أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-12
315
التاريخ: 2024-09-30
289
التاريخ: 3-10-2016
1718
التاريخ: 2024-09-04
258
|
يطلق اسم "عصر الأسرات" أو "عصر السلالات" على العصر التاريخي لكل من مصر والعراق ابتداءً من الزمن الذي نشأت فيه أول سلالة حاكمة في كل منهما إلى وقت انهيار الإمبراطورية الفارسية على يد الإسكندر الأكبر تقريبًا؛ وذلك لأن كلًّا منهما حكمتها أسرات أو سلالات حاكمة خلال هذه الفترة, وقد اصطلح الباحثون على تسمية الفترة التي سبقت قيام الأسرات الحاكمة في مصر -وتقابل عصر بداية استخدام المعادن في الأقطار الأخرى- باسم عصر ما قبل الأسرات نظرًا لما تميزت به من مظاهر حضارية مهدت لقيام الحضارات العظيمة التي شهدتها مصر في عصورها الفرعونية؛ ففي هذه الفترة ترقى صناعة الفخار وتتأصل المعتقدات الدينية ويكثر استعمال المعادن نسبيًا ويأخذ فن الرسم والنقش طابعه الذي تميز به طوال العصور الفرعونية ومنه نشأت الكتابة، وفي هذه الفترة أيضًا نشأت وحدة سياسية في كل من الوجه القبلي والدلتا مهدت لاتحادهما الطويل الذي بدأه مينا مؤسس الأسرة الأولى.
وتمثل حضارات هذا العصر في الوجه القبلي: العمرة، جرزة، سماينة, أما في الوجه البحري فتمثلها: حلوان "ب" والمعادي.
وقد وجدت آثار هذا العصر في نقادة, وهي تمثل حضارات الوجه القبلي في مراتبها المختلفة؛ ونظرًا لأنها خلت من الكتابة "إذ إن هذه لم تكن قد عرفت بعد"؛ فقد اتبع في ترتيب آثار هذه الحضارات طريقة المقارنة والنسبية, أي: أنها أرخت بالنسبة إلى بعضها البعض، وقد عرفت هذه الطريقة باسم "التوقيت المتتابع" أو "التأريخ التتابعي".
التوقيت المتتابع أو التأريخ التتابعي:
كان الأثري الإنجليزي السير فلندرز بترى "Sir Flindrs Petrie" يشترك في التنقيب عن الآثار فيما بين بلاص ونقادة؛ حيث وجدت منطقة غنية بالآثار التي تنتمي إلى عصر ما قبل الأسرات فأطلق على الحضارة التي تمثلها هذه الآثار اسم حضارة نقادة، ولما شاهد أن هذه الآثار تختلف فيما بينها؛ بحيث يبدو أنها لا تنتمي إلى فترة قصيرة محدودة, رتب الأواني الفخارية والآثار التي كانت موجودة معها حسب تدرج التطور في صناعة هذه الأواني الفخارية؛ فتمكن بذلك من ترتيب الآثار حسب ترتيب ظهورها محاولًا إيجاد علاقة تاريخية بينها. وقد لجأ أولًا إلى تقسيم الأواني الفخارية إلى أنواع يمثل كل منها مرحلة حضارية خاصة عاشت في مرحلة زمنية من عصر ما قبل الأسرات الذي رمز لمدته بأرقام تشمل الأعداد من 1 إلى 100, وبدأ أقدم أنواع الفخار والآثار التي اكتشفها معه بالرقم 30 تاركًا الأرقام من 1 إلى 29 خاليًا عساه يجد من الاكتشافات، كما ترك أيضا الأرقام من 80 إلى 100 لنفس الغرض، وقد أعد بتري بطاقة خاصة لكل مقبرة وقسم كل بطاقة إلى تسعة أنهر أو أقسام خصص كلًّا منها لنوع معين من الفخار.
وحينما أدرج الآثار التي اكتشفها مع الفخار المصاحب لها في الأقسام الخاصة به أمكنه أن يقسم تلك الآثار في أول الأمر إلى قسمين, يمثل كل منهما مرحلة حضارية نقادة "1" ونقادة "2" على الترتيب، ثم وجد أن حضارة نقادة "2" بدورها تمثل حضارتين هما: نقادة 2أ، نقادة 2ب, أي: أنه انتهى إلى تقسيم الحضارات التي تمثلها هذه الآثار إلى ثلاث مراحل هي نقادة "1" ونقادة "2أ" ونقادة "2ب" على التوالي.
وقد كشف الأثريون عن ثلاث حضارات بالصعيد تماثل آثارها تلك التي وجدها بتري أي: أنها تتفق والأقسام التي توصل إليها؛ فالأولى وهي حضارة العمرة تمثل المرحلة من 30 إلى 37 والثانية وهي جزرة تمثل المرحلة من 38 إلى 60 أما الثالثة وهي سماينة فتمثل المرحلة من 61 إلى 75+.
ويجب ألا يفهم من هذا التوقيت المتتابع أن الأرقام أو الفترات التي اتبعها بتري تدل على تاريخ محدد أو أن المدة بين فترة وأخرى تعدل في الزمن المدة بين فترتين أخريين؛ حيث لا يدل الرقم الواحد على قدر ثابت من السنين, وكل ما في الأمر أن هذا التقسيم يسمح بترتيب كل من هذه الحضارات بعضها بالنسبة إلى البعض الآخر.
حضارات ما قبل الأسرات في الوجه القبلي:
1- حضارة العمرة 30-37 "نقادة1":
تقع العمرة جنوب شرقي أبيدوس, وقد عثر فيها على آثار تشبه أقدم ما وجد في نقادة؛ إلا أن هذه الحضارة تمثل عهدين مختلفين: أوائل العمرة وأواخر العمرة.
وفي الفترة الأولى ظهر الفخار الأحمر المصقول المحلى برسوم باللون الأبيض أو الأصفر، وهذه الرسوم عبارة عن أشكال تحددها خطوط مستقيمة وتعلوها خطوط متقاطعة تمثل في مجموعها أشكالًا هندسية مختلفة كالمثلث والمعين والنجوم, أو تمثل أشكالًا مختلفة من النبات والحيوان ومناظر الصيد والقتال رسمت باختصار وفي أسلوب بسيط, وإلى جانب هذا النوع من الفخار عُثِر على فخار أحمر مصقول أو أحمر مصقول ذي شفة سوداء خلت سطوحه الخارجية من التموجات التي تميز فخار البداري؛ كذلك بدأت علامة الصانع أو علامة الملكية تميز أواني هذه الفترة في هيئة صور حيوانات أو نباتات أو خطوط, وقد وجدت بعض الأواني الحجرية من البازلت والحجر الجيري، وكانت الصلايات من الاردواز على شكل معين أو في أشكال حيوانات مختلفة كفرس النهر والسلحفاة، أما رؤوس الدبابيس؛ فكانت مخروطية الشكل, مقوسة قليلًا إلى الداخل.
وفي الفترة الثانية من هذه الحضارة اختفى الفخار المحلى برسوم باللون الأبيض واستمر الأحمر المصقول ذو الشفة السوداء, كما عثر على أوانٍ محلاة برسوم باللون الأحمر تشبه فخار جرزة، ومن بين العلامات المميزة لفخار تلك الفترة علامة تمثل تاج الوجه البحري وعلامة تمثل صورة صقر -وهو الطائر الذي اعتبره المصري رمزًا للإله حورس- على واجهة قصر, وهذه العلامة كانت تتخذ كخانة يكتب فيها اسم الملك في زمن الفراعنة. ومن هذا يتضح أن علامات الملك أخذت تستقر, وقد تطورت صناعة الأواني الحجرية التي من البازلت كثيرًا وأصبحت أشكال الصلايات أقل تعددًا؛ إذ انحصرت تلك الأشكال في الشكل المعين الذي ينتهي عند أحد طرفيه بما يشبه الهلال أو شكل السمكة، ومن الصلايات أيضًا ما كانت تنتهي في أعلاها بشكل يمثل رأسي طائرين, أما دبابيس القتال فكانت تشبه نظائرها في الفترة الأولى لهذه الحضارة, وقد أتقنت صناعة الظران، ومن الأدوات المصنوعة منه وجدت سكاكين طويلة ذات حدين وسهام ذات شوكتين "شكل 16". وقد اعتقد أهل هذه الحضارة في الحياة بعد الموت بدليل ما عثر عليه من أدوات وضعت إلى جوار الموتى، ولم يكشف حتى الآن عن حضارة من هذا العهد في الدلتا.
2- حضارة جرزة 38-60 "نقادة 2أ":
تقع جرزة شمال ميدوم التي تبعد نحوًا من 40 ميلًا إلى جنوب سقارة, وتمثل آثارها حضارة مستقلة تمامًا عن حضارة العمرة؛ إذ وجدت في همامية قرب البداري آثار تمثل حضارة جرزة في طبقات منفصلة تمامًا عن الطبقات التي وجدت بها آثار حضارة العمرة، وآثار هذه الحضارة أوسع انتشارًا من آثار سابقتها في مصر الوسطى.
وتتميز هذه الحضارة بفخار ذي لون أصفر برتقالي وعليه رسوم وأشكال باللون الأحمر، وهذه الرسوم عبارة عن خطوط منحنية غالبًا ما تكون حلزونية وصور مثلثات متتالية وبعض المراكب والحيوانات التي تظهر بصورة منفردة وهذه الصور لا تملؤها خطوط متقاطعة, كما تتميز بالفخار ذي الأيدي المتموجة، وكل من هذين النوعين من الفخار على صلة بالآخر؛ إذ قد يحلى ذو الأيدي المتموجة برسوم حمراء.
هذا وقد استمر الفخار الأحمر المصقول وذو الشفة السوداء "وهما من فخار العمرة" في هذه الحضارة أيضًا، وفي بدء هذه الحضارة بدأ ظهور الفخار المتأخر ويمتاز بصلابته وملاسته وهو رمادي فاتح أو بني أحمر أو أصفر يخلو من أية حلية؛ إلا أنه لم ينتشر إلا في أواخر عهد ما قبل الأسرات وفي الأسرتين الأولى والثانية.
وتكثر في هذه الحضارة الأواني الحجرية المختلفة ذات الألوان الجميلة التي كانت بعض أواني الفخار تصنع على غرارها، وقد أخذ دبوس القتال الذي كان شائعًا في العمرة "ذو الرأس المخروطي المضغوط الجوانب" يقل تدريجيًّا ابتداء من عهد جرزة؛ حيث أخذ الدبوس ذو الرأس الكمثري يحل محله، ومع هذا فقد بطل استعمال هذين النوعين من الدبابيس في القتال منذ الأسرة الأولى؛ ولكنهما ظلا يستعملان في العصور التاريخية لأغراض دينية وجنائزية.
وأخذت الصلايات التي على شكل معين في الاختفاء لتحل مكانها صلايات ذات أشكال هندسية أخرى كالمستطيل والبيضي والمربع, واستمرت بعض الصلايات في شكل بعض الحيوانات كالفيل والسمك والطيور, وبعض الصلايات البيضاوية كانت تعلوها صورة طائرين أيضًا, وقد أخذت هذه الصلايات تدق في سمكها وكسيت سطوحها بالنقوش وصنع بعضها من مواد لا تصلح للصحن منذ أواخر ما قبل الأسرات؛ ولذا يمكن القول بأنها أصبحت شيئًا رمزيًا يوضع في المقبرة لتذكر بتقليد قديم متوارث. هذا وقد ظهرت في عهد جرزة بعض التمائم على شكل حورس وبعضها على شكل ثور وهي رموز تدل على مقاطعات بالوجه البحري مما دعا إلى الظن بأن حضارة جرزة ترجع أصلًا إلى الوجه البحري وإن لم يعثر على حضارة تماثلها فيه، كما يستدل من ذلك أيضًا على حدوث توحيد لشطري الوادي قبل عهد مينا مؤسس الأسرة الأولى.
3- حضارة سمانية 60-75+: "نقادة 2ب":
تمثل آخر الحضارات المصرية في عهد ما قبل الأسرات, وأهم الآثار التي تمثلها وجدت في سمانية وهي إحدى القرى القريبة من نجع حمادي.
وتتميز هذه الحضارة بزيادة استخدام النحاس وقلة الفخار ذي الشفة السوداء والفخار الأحمر المصقول تدريجيًا إلى أن اختفيا، أما الفخار ذو الرسوم الحمراء؛ فقد اختفت منه الأشكال التي كانت سائدة في عهد جرزة وحلت محلها أشكال جديدة عليها رسوم مختلفة، ومن هذه الأشكال أوانٍ على شكل البرميل لها حافة داخلية يستقر عليها الغطاء وقدور عالية رسمت عليها خطوط قصيرة في أشكال ومجموعات مختلفة, أما الأواني المتموجة الأيدي؛ فقد أخذت تضيق في السعة ويتلاشى مقبضها حتى أصبح كشريط على حافة الإناء بالقرب من الشفة، وأكثر فخار هذه الحضارة من النوع المتأخر وقد ظهر فيه المصب "البزبوز"، وله أحيانًا رقبة واضحة، وأهم ما صنعت منه أواني التخزين "قدور عالية ذات فوهات واسعة". ومع كلٍّ, فإن الفخار في عهد سمانية على اختلاف أنواعه كان أقل إتقانًا وجودةً منه في العصور السابقة، وربما كان سبب ذلك أن الأغنياء أقبلوا على صناعة الأواني من النحاس والأحجار كما أن زيادة الإقبال على حياة المدن التي اتسعت وانتشرت هي التي جعلت صانع الفخار يتوخى سرعة الإنتاج وكثرته فبعد عن الإتقان. وقد استمرت صناعة الأواني من الأحجار، وكثيرًا ما استخدم المرمر "Alabaster" في صنعها وينتشر استخدامه بعد ذلك في العصور التاريخية. أما الصلايات؛ فمنها ما كان على شكل الحيوان ومنها ما كان يحلي جزأه العلوي رأسا طائرين ومنها ما كان بيضي الشكل تحلي حافته خطوط متقاطعة ومنها ما كان على شكل مستطيل تحلي حوافيه خطوط مستقيمة أو متقاطعة وبعض هذه الصلايات كان فاخرًا تحليه نقوش مختلفة.
حضارات ما قبل الأسرات في الوجه البحري:
1- حضارة حلوان "ب":
تضم منطقة العمري(1) مجموعتين من المقابر ومجموعة من المساكن وهي على بعد 3كم شرق حلوان، ومن التنقيب في منطقة المساكن؛ تبين أن مساحة القرية كانت كبيرة مثل مدن الدلتا التي عثر عليها في مرمدة والمعادي بعكس مدن الوجه القبلي المحدودة المساحة، وكانت مساكنها إما أن تبنى؛ بحيث يكون جزء منها تحت مستوى سطح الأرض وهي بيضية الشكل تحيطها جدران من الحصير المغطى بالطين, أو أن تقوم بأكملها فوق سطح الأرض، كما يستدل على ذلك من وجود بقايا أعمدة خشبية مغروسة في الأرض, وربما كان النوع الأول من المساكن يستخدم كمخازن أما النوع الثاني؛ فكان للسكنى، وقد حفرت بعض مساكن النوع الأول في الأرض الصخرية؛ مما دعا إلى الظن بأن أهل حلوان عرفوا استغلال المحاجر في ذلك الوقت إلا أن هذا بعيد الاحتمال.
والأواني الفخارية في هذه الحضارة إما رقيقة الجدران مصقولة حمراء وسوداء وسمراء أو خشنة ذات جدران سميكة، وكان لبعضها مقابض، ومنها ما يشبه أواني مرمدة ومنها ما يشبه أواني المعادي، كما وجدت أشكال جديدة اختصت بها هذه الحضارة.
أما السهام التي عثر عليها في حلوان؛ فإنها كانت إما مقعرة القاعدة كسهام الفيوم أو على شكل مثلث متساوي الضلعين، وقد عثر على بعض السكاكين والمناجل والمناشير من الصوان وأحجار للرحى وأوعية من قشر بيض النعام وآلات من العظام من بينها شص من قرن الحيوان، كما عثر على جلود وحصير وحبال وسلال تدل على معرفة النساجة، واستخدم أهل حلوان أصداف البحر وعظام السمك وأنواعًا من الأحجار البراقة في الحلي وعرفوا صناعة العقود والدلايات وزراعة الحبوب كالقمح والشعير، وكانوا على علاقات مع الخارج؛ حيث وجدت في آثارهم أصداف من البحر وبعض المواد الأخرى التي لا توجد في وادي النيل.
وقد دفنوا موتاهم في أماكن السكنى في وضع مقرفص, ومعظم رءوسهم إلى الجنوب والوجه متجه إلى الغرب، وفي أغلب الأحيان كانت توضع آنية فخارية بجانب الميت، وكانت الجثة تكفن بجلد حيوان أو حصير أو قماش، وعثر مع إحدى الجثث على صولجان من الخشب.
وربما كانت هذه الحضارة تتوسط في الزمن بين حضارتي مرمدة والمعادي؛ إذ إنها تشبه حضارة مرمدة في طقوسها الجنزية وفي بعض صناعاتها الحجرية وبعض أوانيها الفخارية كما تشبه حضارة المعادي في نصالها الحجرية وبعض أوانيها الفخارية أيضًا.
2- حضارة المعادي:
عثر على آثار هذه الحضارة في شرق المعادي الحالية, وهي ذات موقع فريد؛ إذ إنها تتوسط بين الصعيد والدلتا وتربطهما بشبه جزيرة سيناء وغرب آسيا؛ مما أثر في حضارتها وجعلها ذات صفات خاصة تميزها عن الحضارات السابقة, وكان يظن أنها أقدم من حضارة نقادة الثانية؛ ولكنها ما زالت تحتاج إلى كثير من الدراسة وخاصة؛ لأن الشك بدأ يساورنا في أنها ترجع إلى عصر بداية الأسرات(2).
وفخار المعادي متعدد الأشكال والألوان؛ إلا أن أهمه نوعان: أحمر اللون غير مصقول؛ لكنه أملس وقاعدته حلقية وجسمة بيضي مستطيل، وأسود مصقول ذو جسم كروي، ومن بين الأواني التي عثر عليها آنية كبيرة أسطوانية وبحافتها العليا مقابض عدة، كما وجدت بعض الأواني التي يميل لونها إلى البياض وبسطحها بروزات كالحبوب أو مزودة بمقابض تشبه الأواني السورية، كذلك وجدت أيضًا بعض أوانٍ تشبه أواني العمرة "ذات حافة سوداء"، وأوانٍ تشبه أواني مرمدة "توءمية" أما الأواني المزدانة بالرسوم؛ فقد أصبحت قليلة. ومن هذا نتبين صلة المعادي بحضارات كل من الوجه البحري "مرمدة" وسوريا والوجه القبلي "العمرة" ويرجع هذا إلى مركزها الجغرافي؛ حيث يسهل الاتصال بينها وبين تلك الجهات.
وقد عثر في المعادي على عدة أوانٍ حجرية كبيرة متقنة الصنع ولوحات من الاردواز والحجر الجيري وفلكات مغازل ودبابيس ومصاحن، وعلى الكثير من المكاشط ورءوس السهام والحراب والمناشير الصوانية وبعض الآلات من الصخر البلّوري والكوارتز والجرانيت، كما وجدت فيها مجموعة من الأدوات الخشبية مثل عصا الرماية "Boomeranga" وعصا قصيرة وبعض المثاقيب والأطباق والجفنات والملاعق يندر وجود مثلها في الحضارات المصرية المعاصرة، إلى جانب آلات كثيرة من العظام وخاصة المثاقيب، أما فيما يختص بأدوات الزينة؛ فإن أهل المعادي عرفوا صناعة الخرز من الأحجار المختلفة وقد عثر على عقد كامل من 54 حبة من الخرز كلها بيضاء ما عدا 8 منها سوداء، كما وجدت أصداف مثقوبة وأمشاط من عظام الحيوان ومواد التلوين من المغرة والملاخيت والمنجنيز الأسود.
وعرف أهل المعادي استغلال المعادن؛ حيث عثر على عدد من الأدوات المعدنية كالسنانير والمثاقيب والأزاميل ورأسي فاس وكلها من النحاس الذي عثر على سبائك منه أيضًا كما وجدت بعض مقادير من المنجنيز ومن القار الذي كان يجلب من منطقة البحر الميت.
وأخذت النزعة الفنية ترقى، كما يستدل على ذلك من وجود قطعة من الصلصال المحروق يظن أنها تمثل رأس جمل(3), وقطعة أخرى تمثل رأس حيوان غير واضح، وعثر على بيضة نعام ازدان سطحها بأشكال هندسية محفورة بإتقان وملونة باللون الأسود، كذلك عثر على هيكل قارب من الفخار ورأس تمثال صغير من الفخار الأحمر يمثل شخصًا من غرب آسيا ويتضح ذلك من شكل رأسه وذقنه.
أما مساكن المعادي؛ فإنها تركزت حول وسط القرية وكانت متعددة الأشكال؛ فمنها ما كان يبنى من قوائم من جذوع أشجار تلف حولها أغصان رفيعة ثم تطلى بالطين وأبوابها نحو الجنوب للحماية من الرياح الشمالية السائدة, ومنها ما كان على شكل كلمة pr الهيروغليفية التي تعني "منزل"؛ مما يدل على أن رسم هذه الكلمة منقول عن الشكل الغالب في مساكن عصر ما قبل الأسرات، وقد وجدت عدة كهوف عثر فيها على آثار تدل على أنها كانت للسكنى.
وكانت المواقد إما صغيرة تقام داخل المنازل أو كبيرة تقام أمام المنازل، وكان الموقد عبارة عن أحجار متراصة تحصر بينها الوقود. أما المخازن؛ فكانت على شكل حفر يتراوح عمقها بين متر أو مترين وكان بعضها يزود بسياج يحيط بالحفرة وله سقف يقوم على قوائم من الخشب، وإلى جانب هذه المخازن كان القوم يخزنون المؤن أحيانًا في قدور كبيرة أو سلال.
وكان البالغون من أهل المعادي يدفنون في جبانة تقع في بقعة منخفضة إلى جنوب القرية, أما الأجنة؛ فكانت تدفن في قدور كبيرة أو حفر غير عميقة في المساكن نفسها، وكان الميت يوضع مقرفصًا إلا في حالات قليلة وجدت فيها الهياكل ممددة، ولم يكن للرأس أو الوجه اتجاه ثابت. كما لم يعثر على شئ سوى بقايا حصير أو جلد أو قماش مما كانت تغطى به، وفي بعض المقابر عثر بجوار المتوفى على إناء واحد من الفخار, وكان لكل عائلة قسم خاص من الجبانة، كما عثر على حيوان يشبه ابن آوى, مدفون بعناية مما يوحي بعبادة هذا الحيوان الذي عبده فراعنة العصور التاريخية كإله حارس للجبانة، ويدل وجود آنية الفخار على اعتقادهم بالحياة الثانية، كما يدل وجود الجبانة بعيدة عن المساكن على أنهم كانوا في مرتبة حضارية أرقى من مرتبة أهل مرمدة وحلوان الثانية.
ومن كل ما سبق يتبين لنا أن أهل هذه الحضارة عرفوا الزراعة والرعي والنسيج, وكانوا على علاقات تجارية وثقافية مع الحضارات الشرقية والجنوبية, ولا شك في أنهم وصلوا إلى مرتبة حضارية لا بأس بها.
__________
(1) انظر ص65.
(2) Cambridge, Ancient History, "2nd ed," VoI, I chapt. X "MMS".
(3) يظن أن الجمل وجد في مصر لفترة وجيزة قبل عصر الأسرات أو في بدايته, ثم انقرض منها ولم يصبح استخدامه شائعًا إلا لأسباب اقتصادية في العهد اليوناني - انظر:
J. Capart, "Primitive Art in Egypt", 1905, pp. 189, 202; H. Keess "Ancient Egypt", Translated by Morrow "London 1961", p. 53.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|