهم القيم السلوكية لمن هم في دائرة المسؤولية و ضرورة إحياء البعد الأخلاقي في وظائفهم وأعمالهم، ومنهم الأطباء، في هذه الحلقة نقدم لك أيها الطبيب ملاحظات مؤطرة بالقيم الأخلاقية، التي يجب عليك مراعاتها والانتباه لأهميتها ودورها:
أولا: المريض يحتاج لتقبل تشخيص الطبيب بما لا يجعله فزعا قلقا ؛ إذ جاء في الحديث الشريف: "إنما سمي الطبيب طبيبا لأنه يطيب نفوس الناس"، و إلا فالمشافي هو الله تعالى ، فكسب ثقة المريض وجعله يتقبل نتائج الفحص وما يقرر له من علاج أمر يجب أن يضعه الطبيب في أولويات تعامله وأخلاقياته.
ثانيا: صحة الناس مقترنة بسلامة أبدانهم، فالطبيب مؤتمن على ذلك فالمريض يسلم حالته المرضية وبدنه للطبيب، فأي تقصير أو تفريط سيكون ضامنا شرعا وقانونا ، عن الإمام علي (عليه السلام) من تطبب فليتق الله ولينصح وليجتهد ،
قد تغيب الأجهزة الرقابية أو لا ترصد خطأ الطبيب ، غير أن الله رقيب حاضر، فيجب أن يكون ضمير الطبيب حيا ، ففي حال لو علم أن تلف عضو من المريض، أو وفاته كان بتقصير منه فلا يجوز له السكوت أو إخفاء ذلك.
ثالثا: المتابعة للمريض ودعمه معنويا لحين تماثله للشفاء، وهذا من أساسيات الأخلاق الطبية، وخصوصا مع توفر وسائل التواصل ، فبإمكان الطبيب أن يتواصل مع مرضاه عبر مواقع التواصل المختلفة؛ ليطمئن على نقاهتهم ، وبهذا سيكون قد أدى الأمانة بإخلاص وتفان ، وكم سيترك هذا من أثر نفسي طيب في الوسط الطبي والاجتماعي، فيكسب الأجر والسمعة الحسنة التي تجعله مرغوبا من قبل المراجعين.
رابعا: مهنة الطبابة ليست متجرا، بل بابا لخدمة الناس وتقديم العون لهم، فيخطئ البعض من الأطباء حينما يتقمص دور التاجر ويستهدف الربح والثراء من خلال مهنته ، فيضع أسعارا مرتفعة الثمن على مراجعيه ، وقد يزود عيادته بصيدلية تتضمن أنواعا من الدواء لا تتوفر إلا فيها حصرا؛ ليرغم المراجع بالشراء وبعضهم تصل بهم الدناءة الى استعمال صياغة خاصة في تدوين فاتورته بمثابة الشفرة التي لا يفهمها سوى كادر صيدليته ، وهذا يعد جريمة بحق الإنسانية.
خامسا: على الطبيب أن يمتلك حظا من الثقافة السائدة في مجتمعه، وأن يطلع على الأعراف الرائجة؛ ليجنبه ذلك ردود أفعال المرضى وذويهم ، فقد يتعرض الطبيب لسوء فهم الآخرين حينما يحاول أن يفحص المريض ، كما من الضروري أن يكون عالما بالأحكام الشرعية الخاصة بمهنته؛ ليتجنب الوقوع في الإثم، أو قد يتعرض لرد فعل المريض أو ذويه بحكم الوازع الديني أو العشائري.
سادسا: ليس من مصلحة الطبيب أن يبقى الجميع أصحاء ، وإلا لمات هو من الجوع. مع الأسف، يعمل بعض الأطباء طبقا لهذه المقولة السيئة في محتواها، فينهك المريض بكثرة المواعيد، أو قد يكتب له علاجا ممرحلا مع إمكانية توفر علاج يشفي المريض من أول جرعة، ولكن يمرحل له العلاج بمواعيد حتى يجعل المريض ملازما باب عيادته وهو من أقبح الجرائم في تأريخ البشرية.
سابعا: الحفاظ على أسرار المريض وكتمان حالته المرضية، سواء طلب المريض ذلك أو لم يطلبه؛ لأن ذلك يعد من الحقوق الشخصية التي يجب على الطبيب رعايتها، كما وتمنع الحماية القانونية الأطباء من الكشف عن مناقشاتهم مع المرضى، حتى تحت القسم في المحكمة. إلا في الحالات التي تحفظ حياة الآخرين وتحصن صحة المجتمع، فقد يكون من واجب الطبيب إخبار الجهات ذات العلاقة؛ لإجراء اللازم ولنعم ما قال نجيب محفوظ : "صدر الطبيب مقبرة للأسرار لا تنبش أبدا".