خلال حفل افتتاح مؤتمر الإمام الباقر(عليه السلام) الثقافيّ السنويّ السابع، الذي أطلقته العتبةُ العبّاسية المقدّسة صباح هذا اليوم (1 رجب 1442هـ) الموافق لـ(14 شباط 2021م)، تحت شعار: (الإمام الباقر عيليه السلام الكَلِمُ الطّاهر والحقّ الظَّافر)، كانت هناك كلمةٌ للأمانة العامّة للعتبة العبّاسية المقدّسة، ألقاها بالنيابة عضو مجلس إدارتها الأستاذ الدكتور عباس رشيد الموسوي، وممّا جاء فيها:
"الحمد لله الذي اصطفى لنا محمّداً ورحمنا به، فصرنا به الأمّة المرحومة، ثمّ رأف بنا بجميل صنعه وسوابغ نعمه، بأن أفاض لنا بآل البيت وجعل مودّتهم أجراً لرسالته الخالدة، فصاروا لنا السبل الواضحة والأعلام اللائحة، ونور النبوّة وهدي الرسالة، وجدّد بهم الفرائض والسنن وهدم أبنية الشرك والنفاق، وإذ كانت قد هوت إليهم أفئدةٌ من الناس فأمنت بهم من ريب المنون واختلاف الدهور والسنين، فقضى الله لهم بتعاقبهم ولم يكد يخلو منهم زمنٌ آياتٍ لحفظ الذكر ومصداقاً لديمومته، فإنّه قد جرى القضاء فيهم بما لا يرتضيه رسول الله إذ لم يُمتثل لأمره فيهم، فقُتِل مَنْ قُتِل منهم وأُقْصِي مَنْ أُقْصِي، وجرى القضاء لهم بما يُرجى له حسن المثوبة، وسبحان ربّنا إن كان وعد ربّنا لمفعولاً، ولن يخلف الله وعده وهو العزيز الحكيم".
وأضاف: "لم يفتأ موالو أهل بيت الرّحمة مواصلةَ نهجهم بالاحتفاء بهم، وإحياء علومهم وتأمّل محطّاتهم وتدارس فكرهم، ليس لأنّهم أعلام الدين وقواعد العلم فحسب، وليس لأنّهم العروةُ الوُثقى والوسيلةُ إلى الله فحسب، ولكن إيماناً من مواليهم أنّ ذلك الوقوف في أيٍّ منهم سيُثمر في كلّ مرّةٍ عن مغنم ويدفع في كلّ مرّةٍ عن مغرم، لأنّ بتمام الوفاء للرسالة حاجة إلى سداد دينٍ وهو أجرها الذي جعله الله تعالى مقصوراً على مودّتهم، ولكلٍّ منهم جعل الله تعالى دوراً فتباينت الأدوار وتوحّد الهدف".
وأوضح الموسوي: "أنّ الحديث عن تباين الأدوار حديثٌ مفعم بالثراء شاسع لاحب، تتناسل فيه الأسئلة وتتكاثر الإجابات حتّى لا تكاد تنتهي، وبين يدينا اليوم سؤالٌ عن هذا الاحتفاء بالإمام الباقر وفي دور إمامته، هو محمد بن علي الباقر كنّاه النبيّ بـ(الباقر) لأنّه باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه، عمرت أوقاته بطاعة الله تعالى، فلولا جهده في نقل تلك العلوم لثلّةٍ من العلماء والفقهاء في عصره، الذين استطاعوا من بعده أن يرفعوا أعلام المعرفة ويكونوا أعلام الأمّة وتقاتها، لانمحى كلّ شيء وانقطعت آثار الحقيقة".
متابعاً: "في مدوّناته الناصعة حثّ الناس على طلب العلم، فعرف المريدون منه منزلة طالب العلم فراحوا يلوكون: (إنّ جميع دوابّ الأرض لتصلّي على طالب العلم)، وتلك مدرسةٌ سحر بريقُها العيون وتدافع للوصول إليها الناس، حتّى صار طلّابُه ورواةُ الحديث عنه بالمئات، تناقلوا مكنوزات علمه وعلائم نثره، وإنّه حقّاً لدورٌ عسير أن يحرّر الإنسان ذاكرته من هول ما نحتته سنين حياته الأولى من مشاهد الطفّ المروّعة قتلاً وتشريداً وسبياً وتقييداً، وما اختطّته عصورُ الظلام المتوالية من صراعاتٍ مريرة ضدّ المعتقدات الفاسدة والبدع المنحرفة والاتّجاهات الضالّة، أليست في ذلك غاية آلهيّة وتكليفٌ سماويّ أن يستثمر الإمام(عليه السلام) انشغال عيون الجبابرة بالفتن والثورات المستعرة، ويُفيد من غمرة جحيم الأحداث المتوالية والحقب الملتهبة، بأن يؤسّس لحركةٍ علميّةٍ كبيرة فتلتفّ حوله حلقاتٌ وحلقات يسألونه عمّا أشكَلَ عليهم، ثمّ ينتشرون للرواية عنه سرّاً وعلانيةً ليستأصل بهم شأفة التضليل والإلحاد، ويطمس بهم آثار الزيغ والأهواء، ويستكمل أدواراً فيحفظ حقوق علوم مدينة العلم ويعيد إنتاج رسالة الإسلام كما بزغت من بارئها على يد خاتم النبيّين".
مؤكّداً: "الأحرى بهذا الدور أن تنتدبَ له العتبةُ العبّاسية المقدّسة المؤتمرات السنويّة للغوص في مكتنزاته والنهل من معينه ونشر علمه وتباين فضله ودوره، وهذا ما أوقفت له العتبةُ المقدّسة بعض غايتها في نسخة المؤتمر الأوّل، إذ خصّصت مسابقةً لأفضل مؤلَّفٍ عنه وطبعت المؤلَّفات الفائزة، ثمّ كرّرت نسخ المؤتمر التالية لتدارس حصاد علمه، فكانت هناك بحوثٌ عديدة لفضلاء الحوزة العلميّة والأساتذة الأكاديميّين، ولأنّ الجائحة هذه السنة فرّقت الجموع وحالت دونما أيّ تجمّع، فقد اقتصرت نسخة مؤتمرنا هذا على جلستَيْن بحثيّتَيْن لعلّنا نوفّق بهما بالتقرّب إليه (عليه السلام) وننال رضا الدارين".
واختتم: "نشكر هنا مَنْ أبدى جهداً وأسدى عوناً في إقامة هذا المؤتمر، أقصد اللّجان التحضيريّة والعلميّة".