أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-1-2017
1544
التاريخ: 7-2-2018
2645
التاريخ: 17-11-2016
1642
التاريخ: 1-11-2018
1409
|
التوابون (الشعور بالذنب والتقصير)
عاد ابن زياد، المنفذ الرئيسي لمجزرة كربلاء، الى الكوفة يحمل في كفيه وزر الجريمة النكراء دون أن يرتعش لهولها او يدخل في روعه الندم. فقد كان مستعداً للسير في خدمة النظام الاموي، وهو أحد أركانه، بلا حدود، بعيداً عن أي التزام يتعدى المصلحة الخاصة أو المكاسب الشخصية. لذلك نجده يدخل الى المدينة التي كانت تمثل القاعدة الجماهيرية الاولى للحسين، والارض التي كان ينبغي أن تشتعل فوقها الثورة، متحدياً شامخاً، وكأنه ينتظر وسام البطولة. ألم يصل به الامر ذروة التحدي حين وقف على منبر الكوفة في محاولة منه لتسويغ ما جرى في كربلاء متهجماً على الحسين وواصفاً اياه بالكذاب ابن الكذاب، وحين أمر بقتل أحد الكوفيين الذي انتقض عليه ورد على التحدي بمثله (1).
وكانت الكوفة حينئذ أشبه ببركان عشية الانفجار، فهي أكثر من غيرها تتحسس ثقل الذنب ومرارة الندم، باعتبارها طرفاً مباشراً ومسؤولاً في قضية الحسين. فهي التي ألحت عليه بالخروج الى ارض الثورة التي تتعطش الى قائدها المنتظر، ثم تقاعست في أحرج الظروف عن الالتزام بما وعدت به والوفاء بالعهد الذي قطعته على نفسها. واذا كانت الاحداث التي تلاحقت بصورة مفاجئة بُعيد تحرك الحسين من الحجاز، قد حالت دون القيام بواجبها وتنفيذ مخططها المرسوم، فان ذلك لم يكن ليخفف عنها عمق المأساة لانها افتقدت بمصرع الحسين الشخصية الاكثر جدارة التي وضعت فيها الشيعة كل آمالها وطموحها للوصول الى الحكم.
والواقع انه ليس من الصعوبة أن يتصور المرء وضع الكوفة في تلك الفترة القلقة من تاريخها، فقد كانت تتفاعل بالغضب ويحدق بها شعور بضخامة الاثم الذي غرقت فيه. وكان لابد من مخرج لهذه المحنة وتصحيح للموقف المتخاذل بآخر يجلو عنها بعض العار، ويخفف عن كاهلها شيئاً من فداحة الذنب. فالمدينة كانت معبأة بالحقد وتتفجر بالثورة ضد النظام الاموي، المسؤول عن مقتل الحسين. وعلى ذلك لم يكن صعباً على أي زعيم او مغامر ان يكتّل المدينة بمعظمها ويقودها الى الثورة ورفع راية العصيان على الامويين. ولكن الكوفة حينئذ برغم موجة السخط والتذمر التي شملت مختلف فئاتها، كانت تفتقر الى الموقف المتجانس والرأي الموحد. فالتركيب البشري والسياسي للمدينة كانت تتوزعه ثلاث قوى رئيسية :
1 - أنصار الثورة الذين يشددون على اتخاذ موقف سريع وحاسم.
2 - أنصار الثورة غير الايجابيين، وهؤلاء برغم حقدهم على النظام الاموي، فان موقفهم كان متردداً وتعوزه الجدية.
3 - أنصار السلطة القائمة، الذين كانوا على استعداد للتعاون مع أي شكل من أشكال النظام السياسي في حدود حرصه على مصالحهم وحمايته لها، وكان هؤلاء يمثلون طبقة ارستقراطية لها نفوذها التقليدي ومصالحها الخاصة وهم أساساً من كبار رؤساء القبائل او الاشراف كما كانوا يعرفون.
تلك هي التركيبة البشرية والسياسية للمجتمع الكوفي كما كانت تبدو في أعقاب عودة ابن زياد وجنده من معسكره في النخيلة (2) بعد ارتكابه المجزرة، وكان ذلك مأساوياً بكل ما تعنيه هذه الكلمة، ومشهداً مؤثراً لم تستطع جماعة الحسين التي كان مقدراً لها أن تشارك في ثورته، تحمله او السكوت عنه، ولذلك كان لا بد من التحرك والانتقام.
أخذ زعماء تلك الفئة المخلصة التي أطلقنا عليها «أنصار الثورة» وكان معظمهم من أصل يماني يجتمعون بعد مقتل الحسين مباشرة في اطار من السرية التامة ويعقدون مناقشات أشبه ما تكون بالنقد الذاتي لمحاسبة أنفسهم على التقصير الذي أظهروه ازاء الحسين والتشاور على كيفية التكفير عن الذنب وغسل العار الذي لحق بهم نتيجة هذا التخاذل. فقد جاء في الطبري : «لما قتل الحسين بن علي تلاقت الشيعة بالتلاوم والتندم، ورأت انها قد أخطأت خطأ كبيراً بدعائهم الحسين الى النصرة وتركهم اجابته، ومقتله الى جانبهم ولم ينصروه. ورأوا انه لا يغسل عارهم والاثم عنهم في مقتله الا بقتل من قتله او القتل فيه» (3).
مؤتمر الزعماء الخمسة:
تزعّم التحرك الشيعي حينئذ خمسة من كبار الزعماء الكوفيين، المتقدمين في السن (4) الذين ارتبطوا تاريخياً بالحركة الشيعية وهم : سليمان بن صُرد الخزاعي، والمسيّب بن نجبه (5) الفزاري، وعبد الله بن سعد بن نفيل الازدي، وعبد الله بن وال التميمي، ورفاعه بن شداد البجلي (6). وكانوا جميعاً رفاق علي ومن أشد المؤيدين له (7). ومن خلال انتماءات هؤلاء الزعماء القبلية نلاحظ أنهم يتحدرون جميعاً من أصل يماني، علماً بأن القبائل اليمانية لم تنتظم بكاملها في هذه الحركة اذ غاب عنها عدد من أقطاب اليمانية مثل كندة ومذحج وهمدان، وقد عرف عن هذه الاخيرة بصورة خاصة تعصبها الشديد للقضية العلوية.
بدأ الزعماء الخمسة يمارسون نشاطهم في الخفاء ويبشرون بدعوتهم الانتقامية في أوساط الحزب الشيعي، بعيداً عن مراقبة السلطة وجواسيسها المنتشرين في كل مكان، فكان ان أثمرت جهودهم وشكلوا منظمة سرية نواتها نحو مائة (8) من العناصر المتطرفة، لم تلبث أن تحولت الى منظمة كبرى تحمل اسم التوابين، وقد صارت هذه التسمية هي الغالبة على حركة سليمان ورفاقه، وهي أصلاً منبثقة عن الآية الكريمة التي أصبحت الشعار الرئيسي لهم وهي : {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [البقرة: 54] (9).
وكان الاجتماع الاول الذي ضم هؤلاء قد عقد في منزل سليمان بن صُرد الذي وصف بأنه صحابي جليل (10) وهذا يعطينا فكرة بأنه كان متقدماً في السن رفيع المكانة في مجتمعه، وربما كان لذلك اثر في تصدره هذه الحركة واحتلاله مركز الزعامة فيها. لان المناقشات التي جرت في هذا الاجتماع أظهرت أن المسيّب كان من أبرز الخمسة وألمعهم تفكيراً وأكثرهم عمقاً. وكان سليمان يعرف في الاصل باسم يسار، ويقال ان النبي هو الذي أطلق عليه اسم سليمان بعد اعتناقه الاسلام(11) وقد هاجر في وقت مبكراً الى الكوفة وشارك في القتال الى جانب علي[عليه السلام] لا سيما في حروب صفين، وان كان قد تخلف عنه في يوم الجمل لأسباب غير واضحة تماماً، الامر الذي جعل علياً[عليه السلام] يلومه بشدة ثم يقبل عذره فيما بعد. ومما يثير الاهتمام ان علاقة سليمان بعلي[عليه السلام] وايمانه بقضيته كانت أكثر من مجرد تحالف عادي او مرحلي. فقد كان من أقرب أعوانه وأشدهم اخلاصاً. ويُستخلص هذا من المحاورة التي جرت بينهما اثر انتهاء معركة الجمل حين بادره علي[عليه السلام] بقوله : «تربصت وتنأنأت فكيف ترى صنع الله ؟ فأجابه سليمان : الشوط بطين وقد بقي من الامور ما تعرف به صديقك من عدوك» (12). وبعد وفاة علي ظل على ولائه له حيث أظهر حماسة شديدة للحسين[عليه السلام] وكان من أوائل الذين كتبوا اليه من اجل التوجه الى الكوفة وتزعم ثورتها ضد النظام الاموي (13).
كان الاتجاه العام للمناقشات يدور حول التكفير عن الذنب والمخطط الانتقامي الذي يمكن أن يزيل عنهم الشعور بالإثم، وذلك في جو من الانفعال الشديد. والواقع انه لم يكن هناك شيء من برنامج الحركة الشيعية السياسي او الاجتماعي او الاقتصادي على غرار ما ظهر قبل ذلك في ثورة الحسين[عليه السلام] او ما ظهر فيما بعد من ملامح في حركة المختار الثقفي. وكان أول المتكلمين في الاجتماع المسيّب بن نجبه الذي قال: (اما بعد، فانا قد ابتلينا بطول العمر والتعرض لأنواع الفتن فنرغب الى ربنا الا يجعلنا ممن يقول له غداً أو لم نعمركم يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فان أمير المؤمنين قال العمر الذي اعذر الله فيه الى ابن آدم ستون سنة. وليس فينا رجل الا وقد بلغه. وقد كنا مغرمين بتزكية أنفسنا وتقريظ شيعتنا حتى بلا الله أخيارنا فوجدنا كاذبين في موطنين من مواطن ابن بنت نبينا. وقد بلغتنا كتبه، وقدمت علينا رسله، واعذر الينا يسألنا نصره عوداً وبدءاً، وعلانية وسراً. فبخلنا عنه بأنفسنا حتى قتل الى جانبنا، لا نحن نصرناه بأيدينا، ولا جادلنا عنه بألسنتنا، ولا قويناه بأموالنا، ولا طلبنا له النصرة الى عشائرنا فيما عذرنا الى ربنا وعند لقاء نبينا صلى الله عليه وسلم وقد قتل فينا ولده وحبيبه وذريته ونسله ؟ لا والله لا عذر دون ان تقتلوا قاتله والموالين عليه، أو تقتلوا في طلب ذلك فعسى ربنا أن يرضى عنا عند ذلك وما أنا بعد لقائه لعقوبته بآمن) (14). ثم أنهى كلامه بتشديده على توحيد الصفوف ودعوة رفاقه الى انتخاب رئيس يفزعون اليه ويأخذون برأيه (15).
وتكلم بعد ذلك زعيم آخر هو رفاعة بن شداد، فأثنى على ما جاء في خطبة المسيّب وأوصى باتخاذ سليمان بن صُرد زعيماً للحركة، مؤكداً في الوقت نفسه على الموضوع الرئيسي للاجتماع وهو التكفير عن الذنب اذ قال :
(أما بعد فان الله قد هداك لا صوب القول ودعوت الى أرشد الامور والى جهاد الفاسقين والى التوبة من الذنب العظيم، فمسموع منك، مستجاب لك، مقبول قولك. قلت ولوا رجلاً منكم تفزعون اليه وتحفون برايته وذلك رأي قد رأينا مثل الذي رأيت، فان تكن أنت الرجل عندنا مرضياً وفينا منتصحاً وفي جماعتنا محباً وان رأيت ورأى أصحابنا ذلك ولينا هذا الامر شيخ الشيعة صاحب رسول الله وذا السابقة والقدم سليمان بن صرد المحمود في بأسه ودينه والموثوق بحزمه أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم) (16).
وتعاقب على الكلام عبد الله بن وال وعبد الله بن سعد فأيدا اقتراح رفاعة بتأمير سليمان الذي فاز بزعامة الحركة من منافسة المسيّب الذي بدا كأبرز المجتمعين في المؤتمر وظهر ميله الى تزعم الحركة حين كان الوحيد بين الخطباء الذي أغفل اسم سليمان بشأن الزعامة.
وتكلم سليمان بن صُرد وكان قد أصبح زعيماً للحركة مشيراً الى عظم الرزء وضخامة المأساة، ومشدداً على النهوض لغسل الاثم والتكفير عن فداحة الذنب والسعي في طلب الشهادة «انا كنا نمد أعناقنا الى قدوم آل نبينا، ونمنيهم بالنصر، ونحثهم على القدوم. فلما قدموا ونينا، وعجزنا، وأدهنا، وتربصنا، وانتظرنا ما يكون، حتى قتل فينا ولد نبينا وسلالته وبضعة من لحمه ودمه... الا انهضوا، فقد سخط ربكم، ولا ترجعوا الى الحلائل والابناء حتى يرضى الله وما أظنه راضياً حتى تناجزوا من قتله او تبيروا. الا لا تهابوا الموت فوالله ما هابه امرؤ قط الا ذل. كونوا كالأول من بني اسرائيل، اذ قال لهم نبيهم : انكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا الى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم» (17).
والواقع ان هذه الخطبة الخطيرة وضعت الحركة موضع التنفيذ وجاءت بمثابة برنامج عام لها حيث تناولت النقاط التالية :
1- الشعور بهول المأساة وفداحة الاثم.
2- الاسراع باتخاذ موقف انتقامي من المسؤولين عن مقتل الحسين سواء الامويين ام المتواطئين معهم.
3- تجسيد فكرة الاستشهاد بالتنازل عن الاملاك واعتزال النساء.
4- الالحاح في طلب التوبة عن طريق التضحية بالنفس.
ومن خلال هذه المناقشات التي شهدها مؤتمر الزعماء الخمسة، تلاحظ انها دارت حول فكرة رئيسية هي التكفير عن الذنب، وهذه الفكرة لها جذورها البعيدة في المجتمعات العراقية الغابرة، وأصولها القديمة في ديانات ما بين النهرين، فضلاً عن الديانة المسيحية التي تسربت الى هذه المنطقة قبل مجيء العرب اليها. ولا ندري اذا كان التوابون قد تأثروا في هذا المجال بهذه الجذور التاريخية، ام ان ذلك شيء أصيل وذاتي فيهم، زاده بلورة تلك التجربة المريرة التي عاشوها في أعقاب مصرع الحسين [عليه السلام].
انتهى المؤتمر ملتزماً بهذه المقررات الحاسمة، وملتزماً بزعامة سليمان بن صُرد أكبر الزعماء الخمسة سناً وأسبقهم في الاسلام وأوثقهم علاقة بعلي[عليه السلام]. وأسرته، وكذلك أرفعهم شأناً في مكانته القبلية. وليس ثمة شك ان هذا الاختيار كان موفقاً وفي صالح الحركة، لان سليمان كان طرازاً فريداً بين رجالات الكوفة، شديد الايمان بالقضية التي رفع شعارها، مقتنعاً بضرورة الاخذ بمبدأ العنف لتصعيد حركة النضال الشيعي ضد أعدائها الامويين. «اتخذوا السيوف وركبوا الاسنة واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل حين تدعوا وتستنفروا» (18).
فلم يكن هو، أو أحد من رفاقه ساعياً وراء مطلب خاص او مكسب شخصي، وانما كانوا طلاب قضية عامة هدفها اولاً الانتقام للحسين رأس الحركة الشيعية ورائدها في تحقيق أمانيها السياسة، وثانياً ازاحة الامويين من السلطة في الكوفة وتحويلها الى قاعدة للحكم الشيعي الذي ينبغي أن يسود مختلف أقاليم الدولة. وهذا يظهر بكل وضوح أن جماعة التوابين لم يطلبوا السلطة للتحكم، بل لتنفيذ مبدأ عام هو الاسلام. وكان بنظرهم السكوت عن ذلك وتخليهم عنه، يعتبر خيانة لقضيتهم، وتخلياً عن حق شرعي، وخرقاً لعهد الهي. ومن المهم هنا أن نشير الى ان هذه المبالغة في نكران الذات، وطرح هذه الافكار المثالية، كانا بدون شك سبب ذلك الاخفاق المتواصل للحركات الشيعية والعامل الذي ساعد النظام الاموي على تصفيتها بكل سهولة.
وليس من باب الصدفة فقط ان يتولى قيادة هذه الحركة خمسة من الشيوخ اصغرهم قد نيف على الستين (19). ولعل الباحث هنا يجد مدخلاً للتعرف الى جمهور الحركة ولتحديد الجيل الذي استمدت منه عناصرها بشكل عام. والارجح ان التوابين - لا سيما الذين تابعوا الشوط حتى آخره - قطعوا خريف العمر او كادوا. وهؤلاء تتجسد لديهم فكرة التوبة عادة اكثر من العناصر الشابة. ثم ان حركة من هذا النوع، اقتصر مضمونها على التضحية والغفران الا تجتذب جمهور الشبان الملتزمين بخط سياسي واضح والمؤمنين بالتغيير. وهذا ما يفسر انصراف عدد من الزعماء الشبان في الكوفة عن هذه الحركة، كابراهيم الاشتر مثلاً الذي وجد فيها مضموناً ساذجاً وتحركاً في غير أوانه.
ولا شك ان هذا التجانس النوعي في صفوف التوابين كان له بعداً خاصاً كرس أكثر فأكثر مفهوم التضحية والفداء. فهؤلاء لم يجزعوا كثيراً على ما تبقى من العمر بعد ان بلغوا الارذل منه وقطعوا حبل سنواته العجاف.
الاتصالات:
سارت الحركة في اتجاه عملي، محافظة على سريتها التامة التي استمرت طيلة خلافة يزيد الاول (20)، وهي فترة حاسمة دأب فيها التوابون بكل امكاناتهم على تعبئة المقاتلين وجمع الاسلحة واستمالة الناس (21)، واتفقوا على ان يعقدوا لقاءات دورية لتقويم النشاطات التي قاموا بها والانجازات التي حققوها، ومن ثم لتحديد موعد للخروج واعلان الثورة. واستقر الرأي أخيراً على أن يكون التجمع في النخيلة (22) في نهاية ربيع الآخر من سنة 65 للهجرة (23).
كانت أولى الخطوات التنفيذية التي قام بها سليمان، هي محاولة استقطاب زعماء الكوفة واستمالة أكبر عدد من جماهيرها، والكتابة الى رجالات الحزب الشيعي في البصرة والمدائن وسواهما من المدن العراقية. وكانت هذه الاتصالات تتضمن المفاهيم العامة للحركة ومنطلقاتها، ثم الدعوة الى المشاركة في مؤتمر النخيلة المذكور(24). فقد كتب أمير التوابين الى عامل المدائن، سعد بن حذيفة بن اليمان :
«اما بعد، فان الدنيا دار قد أدبر منها ما كان معروفاً، وأقبل منها ما كان منكراً وأصبحت قد تشنأت الى ذوي الالباب وأزمع بالترحال منها عباد الله الاخيار وباعوا قليلاً من الدنيا لا يبقى بجزيل مثوبة عند الله لا يفنى. ان أولياء الله من اخوانكم وشيعة آل نبيكم نظروا لأنفسهم فيما ابتلوا به من أمر ابن بنت نبيهم الذي دُعي فأجاب ودعا فلم يُجب، وأراد الرجعة فحبس وسأل الامان فمنع وترك الناس فم يتركوه وعدوا عليه فقتلوه ثم سلبوه وجردوه ظلماً وعدواناً وغرة بالله وجهلاً... فلما نظروا اخوانكم وتدبروا عواقب ما استقبلوا رأوا أن قد خطئوا بخذلان الزكي واسلامه وترك مواساته والنصر له خطأ كبيراً ليس منه مخرج ولا توبة دون قتل قاتليه او قتلهم حتى تفنى على ذلك أرواحهم» (25).
كان وقع هذا الكتاب مؤثراً جداً على شيعة المدائن، خاصة وأن عدداً من الكوفيين قد نزحوا اليها (26)، وهؤلاء ظهروا شديدي الحماس للاستجابة الفورية الى دعوة التوابين. وما لبث ان جاء الرد ايجابياً من عامل المدائن وشيعتها والاستعداد الكامل للتحرك في اليوم الموعود الى النخيلة «اما بعد، فقد قرأنا كتابك وفهمنا الذي دعوتنا اليه من الامر الذي عليه رأى الملأ من اخوانك، فقد هُديت لحظك ويُسرت لرشدك، ونحن جادون، مجدون، معدون، مسرجون، ملجمون ننظر الامر ونستمع الداعي فاذا جاء الصريخ أقبلنا ولم نعرج ان شاء الله» (27).
وكان سليمان قد أرسل نسخة ثانية من كتابه الى المثنى بن محربة العبدي في البصرة لكسب تأييده مع الشيعة هناك (28) فأجابوا جميعاً الى دعوته. وقد جاء في رد المثنى «قرأت كتابك وأقرأته على اخوانك فحمدوا رأيك واستجابوا لك، فنحن موافوك ان شاء الله للأجل الذي ضربت وفي الموطن الذي ذكرت» (29). وبذلك أخذت دعوة التوابين تتسع في أوساط الناقمين على الحكم الاموي والمطالبين بدم الحسين، وتستجيب لها الجماهير بحماسة ملتهبة «فكان يجيبهم القوم بعد القوم، والنفر بعد النفر من الشيعة وغيرها» (30).
_____________
(1) البلاذري : انساب الاشراف 4/64.
(2) الطبري : 7/47.
(3) الطبري : 7/47.
(4) فلهوزن : الخوارج الشيعة 189، الطبري 7/48.
(5) ورد في البداية والنهاية : ابن نجيه 8/247.
(6) الطبري 7/47، ابن كثير 8/247
(7) ابن كثير : 8/247
(8) الطبري : 7/48.
(9) القرآن الكريم : 54 البقرة 2، اليعقوبي 2/257.
(10) ابن كثير : 8/247
(11) دائرة المعارف الاسلامية 12/171.
(12) البلاذري : انساب الاشراف، 2/272.
(13) الطبري : 6/197.
(14) الطبري : 7/48.
(15) الطبري : 7/48.
(16) الطبري : 7/48.
(17) الطبري : 7/49.
(18) من خطاب سليمان في المؤتمر، الطبري 7/49.
(19) الطبري 7/48.
(20) الطبري : 7/51.
(21) الخربوطلي : تاريخ العراق في ظل الحكم الاموي 133
(22) النخيلة : مكان بالقرب من الكوفة.
(23) ابن كثير : 8/247، الطبري : 7/.
(24) ابن كثير : 8/247.
(25) الطبري : 7/50.
(26) الطبري : 7/50.
(27) الطبري : 7/51.
(28) دائرة المعارف الاسلامية الشيعية 2/57.
(29) الطبري : 7/51.
(30) دائرة المعارف الاسلامية الشيعية : 2/58.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|