المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4870 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01
المختلعة كيف يكون خلعها ؟
2024-11-01
المحكم والمتشابه
2024-11-01



لا دليل على التقية في القرآن والسنة  
  
385   08:23 صباحاً   التاريخ: 18-11-2016
المؤلف : الشيخ جعفر السبحاني
الكتاب أو المصدر : أضواء على عقائد الشيعة الإمامية وتاريخهم
الجزء والصفحة : ص409-417
القسم : العقائد الاسلامية / شبهات و ردود / التقية /

[الجواب]

شرعت التقية بنص القرآن الكريم حيث وردت جملة من الآيات الكريمة ( 1 ) سنحاول استعراضها في الصفحات التالية :

الآية الأولى : قال سبحانه : {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106] ترى أنه سبحانه يجوز إظهار الكفر كرها ومجاراة للكافرين خوفا منهم ، بشرط أن يكون القلب مطمئنا بالإيمان ، وصرح بذلك لفيف من المفسرين القدامى والجدد ، سنحاول أن نستعرض كلمات البعض منهم تجنبا عن الإطالة والإسهاب ، ولمن يبتغي المزيد فعليه بمراجعة كتب التفسير المختلفة :

1 - قال الطبرسي : قد نزلت الآية في جماعة أكرهوا على الكفر ، وهم عمار وأبوه ياسر وأمه سمية ، وقتل الأبوان لأنهما لم يظهرا الكفر ولم ينالا من النبي ، وأعطاهم عمار ما أرادوا منه ، فأطلقوه ، ثم أخبر عمار بذلك رسول الله ، وانتشر خبره بين المسلمين ، فقال قوم : كفر عمار ، فقال الرسول : " كلا إن عمارا مليء إيمانا من قرنه إلى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه " . وفي ذلك نزلت الآية السابقة ، وكان عمار يبكي ، فجعل رسول الله يمسح عينيه ويقول : " إن عادوا لك فعد لهم بما قلت " ( 2 ) .

2 - وقال الزمخشري : روي أن أناسا من أهل مكة فتنوا فارتدوا عن الإسلام بعد دخولهم فيه ، وكان فيهم من أكره وأجرى كلمة الكفر على لسانه وهو معتقد للإيمان ، منهم عمار بن ياسر وأبواه : ياسر وسمية ، وصهيب وبلال وخباب . أما عمار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها . ..( 3 ) .

3 - وقال الحافظ ابن ماجة : " والإيتاء : معناه الإعطاء أن وافقوا المشركين على ما أرادوا منهم تقية ، والتقية في مثل هذه الحال جائزة ، لقوله تعالى : { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ } " ( 4 ) .

4 - وقال القرطبي : قال الحسن : التقية جائزة للإنسان إلى يوم القيامة - ثم قال : - أجمع أهل العلم على أن من أكره على الكفر حتى خشى على نفسه القتل إنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان ولا تبين منه زوجته ولا يحكم عليه بالكفر ، هذا قول مالك والكوفيين والشافعي ( 5 ) .

5 - قال الخازن : " التقية لا تكون إلا مع خوف القتل مع سلامة النية ، قال الله تعالى : { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ } ثم هذه التقية رخصة " ( 6 ) .

6 - قال الخطيب الشربيني : { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ } أي على التلفظ به " وقلبه مطمئن بالإيمان " فلا شيء عليه لأن محل الإيمان هو القلب " ( 7 ) .

- وقال إسماعيل حقي : { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ } أجبر على ذلك اللفظ بأمر يخاف على نفسه أو عضو من أعضائه . . . لأن الكفر اعتقاد ، والإكراه على القول دون الاعتقاد ، والمعنى : ولكن المكره على الكفر باللسان ، { وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ } لا تتغير عقيدته ، وفيه دليل على أن الإيمان المنجي المعتبر عند الله ، هو التصديق بالقلب " ( 8 ) .

الآية الثانية : قال سبحانه : {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ } [آل عمران: 28] .

وكلمات المفسرين حول الآية تغنينا عن أي توضيح :

1 - قال الطبري : { إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً } : قال أبو العالية : التقية باللسان ، وليس بالعمل ، حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله تعالى : { إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً } قال : التقية باللسان من حمل على أمر يتكلم به وهو لله معصية فتكلم مخافة على نفسه { وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ } فلا إثم عليه ، إنما التقية باللسان ( 9 ) .

2 - وقال الزمخشري في تفسير قوله تعالى : { إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً } : رخص لهم في موالاتهم إذا خافوهم ، والمراد بتلك الموالاة : مخالفة ومعاشرة ظاهرة ، والقلب مطمئن بالعداوة والبغضاء وانتظار زوال المانع ( 10 ) .

3 - قال الرازي في تفسير قوله تعالى : { إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً } : المسألة الرابعة : اعلم : أن للتقية أحكاما كثيرة ونحن نذكر بعضها :

أ : إن التقية إنما تكون إذا كان الرجل في قوم كفار ، ويخاف منهم على نفسه ، وماله ، فيداريهم باللسان ، وذلك بأن لا يظهر العداوة باللسان ، بل يجوز أيضا أن يظهر الكلام الموهم للمحبة والموالاة ، ولكن بشرط أن يضمر خلافه وأن يعرض في كل ما يقول ، فإن للتقية تأثيرها في الظاهر لا في أحوال القلوب .

ب : التقية جائزة لصون النفس ، وهل هي جائزة لصون المال ؟ يحتمل أن يحكم فيها بالجواز لقوله ( صلى الله عليه وآله ) : " حرمة مال المسلم كحرمة دمه " ولقوله ( صلى الله عليه وآله ) : " من قتل دون ماله فهو شهيد " ( 11 ) .

4 - وقال النسفي : { إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً } إلا أن تخافوا جهتهم أمرا يجب اتقاؤه ، أي ألا يكون للكافر عليك سلطان ، فتخافه على نفسك ومالك ، فحينئذ يجوز لك إظهار الموالاة وإبطان المعاداة ( 12 ) .

5 - وقال الآلوسي : وفي الآية دليل على مشروعية التقية ، وعرفوها بمحافظة النفس أو العرض أو المال من شر الأعداء . والعدو قسمان :

الأول : من كانت عداوته مبنية على اختلاف الدين ، كالكافر والمسلم .

الثاني : من كانت عداوته مبنية على أغراض دنيوية ، كالمال والمتاع والملك والإمارة ( 13 ).

6 - وقال جمال الدين القاسمي : ومن هذه الآية : { إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً } استنبط الأئمة مشروعية التقية عند الخوف ، وقد نقل الإجماع على جوازها عند ذلك الإمام مرتضى اليماني في كتابه " إيثار الحق على الخلق " ( 14 ) .

7 - وفسر المراغي قوله تعالى : { إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً } بقوله : أي ترك موالاة المؤمنين للكافرين حتم لازم في كل حال إلا في حال الخوف من شيء تتقونه منهم ، فلكم حينئذ أن تتقوهم بقدر ما يبقى ذلك الشيء ، إذ القاعدة الشرعية " إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح " .

وإذا جازت موالاتهم لاتقاء الضرر فأولى أن تجوز لمنفعة المسلمين ، إذا فلا مانع من أن تحالف دولة إسلامية دولة غير مسلمة لفائدة تعود إلى الأولى إما بدفع ضرر أو جلب منفعة ، وليس لها أن تواليها في شيء يضر المسلمين ، ولا تختص هذه الموالاة بحال الضعف ، بل هي جائزة في كل وقت . وقد استنبط العلماء من هذه الآية جواز التقية بأن يقول الإنسان أو يفعل ما يخالف الحق ، لأجل التوقي من ضرر يعود من الأعداء إلى النفس ، أو العرض ، أو المال . فمن نطق بكلمة الكفر مكرها وقاية لنفسه من الهلاك ، وقلبه مطمئن بالإيمان ، لا يكون كافرا بل يعذر كما فعل عمار بن ياسر حين أكرهته قريش على الكفر فوافقها مكرها وقلبه مطمئن بالإيمان وفيه نزلت الآية : { مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ } (15) .

هذه الجمل الوافية والعبارات المستفيضة لا تدع لقائل مقالا إلا أن يحكم بشرعية التقية بالمعنى الذي عرفته ، بل قد لا يجد أحد مفسرا أو فقيها وقف على مفهومها وغايتها يتردد في الحكم بجوازها ، كما أنك أخي القارئ لا تجد إنسانا واعيا لا يستعملها في ظروف عصيبة ، ما لم تترتب عليها مفسدة عظيمة ... وإنما المعارض لجوازها أو المغالط في مشروعيتها ، فإنما يفسرها بالتقية الرائجة بين أصحاب التنظيمات السرية والمذاهب الهدامة كالنصيرية والدروز ، والباطنية كلهم ، إلا أن المسلمين جميعا بريئون من هذه التقية الهدامة لكل فضيلة رابية .

الآية الثالثة : قال تعالى : { وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } [غافر : 28] .

وكانت عاقبة أمره أن : {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ } [غافر: 45] . وما كان ذلك إلا لأنه بتقيته استطاع أن ينجي نبي الله من الموت : {قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ } [القصص: 20] .

وهذه الآيات تدل على جواز التقية لإنقاذ المؤمن من شر عدوه الكافر .

اتقاء المسلم من المسلم في ظروف خاصة إن مورد الآيات وإن كان هو اتقاء المسلم من الكافر، ولكن المورد ليس بمخصص لحكم الآية فقط ، إذ ليس الغرض من تشريع التقية عند الابتلاء بالكفار إلا صيانة النفس والنفيس من الشر ، فإذ ابتلي المسلم بأخيه المسلم الذي يخالفه في بعض الفروع ولا يتردد الطرف القوي عن إيذاء الطرف الآخر ، كأن ينكل به أو ينهب أمواله أو يقتله، ففي تلك الظروف الحرجة يحكم العقل السليم بصيانة النفس والنفيس عن طريق كتمان العقيدة واستعمال التقية ، ولو كان هناك وزر إنما يتوجه على من يتقى منه لا على المتقي ، فلو سادت الحرية جميع الفرق الإسلامية ، وتحملت كل فرقة آراء الفرقة الأخرى بصدر رحب ، وفهمت بأن ذلك هو قدر اجتهادها ، لم يضطر أحد من المسلمين إلى استخدام التقية ، ولساد الوئام مكان النزاع .

وقد فهم ذلك لفيف من العلماء وصرحوا به ، وإليك نصوص بعضهم :

1 - يقول الإمام الرازي في تفسير قوله سبحانه : { إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً } ظاهر الآية على أن التقية إنما تحل مع الكفار الغالبين ، إلا أن مذهب الشافعي - رضي الله عنه - : أن الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والكافرين حلت التقية محاماة عن النفس .

وقال : التقية جائزة لصون النفس ، وهل هي جائزة لصون المال ؟ يحتمل أن يحكم فيها بالجواز لقوله ( صلى الله عليه وآله ) : " حرمة مال المسلم كحرمة دمه " وقوله ( صلى الله عليه وآله): " من قتل دون ماله فهو شهيد " ( 16 ) .

2 - ينقل جمال الدين القاسمي عن الإمام مرتضى اليماني في كتابه " إيثار الحق على الخلق " ما هذا نصه : " وزاد الحق غموضا وخفاء أمران : أحدهما : خوف العارفين - مع قلتهم - من علماء السوء وسلاطين الجور وشياطين الخلق مع جواز التقية عند ذلك بنص القرآن ، وإجماع أهل الإسلام ، وما زال الخوف مانعا من إظهار الحق ، ولا برح المحق عدوا لأكثر الخلق ، وقد صح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال في ذلك العصر الأول : " حفظت من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعاءين ، أما أحدهما فبثثته في الناس ، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم " ( 17 ) .

3 - وقال المراغي في تفسير قوله سبحانه : { مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ } : ويدخل في التقية مداراة الكفرة والظلمة والفسقة ، وإلانة الكلام لهم ، والتبسم في وجوههم ، وبذل المال لهم ، لكف أذاهم وصيانة العرض منهم ، ولا يعد هذا من الموالاة المنهي عنها ، بل هو مشروع ، فقد أخرج الطبراني قوله ( صلى الله عليه وآله ) : " ما وقى المؤمن به عرضه فهو صدقة " ( 18 ) .

إن الشيعة تتقي الكفار في ظروف خاصة لنفس الغاية التي لأجلها يتقيهم السني ، غير أن الشيعي ولأسباب لا تخفى ، يلجأ إلى اتقاء أخيه المسلم لا قصور في الشيعي ، بل في أخيه الذي دفعه إلى ذلك ، لأنه يدرك أن الفتك والقتل مصيره إذا صرح بمعتقده الذي هو موافق لأصول الشرع الإسلامي وعقائده ، نعم كان الشيعي وإلى وقت قريب يتحاشى أن يقول : إن الله ليس له جهة ، أو إنه تعالى لا يرى يوم القيامة ، وإن المرجعية العلمية والسياسية لأهل البيت بعد رحيل النبي الأكرم ، أو إن حكم المتعة غير منسوخ ، فإن الشيعي إذا صرح بهذه الحقائق - التي استنبطت من الكتاب والسنة - سوف يعرض نفسه ونفيسه للمهالك والمخاطر . وقد مر عليك كلام الرازي وجمال الدين القاسمي والمراغي الصريح في جواز هذا النوع من التقية ، فتخصيص التقية بالتقية من الكافر فحسب جمود على ظاهر الآية وسد لباب الفهم ، ورفض للملاك الذي شرعت لأجله التقية ، وإعدام لحكم العقل القاضي بحفظ الأهم إذا عارض المهم .

والتاريخ بين أيدينا يحدثنا بوضوح عن لجوء جملة معروفة من كبار المسلمين إلى التقية في ظروف عصيبة أوشكت أن تودي بحياتهم وبما يملكون ، وخير مثال على ذلك ما أورده الطبري في تاريخه ( 7 : 195 - 206 ) عن محاولة المأمون دفع وجوه القضاة والمحدثين في زمانه إلى الإقرار بخلق القرآن قسرا حتى وإن استلزم ذلك قتل الجميع دون رحمة ، ولما أبصر أولئك المحدثون حد السيف مشهرا عمدوا إلى مصانعة المأمون في دعواه وأسروا معتقدهم في صدورهم ، ولما عوتبوا على ما ذهبوا إليه من موافقة المأمون ، برروا عملهم بعمل عمار بن ياسر حين أكره على الشرك وقلبه مطمئن بالإيمان ، والقصة شهيرة وصريحة في جواز اللجوء إلى التقية التي دأب البعض على التشنيع فيها على الشيعة ، وكأنهم هم الذين ابتدعوها من بنات أفكارهم دون أن تكون لها قواعد وأصول إسلامية ثابتة ومعلومة .

_________________

( 1 ) غافر : 28 و 45 ، القصص : 20.

( 2 ) الطبرسي ، مجمع البيان 3 : 388 .

( 3 ) الزمخشري ، الكشاف عن حقائق التنزيل 2 : 430 .

( 4 ) ابن ماجة ، السنن 1 : 53 ، شرح حديث رقم 150 .

( 5 ) القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن 4 : 57 .

( 6 ) تفسير الخازن 1 : 277 .

( 7 ) الخطيب الشربيني : السراج المنير في تفسير الآية .

( 8 ) إسماعيل حقي : تفسير روح البيان 5 : 84 .

( 9 ) الطبري ، جامع البيان 3 : 153 .

( 10 ) الزمخشري ، الكشاف 1 : 422 .

( 11 ) مفاتيح الغيب 8 : 13 .

( 12 ) النسفي ، التفسير بهامش تفسير الخازن 1 : 277 .

( 13 ) الآلوسي ، روح المعاني 3 : 121 .

( 14 ) جمال الدين القاسمي ، محاسن التأويل 4 : 82 .

( 15) تفسير المراغي 3 : 136 .

( 16 ) الرازي ، مفاتيح الغيب 8 : 13 في تفسير الآية .

( 17 ) جمال الدين القاسمي ، محاسن التأويل : 4 : 82 .

( 18 ) مصطفى المراغي ، التفسير 3 : 136 .




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.