أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-9-2017
3226
التاريخ: 14-8-2017
2925
التاريخ: 12-8-2017
3060
التاريخ: 14-8-2017
2831
|
إذا كانت الشريعة المطهرة حثت على السقاية ذلك الحث المتأكد، فإنما تلت على الناس أسطراً نورية مما جبلوا عليه، وعرفت الأُمة بأن الدين يطابق تلك النفسيات البشرية والغرائز الطبيعية، وأرشدتهم إلى ما يكون من الثواب المترتب على سقي الماء في الدار الآخرة؛ ليكونوا على يقين من أنّ عملهم هذا موافق لرضوان الله وزلفى للمولى سبحانه يستتبع الأجر الجزيل، وليس هو طبيعي محض، وهذا ما جاء عن النبي (صلى الله عليه واله) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام) من فضل بذل الماء في محل الحاجة اليه وعدمها سواء كان المحتاج اليه حيواناً أو بشراً مؤمناً كان أو كافراً.
ففي الحديث عن النبي (صلى الله عليه واله): أفضل الأعمال عند الله إبراد الكبد الحرى من بهيمة وغيرها .
وقال الصادق (عليه السلام): من سقى الماء في موضع يوجد فيه الماء كان كمن اعتتق رقبة، ومن سقى الماء في موضع لا يوجد في الماء كان كمن أحيى نفساً، ومن أحياها فكأنما أحيى الناس أجمعين .
وقد دلت هذه الآثار على فائدة السقي بما هو حياة العالم ونظام الوجود، ومن هنا كان الناس فيه شرع سواء كالكلاء والنار، فلا يختص اللطف الالهي بطائفة دون طائفة.
وقد كشف الامام الصادق (عليه السلام) السر في جواب من قال له ما طعم الماء؟
فقال (عليه السلام): طعم الحياة .
ولما كانت السقاية أشرف شيء في الشريعة المطهرة، وكانت لها تلك الأهمية والمكانة من النفوس كان أجداد الحسين (عليه السلام) سادة السقاة، وقد أذعنت قريش لقصي بسقاية الحاج فكان يطرح الزبيب في الماء ويسقيهم الماء المحلّى كما كان يسقيهم اللبن .
وكان ينقل الماء إلى مكة من آبار خارجها ثم حفر بئرا إسمها «العجول» في الموضع الذي كانت دار «أم هاني» فيه وهي أول سقاية حفرت بمكة، وكانت العرب إذا استقوا منها ارتجزوا:
نروي على العجول ثم ننطلق ... إنّ قصياً قد وفى وقد صدق
ثم حفر قصي بئراً سماها «سجلة» وقال فيها :
أنا قصي وحفرت سجلة ... تروي الحجيج زغلة فزغلة
وكان هاشم - أيام الموسم - يجعل حياضاً من ادم في موضع زمزم لسقاية الحاج ويحمل الماء إلى منى لسقايتهم وهو يومئذٍ قليل .
ثم إنّه حفر بئراً سماها «البندر» وقال: إنّها بلاغ للناس فلا يمنع منها أحداً .
وأما عبد المطلب فقد قام بما كان آباؤه يفعلونه من سقاية الحاج، وزاد على ذلك، أنّه لما حفر زمزم وكثر ماؤها أباحها للناس، فتركوا الآبار التي كانت خارج مكة لمكانها من المسجد الحرام، وفضلها على من سواها لأنها بئر إسماعيل .
وزاد عبد المطلب في سقاية الحاج بالماء أن طرح الزبيب فيه، وكان يحلب الابل فيضع اللبن مع العسل في حوض من أدم عند زمزم لسقاية الحاج .
ثم قام أبو طالب مقامه بسقي الحاج وكان يجعل عند رأس كلّ جادة حوضاً فيه الماء ليسقي منه الحاج، وأكثر من حمل الماء أيام الموسم، ووفره في المشاعر فقيل له: «ساقي الحجيج».
أما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقد حوى أكثر مما حواه والده الكريم من هذه المكرمة، وكم له من موارد للسقاية لا يستطيع أحد على مثلها، وذلك يوم بدر، وقد أجهد المسلمين العطش، وأحجموا عن امتثال أمر الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) في طلب الماء فرقاً من قريش؛ لكن نهضت بأبي الريحانتين غيرته الشماء، وثار به كرمه المتدفق، فلبّى دعاء الرسول وانحدر نحو القليب وجاء باملاء حتى أروى المسلمين .
ولا ينس يوم صفين وقد شاهد من عدوه ما تندى منه جبهة كلّ غيور، فان معاوية لما نزل بجيشه على الفرات منع أهل العراق من الماء حتى كضّهم الظمأ، فأنفذ اليه أمير المؤمنين (عليه السلام) صعصعة بن صوحان وشبث بن ربعي يسألانه أن لا يمنع الماء الذي أباحه الله - تعالى - لجميع الخلوقات، وكلّهم فيه شرع سواء، فأبى معاوية إلّا التردد في الغواية والجهل، فعندها قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ارووا السيوف من الدماء ترووا من الماء .
ثم أمر أصحابه أن يحملوا على أهل الشم، فحمل الأشتر في سبعة عشر ألفاً والأشتر يقول:
ميعدنا اليوم بياض الصبح ... هل يصلح الزاد بغير ملح
فلمّا أجلوهم أهل العراق عن الفرات ونزلوا عليه وملكوه أبي صاحب النفسية المقدسة التي لا تعدوها أي مأثرة أن يسير على نهج عدوه حتى أباح الماء لأعدائه، ونادى بذلك في أصحابه ، ولم يدعه كرم النفس أن يرتكب ما هو من سياسة الحرب من التضييق على العدو بأي صورة.
وقد لا تجد مندوحة في تفضيل موقف الحسين (عليه السلام) على غيره في السقاية يوم سقى الحر وأصحابه في «شراف» وهو عالم بحراجة الموقف، ونفاذ الماء بسقي كتيبة فيها ألف رجل مع خيولهم، ووخامة المستقبل، وأنّ الماء غداً دونه تسيل النفوس وتشق المرائر؛ لكن العنصر النبوي والآصرة العلوية لم يتركا صاحبهما إلّا أن يجوز الفضل.
وأما أبو الفضل العباس بن أمير المؤمنين (عليه السلام) فلا يوازيه أحد في أمر السقاية يوم ناطح جبلاً من الحديد ببأسه الشديد حتى اخترق الصفوف، وزعزع هاتيك الألوف، ولم يبال بشيء إلّا إغاثة شخصية الرسالة المنتشرة في تلك الأمثال القدسية من الذرية الطاهرة، ولم يكتف بهذه الفضيلة حتى أبت نفسيته الكريمة أن يلتذ بشيء من الماء قبل أن يلتذ به أخوه الامام وصبيته الأزكياء.
ومن أجل مجيئه بالماء إلى عيال أخيه وصحبه في كربلاء سمي «السقاء».
في كربلاء لك عصبة تشكوا الظمأ ... من فيض كفك تستمد رواؤها
وأراك يا ساقي عطاشى كربلاء ... وأبوك ساقي الحوض تُمنع ماءها
هذه جملة من موارد السقاية الصادرة من شرفاء سادة متبوئين على منصات المجد والخطر متكئين على أرائك العز والمنعمة، وما كانت تدعهم دماثة أخلاقهم وطهارة أعراقهم أن يكونوا أخلوا من هذه المكرمة، وقد افتخر بذلك عبد مناف على غيرهم.
وعلى العكس عنهم تجد أعداءهم معاوية وذريته الأرجاس فقد حرموا الماء على آل النبي (صلى الله عليه واله)، ويالها من فاجعة.. أن تشرب الذئاب والوحوش الماء وتذبل شفاه آل الرسول من الظمأ؟! ياله من ظلم أن يعطش الأسد، وسيفه بيده ويبكي أطفال الحسين (عليه السلام) ويستغيثون.
أو تشتكي العطش الفواطم عنده ... وبصدر صعدته الفرات المفعم
ولو استقى نهر المجرة لارتقى ... وطويل ذابله اليها سلم
لو سدّ ذو القرنين دون وروده ... نسفته همته بما هو أعظم
يا رب.. يا حكم ويا عدل.. لقد سلب الله الرحمة والانسانية من قلوب أولئك المسوخ فداسوا القيم وتنركوا للحسين (عليه السلام)....
وحالوا بينه وبين الماء، وناده عبد الله بن حصين الأزدي: يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنه ككبد السماء والله لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشاً أنت وأصحابك.
ونادى عمرو بن الحجاج: يا حسين هذا الفرات تلغ فيه كلاب السواد وخنازيرهم، فوالله لا تذوق منه قطرة.
والغريب أن هذا اللعين كان ممن كاتب الحسين (عليه السلام) ودعاه للقدوم إلى الكوفة!!
وقال زرعة بن أبان بن دارم: حولوا بينه وبين الماء، ورماه بسهم فأثبته في حنكه فقال (عليه السلام): اللهم أقتله عطشاً ولا تغفر له أبداً .
وهكذا منعوا الحسين وأهله وأصحابه عن الماء، وفي اليوم السابع اشتد الحصار على سيد الشهداء ومن معه، وسدّ عنهم باب الورود، ونفد ما عندهم من الماء، فعاد كلّ واحد يعالج لهب العطش، وبطبع الحال كان العيال بين أنة وحنة، وتضور ونشيج، ومتطلب للماء إلى متحرّ له بما يبلّ غلّته، وكلّ ذلك بعين الحسين (عليه السلام) والغيارى من آه والأكارم من صحبه، وما عسى أن يجدوا لهم شيئاً وبينهم وبين الماء رماح مشرع وسيوف مرهفة لكن «ساقي العطاشى» لم يتطامن على تحمل تلك الحالة، فراح يستقي لهم وقدم يمينه ويساره ورجليه وكلّ روحه في سبيل إغاثتهم.
وروي أنّ أهل البيت (عليهم السلام) صارعوا العطش - صغاراً وكباراً - ثلاثة أيام بلياليها .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|