بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ ربّ العالمينَ.. والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الخلقِ أجمعينَ.. محمدٍ المصطفى الأمين.. وعلى آلهِ الهداةِ الطيبينَ الطاهرين..
السلام على الإمامين الهمامين موسى بن جعفر الكاظم ومحمد بن علي الجواد ورحمة الله وبركاته..
السادة الحضور مع حفظ الألقاب والمقامات السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته..
من ثنايا الأفراح والمسرات نلتقيكم اليوم مرة أخرى لقاءً مفعما بالإيمان والمودة.. تكلله النفحات القدسية والألطاف الملكوتية من جوار الإمامين الطاهرين موسى الكاظم ومحمد الجواد عليهما السلام لنحتفي بذكرى ولادة نورين من أنوار الإمامة الإلهية.. أمير المؤمنين علي المرتضى وشباب الأئمة محمد الجواد.. لنرفع من هذا المكان الطاهر أسمى آيات التهاني وأجمل التبريكات إلى مقام صاحب العصر والزمان أرواحنا له الفداء وإلى مراجعنا العظام والعالم الإسلامي والإنساني بهاتين المناسبتين العطرتين.. أما لماذا نهنئ العالم الإنساني فلأن من نحتفي بهما لم يكونا للمسلمين فقط بل للإنسانية جمعاء لأنهما جسدا معاني الإنسانية في فكرهما وسلوكهما وكرسا ثقافة العدالة وحفظ الكرامة ومحاربة الظلم والطغيان وإفشاء السلام التي تصبو لها البشرية بمختلف مشاربها وألوانها.. فحديثنا اليوم هو عن قدوتين.. أما الأولى فهي لمن يريد أن يكون قائدا وحاكما حكيما.. والثانية هي رمز لشبابنا.
وما أكثر الذين أشادوا بـ(علي بن أبي طالب) عليه السلام من المسلمين ومن غيرهم.. واسمحوا لي أن أستعرض مثالين فقط طلبا للاختصار.. شخصيتين من غير المسلمين إحداهما أوربية والاخرى عربية إذ قال المستشرق الإنكليزي (سيمون اوكلي Simon Ockley): "شيء يستحق أن نقف عنده ونتسائل عن حكمته، لقد ولدته امه في نفس البيت المقدس في مكة.. والذي يأمر الله أن يُطهرّ ويُعبد له خالصا.. لم يحدث هذا لأي انسان ولا حتى بأي دين سماوي".. أما الشاعر المسيحي جورج جرداق فيقول: إنّ عليّاً يمثّل في جملة كيانه جانباً عظيماً من العدالة الكونية الشاملة
كلما بي عارض الخطب ألم … وصماني من عنا الدهر ألم
رحت أشكو لعلي علتي … وعلي ملجأ من كل هم
وانادي الحق في أعلامه … وعلي علم الحق الاشم
من لأوطان بها العسْف طغى ... ولأرض فوقها الفقر جثم
غير نهج عادل في حكمه … يرفع الحيف اذا الحيف حَكم
فعندما نتحدث عن أمير المؤمنين عليه السلام لا بد أن نتحدث عن العدالة التي لازمت شخصيته السامية حتى اقترن اسمه المبارك بالعدالة وكان مصداقا بارزا لقوله تعالى: (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالقِسطِ).. فحقاً لم يعرف تاريخ الإنسانية بعد الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم شخصاً كعلي عليه السلام خلد اسمه إلى الأبد، وارتسمت صورة عدالته في أذهان البشر، وما وصيته لمالك الأشتر عندما ولاه مِصراً إلا عنوان شامل لمعنى العدالة لا يفرق بين أطياف مجتمعه عندما قال: (الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).. لقد كان عليه السلام يرى أنه (في العدل صلاح البشرية).. ولذا أصبحت عدالته عليه السلام أنموذجاً واضحاً لكل القادة و طلاب العدالة على مرِّ القرون، ومصداقاً مشرِّفاً للإنسان المسلم المتكامل الذي يستطيع أن يكون قدوة في جميع المجالات.. فماذا نقول عن إمام ارتقى صهوات المجد وحَكم البلاد بدستور الله الخالد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. فحريّ بالمتصدين للحكم والقيادة أن ينتهجوا نهج أمير المؤمنين علي عليه السلام، وليعلموا بأن قيادة الشعوب ما هي إلا تكليف شرعي لا تشريف وأمانة في أعناقهم فليتقوا الله وليتعاملوا معها بالعدل والمساواة.. ولا يخفى على أحد أن مدينة النجف الاشرف التي تشرفت برمز البطولة.. الذي قام بسيفه الإسلام أسد الله الغالب علي بن أبي طالب عليه السلام وهو مدينة علم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم صارت حاضنة للحوزة العلمية الشريفة وجبهة لحفظ بيضة الإسلام فمن تلك الجوار المقدسة انطلقت فتوى الدفاع الكفائي لسماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله الوارف للدفاع عن الدين والمذهب والمقدسات في عراق طال نزف جراحه وما زال..
أما حديثنا عن القدوة الثانية فهو ما يخص إمامنا الجواد عليه السلام.. إذ استطاع ذلك الإمام الطاهر الشاب أنْ يفرض نفسه على مجتمعِ عصرهِ بسموه الروحي والخُلُقي ونشاطه المتواصل بين جماهير الأمة بما تجمّع لديه من مقوِّمات الصلاح والإصلاح والرغبة في نشر العلم والتأكيد على مكارم الأخلاق، وعلى الرغم من قصر عمره الشريف الذي عاش قرابة خمسة وعشرين عاما.. فقد تمكن من النهوض بمسؤولية الأمة، وترسيخ المعتقدات الإسلامية في المجتمع بما له من مواهب علمية وعطاء معرفي واسع ورثه عن آبائه المعصومين عليهم الصلاة أجمعين.
وعمل الإمام عليه السلام جاهداً على تحسين العلاقة بين الأفراد أنفسهم وإقامة علاقات طيبة مبنية على المودة والإخاء والإخلاص والتعاون بين الجميع, وذلك عند قوله عليه السلام: "ثلاث خصال تجلب بها المودة: الإنصاف والمعاشرة.. والمواساة والشدة.. والانطواء على قلب سليم".. وبهذا البر والإحسان احتل القلوب وملك العواطف وجعل الله من مرقده الشريف جنةً تستهوي الأفئدة يقصدها المؤمنون لطلب الحاجات حتى أصبح باباً للمراد وملاذاً للعباد.
وهكذا فإن الإمام الجواد عليه السلام يبقى قدوة لشبابنا الواعد ليعرفوا كيف يبنون مجتمعاً رصيناً محصناً بفكر خالٍ من كل ما يشوه ديننا وعقيدتنا وأن يكونوا درعا حصينا ضد كل الثقافات المنحرفة.. وليعرفوا كيف يكسبوا أفراد المجتمع من خلال المعاملة القائمة على مكارم الأخلاق وصدق الحديث والدفاع عن الدين المحمدي الأصيل.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين ينتهجون مسيرة أئمة الهدى للفوز برضا الله تعالى.. وأن يعيد علينا هذه المناسبة بالخير والأمان في عراق يرفل بالاستقرار والمحبة والألفة.. فلنتوجه معا إلى الله تعالى بدعاء تعجيل الفرج:
(اللّهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ الْحُجَّةِ بْنِ الْحَسَنِ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلى آبائِهِ في هذِهِ السّاعَةِ وَفي كُلِّ ساعَةٍ وَلِيّاً وَحافِظاً وَقائِداً وَناصِراً وَدَليلاً وَعَيْناً حَتّى تُسْكِنَهُ أَرْضَكَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فيها طَويلاً برَحْمَتِكَ يا اَرحَمَ الرّاحمينَ) والحمد لله أولا وآخرا وصلواته وسلامه على رسوله وآله دائما سرمدا.. والسلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.