يتزايد عدد الدببة البنية التي تعيش في منطقة جبال الألب الإيطالية بشكل متسارع، لكنها باتت ذات سمعة سيئة في الوقت الراهن. ويبدو أن المسؤولية في ذلك تقع على عاتق عدد محدود يتسم بسوء الطباع من هذه الحيوانات.
إذا صادفت دبا بنيا في مكان ما، فلا تقلق إذ أن الأمر سيمضي - على الأرجح - على ما يرام. فرغم أن تصرفات هذه الحيوانات قد يصعب توقعها، فإنها تميل إلى تجنب البشر، ولا تهاجم إلا عندما تُؤخذ على حين غرة، أو عندما تشعر بتهديد.
ولمئات من السنين، ظلت الدببة البنية تجوب أنحاء سلسلة جبال الألب في أوروبا. ولكن القرنين الثامن عشر والتاسع عشر شهدا تناقص عدد موائلها بشكل كبير، وذلك بسبب عمليات قطع الأشجار وانحسار مساحة الغابات. بالإضافة إلى هذا، تعرضت الدببة البنية في بعض المناطق لعمليات صيد محمومة.
وبحلول تسعينيات القرن العشرين، لم يعد متبقيا من تلك الدببة سوى حفنة يمكن عدها على الأصابع، تعيش في سلسلة جبال برينتا الواقعة شرقي إيطاليا.
ومن أجل مواجهة هذه المشكلة، عَمِدَ المهتمون بالأمر إلى إعادة توطين الدببة في تلك المنطقة. وهكذا، نُقل إليها ثلاثة من الدببة الذكور وسبعٌ من الإناث بين عامي 1999 و2002، أملا في أن تستقر تلك الحيوانات هناك وتتزاوج.
ومن الواضح أن ذلك قد حدث بالفعل، إذ ارتفع عدد الدببة في المنطقة إلى 47 دُباً.
ولكن تقريرا جديدا أظهر أن العديد من المقيمين هناك لم يعودوا سعداء بأن يعيشوا قريبين بشدة من هذه الحيوانات آكلة اللحوم.
بالرغم من أن عملية توطين الدببة في تلك المنطقة اعتُبِرت ناجحة بوجه عام؛ فإن التقرير الذي نُشر في مطبوعة "جورنال فور نايتشورال كونزيرفايشن"، أشار إلى أن معدل العداء للدببة هناك آخذ في التصاعد.
ويبدو أن عددا محدودا من الدببة سيئة الطباع هو المسؤول عن تشويه سمعة باقي الدببة الأخرى الموجودة في هذه البقعة من إيطاليا.
تقول روبِرتا تشيركيلا، من جامعة ساساري الإيطالية، وهي من بين معديّ التقرير، إن السبب الرئيسي في حالة العداء هذه هو الخوف. وتضيف بالقول إن التغير في توجهات السكان حيال الدببة "مرتبط بوضوح بزيادة أعدادها، وهو ما يبدو أنه ولّد شعورا بعدم الأمان" بين المقيمين في تلك المنطقة.
فمع أن السكان تقبلوا هذه الدببة في بادئ الأمر، فقد باتوا الآن أكثر خوفا من حدوث أي مواجهات محتملة معها، ولذا يتقلص تسامحهم حيال تلك الحيوانات آكلة اللحوم.
ولكن السلوك العام للدببة لا يعزز صحة الاتهامات الموجهة لها.
فالتقارير الخاصة بوجود "سلوكيات سيئة" تصدر عن تلك الحيوانات تتماشى مع ما يُتوقع صدوره عنها عادة. فالخسائر التي تنجم عن تلك التصرفات غالبا ما تكون مادية، وليست في الأرواح. كما تقع هذه الخسائر في المناطق الريفية الأكثر قربا من البقاع التي تعيش فيها الدببة.
وتتضمن هذه الحوادث بعض الهجمات التي افتُرِست فيها ماشية، ودُمِرت خلالها خلايا للنحل. كما أن هناك وقائع لسلب محاصيل زراعية وأشجار للفاكهة. كما بلغ الأمر، حد الإمساك ببعض هذه الدببة، وهي تحاول اقتحام منازل أو سُقيفات ريفية صغيرة يستخدمها الرعاة.
ولكن كل هذه الحوادث كانت – حسبما تقول تشيركيلا – منسوبة للحفنة نفسها من الدببة الوقحة "صعبة المراس". وقد يُعزى ذلك جزئيا إلى الطريقة التي يتم من خلالها التعامل مع تلك الدببة.
وتشير الباحثة إلى أن "الرأي العام يتأثر بشدة بوجود مثل هذه الدببة صعبة المراس، وهو ما يسهم في نهاية المطاف في تكوين تصور متحيز عن الدببة جميعا".
ففي حالات نادرة للغاية فحسب، تعرض البشر لخطر فعلي من جانب الدببة.
في واقع الأمر، يفوق الخطر الذي تتعرض له الدببة بسبب البشر، ذاك الذي تشكله هي عليهم. فبينما قُتل اثنان من الدببة عام 2013 دون أي مسوغ قانوني، لم يُسجل خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية سوى حادث واحد؛ هاجمت فيه الدببة واحدا من بني البشر.
وكان الضحية رجلا دنا بشكل كبير للغاية من أنثى دب واثنين من أشبالها خلال جمعه فطر عيش الغراب. واعتُبِر الهجوم دفاعيا من الأم بهدف حماية صغارها. وخرج الرجل سالما من الهجوم، ولم يصب سوى بجروح طفيفة.
وفي أحد الأعوام، شكلت حوادث اصطدام السيارات المسرعة بالدببة أحد أشد التهديدات التي تواجه تلك الحيوانات. فقد سُجل وقوع ستٍ من تلك الحوادث خلال عام 2012 وحده. ومنذ عام 1999، شهد إقليم ترينتينو الإيطالي 22 حادثا من هذا النوع، نجم عنها هلاك ثلاثة دببة.
تقول تشيركيلا إن الدببة لا تشكل خطرا على البشر سوى في المواجهات المباشرة بينهما، وحتى في هذه الحالة تمثل تلك الحيوانات تهديدا محدودا لا أكثر.
وفي كل الأحوال يبدو أن هناك ثمة حاجة للتصرف مع هذه الدببة صعبة المراس بشكل أفضل، إذا ما أردنا أن تصبح الدببة – بوجه عام - مقبولة اجتماعيا في تلك المنطقة. وتعتبر هذه المشكلة ملحة في ضوء التقديرات التي تشير إلى أن عدد الدببة يتزايد بنسبة 15% سنويا في تلك البقعة من إيطاليا.
وفي نهاية المطافـ، فحتى يتم إيجاد حل لتلك المشكلة، ستظل لدى الدببة أسباب للخوف من البشر، تفوق تلك التي تدفعنا نحن لخشيتها.