أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-4-2021
1848
التاريخ: 16-11-2016
1404
التاريخ: 9-4-2021
2798
التاريخ: 7-4-2021
4591
|
ذكر خلافة معاوية بن أبي سفيان
وبويع معاوية في شوال سنة إحدى وأربعين، ببيت المقدس، فكانت أيامه تسع عشرة سنة وثمانية أشهر، وتوفي في رجب سنة إحدى وستين، وله ثمانون سنة، ودُفن بدمشق بباب الصغير، وقبره يُزِار إلى هذا الوقت - وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة - وعليه بيت مبني يفتح كل يوم اثنين وخميس.
ذكر لمع من أخباره وسيره ونوادر من بعض أفعاله:
مقتل حجر الكندي
وفي سنة ثلاث وخمسين قَتَلَ معاوية حجر بن عدي الكِنْدِيَّ، وهو أولى من قتل صبراً في الِإسلام: حملة زياد من الكوفة ومعه تسعةُ نَفَرِ من أصحابه من أهل الكوفة وأربعة من غيرها، فلما صار على أميال من الكَوفة يراد به دمشق أنشأت ابنته تقول، ولا عقب له من غيرها:
تَرَفَعْ أيهــــا القمـــر المنير ... لعلـــك أن رى حُجْراً يسير
يسير إلى معاوية بن حرب ... ليقتلـــه، كَـــذَا زَعَمَ الأمــير
وَيَصْلبه عَلَى بَابَيْ دمشــق ... وتأكل من مَحَـــاسِنِه النسور
تخيرت الخبائر بعــد حُجْر ... وَطَابَ لها الخورنق والسَّدِير
ألا يا حجـــر بنـــي عـدي ... تلقتــك الســـلامة وَالســــرُور
أخاف عليك ما أردى عليا ... وَشَيْخــاً في دمشــــق له زئير
ألا يا ليت حجراً مات موتاً ... ولــــم يُنْحَركمــــا نحر البَعِير
فـــإن تهلك فكــل عَمِيد قَوْم ... إلـــى هُلْكٍ مــن الدُّنْيَــا يَصِير
ولما صار إلى مرج عفراء على اثني عشر ميلاً من دمشق تقدَّم البريد بأخبارهم إلى معاوية، فبعث برجل أعْوَر، فلما أشرف على حُجْر وأصحابه قال رجل منهم: إن صدق الزَّجْر فإنه سيقتل مِنَّا النصف وينجو الباقون، فقيل له: وكيف ذلك. قال: أما ترون الرجل المقبل مُصَاباً بإحدى عينيه، فلما وصل إليهم قال لحجر: إن أمير المؤمنين قد أمرني بقتلك يا رأس الضلال ومعدن الكفر والطغيان والمتولي لأبي تراب وقتل أصحابك، إلا أن ترجعوا عن كفركم، وتلعنوا صاحبكم وتتبرؤوا منه، فقال حُجْر وجماعة ممن كان معه: إن الصبر على حد السيف لأيْسَرُ علينا مما تَدْعُونَا إليه، ثم القدوم على اللّه وعلى نبيه وعلى وصيه أحَبُّ إلينا من دخول النار، وأجاب نصف من كان معه إلى البراءة من علي، فلما قُدِّمَ حجر ليُقْتل قال: دعوني أصلي ركعتين، فجعل يطول في صلاته، فقيل له: أجَزَعاً من الموت؟ فقال: لا، ولكني ما تطهرت للصلاة قط إلا صليت، وما صليت قط أخَفَّ من هذه، وكيف لا أجزع، وإني لأرى قبراً محفوراً، وسيفاً مشهوراً وكَفَناً منشوراً، ثم تقدم فنحر، وألحق به من وافقه على قوله من أصحابه، وقيل: إن قتلهم كان في سنة خمسين.
عدي بن حاتم ومعاوية:
وذكر أن عدي بن حاتم الطائي دخل على معاوية، فقال له معاوية: ما فعلت الطرفات؟ يعني أولاك، قال: قتلوا مع علي، قال: ما أنصفك عَليّ قتل أولادك وبَقَّى أولاده، فقال عدي: ما أنْصَفْتَ عليّاً إذ قتل وبقيت بعده، فقال معاوية: أما إنه قد بقيت قطرة من دم عثمان ما يمحوها إلا دم شريف من أشراف اليمن، فقال عدي: واللهّ إن قلوبنا التي أبغضناك بها لفي صدورنا، وإن أسيافنا التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا، ولئن أدنيت إلينا من الغدر فتراً لندنيَنَّ إليك من الشر شبراً، وإن حَزَّ الحلقوم وحشرجة الحيزوم لأهْوَنُ علينا من أن نسمع المساءة في علي، فسلم السيف يا معاوية لباعث السيف، هذه كلمات حكم فاكتبوها، وأقبل على عديّ محدثاً له كأنه ما خاطبه بشيء.
بين عمرو بن عثمان وأسامة عند معاوية:
وذكر أن معاوية بن أبي سفيان تنازع إليه عمرو بن عثمان بن عفان وأسامة بن زيد مولى رسول اللّه صلى الله عليه و[آله و]سلم، في أرض، فقال عمرو؟ لأسامة: كأنك تنكرني، فقال أسامة: ما يسرني نسبك بولائي، فقام مروان بن الحكم فجلس إلى جانب عمرو بن عثمان، وقام الحسن فجلس إلى جانب أسامة، فقام سعيد بن العاص فجلس إلى جانب مروان، فقام الحسين فجلس إلى جانب الحسن، وقام عبد اللّه بن عامر فجلس إلى جانب سعيد، فقام عبد اللّه بن جعفر فجلس إلى جانب الحسين، وقام عبد الرحمن بن الحكم فجلس إلى جانب ابن عامر، فقام عبد اللّه بن العباس فجلس إلى جانب ابن جعفر، فلما رأى ذلك معاوية قال: لا تعجلوا، أنا كنت شاهداً إذا أقطعها رسولُ اللّه صلى الله عليه و[آله و]سلم، أسَامَةَ، فقام الهاشميون فخرجوا ظاهرين، وأقبل الأمويون عليه فقالوا: ألا كنت أصلحت بيننا قال: دعوني فواللّه ما ذكرت عيونهم تحت المغافر بصفين إلا لبس على عقلي، وإن الحرب أولها نجوى، وأوسطها شكوى، وآخرها بَلْوَى، وتمثل بأبيات امرىء القيس المتقدمة في هذا الكتاب في أخبار عمر رضي اللّه عنه، وأولها:
الحرب أول ما تكون فتية ... تدنو بزينتها لكل جهول
ثم قال: ما في القلوب يشب الحروب، والأمر الكبير يدفعه الأمر الصغير، وتمثل:
قد يَلحق الصغير بالجليل... وإنما القرم من الأفِيل
وتسحق النَّخْل منَ الفسيل
إلحاق زياد بأبي سفيان:
قال المسعودي: ولما هَم معاوية بإلحاق زياد بأبي سفيان أبيه - وذلك في سنة أربع وأربعين - شهد عنده زيادة بن أسماء الحرمازي ومالك بن ربيعة السلولي والمنفر بن الزبير بن العوام أن أبا سفيان أخبر أنه ابنه، وأن أبا سفيان قال لعلي عليه السلام حين ذكر زياد عند عمر بن الخطاب:
أما واللّه لولا خَوْف شخص... يراني يا عليُّ من الأعادي
لبين أمره صخر بن حرب... ولم يكن المجمجم عن زياد
ولكني أخاف صُرُوف كف ... لها نقـــم وَنَفْي عـن بلادي
فقد طالت محاولتي ثقيفَاًَ ... وتــركي فيهــــم ثمر الفؤاد
ثم زاد يقيناً إلى ذلك شهادة أبي مريم السلولي، وكان أخْبَرَ الناس ببدءِ الأمر وذلك أنه جمع بين أبي سفيان وسُمية أم زياد في الجاهلية على زنا، وكانت سُمية من ذوات الرايات بالطائف تؤدي الضريبة إلى الحارث بن كَلَحَةَ، وكانت تنزل بالموضع الذي تنزل فيه البغايا بالطائف خارجاً عن الحضر في محلة يقال لها حارة البغايا.
وكان سبب ادعاء معاوية له فيما ذكر أبو عبيدة معمر بن المثَّنى أن علياً كان وَلأَه فارس حين أخرج منها سهل بن حُنَيف، فضرب زياد ببعضهم بعضاً حتى غلب عليها، وما زال يتنقل في كُوَرِهَا حتى صلح أمر فارس، ثم وَلاه على أصطخبَ،. وكان معاوية يتهدد، ثم أخذ بُسْر بن أرطاة عبيد اللهّ وسالماً ولديه وكتب إليه يقسم ليقتلنهما إن لمِ يراجع ويدخل في طاعة معاوية وكتب معاوية إلى بُسْر ألا يعرض لأبْنيْ زياد، وكتب إلى زياد أن يدخل في طاعته وَيَرُدَّه إلى عمله، فقدم زياد على معاوية، فصالحه على مال وحلي، ودعاه معاوية إلى أن يستحلفه، فأبى زياد ذلك، وكان المغيرة بن شعبه قال لزياد قبل قدومه على معاوية: أرْم بالغرض الأقصَى، ودع عنك الفُضُولَ، فإن هذا الأمر لا يمد إليه أحد يداً إلا الحسن بن علي وقد بايع لمعاوية، فخذ لنفسك قبل التوطين، فقال زياد: فأشِرْ علي، قال: أرى أن تنقل أصلك إلى أصله، وَتَصِلَ حبلك بحبله، وأن تعير الناس منك أذناً صًمّاء، فقال زياد: يا ابن شعبة، أأغْرس عوداً في غير منبِته ولا مَدَرَة فتحييه ولا عِرْقَ فيسقيه؟ ثم إن زياداً عزم على قبول الدعوى وأخذ برَأْي ابن شعبة، وأرسلت إليه جويرية بنت أبي سفيان عن أمر أخيها معاوية، فأتاها فأذنت له وكَشَفَتْ عن شعرها بين يديه، وقالت: أنت أخي أخبرني بذلك أبو مريم، ثم أخرجه معاوية إلى المسجد، وجمع الناس، فقام أبو مريم السلولىِ فقال: أشهد أن أبا سفيان قَدِمَ علينا بالطائف وأنا خمَار في الجاهلية، فقال: ابغني بغياً، فأتيته وقلت له: لم أجد إلا جارية الحارث بن كَلَدَة سُمية، فقال: ائتني بها علىِ ذفرها وقذرها، فقال له زياد: مهلاً يا أبا مريم، إنما بعثت شاهداَ ولم تبعث شاتماً، فقال أبو مريم: لو كنتم أعفيتموني لكان أحب إلَيَّ، وإنما شهدت بما عاينت ورأيت، واللّه لقد أخذ بكم درعها، وأغلقت الباب عليهما وقعدت دهشاناً، فلم ألبث أن خرج عَلَيَ يمسح جبينه، فقلت: مَهْ يا أبا سفيان، فقال: ما أصبت مثلها يا أبا مريم، لولا استرخاء من ثديها وذفر من فيها، فقام زياد فقال: أيها الناس، هذا الشاهد قد ذكر ما سمعتم، ولست أدري حق ذلك من باطله، وإنما كان عبيد ربيباً مبروراً أو ليَاً مشكوراً، والشهود أعلم بما قالوا، فقام يونس بن عبيد أخو صفية بنت عبيد بن أسد بن علافي الثقفي - وكانت صفية مولاة سُمَيَّة - فقال: يا معاوية، قضى رسول اللهّ صلى الله عليه و[آله و]سلم، أن الولد للفراش وللعاهر الحجر، وقضيت أنت أن الولد للعاهر وأن الحجر للفراش، مُخَالَفَةً لكتاب اللّه تعالى، وانصرافاً عن سنة رسول الله صلى الله عليه و[آله و]سلم، بشهادة أبي مريم على زنا أبي سفيان، فقال معاوية: واللهّ يا يونس لتنتهين أو لأطيرن بك طيرة بطيئاً وقوعها، فقال يونس: هل إلا إلى اللّه ثم أقع؟ قال: نعم وأستغفر اللّه، فقال عبد الرحمن بن أمّ الحكم في ذلك ويقال: إنه ليزيد بن مفرغ الحميري:
ألا أبلــغ معــاوية بن حَرْب ... مُغَلْغَلًةَ عن الرجل اليماني
أتغضب أن يُقال: أبُوكَ عَف ... وترضى أن يُقال: أبُوكَ زاني؟
فأشهد أن رِحْمَكَ من زياد ... كَرِحْم الذيل من ولد الأتان
وفي زياد وإخوته يقول خالد النجاري:
إن زياداً ونافعاً وأبا ... بَكْرَةَ عندي من أعجب العَجَب
إن لاجالاً ثلاثة خلقوا ... من رِحْم أنثى مخالذي النسبَ
ذا قُرَشِيّ فيما يقول، وَذَا... مَوْلى، وهذا بِزَعْمِهِ عَرَبِي
بين معاوية وعبد اللّه بن هاشم المرقال:
ولما قتل علي كرم اللّه وجهه كان في نفس معاوية من يوم صفين على هاشم بن عُتْبَة بن أبي وَقَّاص المِرْقَال وولده عبد اللهّ بن هاشم إحَنٌ، فلما استعمل معاوية زياداً على العراق كتب إليه، أما بعد: فانظر عبداللّه بن هاشم عتبة، فشدَّ يده إلى عنقه، ثم أبعث به إلي فحمله زياد من البصرة مُقَيَّداً مغلولاً إلى دمشق، وقد كان زياد طَرَقَه بالليل في منزله بالبصرة، فأدخل إلى معاوية وعنده عمرو بن العاص، فقال معاوية لعمرو بن العاص: هل تعرف هذا. قال: لا، قال: هذا الذي يقول أبوه يوم صِفَين:
إني شَرَبْتُ النَّفس لما اعْتَلا ... وأكثَرَ اللـــوم ومــا أقلاَّ
أعْـــوَر يبغــــي أهْلَهُ محلاّ ... قد عالج الحياة حتى مَلاَّ
لا بُـدَّ أن يَغُــــــلَّ أو يُفَــلا ... أشلُّهم بذي الكُعُوب شَـلا
لا خَيْـــــــــــــرَ عنــــــدي ... فــــــــي كَـــــــرِيم وَلَّــى
فقال عمرو متمثلاً:
وقد يَنْبُتُ المَرْعَى على دمَنِ الثّرَى... وتبقى حزَازَاتُ النفوس كما هيا
دونك يا أمير المؤمنين الضب المضب فاشخب أوداجه على أسباجه، ولا ترده إلى أهل العراق، فإنه لا يصبر عن النفاق، وهم أهلِ غدر وشقاق، وحزب إبليس ليوم هيجاء، وإن له هَوى سَيرديه يه، ورأياً سيطغيه، وبطانة ستقويه، وجزاء سيئة سيئة مثلها، فقال عبد اللّه: يا عمرو، إن أقتل فرجل أسْلَمه قومه، وأدركَه يومُه، أفلا كان هذا منك إذ تحيد عن القتال، ونحن ندعوك إلى النزال، وأنت تلوذ بسمال النطاف، وعقائق الرصاف، كالأمة السوداء، والنعجة القَوْدَاء، لا تدفع يد لامس، فقال: عمرو، أما واللّه لقد وقعت في لهاذم شَذْقَم للأقران ذي لبد، ولا أحسبك منفلتا من مخاليب أمير المؤمنين، فقال عبد اللّه: أما واللهّ يا ابن العاص إنك لبَطِر في الرخاء، جبان عند اللقاء، غَشُوم إذا وليت، هيابة إذا لقيت، تهدر كما يهد العَوْدُ المنكوس المقيد بين مجرى الشول لا يستعجل في المدة، ولا يرتجى في الشده، أفلا كان هذا منك إذ غمرك أقوام لم يعنفوا صغاراً، ولم يمرقُوا كباراً، لهم أيد شداد، وألسنة حداد، يدعمون العوج، ويذهبون الحرج، يكثرون القليل، ويشفون الغليل، ويعزون الذليل، فقال عمرو: أما واللّه لقد رأيت أباك يومئذ تخفق أحشاؤه، وتبق أمعاؤه، وتضطرب أطلاؤه، كأنما انطبق عليه صمد، فقال عبد اللّه: يا عمرو، إنا قد بلوناك ومقالَتَكَ فوجدنا لسانك كذوباً غادراً، خلوتَ بأقوام لا يعرفونك، وجُنْدٍ لا يسامونك، ولو رمت المنطق في غير أهل الشام لجحظ إليك عقلك، ولتلجلج لسانك، ولا ضطرب فخذاك اضطراب القَعُودِ الذي أثقله حمله، فقال معاوية: أيهاً عنكما، وأمر بإطلاق عبد اللّه، فقال عمرو لمعاوية:
أمرتُكَ أمراً حازمــاً فعصيتَنِي... وكان من التوفيق قتل ابن هاشم
أليس أبـــــوه يا معاويــة الذي ... أعان عليــــاً يوم حزَ الغَلاَصم
فلم ينثنِ حتى جرت من دمائنا ... بصفين أمثال البحور الخضارم
وهذا ابنه، والمرء يُشْبه شيخه ... ويوشك أن تقرع به سـن نادم
فقال عبد اللّه يجيبه:
مُعَــــاوِيَ إن المـــــرء عمــراً أبَتْ لـه ... ضغينةُ صــــدرٍ غِشُّهــــا غير نائم
يـــــــرى لك قتلــــي يا ابـن هند، وإنما ... يرى ما يرى عمرو ملوك الأعاجم
على أنهـــم لا يقتلـــــون أسيــــــــــرهم ... إذا منعـــت عنــــــه عهود المسالم
وقد كان منا يــــــوم صِفَـــــــــــينَ نفرة ... عليــــك جناهـــا هاشم وابن هاشم
قضى ما انقضى منها، وليس الذي مضى ... ولا مـا جرى إلا كأضغاث حالم
فإن تَعْفُ عني تعف عــــن ذي قـــــــرابة ... وإن تَــــرَ قتلي تستحل محارمي
فقال معاوية:
أرى العفو عن عُلْيَا قريش وسيلةً... إلى اللّه في يوم العصيب القماطر
ولست أرى قَتْلِي الغَدَاةَ ابن هَاشمٍ ... بإدراك ثأري في لؤي وعـــــامر
بل العفــــو عنه بعد ما بان جُرْمُه... وزلَتْ به إحدى الجــدود العـــوائر
فكــــــــان أبــوه يوم صفين جمرة ... علينـــــا فـــأردته رِمـــاح نهابِر
وحضر عبد اللّه بن هاشم ذات يوم مجلس معاوية، فقال معاوية: من يخبرني عن الجود والنجدة والمروءة؟ فقال عبد اللهّ: يا أمير المؤمنين، أما الجود فابتذال المال، والعطية قبل السؤال، وأما النجدة فالجراءة على الأقوام، والصبر عند ازورار الأقدام، وأما المروءة فالصلاح في الدين، والإصلاح للمال، والمحاماة عن الجار.
بين معاوية ومحمد بن أبي بكر:
ولما صرف علي رضي الله عنه قيْسَ بن سعد بن عُبَادةَ عن مصر وَجَّه مكانه محمد بن أبي بكر، فلما وصل إليها كتب إلى معاوية كتاباً فيه: من محمد بن أبي بكر، إلى الغاوي معاوية بن صخر، أما بعد، فإن اللّه بعظمته وسلطانه خلق خلقه بلا عبث منه، ولا ضعف في قوته، ولاحاجة - به إلى خلقهم، ولكنه خلقهم عبيداً، وجعل منهم غويّاً ورشيداً، وشقياً وسعيداً، ثم اختار على علم واصطفى وانتخب منهم محمداً صلى الله عليه وسلم، فانتخبه بعلمه، واصطفاه برسالته، وائتمنه على وحيه، وبعثه رسولاً ومبشراً ونذيراً ووكيلاً فكان أول من أجاب وأناب وآمن وصدق وأسلم وسَلّم أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب: صدقه بالغيب المكتوم، أثره على كل حميم، وَوَقَاه بنفسه كل هَوْل، وحارب حَرْبه، وسالم سِلْمَه، فلم يبرح مبتذلاً لنفسه في ساعات الليل والنهار والخوف والجوع والخضوع حتى برز سابقاً لا نظير له فيمن اتبعه، ولا مقارب له في فعله، وقد رأيتك تُسَاميه وأنت أنت، وهو هو، أصدق الناس نية، وأفضل الناس ذرية، وخير الناس زوجة، وأفضل الناس ابن عم: أخوه الشاري بنفسه يوم موته، وعمه سيد الشهداء يوم أحد، وأبوه الذاب عن رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم، وعن حَوْزَته، وأنت اللعين ابن اللعين، لم تزل أنت وأبوك تَبْغِيانِ لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم الغَوَائل، وتجهدان في إطفاء نور اللّه، تجمعان على ذلك الجموع، وتبذلان فيه المال، وتؤلَبان عليه القبائل، وعلى ذلك مات أبوك، وعليه خَلَفْته، والشهيد عليك من تدني ويلجأ إليك من بقية الأحزاب ورؤساء النفاق، والشاهد لعلي - مع فضله المبين القديم - أنصاره الذين معه وهم الذين. ذكرهم اللّه بفضلهم، وأثنى عليهم من المهاجرين والأنصار، وهم معه كتائب وعصائب، يَروْنَ الحق في اتباعه، والشقاء في خلافه، فكيف - يا لك الويل! - تَعْدِلُه نفسك بعده وهو وارث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ووصيه وأبو ولده: أول الناس له أتباعاً، وأقربهم به عهداً، يخبره بسره، ويطلعه على أمره، وأنت عدوه وابن عدوه، فتمتَّعْ في دنياك ما استطعت بباطلك، وليمددك ابن العاص في غوايتك، فكأن أجلك قد انقضى، وكيدك قد وَهَى، ثم يتبين لك لمن تكون العاقبة العليا، واعلم أنك إنما تكايد ربك الذي أمِنْتَ كَيده، ويئست من رَوْحه؟ فهو لك بالمرصاد، وأنت منه في غرور، والسلام على من اتبع الهدى.
فكتب إليه معاوية: من معاوية بن صخر، إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر. أما بعده: فقد أتاني كتابُكَ تذكر فيه ما اللّه أهْلًه في عظمته وقدرته وسلطانه، وما اصطفى به رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم، مع كلام كثير لك فيه تضعيف، ولأبيك فيه تعنيف، ذكرت فيه فضل ابن أبي طالب، وقديم سوابقه، وقرابته إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ومُوَاساته إياه في كل هَوْل وخوف، فكان احتجاجك عليَ وعيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك، فاحمد ربّاً صرف هذا الفضل عنك، وجعله لغيرك، فقد كنا وأبوك فينا نعرف فضل ابن أبي طالب وحَقه لازماً لنا مبروراً علينا، فلما اختار اللهّ لنبيه عليه الصلاة والسلام، ما عنده، وأتم له ما وعده، وأظهر دعوته، وأبْلَجَ حجته، وقبضه اللهّ إليه صلوات اللّه عليه، فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه حَقَه، وخالفه على أمره، على ذلك اتفقا واتَّسقا، ثم إنهما دَعَوَاه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما، وتلكأ عليهما، فهمَّا به الهموم، وأرادا به العظيم، ثم إنه بايع لهما وسَلّم لهما، وأقاما لا يشركانه في أمرهما، ولا يُطْلِعانه على سرهما، حتى قبضهما الله، ثم قام ثالثهما عثمان فهدى بهديهما وسار بسيرهما، فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه القاصي من أهل المعاصي، فطلبتما له الغوائل، وأظهرتما عداوتكما فيه حتى بلغتما فيه مُنَاكما، فخذ حذرك يا ابن أبي بكر، وقس شبرك بفترك، يقصر عن أن توازي أو تساوي مَنْ يَزِنُ الجبال بحلمه، لا يلين عن قَسْرٍ قناته، ولا يدرك ذو مقال أناته أبوك مهد مِهَاده، وبنى لملكه وسادة، فإن يك ما نحن فيه صواباً فأبوك استبدَ به ونحن شركاؤه، ولولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب، ولسلمنا إليه، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا فأخذنا بمثله، فعب أباك بما بدا لك أودع ذلك، والسلام على من أناب.
من معاوية إلى علي:
ومما كتب به معاوية إلى عليّ: أما بعد، فلو علمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت لم يجنها بعضُنَا على بعض، وإنا وإن كنا قد غُلبنا على عقولنا فقد بقي لنا منها مانَرُمّ به ما مضى، ونُصلح به ما بقي، وقد كنت سألتك الشام على أن لا تلزمني لك طاعة، وأنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس، فإنك لا ترجو من البقاء إلا ما أرجو، ولا تخاف من القتال إلا ما أخاف، وقد واللهّ رَقّت الأجناد، وذهبت الرجال، ونحن بنو عبد مناف، وليس لبعضنا على بعض فضل يستذل به عزيز، ويسترق به حر، والسلام.
جواب علي لمعاوية:
فكتب إليه عليّ كرم اللّه وجهه: من عليّ بن أبي طالب إلى معاوية بن أبي سفيان، أما بعد: فقد جاءني كتابك تذكر فيه أنك لو علمت أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت لم يجنها بعضُنَا على بعض، وأنا وإياك نلتمس منها غاية لم نبلغها بعدُ، فأما طلبك مني الشام فإني لم أكن أعطيك اليوم ما منعتك أمس، وأما استواؤنا في الخوف والرجاء فلست بأ مضى على للشك مني على اليقين، وليس أهل الشام على الدنيا بأ حْرَصَ من أهل العراق على الأخرى، وأما قولك نحن بنو عبد مناف فكذلك نحن، وليس أمية كهاشم، ولا حَرْب كعبد المطلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا الطليق كالمهاجر، ولا المُبْطِل كالمحقّ، وفي أيدينا فضل النبوة التي قَتَلْنَا بها العزيز، وبعنا بها الحر، والسلام.
بين سعد ومعاوية:
وحدث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، عن محمد بن حميد الرازي، عن أبي مجاهد، عن محمد بن إسحاق، عن ابن أبي نجيح، قال: لما حج معاوية طاف بالبيت ومعه سعد، فلما فرغ انصرف معاوية إلى دار الندرَة، فأجلسه معه على سريره، ووَقَعَ معاوية في علي وشَرَعَ في سَبَّه، فزحف سعد ثم قال: أجلستني معك على سريرك ثم شرعت في سب علي، واللهّ لأن يكون فيَّ خصلة واحدة من خصال كانت لعلي أحب إلي من أن - يكون لي ما طلعت عليه الشمس، واللّه لأن أكون صهراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأن لي من الولد ما لعلي أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، والله لأن يكون رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، قال لي ما قاله يوم خيبر " لأعطيَنَّ الراية غداً رجلاً يحبه اللّه ورسوله ويحب اللهّ ورسوله ليس بِفَرَّار، يفتح اللهّ على يديه " أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، واللهّ لأن يكون رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال لي ما قال له في غزوة تبوك: " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " أحبُّ إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، وأيم الله لا دخلت لك داراً ما بقيت، ثم نهض " .
ووجدت في وجه آخر من الروايات، وذلك في كتاب علي بن محمد بن سليمان النوفلي في الأخبار، عنِ ابن عائشة وغيره، أن سعداً لما قال هذه المقالة لمعاوية ونهض ليقوم ضرَطَ له معاوية، وقال له: اقعد حتى تسمع جواب ما قلت، ما كُنْتَ عندي قَطُّ الأم منك الآن، فهلا نصرته، ولك قعدت عن بيعته؟ فإني لو سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم مثل الذي سمعت فيه لكنت خادماً لعلي ما عشت، فقال سعد: واللّه إني لأحق بموضعك منك، فقال معاوية: يأبى عليك ذلك بنو عذرة، وكان سعد فيما يقال لرجل من بني عذرة، قال النوفلي: وفي ذلك يقول السيد بن محمد الحميري:
سائل قريشاً يها إن كنت ذا عَمَه ... مَنْ كان أثْبَتَهَا في الدين أوْتَادَا
من كان أقدمها سلما، وأكثرها... علما، وأطهرها أهلا وأولادا
من وحَّدَ اللّه إذ كانت مكذبة... تدعو مع اللّه أوثاناً وأندادا
من كان يُقْدِم في الهيجاء إن نكلوا... عنها، وإن بَخِلوا في أزمة جادا
من كان أعدلها حكماً، وأقسطها... حلماً، وأصدقها وعداً وإيعادا
إن يَصْدَقوك فلم يَعدوا أبا حسن... إن أنت لم تلق للأبرار حسادا
إن أنت لم تلق من تَيْمٍ أخا صَلَف... ومن عدي لحق اللّه جُحَّادا
أو من بني عامر، أو من بني أسد... رَهْط العبيد ذوي جهل وأوغادا
أو رهط سعد، وسعد كان قد علموا... عن مستقيم صراط اللّه صَدَّادا
قوم تَدَاعَوْا زنيما ثم سادهُمُ ... لولا خمول بني زهر لما سادا
وكان سعد وأسامة بن زيد وعبد اللّه بن عمر ومحمد بن سلمة ممن قعد عن علي بن أبي طالب، وأبوا أن يبايعوه هم غيرهم ممن ذكرنا من القُعَّاد وفلك أنهم قالوا: إنها فتنة، ومنهم من قال لعلي: أعْطِنا سيوفاً نقاتل بها معك، فإذا ضربنا بها المؤمنين لم تعمل فيهم ونَبَتْ عن أجسامهم، وإذا ضربنا بها الكافرين سَرَتْ في أبدانهم، فأعرض عنهم عليّ، وقال: ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم، ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون.
بين معاوية وأبي الطفيل الكناني:
وذكر أبو مخنف لوط بن يحيى وغيره من الأخباريين أن الأمر لما أفضى إلى معاوية أتاه أبو الطفيل الكناني فقال له معاوية: كيف وَجدُك على خليلك أبي الحسن. قال: كوجد أم موسى على موسى، وأشكو إلى الله التقصير، فقال معاوية، أكنت فيمن حضر قتل عثمان؟ قال: لا، ولكني فيمن حضر فلم ينصره، قال: فما منعك من ذلك وقد كانت نصرته عليك واجبة؟ قال: منعني ما منعك إذ تربص به ريب المنون وأنت بالشأم، قال: أو ما ترى طلبي بدمه نصرة له؟ قال بلى، ولكنك وإياه كما قال الجعدي.
لا ألفينك بعد الموت تندبني ... وفي حياتي ما زودتني زادا
ودخل على معاوية ضرار بن الخطاب فقال له: كيف حزنك على أبي الحسن؟ قال: حزن من ذبح ولدها على صدرها فما ترقأ عبرتها ولا يسكن حزنها.
بين معاوية وقيس بن سعد:
ومما جرى بين معاوية وبين قيس بن سعد بن عبادة حين كان عاملاً لعلي على مصر فكتب إليه معاوية: أما بعد، فإنك يهودي ابن يهودي، إن ظفر أحَبُّ الفريقين إليك عَزَلَك واستبدل بك، وإن ظفر أبغضهما إليك نَكَلَ غَرَضه، فأكثر الحز وأخطأ المفصِلَ، فخذله قومه، وأدركه يومُه، ثم مات بحوران طريداً.
فكتب إليه قيس بن سعد: أما بعد، فإنما أنت وثني ابن وثني، دخلت في الإسلام كرهاً، وخرجت منه طوعاً، لم يقدم إيمانك، ولم يحدث نفاقك، وقد كان أبي أوتَرَ قوسه، ورمى غرضه، فشعب به من لم يبلغ عقبه، ولا شق غُبَاره، ونحن أنصار الدين الذي منه خرجت، وأعداء الدين الذي فيه دخلت.
ودخل قيس بن سعد بعد وفاة علي ووقوع الصلح في جماعة من الأنصار على معاوية، فقال لهم معاوية: يا معشر الأنصار، بِمَ تطلبون ما قبلي؟ فواللّه لقد كنتم قليلاً معي كثيراً عليَّ، وضللتم حَدِّي يومِ صِفِّينَ حتى رأيت المنايا تلظَّى في أسنتكم، وهجوتموني في أسلافي بأشد من وقع الأسنة، حتى إذا أقام اللهّ ما حاولتم ميله قلتم: ارْعَ فينا وصية رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، هيهات يأبى الحقِينُ العذرة، فقال قيس: نطلب قبلك بالإسلامِ الكافي به اللّه، لا بما تمتّ به إليك الأحزاب، وأم عداوتنا لك فلو شِئْت كففتها عنك، وأما هجاؤنا إياك فقول يزول باطله، ويثبت حقه، وأما استقامة الأمر فعلى كره كان منا، وأما فَلُّنَا حدك يوم صفين فإنا كنا مع رجل نرى طاعَتَهُ طاعة للّه، وأما وصية رسول اللّه بنا فمن آمن به رعاها بعده، وأما قولك يأبى الحقين العذرة فليس دون اللهّ يد تحجزك منا يا معاوية، فقال معاوية يموه : أرفعوا حوائجكم..... .
بسر بن أرطاة:
وقد كان معاوية في سنة أربعين بعث بُسْرَ بن أرطاة في ثلاث آلاف حتى قَدِم المدينة وعليها أبو أيوب الأنصاري فتنحَّى، وجاء بُسْر حتى صعد المنبر وتهدَّد أهل المدينة بالقتل، فأجابوه إلى بيعة معاوية، وبلغ الخبر علياً فأنفذ حارثة بن قدامة السعدي في الذين ووهب بن مسعود في الذين، ومضى بُسْر إلى مكة، ثم سار إلى اليمن، وكان عبيد اللّه بن العباس بها، فخرج عنها ولحق بعده واستخلف عليها عبد اللّه بن عبد المَدَان الحارثي، وخلف ابنيه عبد الرحمن وقُثَم عند أمهما جويرية بنت قارظ الكناني، فقتلهما بُسْر وقتل معهما خالا لهما من ثقيف وقد كان بُسْر بن أرْطَاةَ العامري - عامر بن لؤي بن غالب - قَتَلَ بالمدينة وبين المسجدين خلقاً كثيراً من خُزَاعة وغيرهم، وكذلك بالجرف قتل بها خلقاً كثيراً من رجال هَمْدَان، وقتل بصنعاء خلقاً كثيراً من الأبناء، ولم يبلغه عن أحد أنه يوالي علياً أو يهواه إلا قتله، ونما إليه خبر حارثة بن قدامة السعدي فهرب، وظفر حارثة بابن أخي بُسْر مع أربعين من أهل بيته، فقتلهم، وكانت جويرية أمُّ ابني عبيد اللهّ بن العباس اللذين قتلهما بُسْرٌ تدور حول البيت ناشرة شعْرها وهي من أجمل النساء وهي تِقول ترثيهما:
ها من أحَسَّ من ابنَىِّ اللذين هما ... كالــــدرتين تَشظّى عنهما الصدف
ها من أحَسَّ من ابنيَّ للذين هما... سمعي وقلبي، فعقلي اليوم مختطَفُ
ها من أحَسَّ من ابنيَّ اللذين هما... مخ العظام فمخـــي الـــيوم مزدهف
نبئت بُسْراً، وما صَدَّقت ما زعموا ... من قولهم ومن الإفك الذي وصفوا
أنحـــى على وَدِجَــــيْ ابني مرهفة ... مشحـــــــوذة، وكذاك الإثم يُقْتَرف
بين معاوية وعمرو بن العاص ووردان:
ذكر الواقدي قال: دخل عمرو بن العاص يوماً على معاوية بعد ما كبر ودق ومعه مولاه وَرْدَانُ، فأخذا في الحديث، وليس عندهما غير وردان، فقال عمرو: يا أمير المؤمنين، ما بقي مما تستلذه. فقال: أما النساء فلا أربَ لي فيهن، وأما الثياب فقد لبست من لينها وجيدها حتى وهى بها جلدي فما أدري أيها الين، وأما الطعام فقد أكلت من لينه وطيبه حتى ما أدري أيها ألذ وأطيب، وأما الطِّيبُ فقد دخل خياشيمي منه حتى ما أدري أيه أطيب، فما شيء ألذ عندي من شراب بارد في يوم صائف، ومن أن أنظر إلى بنيَّ وبني بنيَّ يدورون حولي، فما بقي منك يا عمرو؟ قال: مال أغرسه فأصيب من ثمرته ومن غلًته، فالتفَتَ معاوية إلى وَرْدَانَ فقال: ما بقي منك يا وَرْدَانَ؟ قال: صنيعة كريمة سنية أعلقها في أعناق قوم ذوي فضل وأخطار لا يكافئونني بها حتى ألقى الله تعالى وتكون لعقبي في أعقابهم بعدي، فقال معاوية: تَبّاً لمجلسنا سائر هذا اليوم، إن هذا العبد غلبني وغلبك.
وفاة عمرو بن العاص:
وفي سنة ثلاث وأربعين مات عمرو بن العاص بن وائل بن سَهْم بن سعيد بن سعد بمصر، وله تسعون سنة، وكانت ولايته مصر عشر سنين وأربعة أشهر، ولما حضرته الوفاة قال: اللهم لا براءة لي فأعتذر، ولا قوة لي فأنتصر، أمرتنا فعصينا، ونهيتنا فركبنا، اللهم هذه يدي إلى ذقني، ثم قال: خُنُوا لي في الأرض خَدّاً، وسُنُّوا علي التراب سنّاً، ثم وضع أصبعه في فيه حتى مات، وصَلّى عليه ابنه عبد اللهّ يوم الفطر، فبدأ بالصلاة عليه قبل صلاة العيد، ثم صلى بالناس بعد ذلك صلاة العيد، وكان أبوه من المستهزئين، وفيه نزلتَ " إن شانئك هو الأبتر " .
وولى معاوية ابنه عبد اللّه بن عمرو ما كان لأبيه.
تركته:
وخلف عمرو من العَيْنِ ثلثمائة ألف دينار وخمسة وعشرين ألف دينار، ومن الوَرِقِ ألف درهم وغلة مائتي ألف دينار بمصر وضيعته المعروفة بمصر بالوهط قيمتُها عشرة آلاف ألف درهم.
وفيه يقول ابن الزَبِيرِ الأسدي الشاعر من أبيات:
ألم تر أن الدهر أخنتْ صُرُوفُه ... على عمروٍ السهمي تُجْبِى له مصر
فلم يُغْنِ عنه حَزْمه واحتيــاله ... ولا جمعـــه لَمَّــــــا أتيــــح له الدهر
وأمْسَى مقيما بالعَـرَاء وضللت ... مكايـــــدة عنــــــــه وأمـــواله الدَّثر
وفي سنة خمس وأربعين وَلّى معاويةُ زيادَ بن أبيه البصرةَ وأعمالها، وقال لما دخلها:
ألا ربَّ مسرورٍ بنا لا نسره... وآخر محزون بنا لا نضرة
وقد كان معاوية أغْرَى في هذه السنة سفيان بن عوف العامري، وأمره أن يبلغ الطوانة فأصيب معه خلق من الناس، فعمَّ الناسَ الحزنُ بمن أصيب بأرض الروم، وبلغ معاوية أنّ يزيد ابنه لما بلغه خبرهم وهو على شرابه مع ندمائه قال:
أهْوِنْ عَلًيّ بما لاقت جموعهُمُ... يوم الطوانة من حمَى ومن مُوم
إذا اتكأت على الأنماط مرتفقا ... بدير مًرانَ عندي أم كلثوم.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|