مرّت أعوام على سقوط النظام العراقيّ البائد العدوّ اللدود للدين وشعائره، إلى الآن وما زالت مرارة الظلم عالقة في الحناجر، وآثار التعب مطبوعة على وجوه الخدّام، منطوية بين حروفهم، يروونها لمن شاء أن يسمع.
وقد سنعنا اليوم شهادة حقّ على لسان من عاشها كما سمعناها منه، وهو سيّد جليل نعرفه ونعرف خدمته منذ سنين، بين كربلاء والنجف قرب عمود (٤٦٠) نحو كربلاء، تستمع لحديثه ومن معه وهم يصفون ما قاسوه من حيف وجور لا يطيقه إلّا من عقد قلبه على الولاية عن وعي وبصيرة، وربط مصيره بخدمة شعائر أهل البيت (عليهم السلام)، وطوبى لهم بذلك حيث يقطفون ثمارها الآن.
الخدّام والزوّار كما هم كانوا أبرياء عزّل، لا يملكون سلاحاً، إنّما هو ماء لظمآن، أو طعام أو مأوى وأمثال ذلك، لكنّ قيمة الموقف كانت أسمى من كلّ ما يراه الطغاة، وأعظم من كلّ تقدير دنيويّ مادّي.
ومع ذلك، يحكي لنا السيّد (حفظه الله) اليوم وهو يروي لنا جزء من حادثة حدثت لهم، وكيف انصَبَّ الرصاص عليهم صبّاً، وكأنّ دماءهم كانت في أعين الظالمين أهون من أن تُصان، فارتوت الأرض من جراحهم، وارتجف الهواء من أنينهم الذي كان في سبيل الله تعالى.
ولا يستطيع وصف حالتهم إلّا من كان معهم، وطوبى لهم الزيارة مع الخوف، وأنّ فيها الثواب العظيم، كما ورد في كامل الزيارات:
عن زرارة، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): "..ما تقول فيمن زار أباك على خوف، قال: يؤمنه الله يوم الفزع الأكبر وتلقاه الملائكة بالبشارة، ويقال له: لا تخف ولا تحزن هذا يومك الذي فيه فوزك".
وتحدّث عن مشاهد أدهشت السامعين؛ كيف اجتمع عليه الرصاص والأشواك، وتسلّطت عليه الكلاب، بنوعيها: الكلاب الضارية التي هجمت لتنهش جسده، والكلاب البشريّة التي تجرّدت من الضمير والناموس لتنال من نفسه وكرامته وحقّه.
وا حسرتاه عليهم يحيط بهم الخوف من كلّ جانب، وتطوّقهم وحشة الطريق وغدر الأعداء، لكنّهم ثبتوا كالطود الشامخ، وبهذا المعنى جائت روايات كما ورد في كامل الزيارات:
عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال: "يا معاوية لا تدع زيارة قبر الحسين (عليه السلام) لخوف، فإن من تركه رأى من الحسرة ما يتمنى ان قبره كان عنده، أمّا تحب ان يرى الله شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والأئمة (عليهم السلام)،أما تحب أن تكون ممن ينقلب بالمغفرة لما مضى، ويغفر له ذنوب سبعين سنة، أمّا تحب أن تكون ممن يخرج من الدنيا وليس عليه ذنب يتبع به، أمّا تحب أن تكون غداً ممّن يصافحه رسول الله (صلى الله عليه وآله).
أيّام مريرة، فيها كان اختبار الولاء بصنوف شتّى، غير أنّ حلاوة الانتماء لخطّ الحسين (عليه السلام) أنستهم آلام الجراح، فإذا بهم يقدّمون الأرواح، وكأنّهم يسيرون إلى استلام جوائز ثمينة، لا إلى مواجهة موتٍ محقّق.
وهكذا ظلّوا، يعلّمون الأجيال بثباتهم أنّ خدمة الحسين (عليه السلام) والصبر عليها هي عهد حق وميثاق صدق، تستحقّ أن تفتدى له الأعمار قبل النفوس.
السيّد رياض الفاضليّ
زيارةالأربعين
لمتابعة المنشورات
https://t.me/droossreiadh







وائل الوائلي
منذ يومين
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN