ولدَتْهُ في حَرَمِ الإلهِ وأَمْنِهِ ** والبيت حيث فِناؤُهُ والمسجدُ
بيضاءُ طاهرةُ الثيابِ كريمةٌ ** طابت وطاب وليدُها والمولدُ
استبشرت الدّنيا في مثل هذا اليوم -الثالث عشر من شهر رجب الأصبّ بعد عام الفيل بثلاثين سنة- بولادة القرآن الناطق سيّد الوصيّين وأمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وكانت ولادته(عليه السلام) في جوف الكعبة المشرّفة التي لم يولَدْ قبله ولا بعده مولودٌ ولن يولد في بيت الله تعالى سواه، إكراماً وتعظيماً من الله تعالى جلّ اسمه له بذلك، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم.
أُمّه السيّدة فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وزوجته السيّدة فاطمة بنت رسول الله(صلّى الله عليه وآله)، كان عمره الشريف (عليه السلام) 63 سنة، وإمامته 30 سنة، ومدّة حكومته 3 سنوات.
نشأ إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام) في حجر النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، وذلك بعد أن أخذه رسول الله من عمّه أبي طالب ليخفّف عنه ثقل المعيشة، من هنا نعرف أنّ الإمام(عليه السلام) تربّى على القيم الأخلاقيّة والقواعد الإنسانيّة النبيلة، التي أخذها عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، وقد ذكر الإمام عليّ(عليه السلام) ما أسداه الرسول الكريم اليه وما قام به تجاهه في تلك الفترة، إذ قال في إحدى محاجّاته: ((وقد علمتم موضعي من رسول الله(صلّى الله عليه وآله) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة. وضعني في حجره وأنا ولد يضمّني إلى صدره، ويكنفني إلى فراشه، ويمسّني جسده ويشمّني عرفه. وكان يمضغ الشيء ثمّ يُلقمنيه. وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل. ولقد قرن الله به(صلّى الله عليه وآله) من لدن أن كان فطيماً أعظم ملكٍ من ملائكته يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره، ولقد كنت أتبعه اتّباع الفصيل أثر أمّه، يرفع لي في كلّ يومٍ من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحرّاء فأراه ولا يراه غيري)).
من ألقابه(عليه السلام): أمير المؤمنين، إمام المتّقين، سيّد الأوصياء، سيّد المسلمين، سيّد العرب، حيدرة، المرتضى، يَعسوب الدين، الأَنزع البَطين، قائد الغُرِّ المُحَجّلين، أَسد الله وأسد رسوله... وأشهرها أمير المؤمنين، أمّا كناه(عليه السلام): (أبو الحسن، أبو الحسين، أبو السبطين، أبو الريحانتين، أبو تراب) والأُولى أشهرها.
أمّا عن ولادته(سلام الله عليه) قال الإمام الصادق(عليه السلام): ((كان العبّاس بن عبد المطّلب ويزيد بن قَعنَب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزّى بإزاء بيت الله الحرام، إذ أتت فاطمةُ بنت أسد بن هاشم أُمّ أمير المؤمنين(عليه السلام)، وكانت حاملاً بأمير المؤمنين(عليه السلام) لتسعة أشهر، وكان يوم التمام.
قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام، وقد أخذها الطلق، فرمت بطرفها نحو السماء، وقالت: أي ربّ، إنّي مؤمنة بك وبما جاء به من عندك الرسول، وبكلّ نبيّ من أنبيائك، وبكلّ كتابٍ أنزلته، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل، وإنّه بنى بيتك العتيق، فأسألك بحقّ هذا البيت ومن بناه، وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلّمني ويؤنسني بحديثه، وأنا موقنةٌ أنّه إحدى آياتك ودلائلك لمّا يسّرت عليَّ ولادتي.
قال العباس بن عبد المطلّب ويزيد بن قعنب: لمّا تكلّمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء، رأينا البيت قد انفتح من ظهره، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا، ثمّ عادت الفتحة والتزقت بإذن الله تعالى، فرمنا أن نفتح الباب ليصل إليها بعض نسائنا، فلم ينفتح الباب، فعلمنا أنّ ذلك أمرٌ من الله تعالى شأنه، وبقيت فاطمةُ في البيت ثلاثة أيّام فلمّا كان بعد ثلاثة أيّام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت منه، فخرجت فاطمة وعليّ(عليه السلام) على يديها، ثمّ قالت: معاشر الناس، إنّ الله عزّ وجلّ اختارني من خلقه، وفضلّني على المختارات ممّن مضين قبلي، وقد اختار الله آسيا بنت مزاحم فإنّها عبدت الله سرّاً في موضعٍ لا يجب أن يُعبد الله فيه إلّا اضطراراً، ومريم بنت عمران حيث اختارها الله ويسّر عليها ولادة عيسى، فهزّت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتّى تساقط عليها رطباً جنيّاً.
وإنّ الله تعالى اختارني وفضّلني عليهما، وعلى كلّ من مضين قبلي من نساء العالمين، لأنّي ولدت في بيته العتيق، وبقيت فيه ثلاثة أيّام آكل من ثمار الجنّة وأوراقها، فلمّا أردتُ أن أخرج وولدي على يدي هتف بي هاتفٌ وقال: يا فاطمة، سمّيه "عليّاً" فأنا العليّ الأعلى، وإنّي خلقته من قدرتي، وعزّ جلالي، وقسط عدلي، واشتققت اسمه من اسمي، وأدّبته بأدبي، وفوّضت إليه أمري، وأوقفتُه على غامض علمي، ووُلِد في بيتي، وهو أوّل من يؤذّن فوق بيتي، ويكسر الأصنام ويرميها على وجهها، ويعظّمني ويمجّدني ويهلّلني، وهو الإمام بعد حبيبي ونبيّي وخيرتي من خلقي محمّد رسولي، ووصيّه، فطوبى لمن أحبّه ونصره، والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقّه)).