أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-15
1176
التاريخ: 30-01-2015
1946
التاريخ: 7-12-2015
1993
التاريخ: 29-09-2015
1528
|
لقد أذن الله تعالى في ترفيع البيوت التي يذكر فيها اسمه ويسبِّح له بالغدوِّ والآصال في آية مباركة ، وقال : {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } [النور: 36 ، 37] .
وتفسير الآية رهن دراسة أمرين :
الأوّل : ما هو المقصود من البيوت ؟
الثاني : ما هو المراد من الرفع ؟
أمّا الأوّل فربما قيل انّ المراد من البيوت هو المساجد.
قال صاحب الكشّاف : { فِي بُيُوتٍ } يتعلّق بما قبله ، مثل نوره كمشكاة في بعض بيوت الله ، وهي المساجد. (1)
ولكن الظاهر أنّ التفسير غير صحيح ، لأنّ البيت هو البناء الذي يتشكَّل من جدران أربعة وعليها سقف قائم ، فالكعبة بيت الله لأجل كونها ذات قوائم أربعة وعليها سقف ، والقرآن يعبِّر عن البيت بالمكان المسقَّف ، ويقول : {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف: 33] .
فالمستفاد من الآية أنّ البيت لا ينفك عن السقف ، هذا من جانب. ومن جانب آخر : لا يشترط في المساجد وجود السقف ، هذا هو المسجد الحرام تراه مكشوفاً تحت السماء ودون سقف يظلّله.
وقد ورد لفظ البيوت في القرآن الكريم ( 36 مرّة ) بصور مختلفة ، واستعمل في غير المسجد ، يقول سبحانه : {طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34].
إلى غير ذلك من الآيات ، فكيف يمكن تفسيره بالمساجد ؟
وبما أنّ جميع المساجد ليس على هذا الوصف ، التجأ صاحب الكشاف بإقحام كلمة « بعض » ، وقال : في بعض بيوت الله وهي المساجد ، وهو كما ترى ، وهناك حوار دار بين قتادة فقيه البصرة وأبي جعفر الباقر عليه السلام يؤيد ما ذكرنا.
حضر قتادة في مجلس الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام فقال له الإمام : من أنت ؟ قال : أنا قتادة بن دعامة البصري.
فقال أبو جعفر : أنت فقيه أهل البصرة ؟
فقال : نعم. قال قتادة : أصلحك الله ، ولقد جلستُ بين يدي الفقهاء وقدّام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم ، ما اضطرب قدّامك ! فقال أبو جعفر عليه السلام : ما تدري أين أنت ؟ أنت بين يدي {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } [النور: 36 ، 37] ونحن أُولئك.
فقال له قتادة : صدقت ، والله جعلني فداك ، والله ماهي بيوت حجارة ولا طين. (2)
ويؤيّد ما رواه الصدوق في الخصال عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ان الله اختار من : {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [آل عمران: 33، 34]. (3)
وعلى هذا الحوار فالمراد من البيت ، بيت الوحي وبيت النبوَّة ، ومن يعيش في هذه البيوت من رجال لهم الأوصاف المذكورة في الآية الكريمة.
هذا كلّه حول الأمر الأوّل.
وأمّا الأمر الثاني ، أعني : ما هو المراد من الرفع ؟ فيحتمل وجهين :
قال الرازي : المراد من رفعها ، بنائها لقوله تعالى : {رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا} [النازعات: 28] وثانيها { تُرْفَعَ } اي تعظم. (4)
هذا كلّه حسب ما تدل عليه الآية ، وأمّا بالنظر إلى الروايات فنذكر منها ما يلي :
1. روى الحافظ السيوطي عن أنس بن مالك وبريدة ، انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قرأ قوله تعالى : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ } فقام إليه رجل وقال : أيّ بيوت هذه يا رسول الله ؟
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : « بيوت الأنبياء ».
فقام إليه أبو بكر وقال : يا رسول الله ، وهذا البيت منها ؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمة عليهما السلام.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : « نعم من أفاضلها ». (5)
2. روى ابن شهر اشوب عن تفسير مجاهد وأبي يوسف ، يعقوب بن سفين ، قال ابن عباس في قوله تعالى : {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ} [الجمعة: 11] : إنّ دحية الكلبي جاء يوم الجمعة من الشام بالميرة ، فنزل عند أحجار الزيت ، ثمّ ضرب بالطبول ليؤذن الناس بقدومه ، فمضوا الناس إليه إلاّ علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام وسلمان وأبو ذر والمقداد وصهيب ، وتركوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قائماً يخطب على المنبر ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : قد نظر الله يوم الجمعة إلى مسجدي فلولا هؤلاء الثمانية الذين جلسوا في مسجدي لأضرمت المدينة على أهلها ناراً ، وحُصبوا بالحجارة كقوم لوط ، ونزل فيهم رجال لا تلهيهم تجارة. (6)
وقد وصف الإمام أمير المؤمنين عليه السلام هؤلاء الرجال الذين يسبِّحون في تلك البيوت ؛ عند تلاوته : { رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ } : وإنّ للذكر لأهلاً أخذوه من الدُّنيا بدلاً ، فلم يشغلهم تجارة ولا بيع عنه ، يقطعون به أيام الحياة ، ويهتفون بالزواجر عن محارم الله في أسماع الغافلين ، ويأمرون بالقسط ويأتمرون به ، وينهون عن المنكر ويتناهون عنه فكأنَّما قطعوا الدنيا إلى الآخرة وهم فيها ، فشاهدوا ما وراء ذلك ، فكأنّما اطَّلعوا غيوب أهل البرزخ في طول الإقامة فيه ، وحقَّقت القيامة عليهم عِداتُها ، فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدنيا ، حتى كأنّهم يرون ما لا يرى الناس ويسمعون ما لا يسمعون. (7)
________________
1. الكشاف : 2 / 389.
2. البرهان في تفسير القرآن : 3 / 138.
3. الخصال : 1 / 107.
4. تفسير الفخر الرازي : 24 / 3.
5. تفسير الدر المنثور : 5 / 50.
6. البرهان في تفسير القرآن : 3 / 139.
7. نهج البلاغة : الخطبة 222.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|