المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6763 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الآثار الناتجة عن التربية السيئة
29-4-2017
تحضير ملح الدايازونيوم Prepration of Diazonium Salt
2024-08-05
نائب الملك باسر.
2024-05-31
تفسير الآية (104) من سورة ال عمران
22-3-2021
نظام Lab
4-1-2022
الفص الأمامي للنخامية Adenohypophysis
6-4-2016


معركة احـد  
  
2155   03:11 مساءاً   التاريخ: 4-12-2016
المؤلف : محمد الشيرازي
الكتاب أو المصدر : لأول مرة في العالم
الجزء والصفحة : ج1، الفصل الخامس
القسم : التاريخ / التاريخ الاسلامي / السيرة النبوية / سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام /

و(اُحُد) جبل مشهور بالمدينة على أقل من فرسخ منها، ويسمّى بذلك لانفراده وانقطاعه عن جبال اُخر هناك، ويقال له: (ذو عينين) أيضاً، وهو الذي قال فيه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) حين وقع نظره إليه: اُحُد جبل يحبّنا ونحبّه، وكانت عنده الوقعة المشهورة في شوال في السنة الثالثة من الهجرة النبوية المباركة.

وذلك لأنّ قريشاً لما رجعوا من بدر إلى مكة وقد اُصيبوا بأصحاب القليب، منعهم أبو سفيان من البكاء والنوح على قتلاهم ليبقوا على حنقهم وغيظهم ويفكّروا في الثأر لقتلاهم، وقال تأكيداً لذلك: الدهن والنساء عليَّ حرام حتّى أغزو محمداً.

وبقوا يستعدون لذلك، حتى قال صفوان بن اُمية، وعكرمة بن أبي جهل في جماعة ممن اُصيب آباؤهم وإخوانهم وأبناؤهم يوم بدر: يا معشر قريش، إنّ محمداً قد وتركم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه ـ يعنون عير أبي سفيان ومن كانت له في تلك العير تجارة ـ لعلنا أن ندرك منه ثأراً.

فأجابوا لذلك فباعوها وكانت ألف بعير والمال خمسين ألف دينار، وفيهم أنزل اللّه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36].

رسالة من مكة:

ولما اجتمعت قريش لحرب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) كتب العباس بن عبدالمطلب وهو في مكّة كتاباً يخبر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بخبرهم، واستأجر رجلاً من بني غفار واشترط عليه أن يقطع الطريق إلى المدينة في ثلاثة أيام، ويوصل الرسالة إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله).

فلما قدم الغفاري المدينة كان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في بعض حيطانها فقرأه ولم يخبر أصحابه وأمرهم أن يدخلوا المدينة، فلما دخلوا المدينة أخبرهم بالخبر.

النبي (صلى الله عليه وآله) يستشير أصحابه:

فلما فشي الخبر في الناس جمع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أصحابه يستشيرهم في مواجهة المشركين، فقال (صلى الله عليه وآله): أشيروا عليّ، ورأى ـ على رواية ـ أن لا يخرج من المدينة.

فقال بعضهم: يا رسول اللّه ان مدينتنا عذراء ما فضّت علينا قط، وما خرجنا إلى عدوّ منها قط إلا أصاب منا، وما دخل علينا قط إلا أصبناهم، يعني بذلك: عدم الخروج من المدينة.

وقال بعضهم: يا رسول اللّه إنّا نخشى أن يظن عدوّنا انا نكره الخروج إليهم جبناً عن لقائهم، فيكون هذا جرأة منهم علينا.

وقال حمزة: والذي اُنزل عليه الكتاب لا اطعم اليوم طعاماً حتى اُجالدهم بسيفي خارجاً من المدينة.

وكان هذا رأي الأكثرية، فعزم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) على الخروج، فصلّى بالناس الجمعة ثم وعظهم وأمرهم بالجدّ والإجتهاد، وأخبر أنّ لهم النصر ما صبروا، وأمرهم بالتهيّؤ لعدوّهم، ففرح الناس بذلك.

ثم صلّى (صلى الله عليه وآله) بالناس العصر وقد تحشدوا، وحضر أهل العوالي، واصطف الناس ينتظرون خروجه، فلبس (صلى الله عليه وآله) السلاح وخرج.

الخروج إلى اُحُد:

ولما خرج (صلى الله عليه وآله) إلى اُحُد عقد ثلاثة ألوية: لواء الأوس بيد اسيد بن حضير، ولواء المهاجرين بيد علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولواء الخزرج بيد الحباب بن المنذر، وفي المسلمين مائة دارع، وخرج السعدان أمامه يعدوان دارعين، واستعمل على المدينة ابن اُمّ مكتوم، وعلى الحرس تلك الليلة محمد بن مسلمة، وأدلج (صلى الله عليه وآله) في السحر، وكان قد ردّ جماعة من المسلمين لصغرهم، منهم اُسامة بن زيد، وزيد بن ثابت، وأبو سعيد الخدري، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وعرابة بن أوس، وعمرو بن حزم.

وكان المسلمون ألف رجل ويقال: تسع مائة، والمشركون ثلاثة آلاف رجل، ويقال: أربعة آلاف أو خمسة آلاف، فيهم سبعمائة دارع ومائتا فارس، وخمس عشرة امرأة من بينهم هند، وهي ترتجز وتقول أشعاراً.

وكان أبو سفيان قد استأجر يوم اُحُد ألفين من الأحابيش يقاتل بهم المسلمين.

ونزل (صلى الله عليه وآله) بأحد، ورجع عنه عبداللّه بن اُبيّ بنحو ثلث العسكر فيمن تبعه من قومه وحلفائه، فتبعهم عبداللّه بن عمرو بن حرام ـ والد جابر ـ يوبّخهم ويحرضهم على الرجوع ويقول: تعالوا قاتلوا في سبيل اللّه أو ادفعوا.

قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع، فرجع عنهم وتركهم.

التقاء الجمعين:

ونفذ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) حتى نزل الشعب من اُحُد في عدوة الوادي، وجعل ظهره إلى اُحد مستقبلاً المدينة، ونهى الناس عن القتال حتى يأمرهم.

وكان أبو سفيان قد نزل بطن الوادي من قبل اُحد مقابل المدينة، نزل بها يوم الخميس، بينما نزل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بأحد يوم الجمعة.

فلما أصبح يوم السبت تعبأ (صلى الله عليه وآله) للقتال، وكان فيهم خمسون فارساً، فسوّى الصفوف، وبوّأ كلاً منهم مكانه، وخطب فيهم خطبة بليغة حثهم فيها على الثبات وحرضهم على الجهاد والمقاومة، وكان ممّا جاء فيها: وما من ملك إلا وله حمى، ألا وان حمى اللّه محارمه، والمؤمن من المؤمنين كالرأس من الجسد، إذا اشتكى تداعى عليه سائر جسده.

ثم انه (صلى الله عليه وآله) جعل على ثغرة كانت في جبل اُحُد جماعة من الرماة وكانوا خمسين رجلاً، فأمّر عليهم عبداللّه بن جبير وقال له: انضح الخيل عنا بالنبل، واحموا لنا ظهورنا لا يأتونا من خلفنا، فإن رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة فلا تبرحوا من هذا المكان، وإن رأيتموهم قد هزمونا حتى أدخلونا المدينة فلا تبرحوا والزموا مراكزكم.

وقيل: انه (صلى الله عليه وآله) قال لهم: فإن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى اُرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم ووطأناهم فلا تبرحوا حتى اُرسل إليكم.

ثم جعل (صلى الله عليه وآله) على راية المهاجرين علياً (عليه السلام) وعلى راية الأنصار سعد بن عبادة.

وتعبأت قريش فجعلوا على ميمنتهم خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل.

وقيل: انّ أبا سفيان وضع خالد بن الوليد في مائتي فارس كميناً.

وقال له: إذا رأيتمونا قد اشتدّ القتال وحمى، واختلط بعضنا ببعض، فأخرجوا عليهم من هذا الشعب حتى تكونوا من ورائهم.

بدء القتال:

ولما اصطف الجيشان كانت راية المشركين مع طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدار، فالتفت إليه أبو سفيان وقال له بعد أن عبأهم للقتال: إن كنتم ترون أنكم قد ضعفتم عنها، فادفعوها إلينا نكفكموها.

فغضب طلحة بن أبي طلحة وقال: ألنا تقول هذا؟ واللّه لأوردنّكم بها اليوم حياض الموت، وكان طلحة هذا يسمّى (كبش الكتيبة) فبرز ونادى: يا محمّد تزعمون انكم تجهّزونا بأسيافكم إلى النار، ونجهّزكم بأسيافنا إلى الجنّة، فمن شاء أن يلحق بجنّته فليبرز إليّ، فأنا كبش الكتيبة طلحة بن أبي طلحة.

فبرز إليه علي (عليه السلام) وهو يقول:

يا طلح إن كنت كما تقول لكم خيولٌ ولنا نصولُ

فاثبت لننظر أيّنا المقتولُ وأيّنا أولى بما تقولُ

فقد أتاك الأسدُ الصؤولُ بصارم ليس به فلولُ

ينصره القاهر والرسول

فقال طلحة: من أنت؟

قال: أنا علي بن أبي طالب.

فقال طلحة : قد علمت يا قضم انه لا يجسر عليّ أحد غيرك، فشدّ عليه طلحة فضربه، فأتقاه علي (عليه السلام) بالحجفة، ثم ضربه (عليه السلام) على فخذيه فقطعهما جميعاً فسقط على ظهره، وسقطت الراية، فذهب علي (عليه السلام) ليجهز عليه، فحلّفه بالرحم فانصرف (عليه السلام) عنه.

فقال المسلمون: الا أجهزت عليه؟

قال (عليه السلام): قد ضربته ضربة لا يعيش منها أبداً.

فسرّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وكبّر تكبيراً عالياً، وكبّر المسلمون.

ثم أخذ الراية أبو سعد بن أبي طلحة فقتله علي (عليه السلام) وسقطت رايته على الأرض.

فأخذها عثمان بن أبي طلحة فقتله علي (عليه السلام) وسقطت الراية على الأرض.

فأخذها مشافع بن أبي طلحة، فقتله علي (عليه السلام) وسقطت الراية على الأرض.

فأخذها الحارث بن أبي طلحة، فقتله علي (عليه السلام) وسقطت الراية على الأرض.

فأخذها أبو عزيز بن عثمان، فقتله علي (عليه السلام) وسقطت الراية على الأرض.

فأخذها عبداللّه بن أبي جميلة، فقتله علي (عليه السلام) وسقطت الراية على الأرض.

فأخذها أرطاة بن شرحبيل فقتله علي (عليه السلام) وسقطت الراية على الأرض.

فأخذها مولاهم صوأب، فضربه علي (عليه السلام) على يمينه فقطعها، فأخذها بشماله، فضربه (عليه السلام) على شماله فقطعها، فأخذها على صدره وجمع يديه وهما مقطوعتان عليها، فضربه علي (عليه السلام) على اُم رأسه فسقط صريعاً.

...فاشتدّ القتال إلى أن انهزم القوم، وولّوا مدبرين حتّى انتهوا إلى نسائهم، وأكبّ المسلمون على الغنائم.

المشركون ينهزمون:

فلما انهزم المشركون، وأكبّ المسلمون على جمع الغنائم، ورأى أصحاب الشعب الذين أوكلهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بحفظ الثغرة من خلفهم ان الناس يغنمون، قالوا: نريد أن نغنم كما يغنم الناس!

قال لهم عبداللّه بن جبير: انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أمرني أن لا أبرح من مكاني هذا.

فقالوا له: أمرك بهذا ما لم يبلغ الأمر إلى ما نرى، ومالوا إلى الغنائم وتركوه، ولم يبرح هو ونفر قليل معه من موضعه، واشتغل الباقي بجمع الغنائم.

قالوا: ما ظفر اللّه نبيّه في موطن قط بما ظفره وأصحابه يوم اُحُد، حتّى عصوا الرسول (صلى الله عليه وآله) وتنازعوا في الأمر.

المسلمون لما عصوا الرسول (صلى الله عليه وآله):

ولما عصى المسلمون أمر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وتركوا الثغرة التي وكلهم بها، ولم يبق فيها سوى نفر قليل، حمل عليهم خالد بن الوليد فقتلهم، بعد أن تراموا بالنبال، وتطاعنوا بالرماح، وتقاتلوا بالسيوف، ثم جاء من ظهر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يريده، فنظر إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وهو في قلّة من أصحابه فقال لمن معه: دونكم هذا الذي تطلبون فشأنكم به.

وبصرت قريش في هزيمتها إلى الراية قد رفعت فلاذوا بها، فحملوا عليه (صلى الله عليه وآله) حملة رجل واحد ضرباً بالسيوف، وطعناً بالرماح، ورمياً بالنبل، ورضخاً بالحجارة.

وجعل أصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يقاتلون عنه حتى قتل منهم سبعون رجلاً، أربعة من المهاجرين: حمزة، ومصعب بن عمير، وعثمان بن شماس، وعبداللّه بن جحش، وسائرهم من الأنصار، فانهزم على أثره الباقون، ولم يثبت للقوم إلاّ علي (عليه السلام)، وأبو دجانة، وسهل بن حنيف، يدفعون عن النبي (صلى الله عليه وآله) وقد كثر عليهم المشركون.

فالتفت النبي (صلى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام) وقال: ما صنع الناس يا علي؟

قال (عليه السلام): كفروا يا رسول اللّه وولّوا الدبر من العدو واُسلموك.

قال: ما لك لا تذهب مع القوم؟

فقال: أذهب وأدعك يا رسول اللّه؟ أكُفر بعد ايمان؟! انّ لي بك اُسوة واللّه لا برحت حتى اُقتل، أو ينجز اللّه لك ما وعدك من النصر، فثبت معه يدفع عنه الكتائب.

فنظر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) إلى كتيبة قد أقبلت إليه، فقال لعلي (عليه السلام): ردّ عني يا علي هذه الكتيبة، فحمل عليها وفرَّقها، وكلّما حملت طائفة على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) استقبلهم علي (عليه السلام) فيدفعهم عنه، ويقتلهم حتى تقطّع سيفه ثلاث قطع.

لا فتى إلاّ علي لا سيف إلاّ ذوالفقار:

فلمّا انقطع سيف علي (عليه السلام) جاء إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول اللّه انقطع سيفي ولا سيف لي.

فخلع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) سيفه ذا الفقار الذي نزل من الجنّة وقلّده علياً (عليه السلام)، فمشى علي (عليه السلام) إلى المشركين وقتل كل من برز إليه، وصدّ كل كتيبة أغارت عليهم، فلم يزل على ذلك حتى وهت درعه، وأصابته تسعون جراحة، وفي بعض جراحاته كان يسقط منها على الأرض فيرفعه جبرئيل (عليه السلام). فعرف رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ذلك فرفع يديه نحو السماء وقال: (ننشدك يا ربّ ما وعدتني، فإنّك إن شئت لم تعبد).

وفي رواية قال (صلى الله عليه وآله) وهو يدعو: (اللّهمّ إنّ محمداً عبدك ورسولك، جعلت لكلّ نبي وزيراً من أهله لتشدّ به عضده، وتشركه في أمره، وجعلت لي وزيراً من أهلي: علي بن أبي طالب أخي، فنعم الأخ ونعم الوزير، اللّهمّ وعدتني أن تمدّني بأربعة آلاف من الملائكة مردفين، اللّهمّ وعدك وعدك انّك لا تخلف الميعاد، وعدتني أن تظهر دينك على الدين كلّه ولو كره المشركون).

فبينما رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يدعو ربّه ويتضرّع إليه إذ سمع دويّاً من السماء، فرفع رأسه فإذا جبرئيل (عليه السلام) على كرسي، ومعه أربعة آلاف من الملائكة مردفين، وهو يقول: (لا فتى إلاّ علي، ولا سيف إلاّ ذو الفقار)، فهبط جبرئيل وحفّت الملائكة برسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وسلّموا عليه.

فقال جبرئيل (عليه السلام): يا رسول اللّه والذي أكرمك بالهدى لقد عجبت الملائكة المقرّبون من مواساة علي (عليه السلام) لك بنفسه.

فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) : يا جبرئيل وما يمنعه أن يواسيني بنفسه وهو منّي وأنا منه.

فقال جبرئيل (عليه السلام): وأنا منكما.

فبكى علي (عليه السلام) سروراً وحمد اللّه على نعمته.

مصرع حمزة سيّد الشهداء:

ولما اقتتل الناس وحميت الحرب كانت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان وسط المعركة، فكلما انهزم رجل من قريش دفعت إليه ميلاً ومكحلة وقالت: انما أنت امرأة فاكتحل بهذا.

وكان حمزة بن عبدالمطلب عم النبي (صلى الله عليه وآله) يحمل على القوم، فإذا رأوه انهزموا ولم يثبت له أحد، وكانت هند قد أعطت وحشياً عهداً: بأنه إن قتل محمداً، أو علياً، أو حمزة، لأعطته رضاه، وكان وحشي عبداً لجبير بن مطعم حبشياً.

فقال وحشي: أما محمد فلا أقدر عليه، وأما علي فرأيته رجلاً حذراً كثير الالتفات فلم أطمع فيه، وأمّا حمزة فإني أطمع فيه، لأنه إذا غضب لم يبصر بين يديه.

قال : فكمنتُ لحمزة، فرأيته يهدّ الناس هدّاً ما يقوم له شيء، فمرّ بي فوطئ على جرف نهر، فانهار به، فأخذت حربتي فهززتها ورميته، فوقعت في خاصرته وخرجت من ثنيته فسقط.

ثم جاءت هند وأخذت تمثّل بجسد حمزة فبقرت بطنه واستخرجت كبده فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها، كما قطعت أصابعه وكل ما برز من جسمه وجعلتها قلادة لها.

وعلى رواية عن وحشي انه قال: فأتيت حمزة فشققت بطنه، فأخذت كبده وجئت بها إلى هند، فقلت لها: هذه كبد حمزة، فأخذتها في فمها فلاكتها، فجعلها اللّه في فيها مثل الداغصة، فلفظتها ورمت بها، فبعث اللّه ملكاً فحمله وردّه إلى موضعه.

قال أبو عبداللّه (عليه السلام): أبى اللّه أن يدخل شيئاً من بدن حمزة النار.

ولما رأى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ما صنع بحمزة قال: (اللّهمّ لك الحمد وإليك المشتكى، وأنت المستعان على ما أرى).

فأنزل اللّه تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126].

فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): أصبر، ثم صلّى على حمزة سبعين صلاة، وكبّر عليه سبعين تكبيرة، ودفنه في ثيابه بدمائه التي اُصيب فيها.

دناءة بني اُمية وأتباعهم:

وروي : ان الحليس بن علقمة وهو سيد الأحابيش يوم اُحُد، نظر إلى أبي سفيان وهو على فرس وبيده رمح يجأ به في شدق حمزة، فقال الحليس: انظروا يا معشر بني كنانة إلى من يزعم انه سيد قريش ما يصنع بابن عمه الذي قد صار لحماً! وأبو سفيان يقول: ذق عقق.

فلما التفت أبو سفيان إلى الحليس وما يقوله قال له: صدقت، اكتمها عليَّ.

مع أبي دجانة:

وكان أبو دجانة هو الآخر الذي كان يحمل على القوم حتى أمعن فيهم، وقد جعل من نفسه ترساً يقي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) من سيوف الكفّار ورماحهم حين انكشف أصحابه عنه فقد ثبت هو ولم يكن من المنكشفين.

فالتفت إليه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وقال: يا أبا دجانة أما ترى قومك؟

قال: بلى.

قال: فالحق بقومك، وأنت في حلّ من بيعتي.

فبكى أبو دجانة وقال: لا واللّه لا جعلتُ نفسي في حلّ من بيعتي، إنّي بايعتك، فإلى من أنصرف يا رسول اللّه، إلى زوجة تموت، أو ولد يموت، أو دار تخرب، أو مال يفنى، أو أجل قد اقترب؟

فرقّ له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله).

فلم يزل يقاتل حتى أثخنته الجراحة وهو في وجه، وعلي (عليه السلام) في وجه، فلما سقط احتمله علي (عليه السلام) فجاء به إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فوضعه عنده فقال: يا رسول اللّه أوَفيتُ ببيعتي؟

قال : نعم، ودعا له بخير، فالتأمت جراحاته وعاش حتى كان يوم اليمامة، فاشترك فيها كما كان يشترك في غيرها من قبل، وقاتل حتّى قُتِل شهيداً.

الثابتون مع الرسول (صلى الله عليه وآله):

وكان ممّن قاتل مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يوم اُحُد نسيبة المازنية اُم عمارة وابناها عبداللّه بن زيد، وعمارة بن غزية، وزوجها غزيّة.

يقول عبداللّه بن زيد: شهدتُ اُحُداً مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، فلمّا تفرّق الناس عنه دنوتُ منه واُمّي تذبّ عنه.

فقال (صلى الله عليه وآله) : يا ابن اُم عمارة؟

قلت : نعم.

قال: ارم، فرميت بين يديه رجلاً من المشركين بحجر وهو على فرس، فأصيب عين الفرس، فاضطرب الفرس حتى وقع هو وصاحبه.

ثم نظر (صلى الله عليه وآله) إلى جرح باُمّي على عاتقها، فقال: اُمّك اُمّك، اعصب جرحها بارك اللّه عليكم، لمقامك ومقام أخيك ومقام اُمّك ومقام زوج اُمك خير من مقام المنكشفين والمنهزمين عنّي.

ثم قال (صلى الله عليه وآله) : رحمكم اللّه من أب واُم واخوة.

قال : فقالت اُمّي وهي لا تملك نفسها فرحاً: ادع لنا يا رسول اللّه أن نرافقك في الجنّة.

فقال: اللّهمّ اجعلهم رفقائي في الجنّة.

فقالت : ما اُبالي بعدها ما أصابني من الدنيا.

عمرو بن الجموح والشهادة:

وكان عمرو بن الجموح رجلاً ذا عرج في رجله، فلما كان يوم اُحُد شهد مع النبي أربعة من ولده، أمّا هو فأراد قومه أن يحبسوه وقالوا له: انك ممّن لا حرج عليه، وقد ذهب بنوك الأربعة مع النبي (صلى الله عليه وآله) فابق عندنا.

فأجابهم قائلاً: بخ لهم يذهبون إلى الجنّة، وأنا أجلس عندكم؟

فقالت امرأته: كأنّي أنظر إليه مولّياً قد أخذ درقته وهو يقول: اللّهمّ لا تردّني إلى أهلي، فخرج ولحقه بعض قومه يكلّمونه في القعود، فأبى.

ثم جاء إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول اللّه انّ قومي يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك، واللّه انّي لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنّة.

فقال له (صلى الله عليه وآله): أمّا أنت فقد عذرك اللّه ولا جهاد عليك، فأبى.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله) لقومه وبنيه: (لا عليكم أن لا تمنعوه، لعلّ اللّه يرزقه الشهادة) فخلّوا عنه، فبقي في صفوف المسلمين وقاتل فقتل يومئذ شهيداً.

وبعد شهادته، أقبلت إليه امرأته لتحمله مع ابنها خلاّد وأخيها عبداللّه والد جابر الأنصاري، فحملتهم على بعير تريد بهم المدينة.

فالتقى بها بعض النساء اللاتي خرجن يتفقّدن خبر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فسألنها عنه؟

فقالت : خيراً، أمّا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فصالح، وكلّ مصيبة بعده جلل، أي: قليل، واتّخذ اللّه من المؤمنين شهداء، وهؤلاء: ابني وأخي وزوجي أحملهم لأدفنهم في المدينة، فسارت بهم، فلما بلغت منقطع الحرّة برك البعير، فكانت كلما توجّهه إلى المدينة برك، وإذا وجّهته إلى اُحُد أسرع.

فرجعت إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فأخبرته بذلك.

فقال (صلى الله عليه وآله): انّ الجمل لمأمور، هل قال عمرو بن الجموح شيئاً؟

قالت: نعم يا رسول اللّه، انه لما توجّه إلى اُحُد استقبل القبلة ثم قال: اللّهمّ لا تردّني إلى أهلي وارزقني الشهادة.

فقال (صلى الله عليه وآله): (فلذلك الجمل لا يمضي، انّ منكم يا معشر الأنصار من لو أقسم على اللّه لأبرّه، منهم عمرو بن الجموح، يا هذه ما زالت الملائكة مظلة على أخيك من لدن قتل إلى الساعة ينظرون أين يدفن)؟

ثم مكث رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في قبرهم ثم قال: انّهم قد ترافقوا في الجنّة جميعاً: بعلكِ وابنكِ وأخوكِ.

فقالت امرأته: يا رسول اللّه فادع لي عسى أن يجعلني معهم، فدعا لها بذلك.

الشهادة والمساهمة عليها:

وكان خيثمة أبو سعد بن خيثمة ممّن قاتل بين يدي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في اُحُد ونال الشهادة، فقد أشار على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بالخروج من المدينة لمجابهة قريش والتعرّض للنصر أو الشهادة قائلاً: لقد بلغ من حرصي على الشهادة أن ساهمت ابني في الخروج إلى بدر فخرج سهمه، فرزق الشهادة، وقد رأيته البارحة في النوم وهو في أحسن صورة يسرح في ثمار الجنّة وأنهارها، ويقول لي: ألحق بنا ترافقنا في الجنّة، وقد كبرت سنّي، ورقّ عظمي، وأحببت لقاء ربّي، فادع اللّه أن يرزقني الشهادة.

فدعا له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بذلك، فقاتل بين يديه حتى قتل باُحد شهيداً.

غسيل الملائكة:

وكان حنظلة غسيل الملائكة رجل من الخزرج تزوّج في الليلة التي كانت صبيحتها حرب اُحُد، فلما أصبح خرج ولم يغتسل وحضر القتال.

فالتقى بأبي سفيان بن حرب وهو يجول بين العسكر، فحمل عليه فضرب عرقوب فرسه، فاكتسعت الفرس وسقط أبو سفيان إلى الأرض فصاح: يا معشر قريش أنا أبو سفيان وهذا حنظلة يريد قتلي، ثم عدا يركض نحو قومه وحنظلة في طلبه.

فعرض له شداد بن الأسود الليثي فطعنه، فمشى حنظلة في طعنته فضرب الليثي فقتله، وسقط حنظلة إلى الأرض بين حمزة وعمرو بن الجموح وعبداللّه بن حزام، وجماعة من الأنصار.

فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): رأيت الملائكة تغسل حنظلة بين السماء والأرض بماء المزن في صحاف من ذهب، فكان يسمّى (غسيل الملائكة) لأنه خرج من عند زوجته إلى القتال مسرعاً ولم يغتسل من جنابته.

وقال أبو سفيان : حنظلة هذا بحنظلة وهو يقصد ابنه حنظلة الذي قتل ببدر.

عين قتادة:

وكان ممّن شهد اُحُد وقاتل دون رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) قتادة بن النعمان، فأصيبت عينه حتى وقعت على وجنته، فأخذها بيده وجاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: يا رسول اللّه اني جديد عهد بالزواج وامرأتي شابة اُحبّها وتحبّني وأنا أخشى أن تكرهني مكان عيني.

فأخذها رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فردّها إلى مكانها، فأبصرت وعادت كما كانت لم تؤلمه ساعة من ليل ولا نهار.

فكان يقول بعد أن كبر وطعن في السنّ: هي أقوى عينيَّ، وكانت أحسنهما.

يد ابن عتيك:

وكان ممّن شهد اُحُد وأبلى مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بلاءاً حسناً عبداللّه بن عتيك فأصيب يده فاُبينت، فأخذها وجاء بها إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) واشتكى له ما يلقاه من ألمها.

فأخذها رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وأركبها في محل قطعها ومسح عليها بيده الكريمة، فاستوت يد عبداللّه كأن لم يكن بها شيء.

نيف وسبعون جراحة:

قال أنس بن مالك : اُتي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بعلي (عليه السلام) يوم اُحُد وعليه نيف وسبعون جراحة من طعنة وضربة ورمية، فجعل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يمسحها وهي تلتئم بإذن اللّه تعالى، كأن لم تكن.

وقيل: انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أخذ الماء بفمه فرشّه على جراحاته، فكأنّها لم تكن من وقتها.

المتجرئون على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله):

ورمى ابن قميئة الليثي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بقذافة فأصاب كفّه، وضربه عتبة بن أبي وقاص بالسيف حتى أدمى فاه، ورماه عبداللّه بن شهاب بقلاعة فأصاب مرفقه، وليس أحد من هؤلاء مات ميتة سوية:

فأما ابن قميئة، فقد سلّط اللّه عليه الشجر، فكان إذا مرّ بها وقع في وسطها فتأخذ من لحمه، فلم يزل كذلك حتى صار مثل الصرّ ومات.

وقيل: انه أتاه تيس جبل وهو نائم بنجد، فوضع قرنه في مراقّ ثم دعسه فجعل ينادي: واذلاّه حتى أخرج قرنيه من ترقوته ومات.

وأما عتبة بن أبي وقاص فمات على كفره قبل أن يحول عليه الحول، وكذلك كان مصير ابن شهاب.

ورمى المغيرة بن العاص رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بحجر فأصاب جبهته (صلى الله عليه وآله)، فضرب اللّه المغيرة بالتحيّر، فلما انكشف الناس تحيّر فلحقه عمار بن ياسر فقتله.

مع اُبيّ بن خلف:

وروي : ان اُبيّ بن خلف قال للنبي (صلى الله عليه وآله) بمكة : انه يعلف فرساً له ليقتله يوماً عليها.

فقال له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): لكن أنا إن شاء اللّه تعالى.

فأقبل اُبي يوم اُحد على فرسه وحمل على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وكان الرسول بين الحارث بن صمّة وسهل بن حنيف، فوقاه مصعب بن عمير بنفسه، فطعن مصعباً فقتله.

فأخذ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) عنزة كانت في يد سهل بن حنيف ثم طعن اُبيّاً في جرّبان الدرع، فاعتنق فرسه وانتهى إلى عسكره وهو يخور خوار الثور.

فقال له أبو سفيان: ويلك ما أجزعك؟ انما هو خدش ليس بشيء.

فقال: ويلك يا ابن حرب أتدري من طعنني؟ انما طعنني محمد وهو قال لي بمكة: اني سأقتلك، فعلمت انه قاتلي، واللّه لو انّ ما بي كان بجميع أهل الحجاز لقضت عليهم، فلم يزل يخور حتى مات.

نماذج من الصحابة المؤمنين:

فلما سكن القتال قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): من يطلب لنا سعد بن الربيع، وأشار بيده إلى موضع من المعركة.

فجاء رجل نحو الموضع يطلبه، فرآه صريعاً بين القتلى.

فقال: يا سعد، فلم يجبه، حتى قال له: يا سعد إنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يسأل عنك.

فرفع سعد رأسه وانتعش كما ينتعش الفرخ، ثم قال بصوت ضعيف: انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لحيّ؟

فقال له: نعم.

قال سعد: الحمد للّه، أبلغه عنّي السلام، وأبلغ قومي الأنصار عنّي السلام وقل لهم: واللّه ما لكم عند اللّه عذر ان تشوك رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) شوكة وفيكم عين تطرف، ثم تنفّس فخرج منه مثل دم الجزور وقضى نحبه شهيداً.

فجاء الرجل وأخبر بذلك رسول اللّه.

فقال (صلى الله عليه وآله): (رحم اللّه سعداً نصرنا حيّاً، وأوصى بنا ميتاً).

يوم بلاء وتمحيص:

ولما انكشف المسلمون يوم اُحد وانهزموا أصاب فيهم العدو، فكان يوم بلاء وتمحيص أكرم اللّه فيه من أكرم بالشهادة، وقد خلص العدو إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فدُق بالحجارة حتى شج في وجهه وكلمت شفته السفلى، وكادوا أن يقتلوه (صلى الله عليه وآله) لولا حفظ اللّه تعالى له، فقام رافعاً يديه إلى السماء وهو يقول: (إنّ اللّه اشتدّ غضبه على اليهود حين قالوا: عزير ابن اللّه، واشتدّ غضبه على النصارى ان قالوا: المسيح ابن اللّه، وان اللّه اشتدّ غضبه على من أراق دمي، وآذاني في عترتي).

وفي الحديث: انه كلما سال الدم على وجهه المبارك (صلى الله عليه وآله) تناوله بيده فرمى به في الهواء، فلا يرجع منه شيء.

قال أبو عبداللّه (عليه السلام): واللّه لو سقط منه شيء على الأرض لنزل العذاب.

وقيل له (صلى الله عليه وآله): ألا تدعو عليهم؟

فقال (صلى الله عليه وآله): (اللّهمّ اهد قومي فإنّهم لا يعلمون).

ثم كان يقول (صلى الله عليه وآله) أسفاً عليهم: (كيف يفلح قوم خضّبوا وجه نبيّهم بالدم وهو يدعوهم إلى اللّه)؟

رجل من أهل الجنّة:

وقيل : انه لما شج (صلى الله عليه وآله) في وجهه واختضبت وجنتاه بالدم، أقبل مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري فامتصّ الدم من وجنة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فاستساغه ولم يمجّه.

فقال (صلى الله عليه وآله) له: مجّه.

فقال: واللّه لا أمجّه أبداً حتى يمتزج بلحمي ودمي فأكون عند اللّه من الفائزين بك.

ثم أدبر يقاتل، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا، فقاتل، فقتل شهيداً.

ابليس ينتهز الفرصة:

وكان ممّن قاتل دون رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) حتى قُتل: مصعب بن عمير، وكان الذي قتله ابن قمئة وهو يظنه رسول اللّه، فصاح ابن قمئة: قتلت محمداً.

وصرخ الشيطان: ان محمداً قد قتل، فوقع ذلك في قلوب كثير من المسلمين.

فقال بعضهم: نقاتل على ما قاتل عليه حتى نلحق به.

وقال آخرون: لو كان نبياً لما قتل، وارتد بعضهم، وانهزم بعضهم، وقال بعضهم: لو أرسلنا إلى أبي سفيان من يأخذ لنا أماناً منه، وبعضهم جلسوا وألقوا بأيديهم.

فمرّ أنس بن النضر بقوم قد ألقوا بأيديهم فقال: يا قوم ما تنتظرون؟

فقالوا: قتل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله).

قال: فما تصنعون بالحياة بعده، قوموا فقاتلوا على ما قاتل عليه، وموتوا على ما مات عليه.

ثم استقبل الناس ، ولقي سعد بن معاذ فقال: يا سعد اني لأجد ريح الجنّة من دون اُحد.

ثم استقبل المشركين وقال: اللّهم إنّي أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني بعض المسلمين، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء يعني المنافقين، ثم شدّ بسيفه فقاتل حتى قتل.

المسلمون يثوبون:

ثم أقبل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) نحو المسلمين، وكان أول من عرفه كعب بن مالك الشاعر، فنادى بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أبشروا، هذا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله).

فأشار إليه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أن اصمت، فانحازت إليه طائفة من أصحابه، فلامهم النبي (صلى الله عليه وآله) على الفرار.

فقالوا : يا رسول اللّه فديناك بآبائنا واُمهاتنا أتانا الخبر بأنك قتلت، فرعبت قلوبنا فولّينا مدبرين، فأنزل اللّه تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].

وقيل : نزلت هذه الآية عندما رجع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) من اُحد إلى المدينة، فاستقبله أهلها بأجمعهم وهم يبكون ويطلبون التوبة ويقرّون بالذنب، ونساء الأنصار قد خدشن الوجوه، ونشرن الشعور، وجززن النواصي، وخرقن الجيوب، وحزمن البطون على النبي (صلى الله عليه وآله)، فلمّا رأينه قال لهنّ خيراً وأمرهنّ أن يتستّرن ويدخلن منازلهنّ، وقال: ان اللّه عزوجل وعدني أن يظهر دينه على الأديان كلها، ثم قال لهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله):

(أيها الناس انكم رغبتم بأنفسكم عنّي، ووازرني علي وواساني، فمن اطاعه فقد أطاعني، ومن عصاه فقد عصاني وفارقني في الدنيا والآخرة).

صاحب المهراس:

... أقبل علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقد ملأ درقته بماء من المهراس فجاء به رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ليشرب منه، ثم غسل به عن وجهه الدم، وإليه يشير قول علي (عليه السلام) يوم الشورى: (نشدتكم باللّه هل فيكم أحد وقفت الملائكة معه يوم اُحد حين ذهب الناس غيري؟ قالوا: لا. قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد سقى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) من المهراس غيري؟ قالوا لا).

وعن سهل: انه سئل عن جرح رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فقال: واللّه إني لأعرف من كان يغسل جرح رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ومن كان يسكب الماء؟

كانت فاطمة ابنته تغسله وعلي بن أبي طالب يسكب الماء، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها فاستمسك الدم.

الصلاة في زوال اُحد:

وذكر مولى عفرة: ان النبي (صلى الله عليه وآله) صلّى الظهر يوم اُحد قاعداً من الجراح، وكذلك صلّى المسلمون خلفه قعوداً من شدة ما بهم، وقد انهزم قوم من المسلمين يومئذ فبلغ بعضهم إلى الحلوب دون الأعوص.

فلمّا قدموا بعد ثلاثة أيام من هزيمتهم قال لهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): إلى أين انتهيتم؟

قالوا : إلى الأعوص.

قال: لقد ذهبتم فيها عريضة، أي: واسعة.

دأب بني اُمية وأتباعهم:

ولما انكشف المسلمون عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) اشتغل المشركون ونساؤهم بقتلى المسلمين يمثلون بهم ويقطعون الآذان والاُنوف وغيرها، ويبقرون البطون، ويستخرجون منها الأكباد والكلى.. فلما تتبّع المسلمون قتلاهم لم يجدوا قتيلاً إلاّ وقد مثلوا به، إلاّ حنظلة غسيل الملائكة، فإنّ أباه وهو أبو عامر الراهب الذي سماه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أبو عامر الفاسق وهو صاحب مسجد ضرار، كان مع المشركين فترك له، وكان حمزة عم النبي (صلى الله عليه وآله) أكثر من مثّل به من بين القتلى.

خاتمة القتال:

ولما قتل جمع من المسلمين وفرّ آخرون، واضطربت الصفوف وتداخلت، جَمَع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) من بقي معه من المسلمين ثم حمل هو (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) والمسلمون معه حملة رجل واحد على القوم، فانهزم المشركون وتشتّت أمرهم وانصرفوا إلى مكة ولم يصلوا إلى ما أرادوا من قتل الرسول (صلى الله عليه وآله) وابادة المسلمين، فكان النصر أخيراً للمسلمين وإن قتل منهم جمع كثير.

هتافات متقابلة:

ولما أراد أبو سفيان الانصراف أشرف على الجبل، ثم صرخ بأعلى صوته: انعمت فعال، ان الأيام دول، وان الحرب سجال، يوم بيوم بدر.

فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): ألا تجيبونه؟

قالوا: يا رسول اللّه ما نقول؟

قال (صلى الله عليه وآله): قولوا: لا سواء، قتلانا في الجنّة وقتلاكم في النار.

فقال أبو سفيان : لنا العزّى ولا عزّى لكم.

فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): ألا تجيبونه؟

قالوا: يا رسول اللّه ما نقول؟

قال (صلى الله عليه وآله): قولوا: اللّه مولانا ولا مولى لكم.

فقال أبو سفيان : اعل هبل.

فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): ألا تجيبونه؟ قولوا: اللّه أعلى وأجلّ.

ولما انصرف أبو سفيان ومن معه نادى: أحيّ ابن أبي كبشة؟ فأما ابن أبي طالب فقد رأيناه مكانه.

فقال له علي (عليه السلام): أي والذي بعثه بالحقّ انه (صلى الله عليه وآله) ليسمع كلامك.

فقال أبو سفيان : لعن اللّه ابن قمئة زعم انه قتل محمداً، ثم قال: انه قد كانت في قتلاكم مُثلة، وانّ موعدنا وموعدكم بدراً في العام القابل.

فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): قل نعم، هو بيننا وبينكم موعد.

استطلاع أخبار القوم:

ثم بعث رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقال: اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون وماذا يريدون؟ فإن كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة، وإن كانوا ركبوا الخيل وساقوا الإبل فهم يريدون المدينة، والذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها ثم لاُناجزنهم.

قال علي (عليه السلام): فخرجت في أثرهم أنظر ما يصنعون، فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل وتوجهوا إلى مكة، فلما وقع نظر أبي سفيان على علي (عليه السلام) قال له: يا علي ما تريد هو ذا نحن ذاهبون إلى مكة، فانصرف إلى صاحبك فأخبره.

فأتبعهم جبرئيل (عليه السلام)، فكلّما سمعوا حافر فرسه جدّوا في السير، وكان يتلوهم فإذا ارتحلوا قالوا: هو ذا عسكر محمد قد أقبل، ومازالوا كذلك حتى دخلوا مكة منهزمين ومرعوبين.

انّ اللّه بالغ أمره:

وروي : انه لما انصرف أبو سفيان ومن معه من غزاة اُحد وبلغوا الروحاء، ندموا على انصرافهم عن المسلمين وتلاوموا فقالوا: لا محمداً قتلتم، ولا الكواعب أردفتم، قتلتموهم حتى إذا لم يبق إلا الشريد تركتموهم، ارجعوا فاستأصلوهم.

فبلغ ذلك الخبر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فأراد أن يرهب العدوّ ويريهم من نفسه وأصحابه قوّة، فندب أصحابه للخروج في طلب أبي سفيان وقال: (ألا عصابة تشدّد لأمر اللّه تطلب عدوّها، فإنها انكاء للعدوّ وأبعد للسمع) فانتدب عصابة منهم مع ما بهم من القرح والجرح الذي أصابهم يوم اُحُد وامتثلوا ما أمرهم به.

مدفن الشهداء:

ولما وضعت الحرب أوزارها يوم اُحد، حمل كل واحد قتيله على جمل ليدفنوهم في المدينة، فكانوا كلما توجّهوا بهم نحو المدينة بركت الجمال، وإذا توجّهوا بهم نحو المعركة أسرعت.

فشكوا ذلك إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فقال: ألم تسمعوا قول اللّه تعالى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران: 154] فأرجعهم (صلى الله عليه وآله) إلى مكانهم ودفنهم بثيابهم الملطّخة بالدماء كل رجلين في قبر ـ على رواية ـ الاّ حمزة (عليه السلام) فإنه دفن وحده.

على مشارف المدينة:

ثم انصرف المسلمون مع النبي (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة، فاستقبلته فاطمة(عليه السلام) ومعها اناء فيه ماء، فغسل به وجهه، فلمّا رأته فاطمة(عليه السلام) قد شجّ في وجهه واُدمي فوه ادماءاً بكت(عليه السلام) وجعلت تمسح الدم وتقول: اشتد غضب اللّه على من أدمى وجه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله).

وكان معه (صلى الله عليه وآله) علي (عليه السلام) وقد خضب الدم يده إلى كتفه، ومعه ذو الفقار، فناوله فاطمة(عليه السلام) وقال لها: خذي هذا السيف فقد صدقني اليوم، وأنشأ يقول:

أفاطم هاك السيف غير ذميم فلست برعديد ولا بمليم

لعمري لقد أعذرت في نصر أحمد وطاعة ربٍ بالعباد عليم

اميطي دماء القوم عنه فإنه سقى آل عبد الدار كأس حميم

وقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) : خذيه يا فاطمة فقد أدّى بعلك ما عليه، وقد قتل اللّه بسيفه صناديد قريش.

مع ابنة جحش:

فلما ارتحل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ودخل المدينة، استقبلته النساء يولولن ويبكين، فاستقبلته زينب بنت جحش، فقال لها رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): احتسبي.

فقالت: من يا رسول اللّه؟

قال (صلى الله عليه وآله): أخاك.

قالت: (إنّا للّه وإنّا إليه راجعون) هنيئاً له الجنّة.

ثم قال (صلى الله عليه وآله) لها: احتسبي.

فقالت: من يا رسول اللّه؟

قال (صلى الله عليه وآله) : حمزة بن عبدالمطلب.

قالت: (إنّا للّه وإنّا إليه راجعون) هنيئاً له الشهادة.

ثم قال لها : احتسبي.

فقالت: من يا رسول اللّه؟

قال (صلى الله عليه وآله) : زوجك مصعب بن عمير.

قالت : واحزناه.

فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) : انّ للزوج عند المرأة لحدّاً ما لأحد مثله.

فقيل لها: لم قلت ذلك في زوجك؟

قالت: ذكرت يتم ولده.

النساء المخلصات:

وكانت امرأة من بني النجار قتل أبوها وزوجها وأخوها مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، فدنت من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) والمسلمون قيام على رأسه، فقالت لرجل متسائلة بتلهّف: أحيّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)؟

قال : نعم.

قالت وهي مستبشرة: أستطيع أن أنظر إليه؟

قال : نعم.

فأوسعوا لها، فدنت منه (صلى الله عليه وآله) وقالت: كل مصيبة جلل بعدك يا رسول اللّه، ثم انصرفت.

البكاء على حمزة:

ولما انصرف رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة بعد أن صلّى على القتلى ودفنهم بثيابهم ودمائهم، مرّ بدور في المدينة، فسمع بكاء النوائح على قتلاهنّ، فترقرقت عينا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بالدموع وبكى ثم قال: لكن حمزة لا بواكي له.

فلمّا سمعها سعد بن معاذ واسيد بن حضير قالا: لا تبكينّ امرأة حميمها حتى تأتي فاطمة(عليه السلام) فتسعدها بالبكاء.

فلما سمع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) الواعية على حمزة وهو عند فاطمة(عليه السلام) على باب المسجد قال: ارجعن يرحمكنّ اللّه فقد آسيتنّ بأنفسكنّ .

غزوة حمراء الأسد:

ولما وافى اليوم الثاني من انتهاء معركة اُحد، أذّن مؤذّن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في الطلب للعدو، وعهد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أن لا يخرج معه أحد إلا من حضر المعركة يوم اُحد، حيث قال : ألا لا يخرجنّ معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس، ألا من كانت به جراحة فليخرج، ومن لم تكن به جراحة فليقم.

فخرج معه سبعون رجلاً ممّن أثقلهم الجراح وهم يأملون أن لا تفوتهم غزوة مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله).

وقدّم (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) بين يديه براية المهاجرين، واستأذنه جابر بن عبداللّه في أن يفسح له في الخروج معه، ففسح له في ذلك، فخرجوا على ما بهم من الجهد والجراح، وإنما خرج (صلى الله عليه وآله) مرهباً للعدوّ ومتجلّداً، وذلك بعد أن استخلف على المدينة ابن اُمّ مكتوم، فبلغ حمراء الأسد، وهي على ثمانية أميال من المدينة.

وهناك مرّ برسول اللّه (صلى الله عليه وآله) معبد بن أبي معبد الخزاعي، وكانت خزاعة عيبة نصح لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله) مسلمهم وكافرهم، لا يخفون عليه شيء، ومعبد يومئذ مشرك. فقال : يا محمد، أما واللّه لقد عزّ علينا ما أصابك في أصحابك، ولوددنا أن اللّه عافاك فيهم.

ثم خرج معبد من عند رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) حتى لقي أبا سفيان ومن معه بالروحاء وقد أجمعوا على الرجعة إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وأصحابه وهم يقولون: أصبنا جلّ أصحابه وقادتهم وأشرافهم، ثم رجعنا قبل أن نستأصلهم؟ فلنكرنّ على بقيتهم فلنفرغن منهم.

فلما رأى أبو سفيان معبداً، قال: ما وراءك يا معبد؟

قال: محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط، يتحرّقون عليكم تحرّقاً، وقد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم وندموا على ما ضيّعوا وفيهم من الحنق عليكم ما لم أر مثله قط.

قال : ويلك ما تقول؟

قال: واللّه ما أراك ترتحل حتى ترى نواصي الخيل.

فساء ذلك أبا سفيان ومن معه، ووقع في قلوبهم الرعب مما دعاهم إلى الإنصراف عما عزموا عليه، والرجوع إلى مكة.

هذا ورسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لما نزل بحمراء الأسد أمر أصحابه في الليل بأن يوقدوا حولهم نيراناً كثيرة، فأوقدوا خمسمائة نار كانت ترى من بعيد.

فتصوّر المشركون ان النبي (صلى الله عليه وآله) يقفوا أثرهم في عدد عظيم من أصحابه، فتشاوروا فيما بينهم ثم عزموا على الإنصراف إلى مكة.

وأقام رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بأصحابه هناك ثلاثة أيام، فلما اطمئنّوا من انصراف المشركين عن الكرّة عليهم رجعوا إلى المدينة فوصلوها يوم الجمعة بعد أن غابوا عنها خمسة أيّام.

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).