حث ممثل المرجعية العليا، والمتولي الشرعي لحرم الإمام الحسين، عليه السلام، سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي، المجتمعات الإسلامية على ضرورة استحضار حالة "الحياء" لارتباطها الوثيق بالإيمان.
وخلال خطبته الأولى من صلاة يوم الجمعة، التي أقيمت أمس في الصحن الحسيني المطهر، بحضور حشد غفير من المؤمنين، أكد سماحته على أهمية الحياء الممدوح وتجنب الحياء المذموم.
وفي التفاصيل، ذكر سماحة الشيخ الكربلائي، أن من مصاديق الحياء الممدوح هو انقباض النفس عن القبيح بشقيه الشرعي والعقلي.
فيما أشار إلى أن من مصاديق الحياء المذموم هو الحياء في طلب العلم و الرزق، وكذلك الحياء من قول الحق.
كما أورد سماحته جملة من الروايات الشريفة التي تحث على الحياء وتفصل أقسامه.
 
وفي ما يلي النص الكامل للخطبة الاولى من صلاة يوم الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 3/صفر الخير/1438هـ الموافق 4 /11 /2016م:
الحياء ملكة انقباض النفس عن القبيح (الشرعي والعقلي) وانزجارها عن كل فعل او قول او ترك تعده سيئاً وقبيحاً حذراً من الذم واللوم، وهو من الايمان وآثار هذه الملكة ان لا يقول او يعمل عملاً يعلم ان الله عزوجل لا يرضى عنه وكذلك رسوله والائمة الاطهار..
وقد وردت نصوص كثيرة في فضل الحياء وكونه من الايمان وكون تركه خروج عن الايمان.
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): الحياء والايمان كلُّه في قرنٍ واحد، فاذا سُلِبَ احدُهما اتّبعه الآخر.
روي عن الامام الصادق (عليه السلام): الحياء الايمان والايمان في الجنة.
(الحياءُ ملكةُ للنفس توجب انقباضها وانزجارها عن القبيح، وانزجارها عن خلاف الآداب خوفاً من اللوم..) (بحار الانوار 71:329).
وقد يتأتى مثل هذا الحياء عن منشأ سليم طاهر، ونشأة سليمة طاهرة، ونظافة بيئية ونزاهة سلوكية بعيدة عن التلوث بالموبقات..
الحياء الممدوح والحياء المذموم:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الحياء حياءان: حياءُ عقل، وحياءُ حُمق، فحياءُ العقل هو العلم، وحياءُ الحُمق هو الجهل. (الكافي 2:136/ج6) باب الحياء.
قال العلامة المجلسي في بيانٍ له حول هذا الحديث الشريف: يدل على انقسام الحياء الى قسمين ممدوح ومذموم، فأما الممدوح فهو حياءٌ ناشيء عن العقل، بأن يكون حياؤه وانقباض نفسه عن امر ٍ يحكم العقل الصحيح او الشرع بقُبحه كالحياء عن المعاصي او المكروهات، اما المذموم فهو الحياء الناشيء عن الحُمق بأن يستحي عن امر يستقبحه اهل العُرف من العوام وليست له قباحة واقعية يحكم بها العقل الصحيح او الشرع الصريح.
فالحياء الممزوج هو الاستحياء من الامر القبيح كالسباب والاهانة والحياء المذموم هو الاستحياء من الامر الحسن او الواجب كمن يحتلم ثم لا يغتسل استحياء من اهله في البيت مخافة ان يعرفوا بذلك، وكمن يستحي من السؤال عن مسألة هي محل ابتلاء له خوفاً من ان يعرف صاحبه بأنه جاهل بالمسألة..
 
ومن اشكال الحياء المذموم:
الحياء في طلب الرزق: عن الامام علي (عليه السلام): الحياء يمنع الرزق.
الحياء في السؤال عن احكام الدين.
الحياء في قول الحق: عن الامام علي (عليه السلام): من استحيا من قول الحق فهو احمق.
 
اشكال الحياء:
حتى يكمل الحياء لدى الانسان لابد من معرفة اشكاله والعمل على تحقيقها:
اولا ً:
الحياء من الله تعالى بالسر والعلن بالامتثال لأوامره والكف عن محارمه والباعث عليه العقل السليم والشرع المبين وحيث يرى بان الله تعالى أحق بأن يستحى منه لعظمة عزته وجزيل نعمته وشعوره بالمراقبة الدائمية لله تعالى على صغائر الامور وكبائرها وما يكون في السر والعلن.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): رحم الله عبداً استحيى من ربه حقَّ الحياء فحفظ الرأس وما وعى، والبطنَ وما وعى، وذكر القبرَ والبلى، وذكر ان له في الاخرة معادا).
وقال احدهم يوماً للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أوصني، فأجابه: استحي من الله كما تستحيي مِن الرجل الصالح من قومك.
أجل.. فبعضهم يستحيي من الناس أكثر مما يستحيي من الله عزوجل والله تبارك وتعالى اولى بالحياء منه ولابد للعاقل ان ينظر في اسباب استحيائه من الناس من خوفه من ذهاب مروته واحترامه ووجاهته وانقطاع الناس عنه، فان الله تعالى الخالق والرازق والمنعم بالوجود والحياة والبقاء للانسان أحق واولى بالحياء وهو العالم والمطلع على الخفايا والاسرار وهو الحاكم والقاضي..
ولأجل ذلك ينبه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويرشد ليرتفع ايمان المسلم فيقول لاحدهم:
" إستحيي من الله استحياءَك من صالحي جيرانك، فان فيها زيارة اليقين).
ثانياً:
الحياء من الناس: بكف الاذى عنهم وترك المجاهرة والمواجهة بالقبيح لهم، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله تعالى.
واجمل ما في ذلك حياء المرأة وعفتها وذلك بالتزامها بحجابها الكامل وعفتها وحشمتها في لباسها ومظهرها وكلامها وسيرها واختلاطها.
ثالثاً: الحياء من المعصوم:
عن ابي جعفر (عليه السلام): ان اعمال العباد تُعرَض على نبيكم كل عشية خميس فليستحي احدكم ان يعرض على نبيه العمل القبيح.
رابعاً: الحياء من الملائكة:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ليستَحِ احدُكم من ملكيه اللذين معه، كما يستحيي من رجلين صالحين من جيرانه، وهما معه بالليل والنهار).
خامساً: الحياء من نفسه بالعفة وعدم عمل المعاصي حتى في الخلوات حياء من نفسه فمن عمل في السر عملا ً يستحى منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر ومكانة ومنزلة.
وهذا الحياء يبعث على العفة والمحافظة على الاحكام الشرعية في الخلوات وحيث يكون سرّه كعلانيته ويكون الله تعالى حاضراً في نفسه وناظراً اليه دائماً ويكون الخير كله معه.
 
الحياء المذموم:
اولا ً: من سؤال التفقه:
عن ابي عبدالله (عليه السلام) عن ابيه (عليه السلام) قال: قال علي (عليه السلام) في كلام له " لا يستحي الجاهل اذا لم يعلم أن يتعلّم".
ثانياً: من قول الحق: قال علي (عليه السلام): من استحيى من قول الحق فهو أحمق.
ثالثاً: من قول لا أعلم: قال علي (عليه السلام): لا يرجون احد منكم إلا ربه ولا يخافن الا ذنبه، ولا يستحين احد اذا سئل عما لا يعلم ان يقول لا اعلم، ولا يستحيّن احدٌ اذا لم يعلم الشيء ان يتعلّمه.
رابعاً: من طلب المعاش
خامساً: من خدمة الضيف
سادساً: من اعطاء القليل
 
الامور التي يُستحيى منها:
اولا ً: من فعل الحرام وبذائة اللسان: على الانسان المؤمن ان يحذر من كثرة الكلام فانها توقعه في المساوئ والقبائح من الكلام والذي يحملّه مسؤولية كبيرة، قال امير المؤمنين (عليه السلام): " من كثر كلامه كثر خطؤه ومن كثر خطؤه قل حياؤه ومن قل حياؤه قلّ ورعه ومن قل ورعه مات قلبه ومن مات قلبه دخل النار".
 
خلق الحياء لدى الامام الحسن (عليه السلام):
واما حياءُ الامام الحسن المجتبى فهو حياء اهل البيت عليهم السلام ملكة ٌ وسجية طيبة ثابتة بعيدة كل البعد عن التكلف والتصنع بل الحياء مفروز فيهم ملازم لهم ومقرون بالبصيرة ومعرفة الله تعالى وحب الله تعالى والاخلاص له..
ولقد بلغ الحياء عند الامام الحسن (عليه السلام) في اعلى مراتبه.. حتى ورد في بعض الروايات انه حجّ خمساً وعشرين حجّة ماشياً على رجليه مع ان النجائب كانت تقاد بين يديه..
فأيُّ حياء هذا ان يشدّ المؤمن بسببه رحاله الى بيت الله الحرام كل عام على مدى تلك المسافات الشاسعة من قلب الصحراء وعلى الجبال مشياً على الاقدام.. وهذا يكشف عن مدى الحب لله تعالى والذوبان في مرضاته.. ذلك الحب الذي يُنسي مشاق الطريق وآلام السير فيه مشياً لأنه يصاحبه لذة رضا الخالق عنه..
وحياؤه الاخر من ابيه امير المؤمنين (عليه السلام) فهو حياءٌ من الله تعالى ايضاً فأبوه سيد الاوصياء وابو الائمة (عليهم السلام) فالحياء منه دال على الادب الرفيع وقبل ذاك دال على المعرفة بمنزلة الامام الهمام امير المؤمنين (عليه السلام).. وقد جاء هذا التوقير من الامام الحسن (عليه السلام) لابيه وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ادب اسمى من كل ادب، ومعرفة عليا بمقام الامام ومنزلته (عليه السلام) وقد تكرر ذلك في عدة مواضع كما ينقله ارباب السير والتاريخ..
ومن جملة حيائه هو حياؤه من الفقراء والمعوزين والمحرومين وهو يمدّ اليهم ايدي المعونة والعطاء والمحبة والتكريم وحفظ ماء الوجه معاً..