أكد رئيس دار علوم نهج البلاغة في العتبة العباسية المقدسة الدكتور لواء العطية، أن مشروع تحفيظ الكتاب شهد مشاركة حفاظ من تسع محافظات عراقية، حضوريًّا وإلكترونيًّا. جاء ذلك في أثناء كلمته ضمن فعاليات الملتقى السنوي الأول لحفظة نهج البلاغة الذي تقيمه الدار تحت شعار (وَاِمْتَاحُوا مِنْ صَفْوِ عَيْنٍ قَدْ روَّقتْ مِنَ الكَدَرِ) في قاعة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) داخل العتبة المقدسة. وجاء في نص كلمة العطية: "نبارك لكم في هذه الأيام والليالي التي لا تُعدُّ من آجالِنا؛ إذ خصَّها الله سبحانه بولادة أوليائه وأحبائه، وخصنا بموالاتهم واتباعهم، فتشعبت خيراته علينا في هذا الشهر المبارك شهر شعبان الخير. وبعد مباركة سماحة المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدَّسة العلامة السيد أحمد الصافي (دامَ عِزُّه)، يطيب لنا أن نزفَّ لكم بشرى طيبة ترون أُولى ثمارها اليوم جليةً أمامكم، وهي تشكيل تأسيس إداري يختص بكتاب نهج البلاغة (إقراءً، وتحفيظاً، وبحثاً، ودراسةً، وتأليفاً، وتحقيقاً) ذلك التشكيل حمل اسم (دار عُلُومِ نَهْجِ الْبَلاغَةِ)، واكتسب التشريف بارتباطه بمجلس الإدارة الموقر وبإشراف عضوين منه هما جناب السيد ليث الموسوي وجناب الدكتور عباس الدده دام توفيقهما. نحن اليوم أمام ثلة طيبة من أبنائنا وبناتنا من تسع محافظات، هي (كربلاء والنجف وبابل وذي قار وبغداد وديالى وكركوك وصلاح الدين والمثنى). اشتركوا في مشروع تحفيظ نهج البلاغة حضوريًّا وإلكترونيًّا، وجاؤوا اليوم ليجدِّدوا ولاءهم لأمير المؤمنين (عليه السلام) في حضرة ولده العبدِ الصالح نافذ البصيرة مولانا أبي الفضل العباس (عليه السلام).
والسؤال في هذا المقام، لماذا نحفظ كلام أمير المؤمنين؟. لماذا نحفظ كلام أهل البيت (عليهم السلام)؟، وإن كنتم عارفين، فالذكرى تنفع المؤمنين، فقد أولت العتبة العباسية المقدسة عناية فائقة بهذه الأنشطة؛ إذ ثمة أسباب تحثنا على هذه العناية، ومن أبرزها: أولا: إن كلام الأئمة (عليهم السلام) وأمير المؤمنين (عليه السلام) بنحو خاص نور وبصيرة تزوِّدنا بالمعرفة الحقة وتحصِّننا من الفتن والشبهات، وقد قال إمامنا الصادق عليه السلام: الْعَامِلُ عَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ كَالسَّائِرِ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ لَا تَزِيدُهُ سُرْعَةُ السَّيْرِ إِلا بُعْداً)). ثانيا: كلامهم سلام الله عليهم فيه إعزاز للمؤمن في الدنيا والآخرة، عنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: رَحِمَ اللهُ عَبْداً حَبَّبَنَا إِلَى النَّاسِ وَلَمْ يُبَغِضْنَا إِلَيْهِمْ أَمَا وَاللَّهِ لَوْ يَرُوُونَ مَحَاسِنَ كَلاَمِنَا لَكَانُوا بِهِ أَعَزَّ وَمَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ أَنْ يَتَعَلَّقَ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ وَلَكِنْ أَحَدُهُمْ يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ فَيَمْطُ إِلَيْهَا عَشْراً). ثالثا: كلامهم سلام الله عليهم لهو الحجة البالغة على الآخر المخالف؛ وكلام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة في سياق احتجاجه على الخوارج من الشواهد على ذلك، إذ قال: (وهذا القرآن إنّما هو خط مستور بين الدفتين، لا ينطق بلسان، ولا بُدَّ له مِن ترجمان، وإنّما ينطق عنه الرّجال)، وهو سلام الله عليه الناطق عن القرآن والعالم بالتنزيل والتأويل. رابعا: كلامهم صلوات الله عليهم فيه إحياء لإمرهم وترغيب في اتباع منهجهم، فقد روي عن إمامنا أبي الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الرّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: (رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً أَحْيَا أَمْرَنَا فَقُلْتُ لَهُ وَكَيْفَ يُحْيِي أَمْرَكُمْ؟ قَالَ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَيُعَلِّمُهَا النَّاسَ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلامِنَا لأَتَّبَعُونَا). وأخيراً، أختم بما جادت به قريحة شمسنا الساطعة وقمرنا المنير الذي كان وما زال كلامه ضمانا لهذا الوطن الجريح من الفتن والنزاعات سماحة المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف)، أختم بكلامه الخاص في بيان منزلة كتاب نهج البلاغة: (إنَّ ما تضمَّنه هذا الكتاب الشريف من كلام مولانا أمير المؤمنين عليه السلام يُعدّ في ذروة الكلام- بعد كلام الله تعالى وكلام نبيه المصطفى صلى الله عليه وآله ـ لما فيه من: بيان للمنهج الفطري للتفكر والتأمل في الكون وحقائقه، بيان لأصول الإسلام ومعارفه، وإيضاح لحكم الحياة والسنن التي يبتني عليها، تبيين لسبل تزكية النفس وترويضها، وتوضيح لمقاصد الشريعة وما بني عليها من الأحكام، وتذكير بآداب الحكم وشروطه واستحقاقاته، وتعليم لأسلوب الثناء على الله تعالى والدعاء بين يديه".