استثمارا منه لمنبر الجمعة وقداسة الحدث الكربلائي الأبرز المتمثل في زيارة الأربعين ، بيّن خطيب جمعة كربلاء المقدسة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي (دام عزه) ــ خلال خطبته الدينية الأولى التي القاها في الصحن الحسيني الشريف يوم الجمعة 21/صفر الخير/1437هـ الموافق 4/كانون الأول/2015م ــ ملامح المؤمنين وولايتهم ، من خلال شرحه لجزئية مهمة من رسالة الإمام الصادق عليه السلام الى شيعته بخصوص ولاية الله ورسوله والأئمة المعصومين .
وفي مورد حديثه عن شروط هذه الولاية ، تطرق الشيخ الكربلائي الى اهم اشتراطات هذه الولاية المقدسة بعد ذكره لمتسلسلتها " الله جل وعلا ورسوله الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه الأئمة الاثنا عشر بدء من امير المؤمنين علي عليه السلام وانتهاء بحجةُ الله في ارضه وبقيته في عباده المهدي المنتظر الذي امتحن الله به قلوب المؤمنين ، إذ بين سماحته شروطها بدء من اقامة الصلاة وايتاء الزكاة وإقراض الله بالحسنى ، موضحا أن هذه الشروط لا تقتصر على اداء الصلاة فقط بل اداءها بحدودها وشرائطها وحضوراتها القلبية مما يستوجب الخشوع والتفكر ويصيرها عبادة جوهرية وليس ظاهرية فحسب ، وذات الأمر بالنسبة لأداء الزكان بعنوانها الأشمل ومعطياتها الروحية والنفسية بما يطهر القلب من رذيلتي البخل والشحّ ، وإقراض الله القرض الحسن والأنفاق والجهاد في سبيله فضلا عن مساعدة الفقير والمحتاج وما الى ذلك .
كما تطرق سماحته الى ضرورة اجتناب ظاهر الفواحش وخفيها كتتمة لمصاديق الولاية ، خصوصا الزنا كفحش ظاهري والمخاللة كفحش خفي ، مطالبا بضرورة تقوية رقابة الله تعالى علينا .
هذا وقد جاء فيها ما يلي :
ورد في رسالة الامام الصادق (عليه السلام) لشيعته ومحبيه ، فقال (عليه السلام) في جزء منها : " من سره أن يلقى الله وهو مؤمن حقا حقاً فليتولَ الله ورسوله والذين آمنوا ، وليبرأ إلى الله من عدوهم " .
ثم يقول الامام جعفر الصادق ( عليه السلام ) في مقطع آخر : " ومن سره ان يتم الله له إيمانه حتى يكون مؤمنا حقا حقا فليف لله بشروطه التي اشترطها على المؤمنين فإنه قد اشترط مع ولايته وولاية رسوله وولاية أئمة المؤمنين إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وإقراض الله قرضا حسنا واجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن " .
نذكر هنا اولا ً ، مسألة ولاية المؤمنين ، من هم الذين آمنوا الذين ذكرهم الامام ( عليه السلام ) وان ولايتهم امر مهم وجوهري .
اذكر هنا رواية عن جابر بن عبد الله الانصاري يقول : " لما أنزل الله عز وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ((أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم )) قلت : يا رسول الله عَرفنا الله ورسوله ، فمن اولوا الامر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك فقال صلى الله عليه وآله وسلم : هم هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين من بعدي اولهم علي بن ابي طالب ثم الحسن والحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابر فإذا لَقيتَهُ فأقرئه مني السلام ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم سميي وكنيي حجةُ الله في ارضه وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي ذاك الذي يفتحُ الله تعالى ذكرَه على يديه مشارق الارض ومغاربها ذاك الذي يغيبُ عن شيعته واوليائه غيبة ً لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للايمان " .
هذه الرواية التي بيّنت وشخّصت وحددت من هم هؤلاء الذين آمنوا الذين ذكرهم الامام الصادق (عليه السلام) في وصيته وبيّن ان ولايتهم مقرونة بولاية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المقرونة بولاية الله تعالى .
ايها الاخوة والاخوات لا يكفي مجرد الحب للائمة عليهم السلام ومجرد ادعاء الولاية ، لابد ان تكون هناك اعمال اشترطها الله تعالى ، ولابد ان تكون مقترنة مع هذه الولاية حتى يكون الانسان مؤمنا ً حقاً حقا ً ..
لذلك قال الامام الصادق (عليه السلام) : " ومن سره ان يتم الله له إيمانه حتى يكون مؤمنا حقا حقاً فليف لله بشروطه التي اشترطها على المؤمنين فإنه قد اشترط مع ولايته وولاية رسوله وولاية أئمة المؤمنين إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وإقراض الله قرضا حسنا وإجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن " .
لاحظوا ايها الاخوة والاخوات ؛ كثيراً ما اهتم الائمة عليهم السلام بالوصية بـ ( الصلاة ) حيث ورد عن الامام الصادق (عليه السلام) قال : " امتحنوا شيعتنا عند ثلاث : عند مواقيت الصلاة كيف محافظتهم عليها، وعند اسرارهم كيف حفظهم لها عند عدونا، والى اموالهم كيف مواساتهم لاخوانهم فيها " .
فانظروا ايها الاخوة والاخوات ، واعرضوا انفسكم على هذه المواضع هل انتم منها ؟ وتطبقون هذه المواضع الثلاث حينئذ يمكن للانسان ان يحكم على نفسه انه من المتشيعين لأهل البيت عليهم السلام .
اخواني ... ان المراد من اقام الصلاة ليس ادائها مطلقاً بل اداءها بحدودها وشرائطها وحضور القلب وغير ذلك من الامور المتعلقة بجوهر وحقيقة الصلاة وحضور القلب والخشوع والتفكر وغير ذلك من الامور التي يمكن من خلالها ان يكون جوهر الصلاة وحقيقة الصلاة قد اديّت من قبل المؤمن وليس بشكلها الظاهري .
نحن مقصودنا ان تحافظوا على هذه المبادئ والقيم التي من اجلها ضحى الامام الحسين (عليه السلام) وترجمتها بشكل كبير خلال هذه الزيارة ، المأمول ان نستمر بتجسيد هذه المبادئ ومنها الحفاظ على اداء الصلاة والاتيان بها في اول وقتها .
ثم ذكر الامام الصادق (عليه السلام) : (وايتاء الزكاة .... ) .. الزكاة المذكورة ليس بالمعنى الاخص هذه الزكاة المتعارفة بل المقصود هو الصدقات الواجبة من الزكاة بالمعنى الاخص وبقية الحقوق المالية الواجبة من الخمس وغيرها ، وهو حث من الامام (عليه السلام) لشيعته على ان يؤدوا هذه المالية التي فيها الكثير من المعطيات على رأسها المعطى الروحي والنفسي حيث ان الانفاق والصدقة يطهر القلب من رذيلتي البخل والشحّ .
ثم يقول الامام الصادق (عليه السلام) : (وإقراض الله قرضا حسنا ....)
هل المقصود القرض بالمعنى الاخصّ ، هنا ايضاً يذكرون المقصود به الانفاق العام في سبيل الله تعالى ومن ذلك الانفاق في سبيل الجهاد وفي سبيل الله تعالى وكذلك بقية الانفاقات ايضاً كمساعدة الفقير والمحتاج وبقية الانفاق .
ثم يقول الامام الصادق (عليه السلام) : (واجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن .... ) .
الفواحش جمع (فاحشة) وهو الشنيع المستقبح من الذنوب سواء كان من الاقوال والافعال ، لاحظوا اخواني واخواتي لا يصح من الانسان المسلم ان يصدر منه الفاحشة بكل هذا المعنى الواسع .. حيث ذكرت في القران الكريم مصاديق كالزنا واللواط والغيبة وغير ذلك .
(ما ظهر منها وما بطن .... ) المقصود هو ما خفي من هذه الفواحش.. والامام الباقر (عليه السلام) يذكر هنا من باب المصداق حتى نلتفت ، لأنه ربما الكثير منّا يكون مرتكباً للفاحشة ما خفي منها ، والامام (عليه السلام) يوصي ان لا نرتكب الفواحش ما ظهر منها وما هو الخفي منها .
يقول الامام الباقر (عليه السلام) : (ما ظهر هو الزنا وما بطن هو المخالّة)، والمخالّة ( أي المصادقة واتخاذ الخليلات والصديقات سراً وخفية ) هذا يدخل في هذا العنوان، قد البعض يعتبره ذنباً بسيطاً ولكنه يدخل في هذه الفاحشة التي امرنا الامام الصادق (عليه السلام) ان نجتنبها .
وفي بعض الروايات تذكر بعض الروايات الزنا بالمعنى الاعم والاشمل ، ( زنا العين وزنا اللمس وزنا الفم وهو القُبلة المحرمة وغير ذلك من الامور .... ) .
الائمة عليهم السلام يريدون ان ينبهونا الى اهمية ان يتم ايماننا ويستكمل هذا الايمان باجتناب حتى هذه الخفايا التي ربما احياناً انساناً مؤمن يخفيها عن انظار الاخرين ولكنه لا يخفيها عن الله تعالى ، علينا ان نقوي رقابة الله تعالى علينا ، حتى في الاماكن التي نخلو فيها ولا نكون امام انظار الناس .