أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-09-2014
13408
التاريخ: 8-12-2015
17090
التاريخ: 8-12-2015
15987
التاريخ: 24-09-2014
15499
|
كثر الكلام حول هذه الآيات من أنصار الإسلام وأعدائه . . طعن هؤلاء بعفة الرسول ونزاهته ، وقالوا : اشتهى زينب بنت جحش الأسدية ابنة عمته أميمة ، ومال إليها ، وهي زوجة مولاه زيد بن حارثة ، وأخفى ذلك خوفا من الناس لا خوفا من اللَّه ، وتشبثوا بقوله تعالى : { وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب : 37] . ورد عليهم أنصار الإسلام بالحق والمنطق السليم ، وان كان البعض منهم سلك في التأويل مسلكا يضعه موضع التهمة بالدفاع عن دينه وعقيدته . . ونحن كأي مسلم يؤمن بعصمة نبيه ، ويذهب عنها بدافع من دينه وعقيدته . . ولكن مع ذلك سنقف من هذه الآيات وتفسيرها موقفا محايدا ، نلتزم فيه بظاهر اللفظ ، لا نؤوّل ولا نخرج عن دلالة الآيات ، وندع الحكم للقارئ المنصف . . وقبل أن نشرع بالتفسير نمهد بما يلي :
كان زيد بن حارثة عبدا مملوكا لرسول اللَّه (صلى الله عليه واله) . . وفي ذات يوم جاء أبوه إلى الرسول ، وطلب أن يعتق ابنه أو يبيعه له بأي ثمن شاء ، فأعتقه نبي الرحمة لوجه اللَّه وخيّره بين البقاء معه والذهاب مع أبيه ، فآثر زيد النبي على أبيه ، وعندئذ قال أبوه حارثة : يا معشر قريش اشهدوا انه ليس ابني . فقال النبي (صلى الله عليه واله) :
اشهدوا انه ابني . . فظن الناس ان النبي قد تبنى زيدا ، ودعوه بعد ذلك بزيد ابن محمد .
وكان العرب قبل الإسلام يجرون أحكام الابن الحقيقي على الابن الدعي حتى في استحقاق الإرث ، وحرمة النسب . . ومن المتفق عليه عند العقلاء الأخيار منهم والأشرار ان العادات الموروثة عن الآباء والأجداد هي بمنزلة القانون والديانة لا يجوز لأحد أن يخالفها كائنا من كان .
وشاءت حكمته تعالى أن يلغي هذه العادة ، وينهى عنها بالفعل لا بالقول ، وذلك بأن يتزوج زيد بن حارثة الذي كان بالأمس عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ، أن يتزوج من امرأة لها شأنها نسبا وجمالا ، ولا يطمع في أمثالها إلا السادة الأشراف ، وهي زينب بنت جحش ابنة أميمة بنت عبد المطلب جد الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) ، وأن يقضي منها زيد حاجته ، ثم يطلقها ، وبعد انقضاء عدتها يتزوجها رسول اللَّه (صلى الله عليه واله) ، لأن ذلك أقوى وأبلغ في النهي عن هذه العادة من جهة ، وكيلا يأنف الأشراف من الزواج بمطلقات الموالي والمستضعفين من جهة ثانية ، ومع هذا وذاك أن لا تأنف كريمة النسب أو وليها من الزواج بمن هو دونها حسبا ونسبا . .
قضى اللَّه بذلك وقدره كما نص عليه سبحانه بقوله : « وكان أمر اللَّه مفعولا . .
وكان أمر اللَّه قدرا مقدورا » . وأوحى سبحانه إلى نبيه الكريم بهذا القضاء والقدر ، وأمره أن يزوج زيدا من زينب ، وما كان لنبي إذا قضى اللَّه أمرا أن تكون له الخيرة من أمره .
فتقدم النبي إلى زينب ، وخطبها لمولاه زيد ، وأخفى في نفسه ما أوحى اللَّه به إليه من أنه قد قضى وقدر أن يتزوجها هو بعد زيد ، أخفى النبي هذا الوحي لأنه ثقيل على الناس لبعده عن طباعهم وتقاليدهم ، والى هذا الإخفاء أشار سبحانه بقوله : « وتخفي في نفسك ما اللَّه مبديه وتخشى الناس واللَّه أحق أن تخشاه » . .
خطب النبي (صلى الله عليه واله) ابنة عمته لمولاه زيد ، فأبى أخوها عبد اللَّه أن تتزوج أخته من غير كفؤ ، وشاركته هي هذا الإباء ، فنزل قوله تعالى : « وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى اللَّه ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم » . فخضعت زينب وأخوها لقضاء اللَّه ورسوله ، وتم الزواج .
وبعد حين من الدهر فترت العلاقة بين الزوجين ، فذهب زيد إلى رسول اللَّه يريد طلاق زينب ، فنهاه وأمره بالصبر ، ولكن أمر اللَّه كان مفعولا ، فتم الطلاق ، وبعد العدة تزوجها الرسول ، وتحطم نظام التبني وزالت آثاره . . ومن غير الرسول الأعظم يتحدى المجتمع في عاداته وتقاليده التي نشأ عليها وورثها أبا عن جد ! . . إذن ، مسألة زواج النبي (صلى الله عليه واله) من زينب ليست مسألة شهوة وغرام وانما هي مسألة أمر اللَّه وقضائه وقدره بنص الآيات الواضحات التي حاول المفترون تحريفها وتأويلها على أهوائهم . . وهذا هو النص ينطق بصراحة : « وكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا » . « وكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً » . « وتخفي في نفسك ما اللَّه مبديه » . والمراد بالأمر المفعول والمقدور وبالذي يعلنه اللَّه ويبديه شيء واحد ، وهو زواج النبي من زينب الذي أعلنه سبحانه وأبداه صراحة بقوله : « زوجناكها » .
ولو كان النبي قد أضمر شهوتها في نفسه كما يقول المفترون لأظهر اللَّه ذلك وأبداه لقوله : « ما اللَّه مبديه » ولا شيء في الآيات يشير من قريب أو بعيد إلى الشهوة التي ابتدعها المتقولون . . هذا ، إلى ان زينب كانت في قبضة النبي (صلى الله عليه واله) وأطوع إليه من بنانه ، ولو كانت المسألة مسألة شهوة وغرام لما زوّجها من مولاه زيد ليقضي منها وطره ، ثم يتزوجها من بعده . . حاشا سيد الكونين من الشهوات والأهواء ، وتعالى عنها علوا كبيرا .
وبعد ، فإن هذه الآيات قد تواردت بأجمعها على موضوع واحد ، فهي متشابكة متماسكة ، ولا يمكن بحال تجزئتها والأخذ ببعضها دون بعض ، فإما أن تؤخذ جملة ، وإما أن تترك جملة ، ومن أخذ بقوله تعالى : « وتَخْشَى النَّاسَ واللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ » ككلام مستقل ، وتجاهل قوله : « وكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً » وقوله : « ما اللَّه مبديه » فهو من الذين زاغ بهم الباطل عن جادة الحق عنادا له ولأهله . . وقد وضح بهذا التمهيد معنى الآيات ، وعرف المقصود منها ، لذلك نمر بها مرا سريعا نشير فيه إلى تطبيق الآيات على مراحل القصة من الزواج الأول إلى الزواج الثاني .
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب : 36] . نزلت هذه الآية حين خطب النبي زينب بنت جحش لمولاه زيد ابن حارثة ، وأنفت من الاقتران به هي وأخوها عبد اللَّه لأن زيدا ليس لها بكفؤ ، والمعنى ان هذا الزواج بأمر اللَّه ورسوله ، ولا إرادة لأحد من المؤمنين مع اللَّه والرسول ، ومن أبى فهو من الضالين الهالكين . . وعندئذ نزلت زينب وأخوها على حكم اللَّه والرسول ، وتم الزواج .
{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب : 37] وهو زيد بن حارثة ، أنعم اللَّه عليه بالإسلام وصحبة الرسول ، وأنعم الرسول عليه بالعتق ( أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ واتَّقِ اللَّهً ) . بعد حين من الزواج فترت العلاقة الزوجية بين زينب وزيد ، وقال للنبي (صلى الله عليه واله) : أريد طلاقها . فأوصاه بإمساكها وبتقوى اللَّه في جميع أحواله . . ولكن النبي (صلى الله عليه واله) كان على يقين بأن زيدا سيطلق زينب ، وانه سيتزوجها من بعده ، إلا انه لم يبد ذلك خوفا من لوم اللائمين ، فستره بقوله لزيد : أمسك عليك زوجك ، وعلى هذا عاتبه اللَّه بقوله :
( وتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وتَخْشَى النَّاسَ واللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ) . المراد ب ( مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ) زواج النبي من زينب بعد طلاقها من زيد ، وقد أبداه اللَّه في الحال وفي نفس الآية ، أبداه وأظهره بقوله : ( فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها ) . هذا ما أخفاه محمد وأبداه اللَّه فأين هي الشهوة التي أخفاها محمد في نفسه ؟ ولما ذا سكت اللَّه بعد أن قال : « ما اللَّه مبديه » ؟ . . أخفى النبي (صلى الله عليه واله) علمه بأن زيدا سيطلق زينب ، وانها ستكون حليلة له بعد الطلاق ، وعلى هذا الإخفاء عاتبه اللَّه وقال له تلويحا لا تصريحا : من كان له مقامك عند اللَّه فلا يهتم بلوم اللائمين وأقوال المتقولين .
( فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ) . تزوج زيد من زينب وقضى منها حاجته ، ثم طلقها وبعد العدة تزوجها الرسول (صلى الله عليه واله) . وكان زواج النبي منها بيانا من اللَّه للمؤمنين وللناس أجمعين لرفع الإثم عنهم إذا تزوجوا حلائل أدعيائهم الذين قضوا حاجتهم منهن { مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} [الأحزاب : 38]) . لقد أمر سبحانه نبيه الكريم أن يتزوج حليلة ابنه الدعي ليبطل بذلك عادة الجاهلية ، فاستجاب النبي لأمر اللَّه ، وما على النبي ولا على غيره من غضاضة في زواج حليلة ابن التبني وان عابه الناس ما دام اللَّه قد أحل ذلك .
{سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا } [الأحزاب : 38، 39]. المراد بالذين خلوا وبالذين يبلغون رسالات اللَّه - الأنبياء السابقون ، والمعنى ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أرسله اللَّه داعيا إلى الحق وناهيا عن الباطل ، ومنه العادات والتقاليد التي ما أنزل اللَّه بها من سلطان ، وقد بلغ الرسول رسالات ربه بأمانة واخلاص ، وما هادن ولا داهن ، ولم يخش إلا اللَّه ، وتحمّل من أجل ذلك الكثير من العناء والبلاء ، ولك يا محمد فيمن مضى من إخوانك الأنبياء أسوة وعزاء . وعلى اللَّه وحده حساب المكذبين والمعاندين .
{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب : 40] بالنسب والولادة كي تحرم مطلقة زيد ابن حارثة عليه . . وبالمناسبة : ولد لرسول اللَّه (صلى الله عليه واله) أربعة ذكور ثلاثة من خديجة ، وهم القاسم والطيب والطاهر ، وقيل : ولدان لأن الطاهر هو الطيب .
وواحد من مارية القبطية وهو إبراهيم ، وماتوا جميعا في سن الطفولة ، أما الحسن والحسين فهما ولدا ابنته فاطمة من علي ( ع ) ، ولكن الرسول قد اعتبرهما ولدين له حيث قال : ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا ، وقال أيضا : كل بني بنت ينتسبون إلى أبيهم إلا أولاد فاطمة فإني أنا أبوهم . انظر ج 3 ص 219 .
( ولكِنْ رَسُولَ اللَّهِ ) والرسول غير الأب ، وان كان أشد حرصا على المؤمنين وأكثر رحمة بهم من آبائهم وأمهاتهم ( وخاتَمَ النَّبِيِّينَ ) فلا نبي بعد محمد (صلى الله عليه واله) ، ولا شريعة بعد شريعة الإسلام ( وكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ) ومنه علمه تعالى حيث يجعل رسالته ، وحيث يختمها بمحمد (صلى الله عليه واله) .
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|