أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-1-2016
2156
التاريخ: 12-1-2016
1992
التاريخ: 2023-04-16
1500
التاريخ: 23-9-2018
1540
|
أعطى الأئمة الأطهار (عليهم السلام) لتوجّهات القرآن الكريم وأقوال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وأفعاله الفكرية والتربوية روحاً جديدة ، وزخماً قوياً عندما أُلقيت على عواتقهم وظيفة النهوض الحضاري بالأمة في جميع المجالات ، خصوصاً بعد التداعيات والشروخ التي حصلت في المجتمع الاسلامي من جراء سيطرة حكام الجور والضلال على مراكز القرار. فعمل الأئمة (عليهم السلام): بإخلاص من أجل تقويم الاعوجاج وترشيد المسار الحضاري للأمة.
وفي ما يتعلق بحق الوالدين ، نلاحظ أنهم عملوا على عدة محاور ، يمكن إبرازها على النحو الآتي :
1ـ تفسير ما ورد من آيات قرآنية :
ينبغي الإشارة هنا إلى أنّ أهل البيت (عليهم السلام) : هم الذين أُنزل القرآن في بيوتهم ، وقَرنَهم الرسول الأعظم به ، وغدوا بذلك قرآناً ناطقاً ، ينطقون بالحق ويؤكدون على أداء الحقوق.
فقد حدّد الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) مفهوم الإحسان الوارد بقوله تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[الإسراء: 23] ، فقال: (الإحسان: أن تُحسن صحبتهما ، وأن لا تكلفهما أن يسألاك شيئاً ممّا يحتاجان إليه ، وإنْ كانا مستغنيين)(1).
وحول قوله تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] ، قال: (إن أضجراك فلا تقل لهما أُفٍّ ، ولا تنهرهما إن ضرباك)(2).
وعن قوله تعالى: {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}[الإسراء: 23] ، قال: (إنْ ضرباك فقل لهما : غفر الله لكما)(3). وقال الصادق (عليه السلام): (أدنى العقوق (أُفٌّ) ولو علم الله شيئاً أهون منه لنهى عنه)(4).
وفي ضوء قوله تعالى:{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24] ، يقول أيضاً: (لا تملأ عينيك من النّظر اليهما إلاّ برحمة ورقّة ، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما، ولا يدك فوق أيديهما ولا تقدَّم قدّامهما)(5). وحول الآية الكريمة: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}[لقمان: 14]، يقول الإمام علي بن موسى الرِّضا (عليه السلام): (إن الله عزّ وجل.. أمر بالشكر له وللوالدين، فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله)(6).
2ـ استثارة الوازع الأخلاقي :
أراد الأئمة (عليهم السلام): أن تبقى منظومة الأخلاق في الأمة حيةً فعالةً ، انطلاقاً من حرصهم الدائم على سلامة المجتمع الإسلامي ، حتى لا يتردى أفراده في مهاوي القلق والضياع.
وعليه فقد حثّوا على التمسك بالقيم الأخلاقية في تعامل الأولاد مع والديهم ، بحيث تتحول إلى طبع يطبع سلوك الأبناء.. وفي هذا الصَّدد يقول الإمام علي (عليه السلام): (برّ الوالدين من أكرم الطباع)(7). ويقول حفيده الإمام الهادي (عليه السلام): (العقوق ثكل من لم يثكل)(8).
3 ـ تحديد الحكم الشرعي :
لم يبقِ آل البيت (عليهم السلام): مسألة حقوق الوالدين في إطار التوجهات القرآنية أو مجرد استثارة الدوافع الاخلاقية ، بل حددوا الحكم الشرعي لهذه المسألة الحيوية ، واعتبر الامام علي
(عليه السلام): (برّ الوالدين أكبر فريضة)(9). ويقول الإمام الباقر (عليه السلام): (ثلاث لم
يجعل الله عزّ وجلّ لأحد فيهنّ رخصة :أداء الأمانة إلى البرّ والفاجر، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر ، وبرّ الوالدين برين كانا أو فاجرين)(10).
والجدير بالذكر، أن الإسلام لم يربط حقوق الوالدين بقضية الدين، وضرورة كونهما مسلمين، بل أوجب رعاية حقوقهم بمعزل عن ذلك ، يقول الإمام الرِّضا (عليه السلام): (برّ الوالدين واجب وإنْ كانا مشركين ، ولا طاعة لهما في معصية الخالق)(11). ولم يكتف الإمام الرِّضا (عليه السلام) بتبيان الحكم الشرعي بل كشف عن الحكمة من وراء هذا التحريم بقوله : (حرّم الله عقوق الوالدين لما فيه من الخروج من التّوفيق لطاعة الله عزّ وجلّ ، والتّوقير للوالدين ، وتجنّب كفر النّعمة ، وابطال الشكر ، وما يدعو من ذلك إلى قلّة النّسل وانقطاعه ، لما في العقوق من قلّة توقير الوالدين ، والعرفان بحقّهما ، وقطع الأرحام ، والزّهد من الوالدين في الولد ، وترك التّربية بعلّة ترك الولد برّهما)(12).
من خلال التمعن في هذا النصّ نجد نظرةً أرحب وأعمق لحق الوالدين، وكون القضية لا ترتبط بالجانب المعنوي المتعلق بحقوق الوالدين فحسب ، بل لها آثار واقعية على مجمل الكيان الاجتماعي ، وعلى الأخص فيما يتعلق بمسألة حفظ الجنس البشري من الانقراض والاستئصال، كما أن للمسألة آثاراً تربوية سلبية واضحة ، فعندما يجد الوالدان أنفسهما وقد هدرت كرامتهما، وصودر حقهما من قبل الأبناء ، فسوف يتشكل رأي عام في المجتمع ، بأن انجاب الأولاد ، أو على الأقل بذل الجهد في تربيتهما ، عملية خاسرة ، وتسفر عن نتائج غير مُرضية ، وهذا سوف يؤدي إلى قلة أو انقطاع النسل ـ كما نوّه الإمام ـ أو يؤدي إلى عدم الاهتمام بتربية الابناء، وفي كلتا الحالتين فالخسارة فادحة على المجتمع. ويحصل العكس من ذلك لو وجد الأبوان أنفسهما في موضع التكريم والاحترام ، فسوف يحرصون على إنجاب الأطفال ، والقيام بتربيتهم على النحو الأفضل.
وخير شاهد معاصر على ذلك ما يحصل الآن في المجتمعات الغربية ، فقد أدّى التفكك الأسري إلى متاهات لا تُحمد عقباها ، وأخذ الولد يتنكر لقيمومة والديه ويتنصل عن أداء حقوقهما، وانجرف في تيار المادة واللّذة العارم ، الأمر الذي أدّى إلى قلّة النسل الشرعي وعدم الاهتمام بتربية الطفل، وايكاله إلى دور الحضانة ، وبلغ الانتكاس الاجتماعي حداً ، بحيث أصبحوا يهتمون بتربية الحيوان وخاصة الكلاب أكثر من الذين خرجوا من الأصلاب ! واذا استمر هذا الوضع الشاذ ، بشيوع حالة من الأنانية والانعزال ، فسوف يؤدي إلى انقطاع أو على الأقل قلة النسل الشرعي ، وتصبح المجتمعات الغربية على شفير الهاوية.
4 ـ تحديد الحقوق المترتبة للوالدين :
تتسع عدسة الرؤية للحقوق في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) : عن غيرها من المدارس والمذاهب القانونية والاجتماعية ، فهي تركز في توجهاتها على الحقوق المعنوية ، وتضعها في سلّم الأولوية ، ولا يعني ذلك إهمال الحقوق المادية ، فإذا كانت النَّظرة المتعارفة للحق انه حقٌّ ماديٌّ بالدَّرجة الأساس ، فانَّ مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) : تنظر للحق نظرة أرحب وأشمل ، هي نظرة الإسلام العميقة التي تُقدم الجانب المعنوي على المادي ، وعلى هذا الأساس، نلاحظ أنّ أكثر توصيات وأحاديث الأئمة : تنصب على رعاية الحقوق المعنوية ، كالطاعة للوالدين والشكر والنصيحة لهما، يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة: (إنّ للولد على الوالد حقّاً ، وان للوالد على الولد حقاً: فحق الوالد على الولد أن يطيعه في كلِّ شيء إلاّ في معصية الله سبحانه)(13).
ويقول حفيده الإمام الصادق (عليه السلام): (يجب للوالدين على الولد ثلاثة أشياء: شكرهما على كلِّ حال، وطاعتهما فيما يأمرانه وينهيانه عنه في غير معصية الله، ونصيحتهما في السرِّ والعلانية)(14).
ويقول الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) في رسالة الحقوق: (أمّا حق أبيك فأنْ تعلم أنّه أصلك ، وأنّه لولاه لم تكن ، فمهما رأيت في نفسك ممّا يعجبك ، فاعلم أنّ أباك أصل النعمة عليك فيه ، فاحمد الله واشكره على قدر ذلك ، ولا قوة إلاّ بالله)(15).
ويقول في ما يتعلق بحق الأم: (أما أُمّك فأن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحداً ، وأعطتك من ثمرة قلبها مالا يعطي أحدٌ أحداً ، ووقَتْك بجميع جوارحها ، ولم تبال أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك ، وتعرى وتكسوك ، وتضحى وتظلّك ، وتهجر النّوم لأجلك ، ووقَتْك الحرَّ البرد لتكون لها ، فإنّك لا تطيق شكرها إلاّ بعون الله وتوفيقه)(16).
بهذه اللغة الوجدانية الشفافة يصوغ الإمام زين العابدين (عليه السلام) بنود الحقوق الاعتبارية للوالدين.
وأيضاً ينقل أبو الحسن موسى الكاظم عن جده المصطفى (صلى الله عليه واله وسلم): أن رجلاً سأل الرسول: ما حقّ الوالد على ولده ؟ قال: (لا يُسمّيه باسمه ، ولا يمشِ بين يديه، ولا يجلس قبله ، ولا يستسب له)(17).
وأنت لو تمعنت في السطور المتقدمة، تلمس بوضوح عمق التركيز على الحقوق المعنوية للوالدين ، ولعل السرّ في ذلك أن تطعيم الأولاد فكريا ووجدانياً من خلال إدراك هذا النوع من الحقوق الاعتبارية ، يمنح الأولاد المناعة والحصانة من الإصابة بالأمراض الاجتماعية ، تلك التي تقوّض كيان الأسرة كمجتمع صغير ، وتنعكس أعراضها وآثارها التدميرية على المجتمع الكبير.
ومن الضروري الإشارة إلى أن التركيز على الحقوق المعنوية، لا يعني بحال اغفال ما للوالدين من حقوق مادية ، كضرورة الانفاق عليهم عند العوز أو الشيخوخة ، ولكن وفق ضوابط وحدود معقولة.
والظاهر أنّ الرأي السائد آنذاك، هو ان للوالد مطلق التصرف في أموال بنيه، اعتماداً على رواية للنبي في هذا الخصوص، ولكن الإمام الصادق (عليه السلام) قشع هذا المفهوم الخاطئ من أذهان الكثيرين، وفق مبادئ وقواعد الإسلام، التي تمنع الضَّرر والإضرار بالآخرين، وكشف عن الدواعي التي حملت النبي على القول لرجل اشتكى من أبيه ـ وادّعى أنه أخذ ميراثه الذي من أمه : (أنت ومالك لأبيك) بان الأب كان معسراً ، وقد الجأته الضرورة لذلك ، فالأمر لا يعدو أن يكون قضية في واقعة.
يتضح لك ذلك عند قراءة الرّواية التالية : عن الحسين بن أبي العلاء قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): ما يحلّ للرّجل من مال ولده ؟ قال: (قوته بغير سرف إذا اضطرّ اليه) ، قال : فقلت له : فقول رسول الله للرّجل الذي أتاه ، فقدّم أباه ، فقال له : (أنت ومالك لأبيك) ؟ فقال: (إنّما جاء بأبيه إلى النبيّ فقال : يا رسول الله هذا أبي وقد ظلمني ميراثي من أُمي ، فأخبره الأب أنّه قد أنفقه عليه وعلى نفسه، فقال: أنت ومالك لأبيك ، ولم يكن عند الرّجل شيء أفكان رسول الله يحبس الأب للإبن)(18) .
_____________
1ـ أُصول الكافي 2 : 165 / 1 باب البر بالوالدين.
2ـ المصدر السابق .
3ـ المصدر السابق .
4ـ المصدر السابق ص 349 / 1 باب العقوق.
5ـ المصدر السابق ص 165 / 1 باب البر بالوالدين.
6ـ بحار الأنوار 74 : 68.
7ـ بحار الأنوار 77 : 212.
8ـ بحار الأنوار 74 : 84.
9ـ غرر الحكم : 239 / 4512.
10ـ بحار الأنوار 74 : 56.
11ـ المصدر السابق : ص 72.
12ـ المصدر السابق :ص 75.
13ـ نهج البلاغة ـ ضبط صبحي الصالح : 399.
14ـ العقول ـ لابن شعبة الحراني : 322 ـ مؤسسة النشر الإسلامي ط 2.
15ـ بحار الأنوار 74 : 6.
16ـ المصدر السابق .
17ـ أُصول الكافي 2 : 166 / 5 باب البر بالوالدين ، ولا يستسب : أي لا يصير سبباً لسب
الناس له ، كأن يسب آباءهم فيسب الناس والده.
18ـ فروع الكافي 5 : 138 / 6 باب 47 من كتاب المعيشة.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|