المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8091 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01
المختلعة كيف يكون خلعها ؟
2024-11-01
المحكم والمتشابه
2024-11-01



قاعدة « حرمة إهانة حرمات الله والاستخفاف بها »  
  
1766   11:21 صباحاً   التاريخ: 20-9-2016
المؤلف : آية الله العظمى السيد محمد حسن البجنوردي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج5 ص293 -304 .
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / قواعد فقهية متفرقة /

ومن جملة القواعد الفقهيّة « حرمة إهانة حرمات الله والاستخفاف بها ».

وفيها جهات من البحث :  

[ الجهة ] الأولى

في بيان المراد من هذه القاعدة‌ :

فنقول : أمّا « الحرمة » فمعلومة عند كلّ أحد ، وأنّها أحد الأحكام الخمسة التكليفيّة ، وهو طلب ترك الشي‌ء وعدم رضاه بفعله بحيث يلزم عليه الترك ولو فعل كان عاصيا يستحقّ العقاب عليه.

وأمّا « الإهانة » فهي مصدر باب الإفعال ، والفعل : أهان يهين ، والمراد به الاستخفاف والاستحقار ، فأهانه أي : استخفّ به وحقّره وعدّه ذليلا.

وأمّا « الحرمات » فقال في القاموس : إنّ الحرمة بضمّتين وكهمزة : ما لا يحلّ انتهاكه (1). وذكر الزمخشريّ أيضا كذلك في الكشّاف (2) قوله تعالى {حُرُمَاتِ اللَّهِ} [الحج: 30] .

والمراد هاهنا في هذه القاعدة مطلق ما هو محترم في الدين وله شأن عند الله على اختلاف مراتبها ، كالكعبة المعظّمة ، ومسجد الحرام وسائر المساجد ، والقرآن ، والنبي صلى الله عليه واله والأئمّة المعصومين عليهم السلام ، والضرائح المقدّسة ، وقبور الشهداء والصالحين والعلماء والفقهاء العاملين أحياء وأمواتا ، وكتب الأحاديث النبويّة المرويّة من طرق أهل البيت أو من طرق غيرهم من الصحابة الأخيار ، إلى غير ذلك من ذوي الشؤون في الدين وشريعة سيّد المرسلين.  

ومن هذا القبيل التربة الحسينيّة وكتب الأدعية والمنابر في المساجد الموضوعة للوعظ أو للخطبة لصلاة الجمعة.

والحاصل : أنّ مفاد هذه القاعدة والمراد منها أنّ كلّ ما هو من حرمات الله وله شأن في الدين لا يجوز هتكه ، ويحرم استحقاره وإهانته.

[ الجهة ] الثانية

في الدليل على هذه القاعدة‌ :

فنقول : الدليل عليه من وجوه :

الأوّل : الإجماع‌ على حرمة هتك ما هو من حرمات الله وشعائر الدين ، فإنّهم ادّعوا الإجماع على حرمة تنجيس المساجد ، وإدخال النجاسة المسرية فيها معلّلا بأنّها مستلزم لهتكها ، فكأنّهم جعلوا حرمة الهتك أمرا مفروغا عنه ، وأيضا قالوا بجواز إدخال النجاسة غير المسرية فيها ما لم يستلزم هتكها فكأنّ حرمة ما يستلزم الهتك أمر مسلّم عندهم ، ومن المعلوم أنّ اتّفاقهم على حرمة الهتك ليس لخصوصيّة في المساجد ، بل تكون لأجل أنّها من حرمات الدين وشعائره ؛ وذلك لأنّ ما هو من حرمات الله وشعائره تعالى هتكه يؤول إلى هتك حرمة الله عزّ وجلّ ، وهذا شي‌ء ينكره العقل ويقبّحه ، كما سنذكره في الدليل العقلي إن شاء الله.

وأمّا كون شعائر الله عبارة عن مناسك الحجّ ، أو خصوص الهدى ، أو خصوص البدن ، وهكذا بالنسبة إلى حرمات الله كونها عبارة عن خصوص مناسك الحجّ فواضح البطلان ؛ لأنّ إطلاقها في القرآن الكريم على تلك الأمور من باب إطلاق‌ الكلّي على بعض المصاديق وليس من المجاز ، لما تحقّق في محلّه أنّه من باب تعدّد الدالّ والمدلول ؛ لأنّ الخصوصيّة تستفاد من دالّ آخر ، وما ذكره اللغويّون وبعض المفسّرين لهذين اللفظين ـ « حرمات الله ، شعائر الله » ـ فهو من باب اشتباه المفهوم بالمصداق.

فكلّ ما هو محترم عند الله ومن علائم الدين فهو من حرمات الله ومن شعائره عزّ وجلّ.

ويؤيّد ما ذكرنا ما قاله الزمخشري في تفسير {حُرُمَاتِ اللَّهِ} [الحج: 30] أنّها ما لا يحلّ هتكه ، فلوضوح ثبوت هذا الأثر لها عرّفوها به ، وكذلك اتّفقوا على أنّ هتك المؤمن حرام حيّا وميّتا ، وكذلك اتّفقوا على حرمة هتك المشاهد المشرّفة والضرائح المقدّسة.

وخلاصة الكلام : أنّه لا يمكن إنكار وجود الإجماع والاتّفاق على عدم جواز هتك ما هو من المحترمات في الدين ، بل ربما عدّ بعضهم هذا من ضروريات الدين ، والفقيه المتتبّع يجد هذا الاتّفاق في موارد كثيرة من صغريات هذه القاعدة من غير نكير من أحد ، نعم اختلفوا في وجوب تعظيم هذه الأمور ، وسنذكره إن شاء الله تعالى.

الثاني : ارتكاز ذهن المتشرّعة‌ قاطبة ـ حتّى النساء والصبيان ـ على عدم جواز هتك حرمة هذه الأمور وإهانتها واستحقارها ، ويعترضون على من يهينها ويستحقرها وينكرونها أشدّ الإنكار ، وإن كان بعضهم يفرّطون في هذا الأمر ، ولا شكّ في أنّه لو شرب أحد سيكارة أو شطبا في حرم أحد أولاد الأئمّة : ينكرون عليه أشدّ الإنكار ، أو يدخل في حرمهم لابسا حذائه يصيحون عليه ، وأمثال ذلك.

فالإنصاف أنّه لا يمكن أن ينكر ثبوت مثل هذا الارتكاز في أذهان المتشرّعة ، ولا يمكن أيضا إنكار أنّ هذا الارتكاز كاشف عن ثبوت هذا الحكم في الشريعة.

نعم تختلف مراتب إنكارهم بالنسبة إلى هذه الأمور ؛ فلو أهان شخص ـ العياذ بالله ـ بالكعبة المعظّمة ، أو ضريح الرسول صلى الله عليه واله ، أو القرآن الكريم ، فإنكارهم ربما‌ ينجرّ إلى قتله ، كما هو كذلك الحكم الوارد في الشرع بالنسبة إلى تلويث الكعبة المعظّمة ، بل القرآن الكريم وضريح الرسول صلى الله عليه واله ؛ لأنّه كاشف قطعيّ عن كفره أو ارتداده إن كان مسلما. أمّا لو أهان نعمة من نعم الله ، كما لو سحق الخبز برجله متعمّدا من غير عذر ولا ضرورة ، ينكرون بالصيحة في وجهه لا أزيد من ذلك.

والحاصل : أنّ أصل الإنكار بالنسبة إلى إهانة المحترمات في الدين من مرتكزاتهم ، وإن كانت مراتبه مختلفة بالنسبة إلى مراتب المحترمات ، نعم العوام كثيرا ما يشتبهون في تشخيص مراتب المحترمات كما هو شأنهم في كثير من الأمور.

الثالث : حكم العقل بقبح إهانة ما هو محترم عند المولى ، واستحقار ما هو معظّم عنده ، ويرجع استحقار ما هو محترم عنده ومعظّم لديه إلى الاستخفاف بالمولى ، فيستحقّ الذمّ والعقاب ، واستحقاق الذمّ والعقاب من اللوازم التي لا ينفكّ عن فعل الحرام أو ترك الواجب الذي هو أيضا حرام ، فكلّ فعل كان موجبا لاستحقاق العقاب فلا محالة يستكشف منه أنّه حرام ، وذلك ببرهان الإنّ ، أي استكشاف العلّة من وجود المعلول والملزوم عن اللازم ، وإن شئت قلت : إذا حكم العقل بقبح شي‌ء فيستكشف عنه حرمة ذلك الشي‌ء بقاعدة الملازمة.

ثمَّ إنّ الإهانة واستحقار المحترمات والحرمات والشعائر والمشاعر تارة لا يتحقّق إلاّ بالقصد ، فهي في هذا القسم من العناوين القصديّة ، كالتعظيم الذي هو ضدّه ، فكما أنّ القيام لا يكون تعظيما ومن مصاديقه إلاّ بذلك القصد ، وإلاّ لو كان لجهة أخرى أو للاستهزاء بمن يقوم له لا يصدق عليه أنّه تعظيم ، فكذلك الأمر في الإهانة والاستحقار لا يصدق على الفعل القابل لذلك كمدّ الرجل إلى أحد هذه الأمور المحترمة ، أو وضعها عليه ، أو حرقها ، أو سحقها إلاّ أن يكون بقصد الإهانة والاستحقار. وأخرى تكون بنفسه إهانة ولو لم يقصد ، كما أنّ في التعظيم أيضا يمكن أن يقال : إنّ السجود لشخص أيضا تعظيم له قصده أو لم يقصد.

نعم هذا فيما لا يكون قصد آخر منافيا للتعظيم ، مثل أن يكون قاصدا لاستهزائه بذلك السجود ، فكذلك الأمر في الإهانة ، فربما يكون نفس الفعل إهانة ، قصدها أو لم يقصد.

نعم لا بدّ وأن لا يقصد عنوانا آخر منافيا للإهانة ، كما أنّه حكى أنّ بعضهم أدخل عورته في بعض الضرائح المقدّسة استشفاء وطلبا للولادة ، فإنّ هذا الفعل القبيح إهانة لو لم يقصد شي‌ء أصلا ، لا الإهانة ولا غيرها ، وأمّا لو كان طلبا للأولاد وكان صادرا عن العوام ، فهذا القصد مناف لكونه إهانة ، نعم لو لم يقصد شي‌ء أصلا كان إهانة بنفسه من دون الاحتياج إلى قصدها.

وربما يكون بعض الأفعال إهانة وإن قصد ما ينافيها بنظره ، بمعنى أنّ كونه إهانة لا تنفكّ عنه ، مثل الإيلام الذي لا ينفكّ عن الضرب الشديد بأيّ قصد كان ذلك الضرب.

الرابع : الآيات والأخبار.

أمّا الآيات :

منها : ما نزلت في تعظيم حرمات الله كقوله تعالى {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: 30] .‌

ومنها : ما نزلت في تعظيم شعائر الله كقوله تعالى {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] .

وتقريب الاستدلال بهذه الآيات ـ بعد البناء على أنّ المراد من حرمات الله وشعائر الله مطلق ما هو محترم في الدين ، وتطبيقها على مناسك الحجّ ومشاعره من باب تطبيق الكلّي على بعض مصاديقه كما أشرنا إلى ذلك ـ هو أنّه إذا كان مفاد هذه‌ الآيات وجوب تعظيم المحترمات في الدين فتدلّ على حرمة إهانتها بالأولويّة.

وذلك من جهة أنّ الأمر بالشي‌ء بناء على أنّه يدلّ على النهي عن ضدّه العامّ كما هو المشهور ـ وإن كان لنا فيه كلام ذكرناه في كتابنا « منتهي الأصول » (3) في مبحث الضدّ ـ فيكون ترك التعظيم حراما.

فإن قلنا : إنّ التقابل بين الإهانة والتعظيم تقابل العدم والملكة ، والإهانة عبارة من عدم التعظيم فتكون حراما وذلك واضح ، وأمّا إن قلنا إنّهما ضدّان لأنّ الإهانة أيضا أمر وجوديّ كالتعظيم ، فإن قلنا أنّه لا ثالث لهما فتكون أيضا لا تنفكّ عمّا هو حرام، وهو ترك التعظيم لما فرضنا أنّهما من الضدّين اللذين لا ثالث لهما.  

وأمّا إن قلنا بوجود الواسطة بينهما ، فربما يقال بأنّه بناء على هذا لا ملازمة بين ترك التعظيم وتحقيق الإهانة ؛ إذ بناء على هذا يمكن أن لا يكون تعظيم ولا إهانة في البين.

ولكن فيه : أنّه على تقدير القول بوجود الواسطة ـ كما هو الصحيح ـ يكون ترك التعظيم أعمّ ؛ إذ يمكن تحقّق ترك التعظيم بدون تحقّق الإهانة ، ولا يمكن تحقّق الإهانة بدون ترك التعظيم ، وإلاّ يلزم اجتماع الضدّين وارتفاع النقيضين ، وكلاهما محال ، فدائما تكون الإهانة مقرونة مع ترك التعظيم الذي هو حرام.

والجواب الصحيح عن هذا الدليل : أنّ هذه الآيات لا ظهور لها في وجوب التعظيم ، وأمّا قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ } [المائدة: 2] إلى آخر الآية وإن كان النهي ظاهرا في التحريم كما قرّر في الأصول ، ولكن ليس المراد من إحلال شعائر الله هو إهانة ما هو محترم في الدين كي يكون دليلا على حرمة مطلق إهانة المحترمات ، بل الظاهر منها بقرينة فقرات البعد هي حرمة ترك فرائض الحجّ ومناسكه ، وأيضا حرمة عدم الاعتناء بالشهر الحرام أو‌ القتال فيه إلى آخر الفقرات.

قال الأردبيلي في آيات أحكامه في مقام شرح هذه الآية : أي : لا تجعلوا محرّمات الله حلالا ومباحا ، ولا بالعكس يعنى لا تتعدّوا حدود الله (4).

ومورد نزول الآية أيضا يدلّ على أنّ المراد بإحلال الشعائر القتال والنهب والغارة في الشهر الحرام ، وهو أنّ الحطم بن هند البكري أحد بنى ربيعة أتى النبيّ صلى الله عليه واله وحده ، وخلف خيله خارج المدينة ، فقال : إلى ما تدعو؟ وقد قال النبيّ صلى الله عليه واله لأصحابه : « يدخل عليكم اليوم رجل من بنى ربيعة يتكلّم بلسان شيطان » فلمّا أجابه النبيّ صلى الله عليه واله قال : أنظرني لعلّي أسلم ولي من أشاوره ، فخرج من عنده فقال رسول الله صلى الله عليه واله : « لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقب غادر » فمرّ بسرح من سروح المدينة فساقه وانطلق به ويرتجز إلى آخر رجزه.

ثمَّ أقبل من عام قابل حاجّا قلّد هديا ، فأراد رسول الله أن يبعث إليه ، فنزلت هذه الآية ومنع الله تعالى رسوله عن القتال ، وأخذ الهدي ، وهذا قول عكرمة وابن جريح في بيان شأن نزول الآية.

وقال ابن زيد : نزلت يوم الفتح في ناس يؤمّون البيت من المشركين يهلّون بعمرة ، فقال المسلمون : يا رسول الله إنّ هؤلاء مشركون مثل هؤلاء ، دعنا نغير عليهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، أي منعهم عن الإغارة عليهم (5) ‌.

وعلى كلّ حال يكون المورد أيضا قرينة أخرى على أنّ المراد بالشعائر في هذه الآية مناسك الحجّ ، لا مطلق المحترمات في الدين ، فلا دلالة في هذه الآية على حرمة إهانة مطلق ما هو محترم في الدين.

وأمّا الأخبار : فما وجدنا رواية معتبرة‌ تدلّ على حرمة إهانة ما هو محترم في‌ الدين بهذا العنوان العامّ ، نعم وردت روايات كثيرة تدلّ على حرمة إهانة بعض صغريات هذه القاعدة ، كما أنّه في خصوص إهانة المؤمن وردت روايات تدلّ على حرمة إهانته حرمة مؤكّدة ، ففي التهذيب : « من أهان لي وليّا فقد بارزني بالمحاربة » (6) وأيضا « من أهان لي وليّا فقد أرصدني لمحاربتي » (7).

نعم في الكافي عن ابن عمّار قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : « إذا رميت الجمرة فاشتر هديك إنّ كان من البدن أو من البقرة ، وإلاّ فاجعل كبشا سمينا فحلا ، وإن لم تجد فما وجد من الضأن ، فان لم تجد فما تيسّر عليك ، وعظّم شعائر الله » (8) ، فإنّ الأمر بالتعظيم ظاهر في وجوبه ، فإذا كان واجبا يكون تركه حراما ؛ لما ذكرنا أنّ الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضدّه العامّ.  

وقد بيّنّا أنّ الإهانة لا تنفكّ عن ترك التعظيم ، فتكون ملازما مع ما هو حرام.

وفيه : أوّلا : على فرض كونها لا تنفكّ عن الحرام لا يلزم أن تكون حراما ؛ لأنّه لا يلزم أن يكون المتلازمان في الوجود متّحدين في الحكم ، نعم لا يمكن أن يكون أحدهما واجبا والآخر حراما على تفصيل مذكور في محلّه.

وثانيا : أنّ الأمر بالتعظيم هاهنا ظاهر في الاستحباب لا في الوجوب ؛ وذلك من جهة أنّه لو كان المراد من الشعائر هي المحترمات في الدين ، فمن المعلوم عدم وجوب التعظيم في كثير منها. اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ المراد بالتعظيم هي المعاملة اللائقة بها معها وعدم إزالتها عن مقامها ، وبهذا المعنى يمكن الالتزام بوجوبها في جميع الموارد وبعدم‌ ورود التخصيص عليها.

الجهة الثالثة

في موارد تطبيق هذه القاعدة‌ :

وهي كثيرة منتشرة في أبواب الفقه.

فمنها : إهانة الكعبة المعظّمة زادها الله شرفا بتلويثها ـ العياذ بالله ـ بإحدى النجاسات العينيّة عمدا عن اختيار بلا كره ولا إجبار ولا مرض ولا اضطرار ، ولا يبعد أن يكون هذا العمل كفرا وإنكارا لله الواحد القهّار.

وقد ورد عنهم : أنّه يقتل كما في رواية أبي الصباح الكناني قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أيّهما أفضل الإيمان أو الإسلام؟ إلى أن قال : فقال : « الإيمان ». قال : قلت : فأوجدني ذلك ، قال : « ما تقول فيمن أحدث في المسجد الحرام متعمّدا؟ » قال : قلت : يضرب ضربا شديدا ، قال : « أصبت » قال عليه السلام : « فما تقول فيمن أحدث في الكعبة متعمّدا؟» قلت : يقتل. قال : أصبت ألا ترى أنّ الكعبة أفضل من المسجد » الحديث (9) ‌.

ومنها : إهانة رسول الله صلى الله عليه واله أو القرآن ، كما ورد أنّ من شتم النبيّ صلى الله عليه واله يقتل فيما رواه هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه سئل عن شتم رسول الله صلى الله عليه واله فقال عليه السلام : « يقتله الأدنى فالأدنى قبل أن يرفع إلى الإمام » (10).

ومنها : قوله بما لا يليق وسوء الأدب مع الله تعالى جلّ جلاله ، وأن يسأل بوجه الله. ففي رواية عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام  قال : « جاء رجل إلى‌ النبيّ صلى الله عليه واله فقال : يا رسول الله صلى الله عليه واله إنّي سألت رجلا بوجه الله فضربني خمسة أسواط ، فضربه النبيّ صلى الله عليه واله خمسة أسواط أخرى وقال صلى الله عليه واله : « سل بوجهك اللئيم » (11).

ومنها : إهانة المسجد بأن يجعله القاصّ محلاّ لبيان قصّته ، ففي رواية هشام بن سالم عن أبي عبد الله ر : « إنّ أمير المؤمنين عليه السلام رأى قاصّا في المسجد ، فضربه بالدّرة وطرده » (12).

ومنها : الإهانة بأموات المؤمنين ، ففي رواية صفوان. قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : « أبى الله أن يظنّ بالمؤمن إلاّ خيرا ، وكسرك عظامه حيّا وميّتا سواء » (13).

وأيضا عنه ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، عن رجل كسر عظم ميّت ، فقال : « حرمته ميّتا أعظم من حرمته وهو حيّ » (14).

وروايات أخر ذكرها في الوسائل التي بهذا المضمون في نفس هذا الباب الذي عقده لاحترام ميّت المؤمن ، وأنّ حرمة حيّه وميّته سواء.

ومنها : إهانة مكّة المكرّمة قولا أو فعلا. وروى الكليني رواية مفصّلة قال : وروي أنّ معد بن عدنان خاف أن يدرس الحرم فوضع أنصابه ، وكان أوّل من وضعها ثمَّ غلبت جرهم على ولاية البيت ، فكان يلي منهم كابر عن كابر حتّى بغت‌

جرهم بمكّة واستحلّوا حرمتها ، وأكلوا مال الكعبة ، وظلموا من دخل مكّة وعتوا وبغوا ، وكانت مكّة في الجاهليّة لا يظلم ولا يبقى فيها ولا يستحلّ حرمتها ملك إلاّ هلك مكانه ، الحديث (15) ‌.

وخلاصة الكلام : أنّ من راجع الأخبار الواردة في حرمة إهانة المؤمن والاستخفاف به وكذلك الأخبار الواردة في عدم جواز الاستخفاف بالقرآن والكعبة والمسجد الحرام ومسجد النبيّ وضريحه المقدس وذاته الأقدس والمشاعر العظام المذكورة في كتاب الحجّ ، والأخبار الواردة في التربة الحسينيّة وغيرها من المحترمات ، يقطع بأنّ إهانة ما هو محترم وله مرتبة وشرف في الدين حرام ، بل تعظيمها بمعنى حفظ مرتبتها واجب.

والحمد لله أوّلاً وآخراً ، وظاهراً وباطناً.

______________

(1) « القاموس المحيط » ج 4 ، ص 96 ( حرم ).

(2) « الكشّاف » ج 3 ، ص 154.

(3) « منتهى الأصول » ج 1 ، ص 301.

(4) « زبدة البيان في أحكام القرآن » ص 295.

(5) « مجمع البيان » ج 2 ، ص 153.

(6) وجدناه في « الكافي » ج 1 ، ص 144 ، باب النوادر من كتاب التوحيد ، ح 6 ؛ وج 2 ، ص 352 ، باب من أذى المسلمين واحتقرهم ، ح 1 ؛ « وسائل الشيعة » ج 8 ، ص 588 ، أبواب أحكام العشرة ، باب 146 ، ح 1.

(7) وجدناه في « الكافي » ج 2 ، ص 351 ، باب من أذى المسلمين واحتقرهم ، ح 3 ، 5 و7 ؛ « وسائل الشيعة » ج 8 ، ص 588 ، أبواب أحكام العشرة ، باب 146 ، ح 2. ونص الحديث هكذا : « من أهان لي وليّا فقد أرصد لمحاربتي ».

(8) « الكافي » ج 4 ، ص 491 ، باب ما يستحب من الهدى وما يجوزونه وما لا يجوز ، ح 14 ؛ « وسائل الشيعة » ج 10 ، ص 98 ، أبواب الذبح ، باب 8 ، ح 4.

(9) « الكافي » ج 2 ، ص 26 ، باب ان الايمان يشرك الإسلام ... ، ح 4 ؛ « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 579 ، أبواب بقيّة الحدود والتعزيرات ، باب 6 ، ح 1.

(10) « الكافي » ج 7 ، ص 259 ، باب حدّ المرتد ، ح 21 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 10 ، ص 141 ، ح 560 ، باب حدّ المرتد والمرتدّة ، ح 21 ؛ « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 554 ، أبواب حدّ المرتدّ ، باب 7 ، ح 1.

(11) « الكافي » ج 7 ، ص 263 ، باب النوادر من كتاب الحدود ، ح 18 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 10 ، ص 149 ، ح 594 ، باب من الزيادات ، ح 25 ؛ « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 577 ، أبواب بقيّة الحدود والتعزيرات ، باب 2 ، ح 1.

(12) « الكافي » ج 7 ، ص 263 ، باب النوادر من كتاب الحدود ، ح 20 ؛ « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 578 ، أبواب بقيّة الحدود والتعزيرات ، باب 4 ، ح 1.

(13) « تهذيب الأحكام » ج 10 ، ص 272 ، ح 1067 ، باب دية الأعور ولسان الأخرس ... ، ح 12 ؛ « الاستبصار » ج 4 ، ص 297 ، ح 1115 ، باب دية من قطع رأس الميّت ، ح 3 ؛ « وسائل الشيعة » ج 19 ، ص 251 ، أبواب ديات الأعضاء ، باب 25 ، ح 4.

(14) « تهذيب الأحكام » ج 10 ، ص 272 ، ح 1068 ، باب دية الأعور ولسان الأخرس ... ، ح 13 ؛ « الاستبصار » ج 4 ، ص 297 ، ح 1116 ، باب دية من قطع رأس الميّت ، ح 4 ؛ « وسائل الشيعة » ج 19 ، ص 251 ، أبواب ديات الأعضاء ، باب 25 ، ح 5.

(15) « الكافي » ج 4 ، ص 211 ، باب حجّ إبراهيم وإسماعيل وبنائهما البيت ، ح 18.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.