يصبح الطب الدقيق والهادف لكل شخص على حدة، هو الاتجاه الرئيسي في تطوير العلوم والممارسة الطبية. وتتمثل مهمته الرئيسية في تحديد الأدوية التي ستكون فعالة بالنسبة للمريض ولأفراد عائلته، مع الأخذ بعين الاعتبار الخصائص الجينية وشكل المرض.
بمرور الوقت، سوف يصبح الطب الشخصي باستخدام الواصمات الحيوية الجزء الهام من العمل الوقائي والعلاجي لأطباء الأورام ويساعد في الحد من خطر الاصابة بالمرض للأشخاص المعرضين للخطر.
ما هي الواصمات الحيوية؟ هي خاصية يمكن تقييمها بشكل موضوعي من أجل تحديد العملية المرضية أو الفسيولوجية في جسم الإنسان.
فعلى سبيل المثال تستخدم الواصمات الحيوية، لتقييم مرحلة المرض والتشخيص واختيار نظام العلاج الفردي، وهذا يتوقف على الخصائص الجزيئية للأورام.
فمثلا تحتوي الأورام على طفرات جينية نموذجية لدى المرضى الذين يعانون من سرطان الثدي أو سرطان الرئة، وفي هذا الصدد ووفقاً للممارسات العالمية الخاصة بعلاج الأورام فإن مثل هؤلاء المرضى يجب أن يخضعوا لتصوير جيني هادف وتحديد الواصمات
الحيوية الفردية، وذلك من أجل وضع علاج نموذجي مستهدف.
وفي هذا السياق تحدث البرفسور سيرغي سوتشكوف رئيس قسم الطب المتعدي في الجامعة الوطنية للأبحاث النووية "ميفي" خلال مقابلة مع "سبوتنيك" بأن الواصمات الحيوية تتكون من ثلاثة أنواع أساسية:
" الواصمات الحيوية التنبؤية والتي من خلالها يمكن أن نتوقع المخاطر المحتملة للمرض وبالتالي ما هي الاستجابة الأكثر احتمالاً حيال مخطط العلاج الحالي.
الواصمات الحيوية المنذرة تقدم معلومات حول كيفية سريان هذا المرض بغض النظر عن نوع العلاج، أي أنه يتم تحديد حالة التنبؤ بالمرض.
الواصمات الحيوية التشخيصية تسمح بوضع تشخيص صحيح في الوقت المناسب".
وقد حددت العديد من الدراسات عدداً من الواصمات الحيوية المرتبطة بالأورام، وبالتالي فإن عملية تحديدها في حزمة واحدة (فحص متعدد العوامل والمراقبة) يزيد من دقة التشخيص وحتى الحالة ما قبل التسرطن، فضلاً عن موثوقية التوقعات، وتحسين إجراءات
الكشف عن الانبثاث.
تصبح دراسة الواصمات الحيوية المساعدة جزءاً إلزامياً من البروتوكولات العلاجية والتشخيصية لمرضى السرطان والبروتوكولات الوقائية الاستباقية للفئات من الأشخاص المعرضين للخطر. وهذه الطريقة تمنح طبيب الأورام أداة فريدة من نوعها للتوجيه السريري
وتساعد المرضى على العيش أطول فترة زمنية ممكنة بدون حدوث أي انتكاس.
نحو الهدف بدقة
يمكن للواصمات الحيوية أن تحسن بشكل كبير من عملية تشخيص الأورام الخبيثة البدائية، مما يسهل على الطبيب وضع نظام علاجي أكثر فعالية، وبالتالي فإن الواصمات الحيوية أعطت دفعة حقيقية لتطوير مفهوم العلاج الموجه.
لقد أدرك الباحثون الحاجة إلى إنتاج عقاقير خاصة "هادفة" يمكن إدخالها في الروابط الرئيسية للأمراض وتصحيحها.
في عام 2011 ، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على عدد من اللوائح المتعلقة بالأورام المستهدفة، اثنتان منهن، متعلقة بالأدوية Crizotinibum و vemurafenib ، أصبحت فريدة من نوعها.
وهذه هي المرة الأولى، التي لا يتم فيها الاستناد إلى الآراء الشخصية للطبيب المعالج، وإنما إلى المبادئ الموضوعية للواصمات الحيوية، لدى اختيار طرق العلاج.
حالياً، وقبل وصف العلاج بدواء Crizotinibum، ينبغي على الأطباء إجراء اختبار على أساس الطريقة الفلورية الفريدة (طريقة FISH —).
هذا الاختبار يساعد على تحديد التباديل الجيني الذي يشير إلى أن هذا المريض بالتحديد يمكن ويجب أن يحصل على فائدة خاصة من العلاج باستخدام Crizotinibum.
وهنا يشير سيرغي سوتشكوف قائلاً:
"إن استخدام طريقة جديدة وموثوق بها للغاية للكشف السريع من الجزيئات الحيوية المرتبطة مع مرض السرطان، مكّنت العلماء من وضع لائحة فريدة من الواصمات الحيوية للكشف عن المراحل المبكرة من الورم (مؤشر نذير حيوي).
وهذه اللائحة لا تساعد فقط في انتقاء علاج فعال للغاية لسرطان الثدي، ولكنها توفر أيضاً تشخيصاً خالياً من الأخطاء لهذا المرض "في بداية مراحل تطوره".
أمثلة على النجاح
سرطان الخلايا الصبغية المنتشر هو مرض خطير يرافقه تشخيص غير مطمئن لمعظم المرضى، ولذلك، فإن القرار القاضي بإدراج دواءvemurafenib في البروتوكولات السريرية يعتبر في غاية الأهمية، لأنه يساعد حوالي 40-60٪ من المرضى الذين يخضعون
لهذا التشخيص، خاصة وإن استخدام vemurafenib لأول مرة ساهم في زيادة عدد الذين بقوا على قيد الحياة من هذا المرض القاتل.
ومع ذلك، فإن الدواء غير نشط لدى بعض المرضى، لذلك يجب على جميعهم الخضوع لفحص أولي لوجود الواصم الحيوي المناسب.
هناك مثال آخر مرتبط بالدواء Brentuximab Vedotin، الذي تم انتاجه لعلاج المرضى الذين يعانون من سرطان الغدد الليمفاوية هودجكين، في السابق، كانت هناك محاولة لعلاج هؤلاء المرضى من خلال الخلايا الجذعية الذاتية، لكن العديد منهم ماتوا. في حين
أن Brentuximab ، الدواء الذي يجمع بين الأجسام المضادة وحيدة النسيلة مع الجزيء الصغير المصطنع، يعطي تأثيراً طبياً قوياً، من خلال قتل الخلايا السرطانية ومنع تكاثرها.
بالفعل وفي إطار التجارب السريرية عند الاصابة بداء هودجكن، وهو نوع من الأورام اللمفاوية، فإن معدل استجابة بلغ 73٪ وحوالي 32٪ من المرضى نجوا من الموت المحتم.
وأوضح سيرغي سوتشكوف أن الكشف عن الجزيئات الحيوية المحددة في تكوين السائل المنوي للمريض، بدوره يساعد بشكل هائل على القيام بتشخيص دقيق لسرطان البروستات في وقت مبكر وتقييم شدة عملية تطور الورم، وأضاف قائلاً:
"على سبيل المقارنة، كان الأطباء، من دون أن يكون هناك حاجة لذلك، يأخذون الخزعة من المرضى سابقاً، بسبب العديد من النتائج الايجابية الكاذبة، وبالتالي كانت تحدد لهم العلاج غير المناسب حتى ولو كان الورم حميداً، وهذا الأخير لا يحتاج لعلاج على
الاطلاق".
وعليه فإن تحديد الواصمات الحيوية في الدم، باعتبارها خلايا متحولة فردية، يساعد على تقييم الخطر التراكمي لانتشار الورم الخبيث، ومراقبة فعالية العلاج والتنبؤ بإمكانية الانتكاس من جديد، وكذلك تنفيذ التشخيص ما قبل السريري للحالة السرطانية الكامنة. هذا هو
الواصم البيولوجي الجديد والغني بالمعلومات، الذي يمكن الاعتماد عليه للتشخيص والتنبؤ بمرض السرطان، بحيث يمكن توقع مدى بقاء مرضى السرطان على قيد الحياة المصابين بورم منتشر في مراحل مختلفة خلال فترة العلاج. وفي هذا الاطار أكد رئيس القسم في
جامعة "ميفي" قائلاً:
"في السنوات الأخيرة، باتت الواصمات الحيوية من الجيل القادم — وهي عائلة من ما يسمى الحمض النووي الريبي الدقيق، معروفة على نطاق واسع، والتي تم الكشف عنها في بلازما الدم لدى الاصابة بسرطان الثدي وسرطان الرئة وسرطان القولون وغيرها من
أمراض الأورام السرطانية. وبالتالي فإن استخدام هذه الواصمات الحيوية يساعد طبيب المعالجة الكيميائية على تحديد حساسية المريض لأنواع مختلفة من العلاجات المستهدفة، بما في ذلك أحدث البروتوكولات التوافقية، علماً أن مثل هذه الممارسات منتشرة فقط في
مشافي الولايات المتحدة وأوروبا. أما في روسيا، لا تزال موجودة في مهدها".
بحثاً عن الواصمات الحيوية المثالية
بحسب رأي الخبراء فإن الواصم الحيوي المثالي، يلبي عدداً من المعايير تبعاً لكيفية استخدامه:
أ- من المستحسن أن يتم تحديده من دون أي تدخل جراحي، وينبغي أن يشير إلى وجود الورم السرطاني قبيل ظهور الأعراض السريرية.
ب- يجب أن يكون حساساً للتغيرات في عملية تطور الورم السرطاني (على سبيل المثال، الاستجابة للعلاج أو التدخل الجراحي).
ت- يجب أن ينتقل بسهولة من الأنظمة النموذجية إلى الممارسة السريرية كمؤشر تفسيري، دون إثارة الشكوك لدى الطبيب.
ومن أجل استخدام الواصمات الحيوية من الضروري تطوير عملية التحقق من صحة وتوحيد إجراءات إعداد العينات البيولوجية، من خلال وضع مجموعة من وسائل الفحص الموثوق بها وتقييم الواصمات الحيوية كعضو استراتيجي في الطب التخصصي الدقيق.
حالياً يشهد سوق التقنيات المتعلقة بالواصمات الحيوية نمواً سريعاً في العالم، بما في ذلك الواصمات المرتبطة
بالأمراض السرطانية. وهذا يتأثر بالنمو السريع لتعرض السكان للاصابة بالأورام السرطانية، جنباً إلى جنب مع النجاحات في التشخيص والعلاج. ويختم
سيرغي سوتشكوف حديثه قائلاً:
"هناك حاجة ماسة للبحث عن الواصمات الحيوية الجديدة، على أن يتوسع حجم مثل هذا البحث تدريجياً، بحيث تشمل المناطق الساكنة من الجينوم. ولهذا فإنه من الضروري تطوير التعاون العلمي الأكاديمي والجامعي، من جهة، وشركات الصيدلة البيولوجية والطبية
والتشخيصية، من جهة أخرى، من خلال استقطاب الجمعيات المانحة والاستثمارية في سياق تطوير وتنفيذ المبادرات ذات الصلة".
في الوقت نفسه، ينبغي إشراك جميع الفئات المهتمة في اتخاذ القرارات أو تحديد سبل استخدام النتائج الأولية والنهائية للبحث. وهذا ضروري لتصميم العقاقير المستهدفة للأجيال الجديدة بشكل أساسي.