أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-11-2018
1140
التاريخ: 9-08-2015
1201
التاريخ: 11-4-2017
1206
التاريخ: 9-08-2015
1309
|
...من الدلائل على بطلان من تقدم على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ما نقل ابن أبي الحديد في المجلد الثالث عشر من شرح نهج البلاغة ، عن الجاحظ في وصية العباس عند مرضه الذي مات فيه إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، بما حاصله: وصيته بعدم تعرض عثمان بما يسوءه .
فإن قلت : كيف لا أتعرض وقد جلس مجلسا أنا أحق به ، فقد قاربت ، لكن ذلك بما كسبت يداك، لأنك أسرعت إليهم بظن أنهم يجعلونك خليفة لاستحقاقك ، ولم تتبع رأي عمك في هذا الأمر ، ثللت عرشك بيدك فدار معه ، فإنه يجد أنصارا من الشام وغير الشام ، ولا تجد أنصارا تقدر بها على غلبته .
إلى أن قال : ولو ظن بك ما تظن بنفسك لكان الأمر لك والزمام في يدك ، ولكن هذا حديث يوم مرض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فات ، ثم حرم الكلام فيه حين مات ، فعليك الآن بالعزوف عن شئ عرضك له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلم يتم ، وتصديت له مرة بعد مرة فلم يستقم ، ومن ساور الدهر غلب ، ومن حرص على ممنوع تعب ، فعلى ذلك فقد أوصيت عبد الله بطاعتك ، إلى آخر الوصية .
ثم قال ابن أبي الحديد : قلت : الناس يستحسنون رأي العباس في أن لا يدخل في أصحاب الشورى ، وأما أنا فإني أستحسنه إن قصد به معنى ، ولا أستحسنه إن قصد به معنى آخر ، لأنه إن أجرى بهذا الرأي إلى ترفعه عليهم وعلو قدره عن أن يكون مماثلا له ، أو أجرى به إلى زهده في الإمارة ورغبته عن الولاية ، فكل هذا رأي حسن وصواب .
وإن كان منزعه ذلك إلى أنك إن تركت الدخول معهم وأنفذت بنفسك في دارك ، أو خرجت من المدينة إلى بعض أموالك ، فإنهم يطلبوك ويضربون إليك آباط الإبل حتى يولوك الخلافة ، وهذا هو الظاهر من كلامه ، فليس هذا الرأي عندي بمستحسن، لأنه لو فعل ذلك لولوا عثمان ، أو واحدا منهم غيره ، ولم يكن عندهم من الرغبة فيه ( عليه السلام ) ما يبعثهم على طلبه ، بل كان تأخره عنهم قرة أعينهم وواقعا بايثارهم ، فإن قريشا كلها كانت تبغضه أشد البغض .
ولو عمر عمر نوح وتوصل إلى الخلافة بجميع أنواع التوصل ، كالزهد فيها تارة ، والمناشدة بفضائله تارة ، وبما فعله في ابتداء الأمر ، من إخراج زوجته وأطفاله ليلا إلى بيوت الأنصار ، وبما اعتمده إذ ذاك من تخلفه في بيته وإظهار أنه قد انعكف على جمع القرآن ، وسائر أنواع الحيل فيها ، لم يحصل له إلا بتجريد السيف ، كما فعله في آخر الأمر .
ولست اليوم ألوم العرب لا سيما قريشا في بغضها له وانحرافها عنه ، فإنه وترها ، وسفك دمائها ، وكشف القناع في منابذتها، ونفوس العرب وأكبادها كما تعلم .
وليس الإسلام بمانع من بقاء الأحقاد في النفوس ، كما نشاهده اليوم عيانا ، والناس كالناس الأول ، والطبايع واحدة ، فاحسب أنك كنت في السنتين أو ثلاث جاهليا ، أو من بعض الروم ، وقد قتل واحد من المسلمين ابنك أو أخاك ، ثم أسلمت ، أكان إسلامك يذهب عنك ما تجده من بغض ذلك القاتل وشنآنه ؟ كلا إن ذلك لغير ذاهب ، هذا إذا كان الإسلام صحيحا ، والعقيدة محققة ، لا كإسلام كثير من العرب ، فبعضهم تقليدا ، وبعضهم للطمع والكسب ، وبعضهم خوفا من السيف ، وبعضهم على طريق الحمية والانتصار للنسب ، أو لعداوة قوم آخرين من أضداد الإسلام وأعدائه .
واعلم أن كل دم أراقه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بسيف علي ( عليه السلام ) وبسيف غيره ، فإن العرب بعد وفاته ( صلى الله عليه وآله ) عصبت تلك الدماء بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وحده ، لأنه لم يكن في رهطه من يستحق في شرعهم وسنتهم وعادتهم أن تعصب به تلك الدماء إلا بعلي وحده ، وهذه عادة العرب إذا قتل منها قتلى طالبت بتلك الدماء القاتل ، فإن مات أو تعذر عليها مطالبته طالبت بها أمثل الناس من أهله .
ونقل بعد ذلك أن قوما من بني تميم قتلوا أخا لعمرو بن هند ، وحرض أعداؤهم عمرا عليهم ، إلى أن قالوا : فاقتل زرارة ، لا أرى في القوم أمثل من زرارة ، فأمر أن يقتل زرارة بن عدس رئيس بني تميم ، ولم يكن قاتلا ولا حاضرا قتله ، ومن نظر أيام العرب ووقائعها ومقاتلها عرف ما ذكرناه (1) انتهى .
أقول : هاهنا أمور ينبغي التنبيه عليها :
منها : دلالة قول عباس فقد قاربت على عدم اذعانه بإمامة عثمان ، فلا إجماع عليها حين حياة عباس ، فلم يكن عثمان طالبا للحق ، وإلا فلم يكن له أن يجلس مجلس الإمامة قبل الاطلاع بتحقق الاجماع .
فإن قلت : لعل مراد عباس أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إن قال أن عثمان جلس مجلسا أنا أحق به بحسب الفضائل ، فرعايتها تقتضي بعنوان الأليق والأولى أن يكون الاتفاق بإمامة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، حتى يكون الأفضل متبوعا والمفضول تابعا ، فقد قارب .
قلت : لو كانت الإمامة بالإجماع وتحقق في عثمان ، كان بعد الاجماع إمامته متعينة ، فكيف يكون غيره بعد تحقق إمامته بالحجة الشرعية أحق بها ، فتقريب عباس إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) إنما هو بعد استقرار سلطنة عثمان ، وهو دال على عدم اذعانه بإمامته .
ومنها : تعليل قوله " فدار معه " بقوله " فإنه يجد أنصارا من الشام وغير الشام ولا تجد أنصارا تقدر بها على غلبته " لدلالته على أن الوصية بالمداراة لعدم القدرة على الغلبة ، وإلا لم يكن المقام مقام المداراة ، ولو جوز إمامة عثمان كان التجويز كافيا في لزوم المداراة .
ومنها : قوله " ولو ظن بك ما تظن بنفسك لكان الأمر لك والزمام في يدك " لأن هذا الظن الذي نسب إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لم يكن الإمامة باتفاق الناس وتعيينهم ، لعدم تحققه في شأنه ( عليه السلام ) في ذلك الوقت بالاتفاق ، بل كان علمه (2) بالاستحقاق بما لا مدخل لتعيين الناس فيه أصلا ، كما يدل عليه قوله " هذا حديث يوم مرض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) " إلى قوله " فلم يتم " .
ومنها : قوله " وتصديت له مرة بعد مرة فلم يستقم " لدلالة تصدي أمير المؤمنين له مرة على كون الأمر حقا له ، فكيف التكرار ؟ وتحسين ما حسنه ابن أبي الحديد غفلة منه عن سعي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وتوهم منه بأن سعيه إنما كان لتحصيل سلطنة دنيوية ، وهذا خطأ محض ، بل كان سبب تكرر تصدي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) للأمر أمرين :
أحدهما سعيه في إجراء حكم الله بقدر الإمكان .
وثانيتهما تتميم الحجة على الناس ، كما أومأت إليهما غير مرة . وبما ذكرته ظهر غفلة عباس في قوله " ذلك بما كسبت يداك لأنك أسرعت " إلى قوله " ثللت عرشك " .
وفيما ذكره ابن أبي الحديد من عدم رغبة قريش فيه ( عليه السلام ) وعدم تأثير المناشدة بفضائله ، وبما فعله في ابتداء الأمر من إخراج زوجته وأطفاله ليلا إلى بيوت الأنصار وغيرهم، دلالة واضحة على علم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ببطلان من سبق عليه ، الدال على بطلانه ، كما أومأت إليه غير مرة ، وكيف تجتمع هذه الأمور من أمير المؤمنين (عليه السلام) في سعيه لتحصيل الأمر لنفسه مع استحقاق غيره له ، وهذا الظن به ( عليه السلام ) خلاف مقتضى ما يشهد به الكتاب والسنة من مراتبه العالية .
وما ذكره بقوله " ولست اليوم ألوم العرب " لا وجه له ، لأن بغضه ( عليه السلام ) بما فعل بأمر الله تعالى ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) لا يجتمع مع الإيمان بهما .
وما أيده بقوله " فاحسب أنك كنت " إلى قوله " إذا كان الإسلام صحيحا والعقيدة محققة " لا وجه له ، لأن ما فرض من قتل الابن أو الأخ إن كان بغير أمر الله تعالى ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) فلا مناسبة له بما نحن فيه .
وإن فرض قتل أحدهما أو كليهما بأمر الله تعالى ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) فالإيمان بهما يقتضي محبة القاتل ، وعداوته حينئذ إنما هي لامتثال أمر الله تعالى ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) وهي لا يجتمع مع الإيمان بهما ، فلا معنى لقوله " إذا كان الإسلام صحيحا " .
وما ذكره بقوله " واعلم أن كل دم " الخ من عادة العرب في تعصيب الدم إنما هو من عادة الجاهلية ومن اقتفى سيرتهم ، التي لا تناسب طريقة الإسلام أصلا ، فرعاية الإسلام يقتضي رعاية كثرة القتل والشدة على الكفار ، وعدهما من الفضائل ، كما يظهر من القرآن ، مثل قوله تعالى {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ} [النساء: 95] وقوله {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا } [الصف: 4] وقوله {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} [الفتح: 29] وغيرها من الآيات والآثار .
وما ذكره من قتل زرارة يصلح لتأييد كون مقصودهم من صرف الأمر عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وعداوته اتباع سنة الجاهلية ، واقتفاء عادتهم الردية .
اعلم أن أمير المؤمنين (عليه السلام) طلب حقه جهارا وسعى فيه ، إطاعة لله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) ما أمكن ، ثم اتقى من الولاة لحصول الخوف من الاصرار بقدر الحاجة .
يدل على الأول ما ذكرته مرارا .
وعلى الثاني أيضا عدم البيعة في حياة الطاهرة (عليها السلام) وبيعته (عليه السلام) بعد وفاتها .
فظهر أن تخلفه ( عليه السلام ) في بيته ، وإظهار العكوف على جمع القرآن وغيره : إما للممانعة عن البيعة مهما أمكن ، أو للتقية ، أو لهما .
وليس التخلف وغيره من الحيل ،
كما زعمه ابن أبي الحديد ، لكونه ( عليه السلام ) أعلم من ابن أبي الحديد بأن الأمر لا ينتقل إليه بأمثال هذه الأمور ، ولعله غفل عن جريان ما سمعه عن أستاده في هذه الأمور ، وإلا وجب عليه تغيير أمثال تلك الكلمات الدالة على الخيالات الفاسدة .
لأنه قال : سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد ( رحمه الله ) فقلت له : وأني لأعجب من علي ( عليه السلام ) كيف بقي تلك المدة الطويلة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ وكيف ما اغتيل وفتك به في جوف منزله مع تلظي الأكباد عليه ؟
فقال : لولا أنه أرغم أنفه بالتراب ، ووضع خده في حضيض الأرض لقتل ، ولكنه أخمل نفسه ، واشتغل بالعبادة والصلاة والنظر في القرآن ، وخرج عن ذلك الزي الأول وذلك الشعار ، ونسي السيف ، وصار كالفاتك يتوب ويصير سائحا في
الأرض ، أو راهبا في الجبال ، ولما أطاع القوم الذين ولوا الأمر وصار أذل لهم من الحذاء ، تركوه وسكتوا عنه ، ولم يكن العرب لتقدم عليه إلا بمواطأة من متولي الأمر ، وباطن في السر منه ، فلما لم يكن لولاة الأمر باعث وداع إلى قتله وقع الامساك عنه ، ولولا ذلك لقتل ، ثم أجل بعد معقل حصين (3) انتهى كلام النقيب طاب ثراه .
ويؤيد ما ذكره واقعة سعد بن عبادة ، مع عدم الخوف من مخالفته ، بخلاف مخالفة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فالداعي على قتله (عليه السلام) على تقدير إعلانه باستمرار المخالفة كان أشد وأعظم .
______________
(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 13 : 297 - 301 .
(2) في تعبير العلم هاهنا إشارة إلى أن المراد بالظن المنسوب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) هو العلم ، وتعبيره بالظن لعله للمشاكلة ، ولو فرض إرادة المعنى الشايع من الظن كانت كافية هاهنا ، لأن ظن استحقاق نفسه (عليه السلام) للأمر ملزوم لظن عدم استحقاق عثمان له ، فلا إجماع في إمامته " منه " .
(3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 13 : 301 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|