أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-9-2016
1542
التاريخ: 20-8-2022
1793
التاريخ: 7/9/2022
1777
التاريخ: 4-2-2022
2022
|
منهم أرباب البوقات ، و هم القلندرية الذين لا يعرفون معنى التصوف و لا شيئا من مراسيم الدين ، وصرفوا اوقاتهم في التكدى والسؤال من الناس ، و يظنون أنهم تاركون للدنيا مقبلون على الآخرة ، مع انهم لو ظفروا بشيء من أمور الدنيا لأخذوه بجميع جوارحهم فهؤلاء ارذل الناس بوجوه كثيرة لا تخفى.
و(منهم) من اغتر بالزي ، و المنطق ، و لبس الصوف ، و اطراق الرأس و ادخاله في الجيب و خفض الصوت ، و تنفس الصعداء ، و تحريك البدن في الطول و العرض ، و السقوط إلى الأرض ، (لا) سيما إذا سمعوا كلاما في الوحدة و العشق ، مع عدم اطلاعهم على حقيقة شيء منهما.
وربما تجاوز بعضهم من ذلك إلى الرقص و التصفيق ، و إبداء الشهيق و النهيق ، و اختراع الاذكار، و التغني بالاشعار , و غير ذلك من الحركات القبيحة و الهيئات الشنيعة ، و يظن أن العبد بهذه الحركات و الأفعال يصل إلى الدرجات العالية ، و لم يعلم المغرور أنها تقرب العبد إلى سخط اللّه و عذابه.
و(منهم) من وقع في الاباحة ، و طوى بساط الشرع و الاحكام ، و ترك الفصل بين الحلال و الحرام ، يتكالب على الحرام و الشبهات ، ولا يحترز عن أموال الظلمة و السلاطين ، و ربما قال : المال مال اللّه و الخلق عيال اللّه ، فهم فيه سواء .
وربما قال : ان اللّه مستغن عن عملي ، فأي حاجة إلى أن أتعب نفسي فيه؟ , و ربما قال : لا وزن لأعمال الجوارح ، و إنما النظر إلى القلوب ، و قلوبنا و الهة إلى حب اللّه و اصلة إلى معرفة اللّه , و ربما خاضوا في الشهوات الدنيوية ، و قالوا : إنها لا تصدنا عن طريق اللّه ، لقوة نفوسنا وقوة اقدامنا فيها ، و إنما يحتاج العوام إلى تهذيب النفس بالأعمال البدنية ، ونحن مستغنون عنه.
فهؤلاء يرفعون درجتهم عن درجة الأنبياء (عليهم السلام) إذ كانوا يصرحون بأن ارتكاب الأمور المباحة فضلا عن الخطايا و المعاصي يصدهم عن طريق اللّه ، حتى يبكون سنين متوالية على ترك الراجح و فعل المرجوح ، فهم أشد الناس غرورا ، و أعظم الخلق حماقة و جهلا.
و(منهم) من يدعي غاية المعرفة و اليقين ، والوصول إلى درجات المقربين ، و مشاهدة المعبود ومجاورة المقام المحمود ، و الملازمة في عين الشهود ، و تلقف من الطامات كلمات يرددها و يظن أنه يتكلم عن الوحي و يخبر عن السماء.
وينظر إلى العباد و الفقهاء و المحدثين و سائر أصناف العلماء بعين الحقارة و الازدراء ، يقول في العباد : إنهم أجراء مبعوثون ، و في العلماء : أنهم بالحديث عن اللّه لمحجوبون ، و يدعي لنفسه من الكرامات ما لا يدعيه نبي و لا ولي ، و يدعي كونه و أصلا إلى الحق فارغا عن أعباء التكليف ، لا علما أحكم و لا عملا هذب ، لم يعرف من المعارف إلا أسماء يتفوه بها عند الأغنياء للوصول إلى بعض حطامهم الخبيثة ، فهو عند اللّه من الفجار المنافقين ، وعند أرباب القلوب من الحمقى الجاهلين ، مع ظنه أنه من المقربين ، فهو أشد الغافلين المغرورين.
و(منهم) ملامية يرتكبون قبائح الاعمال و شنائع الافعال الموجبة للبعد عن طريق المروة ، ظنا منهم أن هذا موجب لكسر النفس و إزالة ذمائم الأخلاق ، و لم يعلموا ان هذه الافعال من الذمائم و قد نهى صاحب الشرع عنه.
و(منهم) من اشتغل بالرياضة و المجاهدة ، و قطع بعض المنازل ، و وصل إلى بعض المقامات على قدر سعيه و مجاهدته ، إلا أنه لم يتم سلوكه و انقطع عن سائر المقامات ، اما لاعتراض مفسد في اثناء السلوك ، أو لوقوعه في الاثناء ظنا منه انه وصل إلى اللّه و لم يصل بعد ، فان للّه سبعين حجابا من نور، و لا يصل السالك إلى حجاب من تلك الحجب في الطريق الا و يظن انه قد وصل ، و إليه الإشارة في حكاية الخليل ، حيث رأى أولا كوكبا ، فقال : «هذا ربي» ، ثم انتقل إلى القمر، ثم عنه إلى الشمس ، فانه ليس المراد بالكوكب و القمر و الشمس هذه الاجسام المضيئة ، فان شأن مثل الخليل أعظم من أن يظن كونها آلهة ، بل هذا ينافي شأنه و رتبته فالمراد بها الأنوار التي هي من حجب اللّه ، و يراها السالك في الطريق ، و لا يتصور الوصول إلى اللّه الا بالوصول إلى هذه الحجب ، و هي حجب من النور بعضها أعظم من بعض فاستعير لفظ الكواكب لصغره لاقل مراتبها ، و القمر لاوسطها ، و الشمس لاعظم مراتبها ، و الخليل (عليه السلام) لم يزل عند سيره في الملكوت يصل الى نور بعد نور، و يتخيل إليه في أول ما يلقاه أنه قد وصل ، ثم انكشف له أن وراءه امر، فيترقى إليه حتى وصل إلى الحجاب الاقرب فقال : هذا أكبر، فلما ظهر أنه مع عظمته غير خال عن الهوى في حضيض النقص و الانحطاط عن ذروة الكمال ، قال تعالى : {لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} [الأنعام : 76] , { إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام : 79].
فسالك هذا الطريق قد يغتر في الوقوف على بعض هذه الحجب ، و ربما يغتر بالحجاب الأول وأول الحجاب بين اللّه و بين العبد هو قلبه ، فانه أمر رباني و نور من أنوار اللّه تتجلى فيه حقيقة الحق كله ، حتى يتسع لجملة العالم و يحيط به و تنجلى فيه صورة الكل ، و عند ذلك يشرق نوره اشراقا عظيما ، اذ يظهر فيه الوجود كله على ما هو عليه ، و هو في أول الامر كان محجوبا ، فإذا تجلى نوره و انكشف فيه جماله بعد اشراق نور اللّه تعالى ربما التفت صاحب القلب إلى القلب ، فيرى من جماله الفائق ما يدهشه ، فربما يسبق لسانه في هذه الدهشة فيقول : انا الحق! فان لم يتضح له ما وراء ذلك ، اغتر به ، و وقف عليه و هلك ، و كان قد اغتر بكوكب صغير من أنوار الحضرة الآلهية ، و لم يصل بعد إلى القمر، فضلا عن الشمس فهو مغرور.
وهذا محل الالتباس ، اذ المتجلى يلتبس بالمتجلى فيه ، كما يلتبس لون ما يتراءى في المرآة فيظن أنه لون المرآة ، و كما يلتبس ما في الزجاج بالزجاج فيظن أنه لون الزجاج ، كما قيل :
رق الزجاج و رقت الخمر فتشابها و تشاكل الامر
فكأنما خمر و لا قدح وكأنما قدح و لا خمر
وبهذه العين نظر النصارى إلى المسيح ، فرأوا اشراق نور اللّه قد تلألأ فيه ، فغلطوا فيه ، كمن يرى كوكبا في مرآة أو في ماء ، فيظن أن الكوكب في المرآة أو في الماء ، فيمد اليد إليه ، فهو مغرور , و أنواع الغرور في طريق السلوك إلى اللّه كثيرة لا تخفى على أرباب البصيرة.
ثم أكثر المتلبسين بلباس العارفين - مع كذبهم فيما يدعونه ، و نقصانهم في طريق السلوك ، و جهلهم بحقيقة الأمر، و عدم قطعهم جل المقامات - يتشبهون بالصادقين من العرفاء في زيهم و هيئتهم و آدابهم و مراسمهم و الفاظهم ، ظانين أنهم بهذا التشبه يصلون إلى مراتبهم ، فهيهات هيهات! إن الوصول الى درجة كل أحد إنما تحصل بالاتصاف بأوصافه الباطنة والتخلق باخلاقه النفسية ، دون التشبه به في حالاته الظاهرة ، و قد شبههم بعض الأكابر بامرأة عجوز سمعت أن الشجعان من المقاتلين تثبت أسماؤهم في الديوان و يقطع لكل واحد منهم قطر من أقطار المملكة ، فتاقت نفسها إلى أن تكون مثلهم ، فلبست درعا ، و وضعت على رأسها مغفرا وتعلمت من رجز الأبطال أبياتا ، و تعلمت كيفية جولانهم في الميدان ، و تلقفت جميع شمائلهم في الزي و المنطق و الحركات و السكنات ، وتوجهت إلى المعسكر ليثبت اسمها في ديوان الشجعان ، فلما وصلت إليه ، أنفذت إلى ديوان العرض ، وأمرت بأن تجرد عن المغفر و الدرع وينظر إلى حقيقتها ، و تمتحن بالمبارزة مع بعض الشجعان ليعرف قدر شجاعتها ، فلما جردت فإذا هي عجوز ذات منة ضعيفة لا تقدر على شيء ، فقيل لها : أجئت للاستهزاء بالملك وأهل حضرته؟ , خذوها و القوها قدام الفيل ، فداسها و نحتها.
فهكذا يكون حال المدعين للتصوف و العرفان في القيامة ، اذا كشف عنهم الغطاء وعرضوا إلى القاضي الحق الذي لا ينظر الى الزي و اللباس بل إلى سر القلب و صفاته.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|