دعت العتبة العبّاسية المقدّسة، الشباب إلى الحذر من الأفكار الشيطانية التي شاعت عبر إثارة الشبهات، لإيقاعهم في فخّ الشكّ وترغيبهم بمفاهيم مشبوهة. جاء ذلك في كلمة ممثّلها السيد أحمد الشيخ علي خلال مهرجان السبط المنتظر السنويّ الثالث، الذي تنظّمه شعبة العلاقات الجامعية والمدرسية التابعة لقسم العلاقات العامّة في العتبة المقدّسة، بالتعاون مع رئاسة جامعة بغداد وتحت شعار (السبطُ المنتظرُ سراجُ العالَم المُظلِم)، بمناسبة ذكرى مولد الإمام المهديّ(عجّل الله فرجه). وقال الشيخ علي، إن "ممّا يؤسف له الآن أن تكون المظاهر أهمّ من الجواهر، وممّا يزيد الجرح وبالاً أن نجد من أبناء جلدتنا، من يوغل في هذا اللا فكر ويجعل منه خطاباً تنويرياً مزعوماً، والحقّ كلّ الحقّ أن ما يجري في بلادٍ محسوبة على الإسلام ليس سوى نكوص، وارتدادٍ خَطّط له دعاةُ ما يعرف بالخطاب العالمي الجديد، مستثمرين آلتهم التكنولوجية المتفوّقة، فبتنا في مواجهة حقيقية مع مختلف التيارات والوسائل الناعمة التي باتت تدخل بيوتنا وعقولنا بالمجان، وتستنزف آخر لمحةٍ من انتماءاتنا الروحية والأخلاقية والفكرية والعقائدية، ناهيك عن ثرواتنا وخيراتنا، ومن ثم تتحكّم بمصائرنا".
وجاء في نصّ الكلمة: إنّه لشرف كبير أن أمثّل العتبة العبّاسية المقدّسة في النسخة الثالثة من مهرجان السبط المنتظر، الذي يتجدّد فيه لقاؤنا بتجدّد ذكرى الميلاد الميمون لمنقذ البشرية الإمام الثاني عشر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في شعبان الخير، الذي نسأل الله أن نختمه بغفران الذنوب، واستقبال شهر الفضيلة والقرب من الله والتقرّب إليه، بما وهبنا من رحمته التي وسعت كلّ شيء. الحضور الكريم، أقف بينكم لأنقل إليكم بادئ ذي بدء سلام وتحيّات المتولّي الشرعيّ للعتبة العباسية المقدّسة سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزّه)، وهو يبارك لكم انطلاق أعمال هذا المهرجان الكريم، بما يتضمّنه من فعّاليات ونشاطات طيبة. وإنّها لسعادة غامرة أن نستعيد معاً هذه اللحظة في جامعتنا الأمّ، جامعة بغداد الزاهرة، التي كانت وما زالت ثابتة في أداء رسالتها العلمية، من دون أن تغفل الفعل الرساليّ لها، وهي تحفظ العهد في إعلاء القيمة الإنسانية في جنبتها الأخلاقية، والمضي في سبيل إعداد أجيال مؤهّلة علمياً وثقافياً وحضارياً، وهذا لا يأتي من فراغ، بل هو الغرس الصحيح للفكر، والوعي بأهمّية الحفاظ على تلك الخصوصية التي حبانا الله بها، فكنّا ورثة اللغة التي اختارها سبحانه وتعالى لكتابه المجيد، فنحن إذن حملة هذا الإرث الذي بعث الله به نبيّه الكريم إلى الناس كافة. الحضور الكريم.. لا يخفى على حضراتكم هول التحدّي بإزاء جسامة البلاء الذي تسعى قوى الظلام إلى تكريس آثاره في المجتمع الإنساني عموماً، وفي مجتمعنا الإسلامي والعربيّ على وجه الخصوص، وصور هذا البلاء كثيرة، لا تبدأ بالأفكار الشيطانية التي شاعت عبر إثارة الشبهات، وإيقاع الشباب في فخّ الشكّ وترغيبهم بمفاهيم مشبوهة، من قبيل اللادينية والعلمانية بما تنطوي عليه من تفكيرٍ مريضٍ بزعم عبور الحدود واشتباك العقائد، ولا ينتهي بالتشجيع على كسر القيم بدعوى التحرّر، والانشغال بتوافه الأمور الدنيوية بدعوى رفض الخوض في ما يسمّى بالقضايا الخلافية، وغير الأساسية للحياة، وفي هذا إيهام خطير، جعل طائفة واسعة من الشباب تسقط في هذا الفخّ الكبير، غير مدركة أنّها تكرّس لعصر (التفاهة)، وهو المصطلح العلميّ الذي يناسب مآل عصرنا الراهن، الذي استخفّ بالإنسان بوصفه القيمة العُليا التي جعلها الله مثالاً على قدرته وخلقها في أحسن تقويم، فإذا بنا نعيش عصراً يتنكّر للفطرة التي فطر الله الإنسان عليها. ولعلّ ممّا يؤسف له الآن أن تكون المظاهر أهمّ من الجواهر، وممّا يزيد الجرح وبالاً أن نجد من أبناء جلدتنا، من يوغل في هذا اللا فكر ويجعل منه خطاباً تنويرياً مزعوماً، والحقّ كلّ الحقّ أن ما يجري في بلادٍ محسوبة على الإسلام ليس سوى نكوص، وارتدادٍ خَطّط له دعاةُ ما يعرف بالخطاب العالميّ الجديد، مستثمرين آلتهم التكنولوجية المتفوّقة، فبتنا في مواجهةٍ حقيقية مع مختلف التيارات والوسائل الناعمة التي باتت تدخل بيوتنا وعقولنا بالمجان، وتستنزف آخر لمحةٍ من انتماءاتنا الروحية والأخلاقية والفكرية والعقائدية، ناهيك عن ثرواتنا وخيراتنا، ومن ثمّ تتحكّم بمصائرنا. الحضور الكريم، إن ما أرمي إليه لا يعني أبداً أن نقف بالضدّ من التطوّر الذي صار واقعاً بل ضرورة، ولكنّني أستنهض فيكم الوعي لتميزوا الحقّ عن الباطل، وتتقبّلوا ما يكون في خدمتكم لا أن تكونوا أنتم في خدمته، أدعوكم للارتقاء بأنفسكم وأحذّركم من الانحطاط بها لا سمح الله. فليس العلم على النقيض من الأخلاق، وليست الحرّية ضدّاً للحشمة والتحصّن، لأن الثنائية الضدّية في الواقع تضع العلم قبالة الجهل، والحرية قبالة العبودية، وأنّ التديّن والأخلاق والحشمة والتحصّن والصدق في القول والعمل، والثبات على المبادئ ورفض الظلم إنّما هي خلاصة الإنسان الصالح، وهذا ما وعيناه، وتلقّيناه عن إلهنا سبحانه وتعالى ولمسناه في رسالته التي جاء بها نبيّنا الأكرم وأئمّتنا الهداة (عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه). ومن هنا فإن خطابي الذي أخصّ به أبنائي وبناتي طلاب جامعة بغداد في هذه المناسبة المباركة إنّما يصدر عن يقين، بأنّ وعد الله ناجز، ومهما تغالبت قوى الاستكبار، فإنّ مصيرها الخذلان، وأن نصرنا الحتميّ لا بدّ أن يتحقّق، وما احتفالنا اليوم بميلاد منقذِنا السبط المنتظر إلّا تأكيدٌ لهذا اليقين، وحسبنا أن نتذكّر قول البارئ عزّ من قائل: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)، وحريٌّ بنا أن نجمع أمرنا ونعدّ عدّتنا لنكون من بين الممهّدين لذلك الوعد الناجز إن شاء الله، فإن لم نكن نحن من يحظى بهذا الفوز، فليكن أبناؤنا وطلّابنا في المستقبل غرساً طيباً ونقياً وسليماً لم يتلوّث بأدران العصر وأدواء الزمان، وهكذا تتحقّق إرادة الله بحكمته، ولن تكون غواية الشيطان إلّا في بوار، وستكون كلمة الله هي العُليا.