ألأب الفذّ والولد الفقيه
ما أكثر ما يُقال عن التربية، وما أقلّ ما يُعمل بها كما أرادها الله تعالى، فليست التربية صناعة ثقافيّة تُملى من رغبات البيئة، ولا نزعة وقتيّة تُملى من مؤثرات العولمة، ولا تقليدا أعمى لجهاتٍ اجتماعية أو مزاجات شخصيّة؛ بل هي تسليمٌ لأمر الله سبحانه في منهجه، والتزامٌ بأدبه، واتباعٌ لهدي نبيّه وآله الأطهار (عليهم السلام). وإنّ من تأمّل كلمات المرجعية العليا في لحظات العزاء، وأخذ منها الدروس، لعلِم أن النجاح التربويّ له خطّة لا تتبدّل، وقد ورد في الكافي: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ (عليه السلام) ، قَالَ : إِنَّ اللّهَ لَيَرْحَمُ الْعَبْدَ ؛ لِشِدَّةِ حُبِّهِ لِوَلَدِهِ.
التربية الصالحة تبدأ من الصغر، حيث القلب رقّ، والعقل خالٍ من شوائب التجربة الفاسدة. فلا يستبطئَنّ الأب صلاح ابنه، ولا يعجلنّ عليه، بل يصبر كما صبر ألآباء الصالحون على اهلهم، ويرعاه كما تُرعى البذور في أرضٍ تنتظر المطر. ومتى ما أراد الوالد أن يُثمر ولده ثمرة طيبة، فعليه أن يُعنى بجوهره لا مظهره، وأن يُهذّب خُلُقه لا صورته، وأن يُحسن الظنّ به كما يُحسن الظنّ بربّه، فإنّ هذا الحسن من الظنّ هو أصل النجاح ووقوده.
وليس الأدب المطلوب في تربية الأولاد ما تمليه الموضات أو ما تفرضه المجتمعات، بل الأدب الذي أراده الله تعالى، وهو ما دلّت عليه النبوّة، وعبّرت عنه وصايا الأئمّة (عليهم السّلام)، وهتفت به خطبهم ورسائلهم، فهذا هو الأدب الذي يُخرج إنسانا صالحا، كما في الكافي: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ (عليه السلام) ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ (صلى الله عليه و آله) : مَنْ قَبَّلَ وَلَدَهُ ، كَتَبَ اللّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ لَهُ حَسَنَةً ؛ وَمَنْ فَرَّحَهُ ، فَرَّحَهُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؛ وَمَنْ عَلَّمَهُ الْقُرْآنَ ، دُعِيَ بِالْأَبَوَيْنِ ، فَيُكْسَيَانِ حُلَّتَيْنِ يُضِيءُ مِنْ نُورِهِمَا وُجُوهُ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فما بالك بمن اخرج فقيه أهل البيت (عليهم السلام).
وخطة الأب الواعي لا تقف عند التعليم فقط، بل تشتمل على الرعاية، والمتابعة، وإشعار الولد بالحبّ المسؤول، وعناية الموجّهة، مع حدّة مشربة برحمة، وحزم مصلح نافع، وتعليمه التسليم لما أراد الله تعالى، والرضا بحكمه، فإنّهما عماد وسند في مشروع بناء نفس الولد العارف للنعمة.
فحينما تطالع كلمات المرجع الديني الكبير السيد محمد سعيد الحكيم ( رضوان الله عليه) الملقّب فقيه أهل البيت (عليهم السلام) وهو ينعى والده للعالم، تجده يسكب من قلبه مراثي حزينة، ويشهد بفقدِه رجلاً قلّ نظيره، فالعالِم إذا نعى أباه فكأنّه يرثي مدرسةً زرعت فيه الخير والبرّ، وغرست بذور الفقاهة.
وانت تطالع كلمات التعزية المرفقة، تسمع صوتاً:يا أبي ما تركتَ خلفك إلاّ عطر العلم وحُسن البرّ، وويخطر في ذهنك المبارك جمال التديّن وتتذكر كأنّه يشرح قوله تعالى: .. وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ... وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ... [البقرة: 83]
إنّ الأب الناجح الذي ينهض بتربية ولده بروحٍ من التسليم لله، وتوجيهٍ من وحي أهل البيت (عليهم السلام)، هو الذي يُقيم صرحًا من النور في قلب ولده، ويغرس فيه معاني النبوّة والولاية، فينشأ إبنا خادما في سبيل الله تعالى، وبذرةً طيّبةً تُثمر في الدنيا والآخرة، كما ورد في احقاق الحقّ ج١٨: عنه (صلى الله عليه وآله): "أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب أهل بيته، وقراءة القرآن، فإن حملة القرآن في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه".
فكيف بمن يربّي ولداً محامياً عن القرآن الكريم والعترة الهادية
ونحن في ظلال هذه الكلمات نقول: إنّ من أعظم النِّعَم في الدنيا أن يُرزق الإنسان أبًا مربّيًا، لا يُعلّمه الكلام فقط، بل يهديه إلى مكارم الأخلاق، ويزرع فيه محبّة الله والعترة الطاهرة. فكلُّ ولدٍ ترعرع في حضن أبٍ صالحٍ، إنّما ترعرع في مدرسة نبوية خفيّة. ولولا المربّون الصادقون، لما عرف الناس طريقهم إلى الله.
أيّها الآباء الكرام : أدّوا دوركم لأولادكم، فإنّهم أمانة عندكم، أيّها الأبناء الأعزّاء: لا تغفلوا عن نعمة الأب المربّي، فبركته لا تُقدّر، ودعوته مفتاح وطريق إلى الجنة.
السيد رياض الفاضلي
لمتابعة المنشورات
https://t.me/droossreiadh







وائل الوائلي
منذ يومين
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN