أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-10-2014
1747
التاريخ: 18-11-2014
1587
التاريخ: 8-10-2014
2855
التاريخ: 28-01-2015
1571
|
إنّ الوجه الثاني الذي يدل على عدم استيعاب الاُمّة لكل أبعاد الشريعة وتفاصيلها ، هو الموارد التي لم يرد فيها نصٌّ صريحٌ ، فعمد الصحابة إلى الأخذ بالرأي والقياس ، التماساً للحلول والأحكام المناسبة.
ولذلك أضطرّ الصحابة منذ الأيام الاولى من وفاة النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) إلى إعمال الرأي والاجتهاد في المسائل المستحدثة ، وليس اللجوء إلى الاجتهاد بمختلف أشكاله إلاّ تعبيراً واضحاً عن عدم استيعاب الكتاب والسنّة النبويّة ـ عندهم ـ للوقائع المستحدثة بالحكم والتشريع.
غير أنّ الاجتهاد في هذا العصر وما بعده ، لم يكن مقصوراً على الاجتهاد المألوف بين الشيعة الإماميّة من ردّ الفروع إلى الاُصول ، وتطبيق الكليات على المصاديق والجزئيات ، بل كان يعبّر عن لون آخر أشبه بإبداء الرأي من عند الشخص بلا دليل وحجّة قاطعة فيما بينه وبين الله.
فقد أحدثوا مقاييس للرأي ، واصطنعوا معايير جديدة للاستنباط لم يكن منها أثر في الشرع ، وكان القياس أوّل هذه المقاييس ، ومن هذه المعايير : المصالح المرسلة ، وسدّ الذرائع والاستحسان ، إلى غيرها من القوانين التي اضطرّ الفقهاء إلى اصطناعها عندما طرأت على المجتمع الإسلاميّ ألوان جديدة من الحياة لم يألفوها ، وتشعّبت بهم مذاهبها ، ولم يجد الفقهاء بدّاً من الالتجاء إلى إعمال الرأي في مثل هذه المسائل ، وللبحث حول هذه المعايير المصطنعة مقام ومجال آخر فيطلب منه.
وإليك فيما يلي بعض هذه الموارد ، وهي غيض من فيض ، وقليل من كثير :
(أ) : فيمَنْ شرب خمراً
رفع رجل إلى أبي بكر وقد شرب الخمر ، فأراد أنّ يقيم عليه الحدّ ، فقال : إنّي شربتها ولا علم لي بتحريمها ، لأنّي نشأت بين قوم يستحلّونها ، ولم أعلم بتحريمها حتى الآن ... فتحيّر أبو بكر في حكمه ... فأرسل إلى أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) فقال :
« مرّ رجلين ثقتين من المسلمين يطوفان به على مجالس المهاجرين والأنصار يناشدانهم هل فيهم أحد تلى عليه آية التحريم ، أو أخبره بذلك عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فإن شهد بذلك رجلان فأقم عليه الحدّ ، وإنّ لم يشهد أحد بذلك ، فاستتبه وخلّ سبيله ».
ففعل أبو بكر ذلك فلم يشهد أحد فاستتابه وخلاّ سبيله (1).
(ب) : ما الكَلاَلَة ؟!
سئل أبو بكر عن الكلالة في قوله تعالى { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } ( النساء : 176 ). فقال : إنّي سأقول فيها برأيي فإن يك صواباً فمن الله وإن يك خطأً فمنّي ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه ، أراه ما خلا الولد والوالد ، فلمّا استخلف عمر قال : إنّي لأستحيي الله أن أردّ شيئاً قاله أبو بكر (2)
وهكذا نرى من يتصدر مقام الزعامة والقيادة في المجتمع الإسلاميّ ، يجهل حكماً إسلامياً ويعمد إلى رأيه الشخصيّ ، والأخذ بظنه.
(ج) : أمرأةٌ ولدت لستّة أشهر
رفعت إلى عمر بن الخطاب أمرأة ولدت لستة أشهر فهمّ برجمها ، فبلغ ذلك عليّاً فقال : « ليس عليها رجم » فبلغ ذلك عمر فأرسل إليه فسأله فقال : « قال الله تعالى : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } ( البقرة : 233 ) وقال : {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا } ( الأحقاف : 15 ) فستّة أشهر حمله وحولان رضاعه فذلك ثلاثون شهراً » ، فخلاّ عنها (3)
ولا يمكن القول بأنّ حكم هذه المسألة قد جاء في صريح الكتاب ، لأنّ معنى وروده في الكتاب العزيز هو أن يكون مفهوماً لأغلبية الصحابة ، ومعلوماً لهم ، وخاصّةً لمن يتصدر مقام الزعامة ، ولكن الواقعة بمجموعها تثبت بأن استخراجه وفهمه لم يكن مقدوراً إلاّ للإمام.
( د) : مسألة العوْل
لقد شغلت هذه المسألة بال الصحابة فترةً من الزمن ... وكانت من المسائل المستجدّة بعد الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) التي واجهت جهاز الحكم. ويعنى من العول ؛ أن تقصر التركة عن سهام ذوي الفروض ، ولا تقصر إلاّ بدخول الزوج أو الزوجة في الورثة ، ومثال ذلك ، ما إذا ترك الميت زوجةً وأبوين وبنتين. ولمّا كان سهم الزوجة ـ حسب فرض القرآن ـ الثمن ، وفرض الأبوين الثلث ، وفرض البنتين الثلثين ، فإنّ التركة لا تسع للثمن والثلث والثلثين ، أو إذا ماتت امرأة وتركت زوجاً وأختين للأب ، فلمّا كان فرض الزوج النصف ، وفرض الأختين الثلثين ، زادت السهام عن التركة ، فهنا ـ عندما ـ يجب إدخال النقص على من له فريضة واحدة في القرآن ، وذلك كالأبوين والبنتين والأختين لاستحالة أن يجعل الله في المال ثمناً وثلثاً وثلثين ، أو نصفاً وثلثين وإلاّ كان جاهلاً أو عابثاً تعالى عن ذلك.
ولكن هذه المسألة لمّا طرحت على عمر بن الخطاب تحيّر ، فأدخل النقص على الجميع استحساناً وهو يقول : ( والله ما أدري أيكم قدّم الله ، ولا أيّكم أخّر ، ما أجد شيئاً هو أوسع لي من أن أقسم المال عليكم بالحصص وادخل على ذي حقّ ما أدخل عليه من عول الفريضة ) (4).
( ه ) : الطلاق في الجاهليّة والإسلام
سئل عمر بن الخطاب عن رجل طلّق امرأته في الجاهلية تطليقتين وفي الإسلام تطليقةً فقال : ( لا آمرك ولا أنهاك ) .
فقال عبد الرحمان بن عمر : ( لكنّي آمرك ، ليس طلاقك في الشرك بشيء ) (5)
(و) : معنى الأبّ
بينا عمر جالس في أصحابه إذ تلا هذه الآية { فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا } ( عبس : 27 ـ 31 ) ، ثمّ قال : ( هذا كله عرفناه فما الأبّ ؟ ) ثمّ رفع عصا كانت في يده فقال : ( هذا لعمر الله هو التكلّف فما عليك أن تدري ما الأبّ ، اتبعوا ما بيّن لكم هداه من الكتاب فاعملوا به ، وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربّه ) (6) .
(ز) : خمسةُ أشخاصٍ أُخذوا في الزنا
أحضر عمر بن الخطاب خمسة نفر أخذوا في زنا فأمر أن يقام على كلّ واحد منهم الحدّ ... وكان أمير المؤمنين حاضراً ... فقال : « يا عمر ، ليس هذا حكمهم » ، قال عمر : أقم أنت عليهم الحكم ، فقدّم واحداً منهم فضرب عنقه ، وقدم الثاني فرجمه حتّى مات وقدّم الثالث فضربه الحدّ ، وقدّم الرابع فضربه نصف الحدّ ، وقدّم الخامس فعزّره ، فتحير الناس وتعّجب عمر فقال : يا أبا الحسن خمسة نفر في قصّة واحدة ، أقمت عليهم خمس حكومات ( أي أحكام ) ليس فيها حكم يشبه الآخر ؟ قال :
« نعم ... أما الأوّل : فكان ذميّاً وخرج عن ذمّته فكان الحكم فيه السيف.
وأمّا الثاني : فرجل محصن قد زنا فرجمناه.
وأمّا الثالث : فغير محصن زنا فضربناه الحدّ.
وأمّا الرابع : فرجل عبد زنا فضربناه نصف الحدّ.
وأمّا الخامس : فمجنون مغلوب على عقله عزّرناه ».
فقال عمر : ( لا عشت في اُمّة لست فيها يا أبا الحسن ) (7) .
هذه نماذج قليلة من الموارد التي لم يرد فيها نص صريح ، وقد واجهت كبار الصحابة بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) وعجزوا عن حلّ معضلاتها ممّا يدلّ بوضوح ، على أنّه لو كان الصحابة مستوعبين لكلّ أحكام الشريعة وأبعادها ، لأجابوا عليها دون تحيّر أو تردد. ولأصابوا فيما أجابوا. وهذا يدل بصراحة لا إبهام فيها ، على أنّ الاُمّة كانت بحاجة شديدة إلى إمام عارف بأحكام الإسلام معرفةً كافيةً كاملةً وحامل لنفس الكفاءات والمؤهلات النفسيّة والفكريّة التي كان يتحلّى بها الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) ( فيما عدا مقام الوحي والنبوة ) ، إذ بهذه الصورة فحسب ، كان من الممكن أن يلي النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) ويخلفه في قيادة الاُمّة ويسد مسدّه ، من حل معضلاتها ، ومعالجة مشاكلها التشريعية والفكريّة المستجدّة ، دون أن يحدث له ما حدث للصحابة من العجز والارتباك ، ومن التحيّر والمفاجأة .
________________________
(1) الإرشاد للمفيد : 106 ، مناقب ابن شهر آشوب : 489
(2) سنن الدارمي 2 : 365 ، تفسير الطبري 6 : 30 ، الجامع الكبير للسيوطي 6 : 20 ، تفسير ابن كثير 1 : 260.
(3) السنن الكبرى 7 : 442 ، مختصر جامع العلم : 150 ، تفسير الرازي 7 : 484 ، الدرّ المنثور 1 : 288 ، ذخائر العقبى : 82.
(4) أحكام القرآن للجصّاص 2 : 109 ، مستدرك الحاكم 4 : 340 وصحّحه.
(5) كنز العمال 5 : 161.
(6) المستدرك للحاكم 2 : 514 ، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 11 : 268 ، الكشّاف 3 : 314.
(7) الكافي 7 : 265.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|