ألقى عضو مجلس إدارة العتبة العبّاسية المقدّسة الدكتور عباس رشيد الموسوي، كلمةً بالنيابة عن متولّيها الشرعيّ سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزّه)، في مهرجان عاشوراء الثقافيّ السنويّ الثامن الإلكترونيّ الذي أقامته شعبةُ العلاقات الجامعيّة في العتبة المقدّسة ضمن مشروع فتية الكفيل الوطنيّ، وبالتعاون مع جامعة بغداد مساء اليوم الجمعة (29 محرّم الحرام 1442هـ) الموافق لـ(18 أيلول 2020م).
وهذا نصّ الكلمة:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.
ما أحوجنا في هذا الوقت الى استعادة الدرس الحسينيّ، والى تأمّله والإفادة من خلاصاته والتعلّم من نتاجاته، لا شكّ أنّ أدنى تأمّلٍ فيه يوصل الى أنّه مصباحُ هداية ومن ثمّ فهو سفينة نجاة، ولا شكّ أيضاً أنّنا هنا سنتحدّث عن مثالٍ إنسانيّ قبل أن نتحدّث عن إمامٍ معصوم، لا يمثّل طائفةً أو مذهباً أو ديناً بل يمثّل الإنسان المجسّد لمعنى أن يكون الإنسان إنساناً، كما أراد ذلك دينُ جدّه المصطفى، هذا المثال أو القدوة الحسنة تهفو إليه آمال الإنسانيّة وتتطلّع إليه أهدافها، ففي درسه تكمُنُ كلّ معاني الإنسانيّة وقيمها النبيلة ومعانيها الفاضلة، وفيه تتربّى النفوس ويتهذّب السلوك وتُنشأ الذات وتتعرّف على هويّتها الإنسانيّة، وتجيد معه معنى الإخلاص واحترام الآخر ومعنى الحرّية.
نلتقي هنا في مهرجان عاشوراء الثقافيّ السنويّ الثامن بنسخةٍ إلكترونيّة هذه المرّة، داعين الله عزّ وجلّ أن لا يطول عمرُ الجائحة وقاكم الله شرَّها وشرورَ غيرها، وأن نلتقي في المهرجانات الأُخَر وأنتم ومن تحبّون سالمون، نلتقي هنا تحت ظلال هذه الدوحة المباركة بكلّ ما تحمله من ترحاب وهدي وثقافة، لننهل منها ما نصمد به في حياتنا للفوز بالعيش الكريم، وننهل من فيوضاتها ما يروي ظمأ إنسان هذا العصر، نلتقي هنا بتباين أعمارنا وأطياف ثقافاتنا وتباين تضاريس جغرافيّاتنا وانتماءاتنا العقديّة والفكريّة والثقافيّة، لنمدّ لبعضنا البعض يد الأخوّة، وكأنّ المشهد العاشورائيّ يعيد نفسه هنا في هذه الجنبات، إذ تآصرت في حاضرته الأعمار والثقافات والجغرافيات والألوان والانتماءات، وتشابكت الأيدي فيه لتقدّم للإنسان أنّى كان وحيث كان أروع وأجدى دورس الحياة التي عرفها الإنسان، ما أحوجنا أن نستعيد ذلك المشهد العاشورائيّ ونحن نعيش هذه اللّحظة التاريخيّة من عمر وطننا العزيز، وهو يعيش لحظةً فارقةً من عمر الزمن يحيا فيه الشابّ العراقيّ ابتلاءً ندعو الله عزّ وجلّ أن ينقذه منه.
إنّ سبل المغريات أمام طلبة الجامعات وأمام النشء الجديد فارهة والداعين اليها كثر، ويمتلكون من وسائل الشدّ والجذب ما يسهّل عليهم تحقيق أهدافهم في ظلّ احترابٍ غير متكافئ، بين صوت الحقّ والحكمة والمصلحة الخاصّة والصوت المناوئ، الذي بات يستهدف الوعي ويرمي الى تهشيم القيم الإيجابيّة من أطرافٍ خفيّة ليصل الى غاياته بعد ذلك، وإنّ ما تخشاه الأُسر الكريمة على أبنائها الجامعيّين هو انحراف بوصلة تفكيرهم باتّجاه ممارساتٍ وسلوكيّاتٍ ومتبنّيات بعيدة عن جادّة العلم، وهجينة عن منظومة قيمنا التربويّة والأخلاقيّة، إنّ أبناءنا الجامعيّين هم من سيفتحون عمّا قريبٍ أسراً ويكونون آباءً وستكون القيادة والإدارة بيدهم ويقع عليهم لا على غيرهم أمر البلاد والعباد، لا شكّ أنّ وجود تجمّعاتٍ مهرجانيّة شبابيّة كهذه وتحت خيمة الحسين الإنسانيّة، ومن أجل تأمّل الدروس المستفادة من عاشوراء مع طلبة الجامعة الأمّ في العراق وهي جامعة بغداد، بكلّ إرثها التاريخيّ ورصيدها العلميّ، سيخفّف عن نفوس أبنائنا وطأة افتقارهم الى الرعاية الكافية من لدن جهاتٍ عديدة، وينسيهم غصّة الإهمال، ولا شكّ أنّ مهرجانات كهذه ستعمل على إعداد نخبٍ شبابيّة قادرة على الإدارة والقيادة بعد رعاية وتنمية مواهبه وقدراته، مثلما تعمل على بناء إنسانٍ واعٍ ناطق عن منظومةٍ مجتمعيّة قيميّة وأخلاقيّة، وقادر على مواجهة أيّ فكرٍ غير سليم، ويسهم في بناء الفرد الفكريّ والأخلاقي والاجتماعيّ وتوجيه طاقاته نحو البناء والتغيير، ويكون في صميم الولاء للوطن وحسن الانتماء اليه، ويعزّز قدرات الشباب على تحمّل مسؤوليّاته ويصقل شخصيّاتهم الذاتيّة، ويرسّخ قيم العمل الجماعيّ والتطوّعي لديهم ويسهم في نبذ الظواهر المجتمعيّة السلبيّة، وينشر الإيجابيّة والطمأنينة بين الأفراد أثناء تداعيات أزمات كالجائحة ونحوها.
نشكر رئاسة جامعة بغداد ونشكر كلّ أبنائنا الطلبة ونشكر الذين شاركوا وأنجحوا هذا المهرجان، ونشكر القائمين على مشروع فتية الكفيل الوطنيّ في العتبة العبّاسية المقدّسة.