دعت المرجعية الدينية العليا من خلال ممثلها وإمام جمعتها في كربلاء المقدسة سماحة السيد احمد الصافي؛ إلى الالتزام بالعهود والمواثيق والإيفاء بها , مشيرة إلى " إن الإيفاء بها ـــ المواثيق والعهود ـــ يُعّد نوعا من أنواع احترام الشخص لنفسه وبخلافه ستكون العواقب وخيمة " على حد قوله.
وبين الصافي في الخطبة الثانية لصلاة الجمعة التي أقيمت في الصحن الحسيني المطهر اليوم الجمعة 28 ذي الحجة 1437هـ الموافق 30 أيلول 2016، إن: " الإنسان الذي لا يلتزم بالمواثيق والعهود يشعر بقرارة نفسه انه قد خالف شيء، وان كابر و أدعى غير ذلك، لكنه بالنتيجة خرج عن التزامه "، موضحا أنه " إذا كان فيه بقية من الضمير فإنه سيوخزه حتى وان كابر، وسيشعر بذلك عندما يسقط ما في يده وتبدأ اللحظات الأخيرة من حياته ".
كما عد سماحته مسألة الحساب والثواب والعقاب مسألة عقلائية مستشهدا بذلك على أن: " العُقلاء قد درجوا على تنظيم أمورهم وقننوا قوانين لذلك ثم احترموا هذه القوانين، ثم بعد ذلك بدأوا يحاسبون من يخالف القانون ويثيبون من يوافق القانون؛ سواء هذا القانون وضعته أم وضعه الناس ".
واعتبر الصافي إن من يّشرع القانون ويضربه عرض الحائط لقوة الرتبة أو لغير ذلك يحوله إلى فوضى، مشبها ذلك بما يسميه الناس " شريعة الغاب ".
وتابع إمام جمعة كربلاء المقدسة حديثه بان " البشر إذا لم يلتزم بالقوانين يتحول إلى أسوأ من شريعة الغاب لأنه سيرتكب جميع الحماقات، ونحن نرى إن الإنسان إذا لم يحترم القانون العقلائي فانه لا يحترم نفسه، وسيظلم ويتجاوز وينتهك ويعتدي؛ لأنه امن الحساب من الجهة التي وضعت القانون "، مؤكدا على" القانون عندما يوضع لابد أن يُحترم وجزء من احترام القانون المحاسبة ".
وأكد الصافي بان هناك شواهد كثيرة لا تعد ولا تحصى على مسألة الفوضى خصوصا عندما يرى الفرد الفاسد نفسه قانونا ويحدد تصرفاته وفق ما يريد ويضرب جميع الأمور الأخرى عرض الحائط بداعي سلطته بقوة جيش أو مجموعة ما، هذا أسوأ ما يبتلى به الناس باعتباره نوع من الفساد في الأرض وهو ما سيتوسع عن دائرته الضيقة؛ خصوصاً إذا اتخذ الفاسد قدوة لفسدة مثله.
وفيما يلي النص الكامل للخطبة...
اخوتي اخواتي...
اقرأ بعض الآيات الشريفة من سورة الرعد، قال الله تبارك وتعالى: ( (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ (26) ( (سورة الرعد).
طبعاً هذه الآيات الشريفة وما قبلها وما بعدها تتحدث عن التزامات بين الله تعالى وبين عباده، والله تعالى يشدد على ان هذه الالتزامات لابد من الإيفاء بها، ونريد أن نشير الى ان الالتزامات والمواثيق لابد من الايفاء بها وهذا الايفاء بها نوع من أنواع احترام الشخص لنفسه..، الإنسان عندما يحترم نفسه يلتزم بالمواثيق والعهود التي ابرمها مع الله تعالى ومع الآخرين وخلاف ذلك ستكون هناك عاقبة سيئة.
بالنتيجة الإنسان الذي لا يلتزم يشعر بقرارة نفسه انه قد خالف شيء قد يكابر وقد يدعي دعوى خلاف ذلك لكن بالنتيجة هو خرج عن التزام نفسه بحيث اذا بقي فيه بقية من الضمير سيبقى هذا الضمير يوخزه وان كابر وقد يشعر بذلك بعد ان يسقط كل شيء ما في يده عندما يسجّى وتبدأ اللحظات الاخيرة من حياته عند ذلك يشعر وهذا الشعور ولات حين مندم.
نحن نريد أن نبين كلما كانت الالتزامات واسعة كلما كانت المسؤولية قطعاً معظّمة.
مسألة الحساب والثواب والعقاب هذه مسألة اخواني عُقلائية بمعنى ان العُقلاء درجوا على تنظيم امورهم وقننوا قوانين لذلك ثم احترموا هذه القوانين ثم بعد ذلك بدأوا يحاسبون من يخالف القانون ويثيبون من يوافق القانون.. سواء هذا القانون السماء وضعته او وضعه الناس.. عندنا قانون وهذا القانون لابد ان يحترم عند من شرعه وعند من وضعه هذا القانون لابد من ان توجد له ضوابط لمنع مخالفة هذا القانون.. هذه الاشياء العُقلاء درجوا عليها والشريعة المقدسة مع هذه القوانين بالنتيجة لابد من وجود نوع من المسؤولية.. وهذا القانون اذا كان قانون للأسرة لابد ان يحترم الاب الذي وضع القانون وايضاً لابد ان يحاسب من يعصي ويثيب من يوافق.. اذا كان للمحلة او للمدينة او للدولة وهكذا تتوسع والمناط واحد.
مسألة ضبط الأمور عن طريق القوانين.. اذا ضربنا القانون عرض الحائط أي شرعنا قانون وضربناه عرض الحائط لقوة لرتبة او لغير ذلك او لم نضع قانون اصلا ً تتحول المسألة الى فوضى.. بعض الناس يشبه الفوضى بان هذه شريعة الغاب أي الغابة احدهما يعتدي على الاخر ويسرق ويضرب لا توجد ضوابط لكن عندما ندقق ان الغابة ايضاً فيها بعض القوانين خصوصاً اذا كانت الحيوانات من صنف او من نوع واحد.. والعلم يكتشف ان هذه القوانين خاصة في فئة أو نوع معين.
البشر إذا لم يلتزم بالقوانين يتحول الى اسوأ من شريعة الغاب لأنه سيرتكب جميع الحماقات.. ونحن نرى ان الانسان اذا لم يحترم القانون العقلائي فانه لا يحترم نفسه سيظلم وسيتجاوز وسينتهك وسيعتدي لأنه امن الحساب من الجهة التي وضعت القانون.
القانون عندما يوضع لابد ان يُحترم وجزء من احترام القانون المحاسبة.. لأن هذا القانون اما ذاتي أي رقابة ذاتية واما خارجي.. اذا كان الضبط ذاتي وهو افضل انواع الضبط فبها، اذا لم يكن ضبط ذاتي يحتاج الانسان الى ضبط خارجي وهو نوع من انواع الضبط بمؤسسة تراقب او كاميرات تراقب فاذا لا يوجد وازع ذاتي ولا رقابة خارجية الانسان يتملص من أي اعتبار ويخالف..
الآيات الشريفة تتحدث عن حالة من حالات الالتزامات والمواثيق.. اخواني الالتزام بالضوابط والقوانين هذه شريعة عقلائية والشارع المقدس بين ان عنده قوانين خاصة به لكن اصل الالتزامات.. فالبشر جميعاً في المؤسسات والانظمة لابد من وجود قوانين.. اذا لم نلتزم تتحول المسألة الى فوضى وعندنا شواهد قد لا تُعد على مسألة الفوضى.. الانسان اسوأ ما يمر به عندما يرى نفسه هو القانون ويحدد التصرفات وفق ما يريد ويضرب جميع الامور الاخرى عرض الحائط لماذا يفعل؟! لسلطة لقوة لجيش لمجموعة لأي شيء يرى نفسه هو القانون وهذا اسوأ ما يبتلى به الناس.. ولذلك القران الكريم يعبر في بعض الآيات: ( (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)..
هؤلاء لا يلتزمون بأي شيء.. فهم يفسدون في الارض وهذا الفساد في الارض لا يبقى في دائرة ضيقة الفساد في الارض خصوصاً اذا اتخذ الفاسد قدوة لفسدة مثله فلذلك القران الكريم يقول عليهم اللعنة ولهم سوء الدار.
لكن لاحظوا هذه الحالة اخواني وهي عملية الصبر خصوصاً على البلاء والمصائب وهذا الصبر ايضاً نوع من التربية كثير من الناس يصبرون على البلاء وهم حقيقة لا يتوقعون ان ما بعد صبرهم الا رحمة الله تعالى عندما يحل البلاء يواجه البلاء بنفس صبورة.. (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22).
هنا لهم عقبى الدار فهم صبروا واقاموا الصلاة وانفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة.
إخواني... عندما تنظر الى بعض الناس خصوصاً الذي تكون مقدّرات الناس بيده أي المقدرات المالية تكون بيده تكشف هذه الحالة عن النفس اما نفس سامية كبيرة او نفس وضيعة جداً.. عندما يحارب الاخرين لأن الله مكنّه ان تكون بعض المقدّرات بيده وهذا لا يفرّق.. قارون كان يكنز وقطعاً هذا الكنز لا يأتي من عمله الخاص بل فيه تعدي وظلم وانتهاك والصلحاء فأمير المؤمنين (عليه السلام) كان يكنس بيت المال وينظفه لا يوجد فيه شيء.. بقاء المال وحبسه عن اهله جريمة واعطاء المال لغير اهله جريمة.. المال قيمته بالإنفاق.. الانسان ينفق المال على غير اهله والانسان يحبس المال عن اهله ايضاً جريمة.. لا يتوقع الانسان ان قضية حبس المال هو يعمل جيداً من قال هذا.. المال قيمته في انفاقه انفقه في مصلحة عامة او في الخيرات او في فوائد الناس يكون خير.. انفقه في تدمير الناس يكون شر..
(وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22))
الإنسان عنده شعار أنا لابد ان ادفع السيئات دائماً بما عندي من خُلق ما هو خُلقك؟! ادفع أي سيئة بالحسنة ولعل قصص كثيرة عن اعاظم الناس في الاخلاق.. فالإنسان قد يكون امام الناس عظيم لكن سيء في اخلاقه..
إخواني... القران الكريم يرينا الحق والانسان عندما يقرأ كلام الله يرى ان القران ينبّه ويتحدث عن صفات في منتهى السمو الصبر واقامة الصلاة والانفاق في سبيل الله وغيرها.. وخصوصاً اخواني الصبر فعندما يبتلى الناس وخصوصاً في فقد عزيز او شهادة الرجال او في خسارة فالإنسان يصبر وهذا الصبر نوع من انواع التربية للإنسان فاذا وقع البلاء على الانسان عليه ان يصبر وهذا الصبر لا يخرجه من حالة رضا الله الى غضب الله تعالى فالله تبارك وتعالى يجزي الانسان.